Ad
هذه المقالة هي الجزء 3 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

هل شعرت يومًا أنك تحب شخصًا ما أو تبغضه لسبب غير معلوم؟ هل وجدت نفسك في موقف ما تجادل وتدافع لأسباب لا تستطيع صياغتها بوضوح؟ أو هل نسيت اسم شخص ما في الوقت غير المناسب ولا تعرف لماذا؟ أجاب فرويد عن هذه الأسئلة، وطور نظرية شيقة للغاية عن دوافع البشر ورغباتهم. لكن في البداية دعونا نتعرف على عالم النفس الأشهر في التاريخ الحديث الذي تؤثر أفكاره على رؤيتنا للأمور حتى وقتنا الحالي.

حياة فرويد

ولد سيجموند فرويد في النمسا عام 1856م. وعاش في مدينة فيينا حتى عام 1938م، حيث انتقل إلى لندن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ليتوفى فيها بعد مرور عام واحد إثر إصابته بالسرطان. لا ترجع شهرة فرويد إلى اكتشاف بعينه ولكن لتطويره نظرية شاملة للعقل البشري. ورغم شهرته الواسعة إلا أنه كان محل نفور كبير بسبب تعصبه لنظريته عن التحليل النفسي والترويج المستمر لها. كان نتاج فرويد الفكري غزير، لكنه لم يخل من شطحات وأراء غريبة حقًا منها فكرته حول «حسد القضيب-Penis Envy». حيث اعتبر فرويد النساء ببساطة رجال بدون قضيب. واعتبر حسد القضيب مرحلة تمر بها جميع الفتيات في نموها الجنسي، حيث تكتشف افتقادها للقضيب فتتمحور حياتها حول هذا النقص دائمًا! جانب آخر أكثر تشويقًا وأهمية من فرويد هو فكرته عن وجود الدافع اللاواعي، وفكرته عن ديناميكية اللاوعي أو الصراع اللاواعي.

رغبة صادقة.. ربما لا؟

يفسر «الدافع اللاواعي-Unconscious Motivation» السلوك البشري أنه نتاج لرغبات ودوافع وذكريات مكبوتة في اللاوعي. حيث آمن فرويد أن الجزء الأصغر من العقل البشري واعٍ وقابل للملاحظة، أما النسبة الأكبر لا واعية ولها التأثير الأكبر على أفعالنا. مثال على ذلك: إذا سألك أحدهم لماذا تود الزواج من هذا الشخص؟ فيأتي جوابك لأني أحبه، أو لأني أود تكوين عائلة. وربما تكون إجابتك صادقة لكن فرويد له رأي آخر، بالرغم من صدق إجابتك لايزال هناك رغبات ودوافع قد لا تكون واعيًا بها. لذا ربما تود الزواج من هذا الشخص لأنك تود الانتقام من شخص قام بخيانتك! قبول فكرة الدافع اللاواعي مخيف للغاية، على الرغم من سهولة استيعابه في إطار الإدراك البصري، حيث ننظر حولنا فنرى الأشياء ونتعرف عليها بشكل لاواعي ولا نتذمر بهذا الشأن. لكن تطبيقها على المشاعر والقرارات مرهق ويشكك في صدق كل شيء.

الهو والأنا والأنا الأعلى

الشخصية البشرية معقدة وتتكون من عدة عناصر تبعًا لفرويد، وهي الهو والأنا والأنا الأعلى. يظهر كل عنصر منها في مرحلة عمرية مختلفة ويسهم في تطوير جانب معين من الشخصية.

يظهر «الهو-The Id» عند الولادة ويعمل بشكل لا واعي. فهو الجزء الحيواني البدائي من الإنسان الذي يريد إشباع رغباته من جوع وعطش ودفء ويريد إشباعها فورًا. يعمل الهو على مبدأ اللذة وهو ما يفسر به فرويد نشأة البشر، الهو الخالص والرغبة الخالصة في اللذة.

لكن سرعان ما يدرك الطفل أن هذا الأمر ليس واقعيًا، ليس كل ما تريده تحصل عليه. مما يؤدي إلى تطوير مجموعة من ردود الأفعال للتكيف مع هذه الحقيقة. إما عن طريق التخطيط لإشباع الرغبة أو التخطيط لكبحها. وهذا النظام يُعرف باسم الأنا. يعمل «الأنا-The Ego» على مبدأ الواقعية، ويرشد الهو للحصول على اللذة بطريقة واقعية ومقبولة. ويمثل الأنا بالنسبة لفرويد أصل الوعي البشري.

وأخيرًا «الأنا الأعلي-Super Ego» الذي يظهر في سن الخامسة ويعمل تبعًا لمجموعة القواعد المنضوية للأبوين والمجتمع. فما يحدث هو أنك تحاول إشباع اللذة لكن تُؤنب أو تُعاقب. وما يمثله الأنا الأعلى هنا هو صوت الضمير الذي يمنع كل رغبات الهو تبعًا لمعايير مثالية وليست واقعية. لذا لا يقل الأنا الأعلى سذاجة عن الهو.

صراع دائم

يقع الأنا بين الهو والأنا الأعلى، ويستمر الصراع بشكل لا واعي بين هذه العناصر الثلاث دائمًا. وهذا ما يفسره فرويد في فكرته عن ديناميكية اللاوعي أو «الصراع اللاواعي- Unconscious Conflict». فلا ينهاك الأنا الأعلى عن فعل الأشياء الخاطئة فقط، بل ويمنعك من التفكير فيها. حيث يبعث الهو كل هذه الرغبات المجنونة والعنيفة ويقوم الأنا الأعلى بكبحها فلا تصل إلى الوعي. لكن للأسف لا تسير الأمور بسلاسة طوال الوقت. فتتسلل بعض هذه الرغبات لتظهر في الأحلام أو زلات اللسان أو حتى كأعراض مرضية.

وصف فرويد الآليات المختلفة التي نستخدمها لمنع رغبات الهو من الوصول إلى الوعي بـ «آليات الدفاع-Defense Mechanisms». وهي الآليات التي نستخدمها بشكل لا واعي لإنكار رغباتنا المشينة. كأن نمنحها تبريرًا لائقًا، أو نقوم بإسقاطها على شخص آخر، أو تركيزها على شيء آخر،أو حتى الهروب منها. وتبعًا لفرويد هذه الآليات ليست مَرضِيةً على الإطلاق، بل هي جزء من الحياة الطبيعية للحفاظ على التوازن بين أجزاء اللاوعي المختلفة.

فرويد وتطور الشخصية

أشهر أعمال فرويد وأكثرها إثارة للجدل هي نظريته عن النمو النفسي الجنسي للطفل. رأى فرويد أن الطفل يمر بعدة مراحل نفسية جنسية حتى تتطور شخصيته البالغة. قسم فرويد هذه المراحل إلى خمس، كل منها مرتبط بمنطقة شبقية محددة وحدوث خلل في أي من هذه المراحل يؤدي إلى ثبات الشخص بها.

المرحلة الأولى وهي «المرحلة الفموية-Oral Stage» التي يكون الفم فيها مصدر اللذة. ويبدأ الصراع عند الفطام المبكر للرضع، الذي يسبب صفات مثل الاعتمادية أو العدوانية عند الكبر، كما يرتبط بمشكلات أخرى مثل الإسراف في الأكل والتدخين واستهلاك الكحول.

المرحلة الثانية وهي «المرحلة الشرجية-Anal Stage» ويصبح التحكم في حركة الأمعاء والمثانة هو مصدر اللذة، لذا يتدرب الطفل على استخدام المرحاض، وتبعًا لفرويد يرتبط حدوث خلل في هذه المرحلة بصفات مثل البخل أو الهوس.

المرحلة الثالثة وهي «المرحلة القضيبية-Phallic Stage» وتكون الأعضاء التناسلية فيها مصدر اللذة. تفسير فرويد لهذه المرحلة شيق للغاية ويرتبط بمصطلح “عقدة أوديب”. تبعًا لفرويد يرى الطفل والده كخصم أمام عاطفته تجاه أمه، ويفكر في التخلص منه بقتله مثلًا، لكن بما أن الطفل لا يدرك وجود الحواجز بين ما يحدث داخل عقله والعالم الخارجي يشعر أن والده يعلم ما يدور بعقله وسيعاقبه، العقاب الذي يخشاه الطفل هو استئصال أعضائه التناسلية!

المرحلة الرابعة وهي «مرحلة الكمون-Latent Stage» تستمر هذه المرحلة حتى البلوغ، وفيها تهدأ جميع المشاعر الجنسية وتتطور الجوانب الأخرى من الشخصية.

المرحلة الخامسة وهي «المرحلة التناسلية-Genital Stage» التي تبدأ عند البلوغ وتستمر حتى الموت، ويتطور فيها الاهتمام بالجنس الآخر.

التقييم العلمي لنظريات فرويد

تتعرض نظريات فرويد للكثير من النقد وتعد محل جدل كبير. وبالرغم من غزارة إنتاج فرويد الفكري ألا أن أغلبه يرفضه العلم ولا يُدرس بشكل أكاديمي ولا يعمل به علماء النفس في وقتنا الحالي. النقد الأكبر الذي تتعرض له هذه النظريات هو افتقادها لما عرفه الفيلسوف الإنجليزي كارل بوبر بـ «القابلية للدحض-Falsification». وصف بوبر الفارق بين العلمي وغير العلمي بأن العلم يقدم إدعاءات قوية عن العالم وهذه الإدعاءات يمكن اختبارها وإثبات خطأها، أما إذا استحال إثبات خطأها فهي ليست جيدة بما يكفي لاعتبارها علم.

وهنا تكمن مشكلة نظريات فرويد، فهي مرنة وغامضة للغاية لدرجة لا يمكن إثبات صحتها بأي طريقة موثوقة. مثال على ذلك: لا يوجد أي دليل أن الصفات المرتبطة بالمرحلة الفموية أو الشرجية مثل الاعتمادية والبخل ذات علاقة بالفطام المبكر أو التدرب على استخدام المرحاض. كذلك أراء فرويد حول الجنس والمثلية لها قليل من الدعم التجريبي. أما الإدعاء أن التحليل النفسي أثبت نجاحه في علاج الأمراض العقلية فهو ليس صحيحًا تمامًا أيضًا، فيوجد علاجات أسرع وأكثر مصداقية. كذلك لا تساعد هذه الطريقة في تخفيف أعراض بعض الأمراض مثل القلق والاكتئاب.

لكن على الرغم من النقد اللاذع الذي تعرض له فرويد، تبقى فكرة ديناميكية اللاوعي ذات أهمية كبيرة. حيث أُثبت أن الكثير من العمليات العقلية تعمل بشكل لا واعي مثل: فهم اللغة الذي يحدث بشكل طبيعي وغريزي في جزء من الثانية، كذلك الأنشطة التي تتكرر بشكل يومي. وفي الختام يمكننا التأكيد أن الجزء الأكبر من نظريات فرويد وتفاصيلها خاطئة ومرفوضة تمامًا، لكن تبقى الفكرة العامة لفرويد، فكرة أننا لا نعي بشكل كامل لماذا نحب ما نحب ونكره ما نكره، صحيحة وتثبت نفسها في فروع علم النفس حتى اليوم.

المصادر

  1. IEP
  2. thepsychologist
  3. psychology
  4. verywellmind
  5. verywellmind

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم نفس فكر

User Avatar

Esraa Ahmed

إسراء أحمد، مصر. طالبة بالسنة الأخيرة لكلية العلاج الطبيعي، محبة للقراءة والكتابة الإبداعية، مهتمة بمجال الأدب وعلم النفس والصحة النفسية.


عدد مقالات الكاتب : 29
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق