ما هو الإجهاد البيئي؟

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة مقدمة في علم النفس البيئي

في المقال السابق من هذه السلسلة قدّمنا لمفهوم جودة البيئة الحضرية، وكيف أنه مفهوم متعدد الأبعاد لتقييم المدن وجودة المعيشة فيها. التفاعلات البيئية-البشرية تأخذ أشكالًا متعددة ولدى البشر قدرة كبيرة على التأقلم مع بيئاتهم وظروفهم. ولكن التأقلم مع تحديات ومتطلبات البيئة مكلّف على المستوى النفسيّ، والظروف البيئية متدنية الجودة تتطلب أكثر مما قد يحتمل ذهن الفرد. اختلال التوازن بين المتطلبات البيئية وقدرات الإنسان على التجاوب معها هو ما يسمّى في علم النفس البيئي بالإجهاد البيئي. [1]

الضغوطات البيئية، أي العوامل البيئية التي تسبب هذا الإجهاد أو الضغط، يمكن أن تكون حادّة (مثل مستوى التلوث والغبار أثناء العلوق في نفق مروريّ) أو مزمنة (مثل السكن بالقرب من ازدحام مروري)، وهو النوع الأكثر خطرًا على البشر. [2] تميل الضغوط البيئية لأن تكون مزمنة في كثيرٍ من الأحيان لعدم مقدرة الأفراد على التخلص منها أو الابتعاد عنها (قد يكون من الصعب على الساكنين بجانب مطار أو تقاطع مزدحم الانتقال لمسكنٍ آخر على سبيل المثال).

مسببات الإجهاد البيئي

يواجه البشر الضغوطات البيئية (بالمعنى الواسع) على الدوام، وتشهد البيئات المدنية والحضرية ضغوطاتٍ بيئيةٍ أكبر بالطبع. وتعتبر أكثر 5 مُحهدات بيئية دراسةً هي الضوضاء، والازدحام، وتدني جودة المساكن، وتدني جودة الحي، والاكتظاظ السكاني.

الضوضاء

تعرّف الضوضاء بانها أصوات غير مرغوب بها، وتتصف عادةً بكونها صاخبة ومتكررة وطويلة الأمد. يلعب المكوّن النفسي من الصوت (أي كونه غير مرغوب فيها أو خارجًا عن السيطرة مثلًا) دورًا هامًا في اعتباره مصدرًا للضوضاء، كما سبق لنا الحديث في مقال سابق عن جودة البيئة الحضرية.

الضوضاء المزمنة قد تتسبب في التوتر الفسيولوجي وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. كما أنها تؤثر سلبًا على التركيز والتحفيز؛ فطلاب المدارس الواقعة في أماكن صاخبة (بالقرب من المطارات مثلًا) يعانون من مستويات تركيز أضعف ومن فقدان الرغبة في العمل والدراسة.

الاكتظاظ

الاكتظاظ هو حالة نفسية تحدث حين يشعر المرء بأن عدد الناس الموجودين في بيئته أكثر مما يفضّل، وتتباين هذه الكثافة السكانية المفضلة بين الأفراد وتختلف باختلاف السياقات الاجتماعية والمكانية (سياق وجيز أو طويل الأمد، نوعية النشاط الحاصل، أو مدى عمومية المكان). يحدّ الاكتظاظ من القدرة على إدارة التفاعلات الاجتماعية.

بالإضافة إلى الآثار الفسيولوجية مثل ارتفاع الضغط والقصور الاجتماعي، فإن الاكتظاظ يؤدي إلى الاجهاد النفسي. فالأفراد الذين يشعرون بالاكتظاظ يعانون من القلق والعصبية والتوتر؛ وقد يصل الحال إلى الانعزال المجتمعي «Social Withdrawal»، ومن علاماتها الحدّ من التواصل البصري والتباعد الاجتماعي والعزوف عن اقامة المحادثات.

جودة المسكن

تواجد عوامل الضوضاء والاكتظاظ في البيوت والمساكن يؤثر سلبًا على جودتها. فالعيش وسط بيئة مكتظة سكانيًا ومليئة بالضوضاء كان له نفس التأثير الفسيولوجي من ارتفاع في نسب الضغط وأمراض القلب. ولكن انخفاض جودة المسكن يؤثر أيضًا على النمو العاطفي والسلوكي والذهني للأطفال كما للبالغين.

تحسين ظروف المعيشة والسكن بالمقابل تؤثر إيجابًا على مستويات السعادة والرضا المعيشي بين السكان. وفي المقال التالي سنعود إلى هذا التأثير أثناء حديثنا عن الارتباط المكانيّ.

جودة الأحياء السكنية

هناك العديد من العوامل المكانية التي تؤثر على جودة الأحياء السكنية وقد تتسبب في الإجهاد؛ مثل جودة الخدمات المتوفرة، وفرص التنزه، والازدحامات المرورية، وتوافر المواصلات، وانعدام الصيانة، وانعدام المراقبة البصرية (توافر أعين لترى وتلاحظ ما يجري بالشارع). تؤثر جودة الحي على شعور السكان بالرضا المعيشي والسعادة كما قد تؤثر عليهم بدنيًا وصحيًا. ومن المنطقي اعتبار الارتفاع الملاحظ في نسب التوتر والإجهاد لدى سكان الأحياء الفقيرة ناجمًا عن تعرضهم للمزيد من الضغوطات والموتّرات البيئية.

الازدحام المروري

تتسبب الازدحامات المرورية في نفس الآثار النفسية والصحيّة. كما أن دراسة سلوكيات السائقين تشير إلى أنه كلما ازداد وقت الازدحامات المرورية وزمن الوصول إلى الهدف، كلما ساءت التفاعلات والعلاقات الاجتماعية مع الأهل في البيت. وهذا ما يسمى بتأثير الامتداد «Spill-over Effect»، والذي أشرنا له سابقًا حيث يتسبب تراكم الموتّرات البيئية في سياقٍ ما بآثارٍ سلبية على سلوك وصحة الفرد في سياقٍ مختلف. يتسع الآن مدار البحث والدراسة بخصوص المرور والازدحامات مع توسع المدن ونموها حول العالم، ولأن الأوقات المقضية في المواصلات تزداد عالميًا. ففي أمريكا مثلًا يقضي المرء في المتوسط زمنًا في المواصلات أكثر مما يقضيه في الإجازات.

الآثار غير المباشرة للضغوطات البيئية

قد تتسبب الضغوطات البيئية بآثار صحية ونفسية أخرى بطرقٍ غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي ضعف الخدمات وانخفاض جودة الإدارة المحلية إلى عدم توافر محلات غذائية كبيرة توفّر منتجات طازجة وصحية للسكان ما يخل بنظامهم الغذائي والصحيّ. كما أن عدم توافر الخدمات المطلوبة في مسافة قريبة تجعل من الضروري الذهاب إلى أحياء ومناطق أبعد لإنجاز المهمات المنزلية الضرورية، ما يعني المزيد من الجهد والتوتر على المدى البعيد.

الإجهاد البيئي مفهوم مركب، من شقٍ مكانيّ فيزيائي وشقٍ اجتماعي\إداري؛ فتواجد متنزهات أو مرافق عامة لسكان حيٍ ما لا يعني بالضرورة قدرتهم على الاستفادة بها لممارسة الرياضة أو التسوق على سبيل المثال. فعوامل مثل انعدام الصيانة أو غياب الأمن قد تنفّر السكان من استخدام المرافق المتاحة حتى في حال تواجدها. في المقال التالي نتحدث عن البيئات العلاجية وشروط تحققها، وكيف يمكنها أن تحد من أضرار الموتّرات البيئية.

المصادر:
[1] Environmental Stress, in Environmental Psychology: an introduction; Lina Steg and Judith I. M. De Groot.
[2] للمزيد حول آثار التوتر والقلق المزمنين أنصح بكتاب Why Zebras Don't Get Ulcers، أو حوار روبرت سابولسكي حول الموضوع.

مستقبل التعلم في ظل جائحة كوفيد-19

خلال هذا الوقت العصيب الذي تحرص فيه كل المجتمعات على ممارسة التباعد الاجتماعي، تأثر مستقبل التعليم في ظل جائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم كغيره من الأنظمة التي تأثرت بالجائحة؛ إذ اتجهت العديد من المؤسسات التعليمية لمواصلة عملية التعلم عبر الإنترنت وذلك من خلال المنصات الرقمية وأدوات التواصل مثل برامج الفيديو الجماعية؛ والتي تسمح للمعلمين والمتعلمين بالالتقاء للدفع بعملية التعلم في الاستمرار.

ويعتبر أسلوب التعلم عن بعد أو التعلم عبر الإنترنت أكثر مرونة وفعالية من الأسلوب التقليدي؛ حيث يمكن تحقيق التباعد الاجماعي وهو أهم شروط الوقاية، كما يتيح للمتعلم فرصة تتبع الوتيرة الخاصة به في تلقي المعلومات وتحليلها ومراجعتها, كما يعمل التعلم عبر الإنترنت على زيادة فرص التواصل مع الزملاء والمعلمين من خلال لقاءات الفيديو المتزامنة أو النقاشات غير متزامن، ولعل أهم ما يجب أن نبدأ به هو إدراك ومعرفة ما يؤثر على قدرات الدماغ في التحصيل والمعالجة والاسترجاع.

طالب يقوم بممارسة عملية التعلم عن بعد إثر تأثر العملية التعليمية بتبعيات جائحة كوفيد-19

الرعاية الذاتية والتعلم الفعال.

الرعاية الذاتية هي أي نشاط تقوم به عمدًا من أجل رعاية صحتك العقلية والعاطفية والجسدية، فحرصك على اكتساب وممارسة أساليب الرعاية الذاتية أولى درجات احترام ذاتك وتقديرها فهي ليست بالشئ السئ لإنها بعيدة كل البعد عن الأنانية، فقد يستاء البعض أحيانا من بعض أساليب الرعاية الذاتية، وينتابه الخلط بين احترام الذات والأنانية، فأن تعطي لذاتك حقها من الرعاية أمرٌ مختلفٌ تمامًا عن التمركز حول ذاتك؛ فالرعاية الذاتية ترتيب داخلي وسلام نفسي، بالتالي فإن إدراك وممارسة تقنيات الرعاية الذاتية تدعم التعلم الناجح؛ فهي بمثابة المفتاح لزيادة الإنتاجية وتحسين القدرة على التحصيل لا سيما في أوقات الإجهاد والتوتر.

تأثير الإجهاد على عملية التعلم.

يؤثر الإجهاد على كيفية تعلم الفرد لمعلومات جديدة، فعلى الرغم من دور الإجهاد الإيجابي في تحفيز اليقظة والإنتباه، إلا أنه يمكن أن يضعف الوظائف المعرفية العليا؛ فيؤثر سلبًا على قدرة الدماغ على استرجاع المعلومات أو تحديث المعلومات الموجودة، فعملية استعادة المعلومات أمر بالغ الأهمية خلال الامتحانات بالطبع، ومهمة أيضًا لتذكر المهارات المكتسبة حديثًا وتنفيذها كما تعتبر عملية تحديث المعلومات الموجودة أمر مهم جدًا عند تعلم المفاهيم المعقدة التي تُبنى أو تتغير باستمرار.

إن تعلم إدارة الإجهاد وممارسة تقنيات السيطرة عليه، بالطبع يساعد المتعلم على التعلم الفعال، فهناك تقنيات عديدة وأساليب مختلفة للقيام بذلك، لعل أبرزها هو ممارسة تمرين “التنفس البطني” .

خطوات تمرين التنفس البطني:

  • استرخ أو اجلس بشكل مريح.
  • ضع يدًا على بطنك أسفل أضلاعك مباشرة، واليد الأخرى فوق صدرك، ثم خذ نفسًا عميقًا من خلال الأنف مع السماح لبطنك بالتمدد ودفع يدك.
  • تنفس من خلال فمك ببطء، حتى تشعر بانخفاض يدك التي هي على بطنك، يمكنك دفع الهواء بيدك.
  • كرر ذلك التمرين لمدة تتراوح بين ٣ إلى ١٠ مرات، مع ١٠ ثوانٍ لكل تمرين.

يساعد تمرين التنفس البطني على استعادة تركيزك وترتيب أفكارك – يمكنك تدوين ما تشعر به قبل وبعد التمرين، ستلاحظ الفرق –

بالإضافة لتمرين التنفس البطني، يمتلك كل مِنا أسلوبه الخاص في إدارة الإجهاد، فمن بعض تلك الممارسات:

  • تقنيات الاسترخاء والتأمل.
  • تغيير مكان الدراسة، والتحرك لممارسة بعض الأنشطة الخفيفة.
  • الاستماع للموسيقى مع تناول المشروب المفضل.
  • استنشاق الروائح المفضلة والاستسلام لتأثيرها على الحالة الذهنية.
  • البعض يلجأ للضحك بطريقة أو بأخرى، نعم الضحك!
  • فالضحك طريقة ممتازة لمساعدتك على الاسترخاء.

الآن هل يمكنك مشاركتنا أسلوبك الخاص في إدارة الإجهاد والتوتر؟

اقرأ المزيد حول طرق استثمار الوقت لتحقيق التفوق الدراسي

المصادر

Edx

ncbi

Exit mobile version