Ad
هذه المقالة هي الجزء 3 من 13 في سلسلة كيف نشأت الحداثة وغيرت من شكل المعمار في عصرنا؟

تربط الهندسة المعمارية بين الهندسة الإنشائية والفنون، وكثيرًا ما يطلق لقب فنّان على المعماري. فلطالما كان المعماري حالمًا، يبحث دائمًا عن أفكار جديدة. وفي القرن 19، وتحديدًا في بلجيكا، وُلد نمط يعرف باسم « الفن الجديد – art Nouveau ». ويعدُّ محاولة متعمّدة لخلق نمط جديد خالٍ من التقليد التاريخي الذي كان قد هيمن على الكثير من الفنون والتصميم. فكيف أعاد الفن الجديد art Nouveau تقييم الجمال في العمارة؟

نشأة أسلوب الفن الجديد art Nouveau

نشأ الفن الجديد art Nouveau وازدهر بشكل كبير بين 1890-1910 م في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا. ويتميّز الفن الجديد باستخدام خط عضوي طويل ومتعرّج. ويعد نمطا فنّيا شاملا، فيشمل مجموعة واسعة من الفنون الجميلة والزخرفية بما في ذلك الهندسة المعمارية، والرسم، والمجوهرات، والأثاث، والمنسوجات، وفن الزجاج، والأعمال المعدنية وغيرها.

وقد صِيغَ مصطلح الفن الجديد art Nouveau لأوّل مرّة عام 1884 في بلجيكا، من قبل دورية الفن الحديث لوصف أعمال les vingt. وles vingt هي جمعيّة ضمّت 20 فنان بلجيكي، وتم تقديم النمط إلى جمهور أوسع من قبل المعرض العالمي عام 1900 م. ومن أبرز روّاد أسلوب الفن الجديد : المعماري الاسكتلندي «تشارلز ماكينتوش- charles mackintosh » والتي وُصفت أعماله بغرابة الأطوار. كذلك المعماري البلجيكي «فيكتور هورتا- victor horta»، وأيضًا المعماري والنحّات الأسباني «أنطوني غاودي-antoni gaudi»، وربما يعد غاودي الفنّان الأكثر أصالة في الحركة. [1][2]

فن جديد لعصر جديد

حمل منعطف القرن العديد من التغييرات بسبب الثورة الصناعية. فقد ازدادت الابتكارات ووسائل الراحة، وانتشرت كذلك معها زيادة في التصنيع والانتاج الضخم للسلع رخيصة الثمن. فأحدث ذلك بدوره ردّة فعل لدى المصمّمين الذين فضّلوا الأصالة، وأرادوا العودة إلى الحرفية الجيّدة. فسعوا إلى إحداث التغيير، وكنتيجة لذلك فقد ولد الفن الجديد art Nouveau ضد الأنماط الأكاديمية المنتشرة في القرن 19. ورفض فنّانوه أيضًا الصفات الزخرفية الثقيلة، وبشكل خاص تلك التي تعود للعصر الفيكتوري.

ويعدُّ نمط الفن الجديد art Nouveau محاولة من قبل الفنّانين لخلق أسلوب جديد يحمل فلسفة مختلفة مفادها أن الأشياء الجميلة تستطيع أن تفيد الناس الذين يرونها. وقد حدّد سابقًا الأب الفلسفي للحركة وهو المصمّم «ويليام موريس-william morris» أهدافها الرئيسية، وهي إعطاء الناس المتعة في الأشياء التي يجب أن يستخدموها ويجب أن يصنعوها. وأصرّ موريس على دمج التصميم الوظيفي مع أشياء الحياة اليومية. [3][4]

تطوّر نمط الفن الجديد art Nouveau

كان نمط الفن الجديد art Nouveau موازيًا للرمزية في الفنون الجميلة. [1] وتأثّر واستعار جزئيًا من الفن الياباني ukiyo-e، وهو شكل من أشكال الفن الذي يقوم على الرسم عن طريق الطباعة برسوم بارزة. حيث يتم نحت الرسومات على ألواح خشبية أوّلًا، ثم تطبع على الورق بعدها. ورسموا عادةً تصويرات من شكل الإنسان الأنثوي، ومشاهد من التاريخ، والحكايات الشعبية. وبسبب انتشار الفن الجديد art Nouveau في جميع أنحاء أوروبا، فقد أشير إليه بعدّة أسماء مختلفة. فتقريبًا أطلقت عليه كل دولة مصطلحا بلغتها المحكيّة. بينما يرجع اسمه الحالي إلى اللغة الفرنسية، فقد تأثّرت مدينة باريس بشدّة بأسلوب الفن الجديد. [3]

ويمكننا القول بأن الفن الجديد قد اتّبع اثنين من الخطوط الرئيسية. الأول هو الزخرفة المنحنية التي تدفّقت من بلجيكا وفرنسا، والثاني هو النمط الأكثر خطيّة (نمط هندسي) والذي انتشر في النمسا واسكتلندا. بينما دمجت أوروبا الشرقية مثل تشيك ولاتفيا وهنغاريا الفن الجديد مع تقاليدهم المحلية الخاصة. [5]

ما هي خصائص عمارة الفن الجديد art Nouveau؟

اتّبع الفن الجديد art Nouveau نهجًا يعارض بشكل مباشر القيم المعمارية التقليدية للمنطق ووضوح الهيكل. وتميّزت مبانيه بطابع فريد، وغالبًا ما اشتركت في عدّة عناصر وخصائص ومنها:

  • الخط المتموّج والمتعرّج والذي يتّخذ في كثير من الأحيان أشكالًا طبيعية. فيمكن أن يكون الخط أنيقًا ورشيقًا أو أن يمتلئ بقوّة إيقاعية، حيث تمتد الخطوط ثم تنحني مرة أخرى على نفسها لخلق شكل يسمّى أحيانًا «بالسوط-wiplash».
  • التأثّر الشديد بالطبيعة وبخاصّة الأشكال العضوية. فكثيرًا ما تأثّرت الزينة الزخرفية التي تضمُّ عناصر مثل الطيور، والحشرات، والأوراق، والزهور، والنساء العاريات. وقد تأثّر التصميم الداخلي أيضًا بهذه الزخرفة، فمثلًا قد تظهر الأعمدة والعوارض مثل الكروم أو الأغصان السميكة.[2] وقد استوحى المعماري لويس سوليفان، وهو رائد مدرسة شيكاغو من زخرفة الفن الجديد لتزيين بعض مبانيه مثل مبنى «وينرايت- the Wainwright building»
جزء من مبنى وينرايت من تصميم لويس سوليفان، تظهر به الزخرفة
  • وجود نوافذ ملوّنة وأحيانًا فسيفساء وهياكل مستوحاة من الروكوكو والباروك.
  • استخدام مزيج من مواد البناء مثل الحديد والطوب والزجاج والسيراميك. فتحتوي مثلًا مباني الفن الجديد على بلاط سيراميكي زاهي وملوّن يوضع مثلًا بشكل محدّد لكي يخلق أنماطًا للزهور.
  • عدم التماثل.
  • جودة النحت.
  • استخدام ألوان غالبًا ما تكون مشرقة ولطيفة مثل الأبيض واللون الليلكي. [4]

أعيد للفن الجديد مكانته بين الفنون

بعد عام 1910 تم التخلّي عمومًا عن الفن الجديد art Nouveau وأخذ نمط «الفن الزخرفي-Art deco» مكانه. وبذلك دام الفن الجديد حوالي 30 عامًا فقط. وبالرغم من ذلك، ففي الستينيات أعيد ترميم جزء من النمط من خلال المعارض التي نُظّمت في متحف الفن الحديث في نيويورك، ومتحف الفن الوطني الحديث، ومتحف victorian&albert في لندن. وكنتيجة لذلك، رفعت هذه المعارض من مكانة الفن الجديد art Nouveau الذي غالبًا ما كان ينظر النقاد إليه على أنّه اتّجاه عابر. فتحوَّل في نهاية المطاف إلى مستوى حركات الفن الحديث الرئيسية الأخرى في أواخر القرن 19. [2]

أوليسوند مدينة للفن الجديد art Nouveau ولكن بعد الحريق

تقع مدينة «أوليسوند- Ålesund» في النرويج، وقبل الحريق كانت قرية صغيرة لصيد الأسماك. ونمت تدريجيًا حتّى أصبحت فيما بعد مدينة كبيرة. ونشب حريق عام 1904، فاحترقت بسببه المدينة تمامًا وبقي 10 آلاف شخص بدون مأوى. وبدأت إعادة البناء عندما كان طراز الفن الجديد art Nouveau المعماري مسيطرًا في أرجاء أوروبا. ورغب المعماريون الذين جاؤوا إلى أوليسوند أن يبنوا مدينة جديدة، وكاملة، ونرويجية بنفس الوقت. فقرّروا البناء بأسلوب يغطّي احتياجات المواطنين وبذات الوقت يمثّل الاتجاهات المعاصرة في وقتهم. فبنوا المدينة بمواد البناء المحليّة وحاولوا تجنّب البذخ والإسراف. ونجحوا أخيرًا في مهمّتهم، فتميّزت مدينتهم بثقافة العصور الوسطى وحلي الفايكينغ. كما استخدموا الزخرفة المستمدّة من النمط النرويجي القديم بأسلوب الفن الجديد. وتم عام 1909 الانتهاء بالكامل من البناء، وكانت النتيجة أن أصبح للمدينة مظهر من نمط واحد وهو الفن الجديد. ومع ذلك، يُعدّ كل مبنى فريد من نوعه ويملك هويّته وشخصيّته الخاصّة. [6]

مدينة أوليسوند، وتظهر المباني بأسلوب الفن الجديد المتبع في النرويج

كازا باتيو، تحفة ستدهش المراقبين إلى الأبد

لا شكّ أن أنطوني غاودي يمتلك مخيّلة لا مثيل لها. وقد استكشف اهتماماته في تدفّق الأشكال والأنماط والألوان في «كازا باتيو- casa Batlló». فظهر تصميمه كتناقض صاعق للأشكال الصلبة التي تحيط به. وتعكس الواجهة نسيج وصور وألوان مذهلة تعمل معًا لكي تثير الخيال. وأيضًا يظهر إتقان وبراعة غاودي من خلال إحداث التدفئة المركزية، والتي لم تكن أمرًا شائعًا في زمان ومكان برشلونة. وأكثر ما يلفت الاهتمام في المداخن هي زاوية خروجها من السطح، لأنها تخرج بزاوية 45° قبل أن تصبح عمودية. [7]

Casa Batlló من تصميم أنطوني غاودي في اسبانيا.

كازاميلا لأنطوني غاودي

تعتبر «كازاميلا- casa mila» بواجهتها المتميّزة وسقفها النحتي أكثر عضوية من كونها اصطناعية، وكأنها منحوتة مباشرةً من الأرض. وقد صمّم غاودي المبنى واستوحاه من نمط الفن الجديد art Nouveau الأسباني، وانتهى البناء عام 1912. ومن الناحية الإنشائية، فلا تحمل الواجهة الأوزان، بينما تدعم الحزم الفولاذية وزن الواجهة عن طريق ربطها بالهيكل. ونتيجةً لذلك سمح هذا لغاودي بتصميم واجهة المبنى دون قيود إنشائية. واستخدم تكوين من 270 قوس على شكل قطع مكافئ ذات ارتفاعات متفاوتة. وفي النهاية يعد مبنى كازاميلا مثيرًا للجدل، وقد أثّر بشكل كبير على العمارة، وخاصّةً بدفع الحدود الرسمية للمستقيم. وتمثّل هذه الأفكار الجريئة من قبل غاودي جوهر الفن الجديد. [8]

مسكن كازاميلا من تصميم أنطوني غاودي في اسبانيا

الفن الجديد كصلة وصل

على الرغم من أن حركة الفن الجديد art Nouveau تعتبر سريعة الزوال، إلا أن لأهميتها التاريخية وزن متناسب عكسيًا مع مدّة استمرارها. إذ تعتبر اليوم محطّة أساسية للانتقال بين التاريخية والحداثة. وقد أثّرت بأشكالها الطبيعية والغريبة على العمارة حتى يومنا هذا. فهل تُفضّل العيش في منزل غريب مثل كازاميلا أم تفضل أنماطًا أخرى؟

المصادر

  1. Tate
  2. Britannica
  3. Research gate
  4. Research gate
  5. The gurdian
  6. Research gate
  7. Arch daily
  8. Arch daily

Julie Youssef
Author: Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فنون عمارة

User Avatar

Julie Youssef

مهندسة معمارية، أحب الرسم والقراءة


عدد مقالات الكاتب : 57
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : زكية بلحساوية
تدقيق علمي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *