عائلة اللغات الهندو-أوروبية

هذه المقالة هي الجزء 2 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

عائلة اللغات الهندو-أوروبية


تعد عائلة اللغات الهندو-أوروبية (Indo-European Languages) من العائلات اللغوية الأساسية. وتصنف على أنها العائلة الأكبر من ناحية عدد المتحدثين، إذ يزيد عدد الناطقين بلغاتٍ تنتمي إلى هذه العائلة على 3 مليار شخص في العالم. ولكنها ليست الأكبر من حيث عدد اللغات. فتقع تحت مظلة العائلة الهندو-أوروبية حوالي 445 لغة [1].

عائلة اللغات الهندو-أوروبية

تصنيف اللغات ضمن العائلة

كان أول من استخدم اسم “الهندو-أوروبية” العالم اللغوي الألماني فرانز بوب في عام 1816. وقد اشتق هذه التسمية للإشارة إلى عائلة اللغات الموجودة في أوروبا وآسيا، بما في ذلك شمال الهند وإيران وأفغانستان وباكستان وبنغلادش [2].
ولكن يرجع اكتشاف التشابه بين اللغات في أوروبا وتلك المحكية في الهند إلى قبل ذلك. وكان نتيجة فتح باب التجارة بين هاتين المنطقتين في القرن السادس عشر. حيث لوحظ وجود تشابه غريبٍ بين بعض المفردات في اللغة السنسكريتية ومقابلاتها في اللغة الإيطالية. ومن الأمثلة على ذلك كلمة “الإله” وهي “deva” بالسنسكريتية وتقابلها “dio” بالإيطالية، وكلمة الأفعى وهي “sarpa” بالسنسكريتية وتقابلها “serpe” بالإيطالية. إضافة إلى بعض الأرقام مثل “سبعة وثمانية وتسعة” وهي بالسنسكريتية “sapta, ashta, nava” وبالإيطالية “sette, otto, nove” على الترتيب [3].

وقد تعمق المستشرق ويليام جونز في القرن الثامن عشر في مقارنة السنسكريتية واللاتينية واليونانية القديمة. وخَلُص إلى أن التشابه بين جذور الأفعال والصيغ القواعدية هو أكبر من أن يكون بمحض الصدفة. كما كانت دراسات جونز أساساً لمزيد من الأبحاث التي أجراها هو وعلماءٌ لغويون من بعده، ممن أتقنوا اللغة السنسكريتية وقواعدها. ومن الجدير بالذكر أن جونز اعتمد في دراسته على أبحاث العالم اللغوي السنسكريتي بانيني، والذي كان قد وضع نظاماً منهجياً ودقيقاً لتحليل الكلمات حوالي عام 500 ق.م. [3].

أصل اللغات الهندو-أوروبية

يعود أصل اللغات الهندو-أوروبية إلى اللغة الهندو-أوروبية البدائية (Proto-Indo-European). وترجح الدراسات أن هذه اللغة القديمة – التي لم تعد موجودة الآن – كانت منتشرة في منطقة أوكرانيا والمناطق المجاورة في القوقاز وجنوبي روسيا. وانتشرت من هناك إلى معظم أوروبا، ثم وصلت إلى الهند. إضافة لذلك، وجدت الأبحاث التي تعقبت هذه اللغة أنها كانت قد بدأت تفقد وحدتها حوالي عام 3400 ق.م.

ولكن لم يطور المتحدثون الأصليون للغة الهندو-أوروبية البدائية نظام كتابة للغتهم، مما جعل إيجاد دليلٍ مادي عليها بالأمر الصعب. ولهذا السبب، يلجأ علم اللغويات إلى محاولة إعادة بناء هذه اللغة وصياغتها باستخدام طرق مختلفة. وتتفاوت هذه الطرق من مقارنة اللغات المختلفة التي تنتمي إلى هذه العائلة، إلى إجراء دراساتٍ مقارنة تتجاوز اللغة بحد ذاتها. على سبيل المثال، تركز بعض الأبحاث على دراسة الأساطير والقوانين والهيئات المجتمعية التي كانت سائدة في تلك المجتمعات الناطقة بهذه اللغة البدائية الأصلية [4].

المجموعات الفرعية للعائلة الهندو-أوروبية

تقسم عائلة اللغات الهندو-أوروبية إلى مجموعات فرعية، ولكن بعضها انقرض مع الزمن. ومن ضمن المجموعات الفرعية التي انقرضت اللغات الأناضولية (Anatolian). وقد كانت سائدة في الألفيتين الأولى والثانية ق.م. في المناطق التي تقابل حالياً القسم الآسيوي من تركيا وشمال سوريا. إضافة لذلك، توجد مجموعة اللغات الهندية الإيرانية (Indo-Iranian) والتي كانت منتشرة في مناطق وسط وشمال الهند، وإيران، وأفغانستان. ثم توجد اللغة اليونانية (Greek) التي تشكل مجموعة فرعية على الرغم من أنها كانت على مر التاريخ لغة واحدة، ولكن تضم لهجاتٍ متنوعة. ومثلها الأرمينية (Armenian) التي تشكل مجموعة فرعية في العائلة الهندو-أوروبية مع أنها لغة واحدة. ثم لا ننسى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic)، وتعد اللغة اللاتينية من أبرز مكوناتها، وتضم بدورها اللغات الرومانسية كالفرنسية والإسبانية والإيطالية. وأخيراً سنذكر مجموعة اللغات الجرمانية (Germanic) التي انقرض بعض منها وبقي بعضها الآخر كالإنكليزية والألمانية والهولندية [5].

بعض المجموعات الفرعية ضمن العائلة الهندو-أوروبية

توجد المزيد من المجموعات الفرعية تحت مظلة اللغات الهندو-أوروبية. وعموماً، تنتشر هذه اللغات حالياً في معظم أوروبا والمستعمرات الأوروبية السابقة وأجزاء كثيرة من جنوب غرب وجنوب آسيا [5].

المصادر

  1. Ethnologue
  2. CLMC
  3. The Indo European Language
  4. World History Encyclopedia
  5. Britannica

العائلات اللغوية وتقسيماتها

هذه المقالة هي الجزء 1 من 8 في سلسلة العائلات اللغوية وأقسامها

تنتمي لغات العالم إلى عائلات لغوية (language families). والعائلة اللغوية هي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، والتي تطورت عن أصل مشترك (protolanguage) أو لغة سلف مشتركة (ancestral language). في أغلب الأحيان، لا تكون اللغة السلف معروفة بشكل مباشر، ولكن من الممكن اكتشاف بعضٍ من خصائصها عبر تطبيق دراسة منهجية مقاربة للغات المتفرعة عنها. فاللغة الأصلية أو السلف هي لغة كانت موجودة في فترة ما في التاريخ، ونشأت عنها مجموعة من اللغات الأخرى مع مرور الوقت [1].

ما هي اللغة؟ وكيف نجد العائلات اللغوية؟

لنقف أولاً عند تعريف اللغة. وفق قاموس«Merriam Webster» تُعرّف اللغة على أنها نظام الكلمات أو الإشارات التي يستخدمها الناس للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم والتواصل مع غيرهم [2]. ومعظم اللغات التي نعرفها حالياً هي نسخٌ مطورةٌ من لغات أقدم منها. لكن عند وصفها بالمطورة، لا نقصد أنها أفضل من أسلافها، بل المعنى هنا أنه طرأ عليها تعديلاتٌ وتغييراتٌ نتيجة التأثر ببعضها عبر الانتقال إلى مناطق جغرافية أخرى.

عادة ما يدرس علم اللغويات التاريخي ارتباط اللغات ببعضها. وكما ذكرنا، عبر تطبيق دراسة منهجية مقاربة، يسعى اللغويون إلى إعادة صياغة اللغة الأصل لمجموعة اللغات المرتبطة. تعتمد هذه الطريقة على دراسة الكلمات الأقل عرضة للتغير في اللغات، ومنها الضمائر، والكلمات التي تدل على القرابة العائلية، والكلمات التي تدل على أسماء أعضاء الجسم. وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في الكشف عن روابط بين لغات مختلفة، وبالتالي تتبع الأصل المشترك لها. ولكن من المهم أيضاً الانتباه إلى أن بعض التشابهات قد لا تكون نتيجة الاشتراك بالأصل. إذ من الوارد أن تستعير لغةٌ ما كلماتٍ من لغة أخرى حتى وإن لم تكونا من نفس السلف. وأحياناً يكون التشابه بمحض الصدفة لا غير [3].

تصنيف العائلات اللغوية

لا يخلو تقسيم العائلات اللغوية من الجدل حول آلية التصنيف وجمع لغات مع بعضها دون غيرها. إذ يرى البعض أنه من الأفضل تجميع عدد كبير من اللغات ضمن عدد قليل من العائلات. في حين يفضل آخرون التقسيم إلى عائلات أكثر وفق أسس أقوى تجمع اللغات ضمن العائلة الواحدة. بسبب هذا الاختلاف، ومع قلة عدد الأبحاث في دراسة لغات معينة، لا يوجد عدد ثابت ومتفق عليه للعائلات اللغوية. توجد عائلات لغوية لا تضم سوى لغة واحدة. في حين أنه من غير الممكن وضع لغات معينة مع غيرها، وعليه تصنف على أنها لغات معزولة لا تشبه غيرها [3].

تقسيم العائلات اللغوية

إذاً، فاللغات كالبشر، ترتبط ببعضها وتنقسم إلى عائلات، وتتشارك كل عائلة ببعض الصفات والخصائص. حسب موقع إثنولوج (Ethnologue)، توجد حوالي 142 عائلة لغوية مختلفة. والعائلات الستة الأساسية حسب تصنيف الموقع ذاته هي عائلة اللغات الهندو-أوروبية (Indo-European)، وعائلة اللغات الصينية التبتية (Sino-Tibetan)، وعائلة اللغات النيجرية الكنغوية (Niger-Congo)، وعائلة اللغات الأفريقية الآسيوية (Afroasiatic)، وعائلة اللغات الأسترونيزية (Austronesian)، وعائلة لغات ترانس غينيا الجديدة (Trans-New Guinea) [4].

العائلات اللغوية الأساسية

تقسم العائلات اللغوية إلى وحداتٍ أصغر تدعى الأفرع أو المجموعات الفرعية. على سبيل المثال، تنقسم عائلة اللغات الهندو-أوروبية إلى مجموعات فرعية كمجموعة اللغات الجرمانية، ومجموعة اللغات الإيطاليكية، وغيرها. وحتى هذه الأفرع تنقسم بدورها إلى مجموعات أصغر، منها ما هو موجود حتى الآن، ومنها ما انقرض ولم يعد مستخدماً. بالعودة إلى اللغات الهندو-أوروبية، تضم المجموعة الفرعية التي تدعى الإيطاليكية مجموعاتٍ أصغر، من بينها اللغات الرومانسية. واللغات الرومانسية بدورها هي مجموعة من اللغات الفردية كالفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية وغير ذلك الكثير [1]. وسيكون هذا موضوع مقالات أخرى.

هل يزيد عدد اللغات أم ينقص؟

لكن هذا التنوع اللغوي في أنحاء العالم غير ثابت. إذ يؤدي نقص عدد متحدثي اللغة – ومتعلميها – إلى اضمحلالها وانقراضها. حالياً، لا يزيد عدد متحدثي ربع لغات العالم على الألف شخص. ويتوقع بعض اللغوين أنه خلال القرن القادم، ستختفي حوالي نصف اللغات الموجودة. وهذا يعني أن خطر الانقراض يهدد نسبة من اللغات أكبر بكثير من تلك التي يهددها من الأنواع البيولوجية [5].

المصادر
World Languages
Merriam Webster
Introduction to language families
Ethnologue
How many languages are there in the world?

اللغات الجرمانية وأصلها

اللغات الجرمانية وأصلها

تعتبر الكثير من اللغات التي نعرفها حالياً، كالإنكليزية والألمانية والدنماركية والنرويجية، من اللغات الجرمانية (Germanic languages). وتعود جميعها إلى أصل مشترك، لكن طرأ عليها بعض التغييرات التي ميزتها عن ذلك الأصل. كما أنها مختلفة فيما بينها في عدد من الجوانب. تعد اللغات الجرمانية من المجموعات الفرعية لإحدى العائلات اللغوية الأساسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. تعتبر اللغات الجرمانية من أحد الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية [1].

أصل اللغات الجرمانية وتقسيماتها

يعود الدليل الأقدم على الناطقين باللغة الجرمانية الأصلية إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد. وكان هؤلاء يقطنون في المنطقة الممتدة من جنوب شبه الجزيرة الاسكندنافية إلى ساحل بحر البلطيق الشمالي [1].

تقسم هذه اللغات إلى ثلاث مجموعات فرعية.

المجموعة الشرقية (East Germanic) هي مجموعة لغات منقرضة ولا وجود لها حالياً. كانت تتحدثها قبائل جرمانية قديمة كالقوطيين والبرغنديين والفاندال. وكانت تنتشر في المنطقة الممتدة بين نهر أودر في وسط أوروبا ونهر فيستولا في بولندا [2]. انتقلت هذه اللغات عن طريق حركات الهجرة إلى وسط وشرق أوروبا، وإلى شمال أفريقيا أيضاً. ويمكن الاطلاع على مثالٍ عن هذه المجموعة في الترجمة القوطية للإنجيل والتي تعود للقرن الرابع الميلادي [3]. ولكن بدأت المجموعة الشرقية تنقرض تباعاً منذ القرن الرابع الميلادي، وتوالت بالاختفاء حتى القرن الثامن عشر حين لم تعد أي منها من اللغات المحكية [4].

أما المجموعتان الموجودتان حالياً من فهما الجرمانية الشمالية (North Germanic) والجرمانية الغربية (West Germanic). تضم هاتان المجموعتان العديد من اللغات، إذ يبلغ عدد اللغات الجرمانية الحية 47 لغة على الأقل [4].

بالنسبة للمجموعة الشمالية، أو الإسكندنافية، فتحتوي على اللغات الدنماركية والنرويجية والسويدية والأيسلندية والفاروية. في حين تتألف المجموعة الغربية من اللغات الإنكليزية والألمانية، بكافة أشكالهما، والهولندية (بما في ذلك الأفريقانية السائدة في جنوب أفريقيا والفلمنكية) والفريزية [3].

بعض خصائص اللغات الجرمانية

طرأت تغيرات رئيسية على الجذر الهندو أوروبي أثناء تحوله إلى اللغة الجرمانية الأصلية، والتي تفرعت لاحقاُ إلى مجموعات اللغات المذكورة. ومع أن هذه اللغات قد تبدو مختلفة عن بعضها، توجد بعض النقاط المشتركة فيما بينها والتي تميزها عن غيرها.

مثلاً، تضم اللغات الجرمانية عدداً من الكلمات التي لا تملك مقابلات مشابهة في اللغات الهندو أوروبية الأخرى. من الممكن تفسير هذا بأن المقابلات كانت موجودة بالفعل، ولكنها اختفت من اللغات الهندو أوروبية الأخرى. أو أن هذه الكلمات دخلت إلى اللغات الجرمانية من لغات غير هندو أوروبية كاللغات المحكية في مناطق تعرضت لغزو القبائل الجرمانية.

كما طرأت بعض التغيرات على الأحرف الصوتية في اللغات الهندو أوروبية. ففي حين احتفظت اللاتينية بالصوت /o/، أصبح هذا الصوت /a/ في الجرمانية.

ومن التغييرات الأخرى اعتماد اللواحق لتغيير الفعل إلى الزمن الماضي. تحدث عالم اللغويات الألماني جاكوب غريم عن نوعين من الأفعال فيما يتعلق بالتحويل للزمن الماضي. حيث صنّف غريم هذه الأفعال إلى قوية وضعيفة. أولاً، تتسم الأفعال القوية بتطبيق تغيير داخلي على الفعل لتغيير زمنه إلى الماضي. ومثال هذا في الإنكليزية (rise/rose)  و (sing/sang). في حين أن الأفعال الضعيفة تستخدم لواحق لهذا الغرض، مثل (step/stepped) و (talk/talked). وتتشارك اللغات الجرمانية بهذه الميزة، وهي استخدام اللاحقة التي تضم الأصوات /t/ أو /d/.

كما تغير نظام تشديد النبرة الحر الموجود في اللغات الهندو أوروبية التي يتغير فيها تشديد النبرة من مقطع لآخر في صيغ مختلفة للكلمة الواحدة. من جهة أخرى، تعتمد اللغات الجرمانية على تشديد المقطع الأول من الكلمة. طبعاً توجد بعض الاستثناءات، وخاصة عندما يكون المقطع الأول للكلمة هو عبارة عن سابقة مضافة مثل كلمتي /believe/ و/forget/ في الإنكليزية. [5]

الفهم المتبادل ضمن المجموعة الجرمانية

وأخيراً، تتفاوت درجات فهم إحدى هذه اللغات لدى الناطقين بلغة أخرى من نفس المجموعة. على سبيل المثال، تعتبر السويدية والدنماركية أكثر اللغات الجرمانية قدرة على فهم بعضهما البعض. كما يمكن للألمانية والهولندية الوصول إلى درجة معينة من الفهم المتبادل. وتعد اللغة الإنكليزية أكثرها انتشاراً في العالم [6].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر

  1. World History Encyclopedia
  2. Britannica – East Germanic Languages
  3. John A. Hawkins – Germanic Languages
  4. Babble Magazine – All in The Language Family: The Germanic Languages
  5. History of ЄΝϞL·ΙЅΗ – Features of Germanic languages
  6. University of Groningen

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية وأصلها

اللغات الرومانسية (Romance Languages) هي مجموعة كبيرة من اللغات المنتشرة حول العالم، والتي تعود إلى أصل مشترك نشأت عنه منذ زمن طويل. لكنها ليست من العائلات اللغوية الأساسية، ولا حتى من المجموعات الفرعية لهذه العائلات. بل هي مجموعة ضمن إحدى المجموعات الفرعية للعائلات الرئيسية كما سنرى في هذا المقال.

المجموعة الأم

أولاً، هناك عائلة من اللغات التي تجمع تحت سقفها تقسيمات فرعية كثيرة. وهذه العائلة هي اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages). وهي مجموعة من اللغات المرتبطة ببعضها، وتنتشر حالياً في الأمريكيتين وأوروبا وجنوب وغرب آسيا. وتقسم هذه المجموعة إلى تفرعات رئيسية عديدة، منها ما انقرض ولم يعد يُستخدم، ومنها ما بقي وانتشر وتطور عنه تقسيمات فرعية أخرى. من أحد هذه الفروع الرئيسية لعائلة اللغات الهندو-أوروبية يوجد ما يسمى مجموعة اللغات الإيطاليكية (Italic languages)، وهذه المجموعة تضم تحت سقفها المجموعة الأصغر والتي تدعى اللغات الرومانسية [1].

أصل اللغات الرومانسية وعددها:

يعود أصل اللغات الرومانسية إلى اللغة اللاتينية العامية (Vulgar Latin) وهي اللغة اللاتينية التي كان يتحدثها عامة الشعب في الإمبراطورية الرومانية. تختلف اللاتينية العامية عن اللاتينية الكلاسيكية (Classical Latin) التي كانت تُستخدم في الكتابة والأدب، والتي بقيت لاحقاً في النصوص الدينية [2]. وتعتبر اللغات الرومانسية من ضمن اللغات الإيطاليكية (Italic languages) التي تشكل بدورها مجموعة فرعية من أسرة اللغات الهندو أوروبية (Indo-European languages) [3].

إذاً، كان للغة اللاتينية في الإمبراطورية الرومانية عدة أشكالٍ، واستخدم أفراد الشعب العامية منها في الحديث والحياة اليومية في مناطق الإمبراطورية على اتساعها. ونتيجة هذا الاتساع وتوزع المناطق، كان حتى لهذه اللغة العامية أشكالٌ متباينة، تغيرت مع مرور الوقت لتنبثق منها اللغات الرومانسية التي نعرفها حالياً [2]. في واقع الأمر، يوجد الآن حوالي 42 لغة رومانسية أو أكثر. ولكن لا يمكن تحديد هذا الرقم بدقّة نتيجة عدم وجود توافقٍ كاملٍ على تعريف كلٍّ من مصطلحي “اللغة” و”اللهجة” والتفريق بينهما.

إلا أنه لا يختلف اثنان على أنّ أشهر خمس لغات رومانسية وأكثرها انتشاراً هي الإسبانية والفرنسية والبرتغالية والإيطالية والرومانية. بالإضافة لها، توجد لغاتٌ أقل انتشاراً مثل الكتالونية والسردينية وغيرها [3].

لماذا سميت باللغات الرومانسية؟

على عكس ما يوحي اسمها، لا علاقة لتسمية هذه اللغات بالمشاعر أو العواطف “الرومانسية”. بل تعود كلمة Romance هنا إلى اتصال هذه اللغات بروما. إذ يرجع أصل الكلمة الإنكليزية Romance إلى كلمة Romanicus وهي كلمة فرنسية قديمة من أصل لاتيني كانت موجودة في العصور الوسطى وتعني “روماني” أو “على النمط الروماني” [4].

ما الذي يميز اللغات الرومانسية؟

تتميز اللغات الرومانسية الخمسة الأكثر انتشاراً بمفرداتها وقواعدها ذات الأصول اللاتينية، وهذا ما يجعل من السهل على من يتحدث إحداها أن يفهم ولو بشكل بسيط اللغات الأخرى. كما أن من يتعلم واحدة منها لن يجد صعوبةً كبيرةً في تعلم إحدى أخواتها [5].

ومما تشترك فيه هذه اللغات هو التذكير والتأنيث لكافة الأسماء فيها، وإسقاط هذا على الصفات عند استخدامها مع الأسماء. ولكن تتميز اللغة الرومانية هنا بوجود كلمات حيادية الجنس وهذا ما اختفى في باقي أفراد المجموعة [6].

ما مدى التشابه بين اللغات الرومانسية واللغة اللاتينية؟

أما عن مدى انحراف هذه اللغات عن اللغة اللاتينية العامية التي نشأت منها، تعد اللغة الإيطالية الأقل تبايناً عن هذا الأصل. في حين أن اللغة الفرنسية هي الأكثر ابتعاداً من ناحية اللفظ. أما اللغة الرومانية، فتختلف أكثر من غيرها فيما يتعلق بالمفردات، ولكنها أكثر من حافظت على القواعد التي استخدمتها اللاتينية الكلاسيكية [5].

دعونا نأخذ مثالاً يوضح لنا كيف تحولت اللغة من الأصل إلى الفروع. كلمة “عشب” في اللغة اللاتينية هي “herba” وإذا ما تعقبناها في اللغات الرومانسية الأشهر، نراها موجودة كما يلي:

  • الفرنسية: herbe
  • الإسبانية: hierba
  • الإيطالية: erba
  • البرتغالية: erva
  • الرومانية: iarbã

لا يخفى تشابه هذه الكلمات على من يراها أو من يسمعها. فنلاحظ اختفاء الحرف (h) في الكلمة في جميع هذه اللغات. وحتى وإن حافظت الفرنسية والإسبانية عليه في التهجئة، لكنه سقط في اللفظ منذ زمن طويل. كما نرى أن أقرب شكل لهذه الكلمة إلى أصلها اللاتيني موجود في اللغة الإيطالية.

ولكن هذا التشابه لا يعني تطابق اللغات مع أصلها اللاتيني. فلا يمكن لمن يتحدث الفرنسية أو الإسبانية، مثلاً، أن يُعتبر طليقاً باللاتينية. بل على العكس، حتى يتقنها، ينبغي أن يتعلمها كأية لغة جديدة. وبالمقابل، لو سمع أي شخص روماني من الناطقين الأصليين باللاتينية إحدى هذه اللغات المتفرعة عن لغته الأم، كان ليرتبك ويعتبر أن ما يسمعه ينطوي على أخطاء عدة تحول دون فهمه له [7].

 في النهاية، تشهد كل لغة تغيرات وتعديلات على مر الزمن، تؤدي إلى ابتعادها عن الأصل الذي انبثقت منه. وهذه عملية طبيعية لا بدّ من حدوثها نتيجة اختلاط الناطقين ببعضهم، وحاجة اللغات إلى احتواء مفردات جديدة للتعبير عن كل ما هو جديد في مجالات الحياة المختلفة ودائمة التطور [8].

اقرأ أيضاً: العائلات اللغوية وتقسيماتها

المصادر:

  1. World History Encyclopedia
  2. ThoughtCo
  3. Britannica
  4. Babbel Magazine
  5. The Ancient Language Institute
  6. Superprof
  7. Language Evolution: How One Language Became Five Languages
  8. BBC

الفينيقيون الجدد .. كيف ترسم السياسة حدود الحضارات؟

على مقربة من سواحل مدينة جبيل اللبنانية، وفي ساعات الصباح الأولى، يقف بحارٌ أسمرُ اللون في سفينته الدائرية بمقدمتها التي تشبه رأس الحصان والمصنوعة من خشب الأرز اللبناني، ينظر بحيرة نحو البحر أمامه، ربما كان يفكر بوجهته أو ربما بتجارته، لكن ابدًا لم يكن ليخطر على باله بأن هويته بعد 2800 سنة من وفاته ستصبح ولسنوات عديدة، محط جدلٍ كبير.(1) الفينيقيون الجدد والحركات السياسية، قضيةٌ تعود لتطفو على السطح مجددًا، هي موضوع مقالنا اليوم.

تقول المؤرخة وعالمة الآثار 《جوزيفين كوين – Josephine Quin》أنه ومن أجل أن تحكم على مجموعة من الناس أنهم شعب واحد يجب أن تتوفر فيهم عدة معايير، أولها اسم مشترك بالإضافة لانتمائهم لأرض وثقافة واحدة ووجود حس التضامن فيما بينهم، وأنا لا اعتقد أن أيا منها قد توفر بالفينيقيين. (2)

إن الشائع بين الناس عن الفينيقيين أنهم بحارة مهرة وتجار أذكياء، استطاعوا أن يصلوا بسفنهم إلى كل مناطق البحر المتوسط، أسسوا فيها محطات ومستوطنات وحملوا اليها تجاراتهم وصباغهم الأرجواني وأبجديتهم، أما ما هو يقين للجميع فإن الفينيقيين قد شكلوا شعبًا واحدًا.

صدر كتاب كوين سنة 2017 بعنوان In Search Of The Phoenicians وقد غير بصدوره نظرة المجتمع العلمي عن الفينيقيين كليًا فما كان يقينًا عن أنهم شعب واحد قد أصبح اليوم غير صحيح. تشير كوين أن معظم الأبحاث المثيرة التي حصلت في العقود الماضية عن الهوية الفينيقية قد أهملت فكرت الهوية نفسها، وفي بحثها تحدت كوين كل ما كان مألوفًا عنهم وقالت إن المفاهيم القومية الحديثة هي من أنشأت الهوية الفينيقية وهذه الهوية قد خُلقت لتخدم أهدافًا سياسية في العصر الحديث. فكيف خدم الفينيقيون هذه السياسات الحديثة؟

الفينيقيون الجدد

البداية في لبنان او كم درج تسميتها لسنوات بأرض فينيقيا الأم، ظهرت فكرة الفينيقيين الجدد لأول مرة في كتابات المؤرخ اللبناني طنوس الشدياق حيث ربط بين فينيقيا ولبنان في كتابه history of the notables of mount Lebanon الصادر سنة 1859، يناقش في فصله الأول حدود لبنان وسكان المدن الفينيقية فيه. بعدها سرعان ما اخذت فكرة القائلة بأن اللبنانيين هم الفينيقيين القدماء ضجة واسعة في بداية القرن العشرين بين المهاجرين اللبنانيين في مصر والولايات المتحدة، وبمساعدة وثائق الحكومة الأمريكية التي هدفت إلى تحويل المهاجرين من الساحل السوري من عرب إلى فينيقيين من أجل رفع رتبتهم.

لم تصبح هذه الفكرة مشهورة في لبنان نفسه إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية، ومع قدوم التأثير الثقافي الأوروبي وما تبعه من انتداب فرنسي لأراضي سوريا ولبنان اعتنق هذه الفكرة بعض رواد الاعمال والسياسيين والنشطاء اللبنانيين، كان الهدف هنا هو تقسيم لبنان وفصله عن سوريا واقناع اللبنانيين أنهم ليسوا عربًا، بل ربطهم ثقافيًا وشكليًا وحتى روحيًا بحضارة أقدم بكثير من العرب بالحضارة الفينيقية.

لا يمكن أن نعلم على وجه الخصوص إذا ما كانت هذه النزعة نحو الماضي هي فعلٌ فطري طبيعي او أنها كانت ستحدث دون تدخل الفرنسيين لتحويرها، لكن الفينيقية لم تكن الحركة الوحيدة في الشرق الأوسط في أوائل القرن العشرين التي تريد العودة إلى جذورها القديمة، هنالك أيضا الفرعونية والاشورية والآرامية في سوريا والكنعانية في فلسطين.

لماذا التاريخ القديم مهم لهذه الحركات السياسية الجديدة؟

يقول المؤرخ البريطاني《 إريك هوبسبام – Eric Hobsbawm》 الدول هي كيانات حديثة تاريخيا تتظاهر بأنها كانت موجودة لفترة طويلة ولتكون دولًا من الأساس يجب ان يكون لها ماض متفق عليه بين جميع مواطنيها وليس ضروريًا أن يكون هذا الماضي حقيقي. إذا كان من الضروري للبنان الخارج حديثا من الانتداب الفرنسي ان يتذكر اجداده الفينيقيين العظماء ويربط هويته بهم ليتحول اللبنانيون اليوم إلى الفينيقيين الجدد.

ساعدت القومية الفينيقية الفرنسين على فصل لبنان عن سوريا لكنها قد وحدت التونسيين ضد الاستعمار الأوروبي وإن كانت هذه القومية حقيقية أم اختراعا حدث في القرن التاسع عشر لا بد من وجود أدلة ملموسة عليها.

نرشح لك: التضحية بالأطفال .. قصة فينيقيو قرطاجة

فينيقيون مجهولون

خلال حياتهم لم يطلق الفينيقيون على أنفسهم أي اسم، اليونان هم من اسموهم فينيقيين ولا يمكن الحسم في معنى هذه التسمية بعد، فربما دلت على لون أرجواني او شجرة النخيل أو على طائر الفينيق الخالد… اما الاسم الثاني الشائع عنهم فهو الكنعانيون، ويعتبر معظم الأكاديمييون اليوم أن هذا الاسم من أصل سامي أي أن الشعب المحلي وبلغته الخاصة قد عرف بهذا الاسم عن نفسه، لكن كوين تعود لتؤكد أن هناك القليل جدًا من الأدلة على هذا الاستخدام، وتقترح أن هذه الأدلة القليلة قد اسيء فهمها وتحليلها أيضًا. فالمرة الوحيدة التي وجدت فيها كلمة كنعان (KNʿN) مكتوبة بالفينيقية، كانت على عملات برونزية صكتها مدينة بيروت عام 168 قبل الميلاد، والتي أعطت اسم المدينة باسم أم لاوديكيا في كنعان (LʾDK ʾM BKNʿN).

تُؤخذ هذه العبارة أحيانًا كدليل بحد ذاتها على أن الفينيقيين قد سموا أنفسهم كنعانيين، لكن الواضح أن هذه العبارة تصف المدينة وليس سكانها، وسياقها السياسي يعني أنه لا ينبغي اعتبارها تسمية محايدة أطلقها الفينيقيون على أنفسهم فهي نسخة من اسم ” لاوديكيا في فينيقيا” الاسم الذي فرضه الملوك السلوقيون اليونانيون المقدونيون على بيروت، لتمييز المدينة عن لاوديكيا على البحر في أقصى الشمال.

لم يسموا أنفسهم فينيقيين ولا كنعانيين فكيف عرفوا عن نفسهم إذا؟ تجيب كوين عن هذا السؤال بالعودة إلى نصوص اللغة الفينيقية من المشرق نفسه، ما نسميهم اليوم فينيقيين قد عرفوا عن أنفسهم بالرجوع إلى مدنهم أو في كثير من الأحيان إلى عائلاتهم ومن الشائع بالنسبة للنقوش الفينيقية أن تسرد عدة أجيال من الأجداد والاسلاف كنوع من التعريف عن النفس.

موضة عالمية

عند الحديث عن الصناعات الحرفية الفينيقية لا يمكن تجاهل روعتها ودقة تصنيعها، اشتهر الفينيقيون بخزفياتهم وصناعاتهم العاجية المميزة التي صُدرت إلى معظم مناطق الشرق الأدنى والبحر المتوسط، وعادة ما تؤخذ هذه الصناعات كدليل قوي على ثقافة مشتركة لشعب واحد لكن المشكلة أن القليل من هذه القطع قد وجد على أرض فينيقيا الأم.

تقول كوين إن البشر ليسوا قطعا فخارية ودراستنا لمدى انتشار هذه القطع الأثرية لا يمكننا ان نقيس من خلاله حدود شعب ما. كان هنالك نمط دولي سائد في العصر البرونزي الحديث تم انتاج هذا النمط الموحد وشرائه عبر مناطق واسعة فهو ليس محدودا بفينيقيا، والانتاج الواسع لهذه القطع لا يعكس ثقافة شعب واحد بل يعكس موضة عالمية كانت سائدة في ذلك العصر.

عدة لهجات

عادة ما تؤخذ اللغة كدليل قوي على الهوية المشتركة وفي حالة الفينيقيين تقول كوين أنه لا يوجد أي دليل على أنهم تشاركوا لغة واحدة. الفينيقية العبرية المؤابية … كانوا يعتبرون جميعا لغات كنعانية وفي الفترة الحديدية كانت اللغة المستخدمة في المملكة الإسرائيلية قريبة جدا من اللهجة الفينيقية المحكية في المدن المجاورة لها، وفي الوقت نفسه كان هنالك لهجات مميزة داخل اللغة الفينيقية نفسها منها البونيقية المستخدمة في المستعمرات الغربية. على حد تعبير كوين لا يمكننا اعتبار أن الفينيقيين قد امتلكوا لغة مشتركة بل تكلموا عدة لهجات مختلفة كانت تشبه لهجات المحيطين بهم وقد تواصلوا فيما بينهم عبرها.

تفرقوا حتى لا تُحكموا

حتى الان كان النقاش عن الهوية الفينيقية بسلبية، هل كانوا شعبًا واحدا أم لا، لكن إذا نظرنا إلى الأمر بإيجابية فربما تعمد الفينيقيون كما درجت تسميتهم ألا يكونوا شعبا واحدا وألا تكون لديهم هوية مشتركة كشكل من أشكال المقاومة ومحاربة الاستعمار الأجنبي.

جادل《 جيمس سي سكوت – James C. Scott》 مؤخرًا في كتابه The Art of Not Being Governed (2009) بأن الأشخاص الذين يتمتعون بالحكم الذاتي والذين يعيشون على أطراف وحدود الدول التوسعية الكبرى يميلون عادة إلى تبني استراتيجيات لتجنب السيطرة المباشرة عليهم من قبل هذه الدول ولتقليل الضرائب والتجنيد الاجباري وعمل السخرة. (3) وقد ركز سكوت في بحثه على مرتفعات جنوب شرق آسيا، وهي منطقة تُعرف الآن أحيانًا باسم《 زوميا – Zomia》، وعلاقتها بدول المسيطرة على السهول الكبرى في المنطقة مثل الصين وبورما.

يصف سكوت في بحثه سلسلة من التكتيكات التي يستخدمها سكان هذه التلال لتجنب سلطة الدولة، بما في ذلك تشتتهم في التضاريس الوعرة، وتنقلهم، وممارساتهم الزراعية، وهوياتهم العرقية وهيكلهم الاجتماعي المرن. يقول سكوت في وصفه للوضع السياسي في تلك المنطقة أن التحالفات السياسية كانت محدودة وقصيرة العمر في زوميا. في الواقع، تبدو العديد من جوانب تحليل سكوت مألوفة في عالم البحر الأبيض المتوسط القديم، على أطراف الإمبراطوريات الزراعية العظيمة في بلاد ما بين النهرين وإيران وما هو مثير للاهتمام هنا هو الفائدة الكبيرة لمثل هذا الاسلوب في المنطقة الجبلية في شمال المشرق القديم.

بالعودة إلى بحث سكوت يمكن أن نرى بوضوح كيف استخدم سكان المشرق القديم مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات للتهرب من سيطرة القوة الإمبريالية عليهم. التشتت في التضاريس الوعرة والانقسام إلى عدة مدن وعقد تحالفات قصيرة الأمد كلها استراتيجيات اعتُمدت في فينيقيا للتهرب من سيطرة الامبراطوريات العظمى عليها. تفرقوا حتى لا تُحكموا، على حد تعبير سكوت.

كان الخيار الآخر المتاح أمام هذه الجماعات هو الذهاب إلى البحر، وهي منطقة مألوفة للفينيقيين حيث يمكن لخبرة ومعرفة البحارة المشرقيين أن تجعلهم وأنشطتهم غير مرئيين وغير خاضعين للمساءلة أمام أسيادهم في الشرق. قدم البحر أيضًا طريقًا للهروب من المزيد من سيطرت الإمبراطوريات المحلية.

مفاهيمنا الحديثة تشوه الماضي

لقد شوهت مفاهيمنا الحديثة عن الهوية والانتماء تاريخنا. لم يرى الفينيقيون يوما أنفسهم كشعب واحد بل ربما قد تعمدوا ذلك، ان تصنيفنا لهم بهذه الطريقة يعد تصنيفًا تعسفيا، لقد اعتمدنا على مفاهيم مصطنعة لتنظيم العالم وأنفسنا ومهما كان اعتقادنا بان هذه المفاهيم صحيحة فهذا لا يجعلها حقيقة علمية أو طبيعية. الحقيقة هي أنه وعلى الرغم من أن المؤرخين يعتقلون الموتى باستمرار من التاريخ ويفحصون جيوبهم بحثًا عن هويتهم، فهم عاجزون عن معرفة كيف كان الناس يفكرون حقًا في أنفسهم في الماضي، وبسبب هذا التركيز الأكاديمي التقليدي على عدد صغير من المجتمعات المتطورة وغير العادية فقد تم تشويه منطقة البحر الأبيض المتوسط القديمة وأهملت حضارات صغيرة أخرى وتم تصنيفها تعسفيا مع حضارات أخرى.

ليس لدينا دليل جيد على أن الناس القدامى الذين نسميهم اليوم فينيقيين قد عرفوا أنفسهم كشعب واحد أو تصرفوا كمجموعة مستقرة. وبدلًا من أن نملأ هذا الفراغ بقصص من خيالنا يجب أن نقبل الفجوات في معرفتنا. بانتظار اكتشافات أثرية حديثة لتملأ هذا الفراغ.

المصادر

  1. Mark Cartwright. The Phoenicians – Master Mariners.: Ancient History Encyclopedia 2016.
  2. QUINN J. IN SEARCH OF THE PHOENICIANS.: PRINCETON UNIV Press; 2019.
  3. Scott J. The art of not being governed. New Haven, Conn.: Yale University Press; 2011.

دور القدرة اللغوية القوية في الحد من الخرف

دور القدرة اللغوية القوية في الحد من الخرف

في دراسة جديدة قام بها فريق من جامعة واترلو-Waterloo، وجد الباحثون ان امتلاك قدرات قوية في اللغات قد يساعد في الحد من خطر الإصابة بالخرف.

وفحص الفريق النتائج الصحية لـ 325 راهبة كاثوليكية رومانية من أعضاء رابطة راهبات نوتردام في الولايات المتحدة.

استخرجت البيانات من دراسة كبيرة معترف بها دوليا لفحص الراهبات، تعرف باسم دراسة الراهبات.

دور القدرة اللغوية القوية في الحد من الخرف:

وجد الباحثون أن نسبة 6% فقط من الراهبات اللاتي يتكلمن أربع لغات أو أكثر مصابات بالخرف، مقارنة بنحو 31% من الراهبات اللاتي يتكلمن لغة واحدة فقط.

غير أن إجادة لغتين أو ثلاث لغات لم تقلل من المخاطر في هذه الدراسة، والتي تختلف عن بعض البحوث السابقة.

يقول الفريق أن اللغة هي قدرة معقدة لدماغ الإنسان، والتحول بين اللغات المختلفة يأخذ المرونة المعرفية.

لذا فمن المنطقي أن تكون الممارسة الذهنية الإضافية المتعددة اللغات نابعة من التحدث بأربع لغات أو أكثر سبباً في مساعدة أدمغتهم على اكتساب هيئة أفضل من المتحدثين بلغة واحدة.

كما فحص الباحثون 106 عينة من الأعمال المكتوبة للراهبات وقارنوها بالنتائج العامة.

ووجدوا أن القدرة اللغوية المكتوبة تؤثر على ما إذا كان الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالخرف.

على سبيل المثال، ساعدت الأفكار الكثيفة، عدد الافكار المختصرة في العمل المكتوب، على الحد من الخطر أكثر من تعدُّد اللغات.

وتبين هذه الدراسة أنه على الرغم من أن تعدد اللغات قد يكون هاما، فإنه ينبغي لنا أيضا أن نمعن النظر في أمثلة أخرى للقدرة اللغوية.

فنحن بحاجة في المستقبل إلى المزيد من الدراسات حول تعدُّد اللغات وجوانب مهمة أيضا كالعمر الذي يتم فيه تعلَّم اللغة للمرة الاولى، عدد المرات التي تنطق فيها بكل، ومدى تشابه أو إختلاف هذه اللغات.

ويمكن أن توجه هذه المعرفة الإستراتيجيات الرامية إلى تعزيز تعدد اللغات وغيره من أشكال التدريب اللغوي للحد من خطر الإصابة بالخرف.

أنجزت هذه الدراسة بقيادة سوزان تياس Suzanne Tyas بروفيسورة الصحة في جامعة Waterloo، ونشرت في مجلة Alzheimer’s Disease.

المصدر:

Knowridge

لا تنس تقييم المقال 🙂

Exit mobile version