Ad

لم يكن العبيد ضعيفي الإرادة، منساقين إلى بلاد العالم الجديد طوعًا بل كراهة ومقاومة منذ البداية. فقد خلق البشر أحرارًا منذ أن خرجوا من بطون أمهاتهم، وتلك الحقيقة لن تتغير مهما تغيرت الظروف المحيطة. فالأصل أن يعود الإنسان إلى طبيعته، وطبيعة الإنسان هي الحرية لا العبودية لمخلوقٍ أو لعرق. وبالرغم من توارث العبودية جيلًا بعد جيل، إلا أن حلم التحرر لم يفارق أذهان العبيد قط. حتى بعد أن اعتادوا على العبودية، وما قرّب إليها من قولٍ وعمل. ولكن كيف عامل الأسياد العبيد سابقًا، وما هي الطرق التي اتبعها العبيد من أجل المقاومة؟

كيف عامل الأسياد العبيد؟


كان العالم الجديد يعتمد بشكلٍ كبير على الزراعة في اقتصاده، ولحاجته للعمالة الوافرة والقوية والرخيصة، لجِئ لاستيراد العبيد. كان العبيد ملكًا لأسيادهم، فلا حقوق لهم، حتى أنهم حرموا من الراحة لتبقى عجلة الإنتاج مستمرة. مما أدى إلى وفاة العديد إجهادًا، بل وكانت أعمارهم قصيرة لذلك. كان الضرب بالسوط أمرًا عاديًّا بين العبيد، حتى أن السوط حفر على أجسادهم خطوط الألم والانكسار.
لم يكن العبد على دراية بالمكان الذي سيذهب للعمل فيه، بل كان يكبل بالحديد في يديه ورجليه طوال رحلته القسرية. كانت رائحة السفن كريهة للغاية ولا يسمع فيها صوتٌ إلا البكاء. كان ذلك نتيجة تكدس العبيد في السفن ليتم نقل أكبر عدد ممكن من البضائع البشرية في حمولة واحدة.
اعتمدت جزر الكاريبي والأمريكتين على زراعة قصب السكر، وكان كل من يعمل بها معرضا للتشوه والإصابة بالحروق. فكان متوسط عمر العبد في ذلك العمل 7 سنوات فقط، ولم تكن تلك بالمعضلة بالنسبة لملاك تلك الأراضي. فقد كانت السفن المحملة بالعبيد تصل في وقتها، ليحل العبيد الجدد مكان أولئك الذين ماتوا. حتى أن الشاعر البريطاني وليام كوبر قد كتب عن تلك الحادثة “أن ما يحدث للعبيد يحزنه، ولكن كيف للعالم أن يقوم بالاستغناء عن تحلية القهوة والشاي!”.
كان العبيد لا يقرأون ولا يكتبون، فقد حرموا من حقهم في التعلم. وكانت تلك خطة ممنهجة للتعتيم على عقولهم خشية المطالبة بحقوقهم. ولم يكن للعبيد الحق في اتخاذ دين أو أسرة للانتماء إليها، فالعبد مملوكٌ لصاحبه يفعل به ما يشاء. كما أن السيدات منهم كنّ مستباحات لأسيادهن، مما أدى إلى اغتصابهن مرارًا وتكرارًا، وما كان ينتج عن ذلك من أطفالٍ، هم عبيد، لأن العبودية تورث من الأم.
كان هناك تسلسلٌ هرمي للعبيد، حيث كان أصحاب الحرف على قمته، ومن لا قيمة له إلا جسده كان في أسفل الهرم. ساعد ذلك التسلسل في نشأة الحقد والخصومة فيما بين العبيد، ليضمن أسيادهم ألا يتحدوا أبدًا.

ما هي الأساليب التي اتبعها العبيد من أجل المقاومة؟


كان العبيد متمردين منذ البداية، حتى قبل أن يتم بيعهم للسفن البرتغالية. كان بيع الأسرى يتم عادة من العبيد الذين أسروا من قبل القبيلة الأقوى. وببسبب محاولتهم الهروب كبلوا بالحديد، حتى أنهم كانوا ينزفون نتيجة محاولتهم سلّ أيديهم وأرجلهم من تلك الأغلال.
اضطر أصحاب السفن لإضافة الشباك العالية لتصميم السفن، منعا للعبيد من الهرب قفزًا في المحيط. فقد فضّل العبيد الانتحار غرقًا على أن يكملوا الرحلة إلى بلاد العالم الجديد بعدما شهدوا من تعذيبٍ قبل وصولهم. حتى أن سفينة من بين كل عشر سفن محملة بالعبيد كانت تشهد مقاومة وتمردًا، ومحاولات عديدة للاحتجاج، حتى وصل بهم الحال لمحاولات انتحار كانت تفشل عادة.
اضطر أصحاب تجارة العبيد لاستعمال أداة حديدية تعمل على فتح فم الشخص رغمًا عنه، ليقوموا بإطعام العبد خشية موته قبل التسليم. فقد كان العبيد يحتجون على متن تلك السفن برفضهم للطعام المقدم لهم، وكانوا يشجعون بعضهم البعض على الإضراب عن الطعام، فإما الموت أو الحرية.

تمرد ستونو


خلال 246 عامًا من الاستعباد، تكررت الثورات المنددة بأحقية السود في التحرر والمساواة بينهم وبين البيض. وكان من أشهر تلك الثورات والتمردات ما حدث في عام 1739م، وهو ما سمي بتمرد ستونو. بدأ التمرد بعد أن قتل إثنين من أصحاب المتاجر البيض، وصودرت أسلحتهم من قبل مجموعة من السود بقيادة شخصٍ يدعى جيمي. وتجمع تحت رايته العديد من الأفارقة الذين سمعوا بفعلته في مستعمرة ساوث كارولينا.
ناشد أعضاء التمرد مجتمع العبيد بالانضمام إليهم، في مسيراتٍ من عروض الألوان وقرع الطبول على طول خط نهر ستونو. كانت وجهتهم ومقصدهم هي فلوريدا الإسبانية، للمقاتلة ضد القوات البريطانية أملًا منهم في الحصول على الحرية. شارك في ذلك التمرد حوالي مئة شخصٍ أسود، قتل منهم ما يقارب الأربعين. وتم القبض على العديد من الفاريّن واستجوابهم من قبل السلطات. كما قتل عشرون شخصًا أبيض قد شاركوا في ذلك التمرد.
لم يكن تمرد ستونو بالهيّن على ساوث كارولينا، فقد فرض الحظر على استيراد العبيد في تلك المستعمرة لمدة عشر سنوات. خشية تكرار ما حدث، وأصدر قانون يمنع السود من أي تجمعات. كما تضمن القانون الصادر في عام 1740م حظرًا للتعليم والانتقال خارج المستعمرة بين العبيد.

الكنيسة الأسقفية الميثودية الإفريقية


تمسك العبيد بالإيمان بأن هناك إلها عادلًا، فرض المساواة بين البيض والسود. وكان ذلك أحد أسلحتهم للمقاومة والبقاء على قيد الحياة. ففي عام 1787م انسحب القس ريتشارد ألين من القداس في كنيسة سانت جورج الميثودية الأسقفية في فلاديفيا، احتجاجًا على فصلهم العنصري للبيض عن السود في الصلاة. وكان ذلك بعد أن اشترى ألين حريته. في البداية كان ألين يبشر الجماعات المدمجة، ليجمع بين البيض والسود تحت لواء الكنيسة.
ولكن اتضح بعد ذلك أن الكنيسة لازالت تفصل بين البيض والسود، وأسندوا إليه مهمة تبشير السود فقط. انزعج ألين من كون المكان الأكثر قدسية له على وجه الأرض مازال يمارس عادات الفصل العنصري. لذلك أسس الطائفة الأسقفية الميثودية الإفريقية. وأنشأ كنيسة الأم بيثيل “AME”، وكان هذا بمثابة مجتمع سلمي للسود الأحرار.
لم تكن تلك الكنائس مجرد مكانٍ للعبادة وتلقي التعاليم الدينية فيه، بل كانت ملجأً للسود من مجتمع قاس وعنصري في كافة جوانب الحياة. استطاع السود التجمع وتبادل الأفكار فيما بينهم، كما أتاحت لهم تلك الكنيسة التعلم والتطور الفكري الذي كان قد حظر عليهم. ساعدت تلك الطائفة مجتمع السود في أثناء المراحل الانتقالية لهم من العبودية إلى الحرية. حتى وصل عدد الكنائس التابعة إلى تلك الطائفة حوالي 7000 كنيسة في يومنا الحالي.

المصادر:


1- History
2- NY Times

Yasmin Awad
Author: Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar

Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 35
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *