تاريخ الموسيقى

قصة الموسيقى

بَنَت الموسيقى علاقة آمنة مع كينونة الإنسان القلقة. فمن جهة هي الصديق الأقدم، إذ أن علاقتنا معها تعود إلى أكثر من أربعين ألف عام. وهي من جهة أخرى الصديق الأقرب نظرًا لما تقوم به الموسيقى في وحدتنا. فهي تفتح عزلتنا على العالم بأرضه وسمائه، شره وخيره. وهي أيضًا الصديق الذي يحمل رسالتنا إلى الحضارات التي قد توجد في الفضاء المظلم. فمركبة فوياجر التي تبحر في الفضاء منذ خمسة عقود من الزمن تحمل رسالة ضميرنا في أسطوانة ذهبية. سوف أبين بإيجاز تاريخ الموسيقى منذ بداياتها الغامضة إلى مراحل تطورها.

ما الموسيقى وكيف بدأت؟

للوهلة الأولى، نستعد للإجابة على هذا السؤال بثقة كاملة، وكأن موضوعة الموسيقى بسيطة كصفاء الموسيقى نفسه. لكن، سؤال الماهيات دائما ما يحدث صعوبة من نوع خاص؛ ذلك لأنه يلقي بنا بين طرق كثيرة ومتداخلة. فهل سؤال (ما الموسيقى) سؤال تشريحي؟ تاريخي؟ فني؟ أو حتى فلسفي؟

يبدو أنه من المستحيل أن نحدد الموسيقى تحديدًا دقيقًا، ذلك لأن النقاش حول أصل الموسيقى يفتح حدودها على نشاطات بشرية وغير بشرية مختلفة. قد تُعتبر الأصوات التي تصدرها الحيوانات ولا سيما الطيور موسيقى، حتى الأصوات الناتجة عن ظواهر طبيعية كالمطر قد تكون لها اعتبارات موسيقية.

يصر العلماء على أنسنة تاريخ الموسيقى، ذلك لأن الموسيقى تختلف عن الأصوات التي تصدرها الحيوانات كإشارات للتواصل. بيد أن سؤالنا لا يزال يحتاج إلى التحديد، فالكلام مثلًا، قد يكون ضربة موسيقية. والأدوات التي استخدمها المزارعون لتخويف الحيوانات قد تعتبر أدوات موسيقية.(1)

تشير الدراسات العلمية على أن الموسيقى سبقت الكلام بفترة طويلة جدًا. ذلك لأن أسلافنا البدائيين، قبل أن يتمكنوا من نطق الحروف الساكنة كان بإمكانهم أن يصدروا شيئا يشبه اللحن أو النغمة الموسيقية.

كما تركز بعض الدراسات على الأصل الحركي للموسيقى، التصفيق، الحركات الإيقاعية والأصوات التي كانت تُصدر من أحجار الصوان التي كان الإنسان يستخدمها منذ عصور قديمة جدًا. غير أن الفرضية الأكثر ترجيحًا تؤكد على أن الغناء جاء أولًا، وربما أول الغناء كان غناء الأم وهي تنوم طفلها.(1)

لماذا كانت الموسيقى؟

تشير الدراسات الأنثروبولوجية على أن غاية ممارسة الإنسان للفعل الموسيقي كانت الرقص أو الترفيه أو الاتصال أو الطقوس:

الرقص:

تخبرنا الأنثروبولوجيا أنه عندما كان تنخرط مجموعة بشرية في عمل ما كانوا يعملون بشكل إيقاعي – يظهر ذلك في عمل الحصاد – وتمتماتهم كانت تتحول إلى نوع من الغناء. كما نجد أن الرقص من النشاطات القديمة جدًا وأي رقص كان يصحبه شيئا من الموسيقى.(1)

الترفيه:

سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي، لعبت الموسيقى دورًا بارزًا، لا سيما في العمل الجماعي. كما أن علاقة الأم بالطفل كانت ولا زالت فيها الكثير من الموسيقى والغناء، المسافر في سفراته الطويلة كان يجد في الموسيقى أنيسًا ورفيقًا لدربه الطويل.(1)

الاتصال:

في أفريقيا وأجزاء واسعة من العالم لعبت الموسيقى دور التلغراف والتواصل، بين الفرد وذاته، داخل الجماعة وحتى بين الإنسان والطبيعة.

الطقوس:

الحضور الموسيقي في الطقوس الدينية والإجتماعية التي تمارس حتى يومنا هذا، لها جذور قديمة قدم العلاقات الإنسانية. أن الطقوس التي مارستها الشعوب والمجموعات البدائية كان للموسيقى حضور بارز فيها. نظرًا لأن الطقوس ولا سيما الدينية كانت تعبر عن علاقات روحية مقدسة، بين الإنسان والإنسان أو بين الإنسان والسماء، إذ يمكن القول بأن الموسيقى كانت حضورًا إلهيًا في الطقس البشري.(1)

الموسيقى والدين:

إن لفظة الموسيقى مشتقة من موزس (Muses) ويذكر هزيود تسعة من الموزيات اللاتي كن آلهات، كان والدهن زيوس وكانت أمهن ميموري (Memory). كما أن أبولو أيضًا يعد من آلهة الموسيقى، وفي الأساطير المصرية بيس(2).

حسب أسطورة خلق الإنسان في الديانة الإيزيدية، حلت الروح في جسد آدم المصنوع من الطين وسط عزف الملائكة على آلتي الدف والشباب (شاز وقدوم)، ولا زالت الإيزيدية تقدس الآلات الموسيقية وتمارس طقوسها مع العزف الموسيقي.

في الأديان الأخرى أيضًا، ثمة الكثير من الاهتمام بالموسيقى. فالفرق الصوفية في الإسلام اهتمت بالموسيقى، كما شاعت بين الكثير من الفرق الغنوسية. وفي الكنيسة المسيحية أيضًا نجد الترانيم الدينية والموسيقى حاضرة في الطقوس الكنسية.

اقرأ أيضًا: كيف يكون النشوء مع والدين من نفس الجنس عامل للإصابة بالاكتئاب ؟

الآلات الموسيقية الأقدم:

اكتشف العلماء مزامير (Geisenklösterle Flutes) مصنوعة من عظام الحيوانات و عاج الماموت في كهف في جنوب ألمانيا، وعمر هذه المزامير 43000 سنة(3). يرى الباحثون أن العزف يعد من السلوكيات التي ميزت الإنسان العاقل عن نياندرتال، ذلك لأن العزف ساعدهم على تكوين شبكات إجتماعية أكبر ربما تكون قد ساعدتهم على توسيع أراضيهم على حساب إنسان نياندرتال(3).

أبواق توت عنخ آمون (Tutankhamun’s Trumpets):

تم اكتشاف هذه الأبواق في مقبرة توت عنخ آمون في عام 1922 ويزيد عمرها عن 3000 عام. وهي تعد من أقدم الأبواق المكتشفة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الأبواق ما زالت صالحة للعزف.(4)

مزامير جيهاو:

تم اكتشاف هذه المزامير في موقع جيهاو الأثري في الصين، ويقدر عمرها بين 7000 و 9000 سنة.(4)

ليثيوفون:

وهي عبارة عن آلة مصنوعة من الحجر، واكتشفها علماء الآثار في فيتنام وعمرها يقدر بين 4000 و10000 عام.(4)

آلة الثيران (Bullroarer):

وهي من الآلات الموسيقية الطقسية التي استُخدمت في الكثير من الثقافات للتواصل عبر مسافات طويل، وعمرها 30000 سنة.(4)

مزامير بالوليثك ( Paleolithic flutes):

يقدر عمرها بين 35000 إلى 40000 سنة.

فلوت Divje Babe:

هذا المزمار تم اكتشافه في سلوفينيا وعمره أكثر من 40000 سنة.

فلوت Geisenklösterle :

تم اكتشاف ثلاثة مزامير في كهف Geisenklösterle وتعتبر من الآلات الموسيقية الأقدم التي اكتشفت حتى الآن وعمرها 43000 سنة.(4)

موسيقى على مدى العصور:

الفترة المبكرة:

تبدأ هذه الفترة من القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع عشر. ترتبط هذه الفترة بالموسيقى الكنسية. كان هذا الشكل الموسيقي بسيطًا نسبيًا بخط موسيقي واحد ومن ثم خطين وثلاثة. ومن رواد هذه المرحلة دي فيرتي وماشوت ولانديني.(5)

عصر النهضة:

تعتبر هذه الفترة التي بدأت من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر عصرًا ذهبيًا على جميع الأصعدة الفنية. وتطورت الموسيقى بشكل ملحوظ فيه. برز النص الموسيقي الكوريالي في هذا العصر وبات فيه الكثير من التنوع والتباين، على سبيل المثال، تعزيز قسم معين من خلال جزء صوتي يتناقص مؤقتًا ومن ثم يعود من جديد في لحظة خاصة من التركيز. وبعد ذلك ابتعد الموسيقيون عن نظام التناغم التقليدي نحو نظام النغم المركزي أي المفتاح. يعتبر دولاند، تاليس، فيكتوريا وألونسو لويو من الأسماء البارزة لعصر النهضة.

العصر الباروكي:

من القرن السابع عشر إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، حدث انفجار موسيقى على جميع المستويات. يعد هذا العصر بداية ظهور الأوركسترا والأوبرا والكونشيرتو والسوناتا. ومن أسماء البازة في هذه الفترة: مونتيفيردي، كوريلي وأليساندرو ساكلارتي.

العصر الكلاسيكي:

يعد هذا العصر عصر السوناتا المتقدمة والسيمفونيات التي ما زلنا نستمع إليها بشغف وحب كبير، فهذا هو عصر باخ وموزارت وهايدن. بدأ هذا العصر من النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر.

العصر الرومانسي:

بدأت آلة البيانو تبرز بشكل قوي في المقطوعات الموسيقية. تتميز هذه الفترة بالعلاقة القوية بين الفن والمشاعر الإنسانية الجياشة، والموسيقى من الفنون التي توغلت في حالة الإنسان النفسية وعبرت عنها. ويعد بيتهوفن وشوبان وفاكنر من النجوم الساطعة في سماء الموسيقي لهذا العصر.

الخلاصة:

يقول نيتشه إنه لولا الموسيقى لكانت الحياة خطأ. ويقول سيوران إن موسيقى باخ هي الحجة الوحيدة التي تبرهن على أن خلق الكون لا يمكن اعتباره فشلًا تامًا. هذا الشيء العجيب الذي أبدعه الإنسان قبل آلاف السنوات يعد طفرة في التاريخ، إذا ما تحدثنا بلغة إنسانية صرفة يمكن القول بأن الموسيقى من أكثر الإبداعات البشرية التي تستحق الوقت عندها بإحترام. أن الموسيقى ربما بدأت عند الأم وهي تحاول أن تهدئ طفلها، أو ربما عندما حاول الإنسان أن يقلد الطبيعة. كما أن العلاقات الإجتماعية في المجموعات البشرية البدائية لعبت دورًا تأسيسيًا في ظهور الموسيقى والعكس صحيح.

مع مرور الزمن تحولت الموسيقى إلى نوع من الدين والتقديس تارة، ورسالة حربية تارة وشكل من أشكال التواصل العاطفي تارة أخرى. لكن، يمكن القول بأن الموسيقى صارت قيمة فنية خالصة مستقلة عن الغايات الأخرى منذ عصر النهضة. وفي العصر الكلاسيكي والرومانسي وصلت إلى قمة الجمال، وقد يكون هذا ما دفع شوبنهاور ليعتبر الموسيقى نوعًا من الحرية والخلاص من إرادة الحياة العمياء.

إقرأ أيضًا: ما هو الرابط بين الرياضيات والموسيقى؟

المصادر:

  1. Frontiersin
  2. Encyclopedia
  3. BBC
  4. Oldest
  5. Naxos

كيف يمكن للموسيقى أن تؤثر علينا؟

كيف يمكن للموسيقى أن تؤثر علينا؟

كيف يمكن للموسيقى أن تؤثر علينا؟ يمكن لإيقاعاتها أن تجعل أجسادنا ترقص ونغماتها وألحانها يمكن أن تثير المشاعر. حيث أظهرت الأبحاث أن الموسيقى لها تأثير عميق على الإنسان. كما تجلب الحياة للأفكار والذكريات الانفرادية، وتساعد على الشعور بالراحة وتخفيف الشعور بالوحدة، وتعزيز السعادة الخاصة أو المشتركة، وخلق مشاعر الحزن العميق والخسارة. تنقل الموسيقى المشاعر بوضوح بطرق تتجاوز قدرة الكلمات ومعظم أشكال الفن الأخرى. يمكن أن تحمل المشاعر المتقلبة للمرفقات والنزاعات البشرية في الأغاني الشعبية والأوبرا الكبرى، وتثير مشاعر الحشود في المناسبات الاجتماعية العظيمة. هذه الحقائق تتحدى العلوم المعرفية والعصبية المعاصرة. في الواقع، هناك مجال متزايد للرعاية الصحية يعرف باسم العلاج بالموسيقى، والذي يستخدم الموسيقى للشفاء. أولئك الذين يمارسون العلاج بالموسيقى يجدون فائدة في استخدام الموسيقى لمساعدة مرضى السرطان، والأطفال المصابين باضطراب الشخصية الحدية، وغيرهم، وحتى المستشفيات بدأت في استخدام العلاج بالموسيقى للمساعدة في إدارة الألم، للمساعدة في درء الاكتئاب، وتشجيع الحركة، لتهدئة المرضى، لتخفيف التوتر العضلي، وللعديد من الفوائد الأخرى. كما إن علم النفس الموسيقي يدعو علماء الأعصاب الذين يدرسون الدماغ العاطفي إلى كشف الطبيعة العصبية للتجربة العاطفية، والبحث عن رؤى جديدة تماما عن كيفية توليد العقل للتعلم والذاكرة. إن علم الموسيقى التواصلية – الأشكال والوظائف الديناميكية للإيماءات الجسدية والصوتية – يساعدنا على الاستفسار عن الكيفية التي يمكن بها لنبضات الموسيقى المحفزة أن تروي قصصا مقنعة. هذا يقودنا أيضا إلى السؤال عن علاقة الموسيقى البشرية بتراثنا العاطفي الحيواني والحركات الغريزية الديناميكية التي تنقل المشاعر. تقربنا الأبحاث حول الأنظمة العاطفية للحيوانات من شرح الجوانب التي لا تزال غامضة للتجارب العاطفية للإنسان، وبالتالي القوة العاطفية للموسيقى. بمساعدة الأبحاث التي أجريت على الحيوانات حول هذه النظم العاطفية وكيفية تفاعلها مع قدراتنا المعرفية، قد نجد نظرة جديدة على الموسيقى التواصلية كشكل من أشكال السلوك الاجتماعي المبتكر الذي يساعد على بناء العقول الاجتماعية لأطفالنا، لتسهيل الصحة العقلية والبدنية والتعلم. أن مشاعر الحيوانات وأساسها الكيميائي العصبي وحركات الجسم وعباراته التي يعبر عنها، قد تكشف عن المصادر العميقة للشعور الموسيقي لدى البشر. إنها تساعد في شرح كيف تدعم الموسيقى حياتنا الاجتماعية، وكيف يمكن لتفضيلاتنا الموسيقية أن تحدد هويتنا في مجتمعنا. نحن نربط علم الأعصاب المقارن للعواطف بالموسيقى الإيقاعية للتواصل بين الأم والرضيع. بأخذ النظر آثار إصابات الدماغ والاضطرابات الوراثية في نمو دماغ الأطفال، نستنتج أن التقدير المعرفي المكتسب للموسيقى يعتمد على الأنظمة العاطفية تحت القشرية التي تشغل بشكل فريد نصفي الكرة المخية. نلاحظ قدرات التدريس والشفاء في الموسيقى، ونربط التواصل بين المشاعر في الموسيقى بدوافع التعلم الثقافي، وخاصة لتطور اكتساب اللغة.

المصدر:

http://American Psychological Association

عن الفن القديم وفن بلاد الرافدين

هذه المقالة هي الجزء 2 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

فن بلاد الرافدين

بداية المدن والحضارة

حوالي 10000 قبل الميلاد، أرست بلاد الرافدين أعمدتها من قبل قبائل مجهولة من صيادي العصر الحجري القديم.

وبعد فترة قصيرة من العصر الحجري، سنة 7000 قبل الميلاد تقريبًا، تغيرت الثقافة من النمط البدائي شبه البدوي -والذي عُرف بالصيد وجمع المواد الغذائية- إلى نمط حياة أكثر استقرارًا، يعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات المستأنسة.

فقد أودى تشكيل القرى والمدن إلى سلسلة من الأنشطة الجديدة، كالتجارة وبناء القوارب لنقل البضائع، بالإضافة إلى نمو المعتقدات الدينية والاحتفالات والطقوس الخاصة بها.

وهي الأمور التي أدت مباشرة إلى تحسينات بالإمداد الغذائي، وبالتالي ارتفاع عدد السكان، لتنشأ بذلك أول مدن حضارية في العالم مثل أور وأوروك وإيردو، تليهم فيما بعد نينوى ونيبور وآشور وبابل.

السومريين

عاش السومريون القدماء في الجزء الجنوبي من العراق الآن، ويقع معقل سومر بين نهري دجلة والفرات، فيما أطلق عليه اليونانيون فيما بعد بلاد ما بين النهرين.

امتهن السومريون العديد من المهن، فقد عملوا كمزارعين وتجار وبحارة، وتعترف ديانتهم بالعديد من الآلهة الذين تم وصف مآثرهم ومعاركهم في الأساطير العديدة، والتي من الواضح أنها كتبت للأجيال القادمة.

أوروك

تنتهي فترة ما قبل التاريخ ببداية مدينة أوروك مباشرةً. ولقد سيطرت على جنوب بلاد الرافدين، وعرفت بإتقان نظام الري والإدارة فيها.

بداية الكتابة

لقد كانوا مبدعين بشكل مميز بشكل يجعلهم مسؤولون عن تطوير الكتابة الأولى، ويكاد يكون من المستحيل تخيل فترة ما قبل الكتابة، ومع ذلك، قد تشعر بخيبة أمل عندما تعلم أن الكتابة لم يتم اختراعها لتسجيل القصص أو الشعر أو الصلوات؛ بل لحساب السلع الفائضة، كفائض الشعير والماشية، وجرار الزيت!

فقد نشأ أصل اللغة المكتوبة بدافع الضرورة الاقتصادية، وكان أداة للنخبة الحاكمة (الكهنوتية) التي كانت تتتبع الثروة الزراعية للمدن بشكل أساسي.

الأحرف المسمارية

يمكن كتابة تلك الأحرف إما أفقيًا أو رأسيًا، على الرغم من أن النظام الأفقي كان الأشمل. ويوجد عدد قليل جدًا من تلك الحروف التي ليس لها سوى معنًا واحدًا، فمن الممكن أن تمثل العلامات المسمارية كلمة كاملة أو فكرة أو رقمًا أو مقطعٍ لفظي.

ونتيجة لذلك، كتبت الكثير من اللغات بالأحرف المسمارية عبر تاريخ الشرق القديم بسبب هذه المرونة.

وقد مر فن بلاد الرافدين بعدة فترات، تغير وتطور بها تطورًا ملحوظًا، ويمكن أن نقسم تلك الفترات إلى:

الفترة المبكرة

كان الفخار الخزفي هو الوسيلة الرئيسية لفن العصر الحجري الحديث، خلال الفترة المبكرة في بلاد الرافدين – والذي امتلك جودة أعلى بكثير من أي نوع من الفخار اليوناني الذي تم إنتاجه-.

وقد ظهرت حينها التصميمات الهندسية و الزخارف النباتية والحيوانية؛ حينما بدأوا بزخرفة العديد من المعادن الثمينة لتنتج لنا أجمل القطع الأثرية والأعمال الفنية.

وحوالي عام 3200 قبل الميلاد في بابل تم اكتشاف أول طلاء أظافر على الإطلاق، عندما قام الرجال بتلوين أظافرهم بالكحل، وهي مستحضرات تجميل قديمة تحتوي على كبريتيد الرصاص.

كان المعبد الأبيض من أعظم الأماكن الأثرية في أوروك تلك الفترة، والذي يعود تاريخه إلى أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد.

منظر عام لموقع المعبد الأبيض الأثري في العراق. اكتشف بواسطة وليام كينيت لوفتوس عام 1849. ويعتقد أن الاسم العربي لبابل، العراق، مشتق من اسم أوروك.

الألفية الثالثة

تمثال من الديوريت بتكليف من جوديا الذي أعاد بناء معابد لاجاش العظيمة وأمر بصنع تماثيل لنفسه فيها.

ظهر التمثال
الميداني القائم بذاته من الحجر والخشب خلال الألفية الثالثة، إلى جانب التماثيل البرونزية والمجوهرات الشخصية البدائية. وكانت النقوش الطينية أو النقوش على الأسقف شكلًا فنيًا مشهورًا، كوسيلة تستخدمها الطبقات المتعلمة لرواية القصص.

وتضمنت سلسلة من الأضرحة بعض التماثيل البرونزية، وخلال هذه الفترة، ظهر فن الأسر الغنية من خلال شخصيات بشرية رائعة مجسمة بالحجم الطبيعي بالحجر والنحاس، و بعض من الأختام الأكثر جمالًا على الإطلاق.

وهو الأمر الذي يشير إلى وجود أفضل نحاتين في المنطقة، ومما يؤكد على ذلك عدد “تماثيل جوديا” الذي لا يحصى، والتي مازالت حتى الآن.

الألفية الثانية

سقطت سلالة أور الثالثة في عام 2003 قبل الميلاد، وكان شمال بلاد ما بين النهرين تحت سيطرة آشور، بينما سيطرت بابل على الجنوب.

كانت هذه هي الفترة التي طور فيها الآشوريين منحوتاتهم الحجرية؛ كما يتضح من التماثيل والنقوش الأثرية التي زينت قصور الملوك.

قوانين حمورابي

كانت قوانين حمورابي واحدة من أقدم وأكمل القوانين المكتوبة، التي أعلنها الملك البابلي حمورابي.

وهي مجموعة من 282 قانون للتعاملات التجارية والغرامات، وعقوبات للوفاء بمتطلبات العدالة. تم نقش تلك القوانين على أسطوانة حجرية سوداء ضخمة، تم نهبها من قبل الغزاة لكن اكتشفت أخيرًا في عام 1901.

الإمبراطورية الآشورية وسقوط بابل (934-539)

ظهر الآشوريون في القرن العاشر قبل الميلاد كقوة مهيمنة في الشرق الأدنى، فقاموا ببناء قصور ضخمة ومعابد في نينوى ونمرود؛ والتي كانت تحرس بواباتها الحجرية الأسود أو الثيران المجنحة.

إمبراطور بابل ومدينته الأسطورية

حدائق بابل المعلقة

شرع الملك البابلي (نبوخذ نصر الثاني) في جعل عاصمته ببلاد الرافدين واحدة من أكثر المدن روعة في العالم. ففي تلك الفترة، خصوصًا في أواخر القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، قام بتزيين المدينة بالمعابد والقصور وبنى أهم ما فيها: بوابة عشتار، وحدائق بابل المعلقة.

تمثيل لحدائق بابل المعلقة، الحدائق الأسطورية التي زينت عاصمة الإمبراطورية البابلية. بواسطة فرديناند كناب، ١٨٨٦ م.

حينما أضاف الإمبراطور تلك الحدائق الواسعة إلى مدينته، انتشر صيتها في جميع أنحاء العالم القديم. تعد حدائق بابل واحدة من عجائب الدنيا السبع، وهي المعجزة الوحيدة التي يتنازع وجودها بين المؤرخين.

يزعم بعض العلماء أنها كانت في نينوى، عاصمة الإمبراطورية الآشورية، وبعضهم يتشبث بالكتّاب القدامى وينتظرون علم الآثار لتقديم دليل إيجابي، وما زال آخرون يعتقدون أنها مجرد نسج من الخيال القديم.

يتم وصف تلك المدرجات الحجرية العالية بأنها تشبه الجبال، والتي زرعت مع العديد من أنواع الأشجار الكبيرة والزهور. لكن لم تكن المدرجات قد خلقت فقط تأثيرًا جماليًا لطيفًا للنباتات المعلقة؛ ولكنها جعلت الري أسهل.

ويقال أن سبب إنشاء الحدائق هو لجعل زوجة الملك البابلي تشعر بالحنين إلى وطنها الأخضر المليء بالتلال، لكن للأسف لا توجد إشارة إلى ملكة بهذا الاسم في السجلات البابلية.

بوابة عشتار

بنيت بوابة عشتار 575 قبل الميلاد مع أبراجها الجميلة، وتصويرها في بلاطات من الحيوانات الحقيقية والخيالية. زينت تلك البوابة بالثيران والتنانين والأسود بطريقة غاية في الجمال.

وفي غضون قرن من الزمن ، تم نسيان الفن السومري والأكادي والبابلي والآشوري، حيث بدأ العالم في تجربة النحت اليوناني ، كما يتضح من التماثيل المعمارية في البارثينون، وكذلك التماثيل السامية للنحت اليوناني الكلاسيكي الرفيع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

Khan Academy
Visual Art Cork
Metmuseum.org
Ancient History
History.com

Exit mobile version