Ad

يتضح من خلال ملاحظة العصور القديمة أن العبيد كانوا سمة مميزة. إذ وجدوا في صفحات كل حضارة مع اختلافات طفيفة بين كل حضارة وأخرى. تميزت حضارة الرومان عن الحضارة اليونانية مثلًا بتوثيق حياة العبيد بدقة أكبر، في مخطوطاتها ونقوش جدرانها وما خلفت من آثارٍ بعدها. لذلك نستطيع أن نقول أننا ملمين بجزءٍ كبير من حياة عبيد الرومان.

ألهمت الحضارة الرومانية الكتاب والفنانين في أرجاء المعمورة، ليتفننوا في إبداع الأعمال الفنيّة الّتي تبرز مواطن جمال تلك الحضارة. حيث نجد العديد من الأعمال الأدبية والسينمائية التي تتحد عن الغلادياتر مثلًا، الذين هم جزء من التكوين الروماني العريق. فقد كان أغلب الغلادياتر عبيدا، وهذا ما ميز عبيد الرومان فيصفحات تاريخ العبيد.

نظرة مختصرة حول عبيد الرومان

جاء عبيد الإمبراطورية الرومانية من داخل وخارج حدود الإمبراطورية. وقد كان للرومان أسواق لبيع العبيد في أماكن مختلفة من الإمبراطورية، أشهرها سوق كان يقع قرب معبد كاستور، وسوق آخر كان قريبا من الحرم الجامعي مارتيوس في روما وكان أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان. كما قدِم العبيد من خارج حدود الدولة عبر موانئها حيث أحضِروا من سوريا، ومن قاطعتي كابادوكيا ومن فرجيا وهي أقاليم على ساحل الأناضول، التابعة للإمبراطورية الرومانية.

انتشر العبيد في الإمبراطورية الرومانية بشكلٍ كبير، تقدر المصادر نسبتهم بحوالي 10 % إلى 20% من إجمالي سكان الإمبراطورية. وفضَّل الرومان العبيد الأقوياء للعمل، أو المتعلمين كي يساعدوهم في تعليم أبنائهم الفنون والأدب وغيرها من العلوم. وفي أثناء غزو الرومان بريطانيا عام 55 قبل الميلاد، كتب الروماني شيشرون مازحًا، بأنه لا يوجد عبيد متعلمون للأدب والموسيقى يمكن الاستفادة منهم بعد هذا الغزو.

تنوعت أعمال العبيد لدى الرومان، وكان العمل في المناجم والمخاجر أسوأها، وقد وصفهم المؤرخ ديودوروس سيليكوس بأن الموت هو ما يراه في أعينهم لا الحياة. وذلك جراء الظروف القاسية التي يجد العبد نفسه مجبرًا على العمل فيها، بدون راحة. حاول الفلاسفة الرومان حث الملاك على معاملة العبيد بشكلٍ لائق وإنساني، فكتب الفيلسوف سينيكا عن ذلك في ما معناه: يجب معاملة العبيد وأسرى الحرب بالعدل والرحمة، كبشر بمرتبة أدنى، لا كممتلكات تتنقل. فبالرغم من دور العبيد في الحضارة الرومانية إلا أنهم لم يسردوا بين الموظفين في السجلات، بل تحت بند الأدوات والمعدات.

كان العبيد يعانون داخل الإمبراطورية الرومانية، فمثلًا في عصر الإمباراطور نيرون قتل عبدٌ سيّده وكان أحد كبار الشخصيات داخل الإمبراطورية. عوقب ذلك العبد بالإعدام، ليس له وحسب بل لجميع العبيد من أسرته والعاملين عند تلك الشخصية المرموقة. كعقابٍ رادع من وجهة نظر القاضي، لكل عبدٍ قد تسول له نفسه فعلة شنيعة كتلك. [1]

ما هي العلاقة بين العبيد والغلادياتر؟

الغلادياتر هم المصارعين في الحلبات المدرجة في روما، وقد تميزت الإمبراطورية الرومانية بالمصارعة. يقاتل المصارع حيوانات مفترسة، أو مصارعًا آخر مصارعةً قد تصل إلى الموت وسط حضورٍ غفير من الشعب والمراهنين وأصحاب النفوذ داخل الإمبراطورية. يعتقد الرومان أن بداية هذا المشهد كان أحد الطقوس الجنائزية التي قامت بها أسرة الأرستقراطي جونيوس بروتوس بيرا، عام 264 قبل الميلاد تكريمًا له.

لم يدم الوضع كذلك كثيرًا، حيث انفصلت المصارعة عن الطقوس الجنائزية وأصبحت حدثًا يتفاخر فيه أصحاب المال والنفوذ بقوتهم. استثمر أصحاب المال والسلطة في الغلادياتر، حيث قاموا بتغذيتهم وتدريبهم ليصبحوا مصارعين أقوياء يمكنهم تحقيق المكاسب لأسيادهم. عاش المصارعون في ثكنات، ولكل ثكنة ساحة تدريب خاصة. يمكن للجمهور متابعة تدريبات المصارعين من خلال أماكن مخصصة لهم في أماكن التدريب. كانت أساليب القتال مختلفة، فمنهم من يمتطي الفرس، ومنهم من يسير على قدمه بخنجرٍ وشبكة ليلقي بها على خصمه.

امتلأت ساحات القتال بالدماء، لتلبية مطالب الجماهير، وقتل العديد بغير رحمة في تلك النزالات. ركز المقاتلون في ضرباتهم على أماكن الشرايين الرئيسة لإراقة أكبر كمية من الدماء، كما حطموا الجماجم والعظام. وفي حالة قتل المصارع يتقاضى مدربه أضعاف سعره تعويضًا لذلك. ولم تنته تلك النزالات رغم وجود معارضينلها ، وذلك لكونها استثمارًا اقتصاديًا كبيرا، ذو شعبية واسعة بين الرومان. [2]

سبارتاكوس

لم يكن تحرر العبيد من عبوديتهم مسألة سهلة، إذ كان السادة يحفرون مواصفات العبد وصاحبه على حجر ويجعلون العبد يرتديه. وفي حالة هروب العبد من سيده، يسهل على من يجده أن يعيده مرة أخرى. وبالتالي لم يكن الهروب حلًّا للتحرر، وكانت نسبة السادة الذين يحررون عبيدهم من تلقاء أنفسهم ضئيلة للغاية. ولذلك ظهرت بعض التمردات من قبل العبيد، محاولة منهم لأخذ حريتهم بالقوة.

سطع نجم أحد الغلاديتر وقد كان عبدًا يسعى لتحرير نفسه ومساعدة العبيد من حوله، فألهم بشجاعته العديد من الفنانين والأدباء، حتى أصبح أيقونة للتمرد على العبودية. اعتقد المؤرخون أن بداية سبارتاكوس في الإمبراطورية الرومانية هي خدمته في الجيش. فقد بيع سبارتاكوس كعبد، ومن ثم انتقل إلى ثكنات الغلادياتر وتدرب في مدارسهم منذ العام السابع والثلاثين قبل الميلاد. حتى أصبح أحد أشهر مصارعي روما، ولم يدم هذا الوضع لفترة طويلة. حيث قام سبارتاكوس بالهرب، وحث سبعين من الغلادياتر على الهرب معه من معتقل تلك الثكنات.

انتقل الغلادياتر سبارتاكوس مع العبيد الفارين من ثكناتهم، وتوجهوا إلى ملجأ لهم بالقرب من جبل فيزوف. وما لبثت تلك المجموعة الصغيرة حتى تحولت إلى آلاف مؤلفة من العبيد الفارين من جميع أنحاء الإمبراطورية. قدرت أعدادهم بمئة ألف عبد متمرد، تدربوا على القتال بأسلوب حرب العصابات.

نجح جيش المتمردين في اجتياح الإمبراطورية الرومانية وخوض نزالات ضارية، كان الفوز فيها حليفًا لسبارتاكوس، حتى دبّ الرعب في قلوب أباطرة روما. واجه جيش سبارتاكوس الجيش الروماني في عدة نزالات، أودت بحياة سبارتاكوس في النهاية على يد القائد ماركوس ليسينيوس. ولم ينج من جيشه سوى 6000 شخص، تم أسرهم وصلبهم ليكونوا عبرة لغيرهم. وانتهت مسيرة العبد الثائر في عام 71 قبل الميلاد، بعد أن ترك بصمة لا تنسى في تاريخ العبيد كافة، لا عبيد الرومان فقط. [3]

المصادر:

1- The British Museum

2- BBC History

3- National Geographic

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ علم الإنسان

User Avatar

Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 33
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Chaimaebellahsaouia

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق