التاريخ الكبير: مم يتكون الكون؟

سلسلة التاريخ الكبير: مم يتكون الكون؟ لطالما سحرنا الكون بغموضه، لكن في القرن الماضي، تمكن العلماء من إزالة بعض من الغموض الذي يحيط بالكون، كما اكتشفنا بعض الأمور المثيرة، على سبيل المثال علمنا أن الفراغ ليس عدمًا كاملًا، ولكنه يحوي «تقلبات كمومية-Quantum fluctuations» تُنشئ جزيئات ومضاداتها، ليتحد الجزيء و مضاده ليعودوا كما كانوا فراغًا، ولكن هذا الاكتشاف المثير قد يدفعك للتساؤل عن ماهية المادة من الأساس، في الواقع، نحن نعرف الكثير، دعونا نناقش في سلسلة التاريخ الكبير: مم يتكون الكون؟

1- الالكترونات

كما نعلم جميعا تدور الالكترونات حول نوى الذرات بسرعة تقارب سرعة الضوء، وهذا لا يسمح لنا بقياس سرعته و تحديد مكانه في نفس اللحظة، تقف قوانيننا عاجزة أمام هذا الجزيء الصغير ذو الشحنة السالبة.

2- «الكواركات-Quarks»

تحتوي نواة الذرة على البروتونات والنيوترونات، واللذان بدورهما يوجد بداخلهما جزيء أصغر، يدعى بالكوارك، وحجم الكوارك أصغر من حجم البروتون بألف مرة، إذ أن كل بروتون يحتوي على ثلاث كوراكات، وكل نيوترون يحتوي على ثلاثة أيضًا، كما أن للكواركات أنواع مثل : «الكوارك العلوي-Up quark»، «الكوارك السفلي-Down quark»، وغيرهم، إلا أن هذان النوعان هما ما يكوّنان المادة التي في كوننا، و يحتوي البروتون على كواركان علويان وكوارك سفلي، بينما يحتوي النيوترون على كواركان سفليان وكوارك علوي.

3- «الالكترون نيوترينو-Electron neutrino»

ليس مكونًا من مكونات الذرة، لكنه يغمر كوننا بجسيماته طوال الوقت، جسيماته القادرة على اختراق كل شيء دون أن نشعر بها، إذ أن في الثانية الواحدة يخترق مئة بليون من هذا الجسيم إبهامك!
لا تزال خصائص النيوترينو مجهولة لدى المجتمع العلمي، كما أننا لا نعرف أي دور يلعب في بناء كوننا، ربما نجيب عن هذه الأسئلة في المستقبل القريب.

4- «المادة المضادة-Antimatter»

كانت المادة المضادة افتراضًا تنبأت به معادلات العالم «بول ديراك-Paul Dirac» في عام 1926، إلا أننا استطعنا إنتاجها في المعامل، كما رصدناها في التقلبات الكمومية، إذ أن الالكترون له جسيم مضاد بشحنة موجبة ويدعى بال «بوزيترون-Positron»، كما أن للبروتون جسيمًا مضادًا كذلك، ويدعى بال «البروتون المضاد-Antiproton»، فلكل جسيم من جسيمات المادة جسيمًا مقابلًا من جسيمات المادة المضادة.

عندما يلتقي جزيء بنظيره من المادة المضادة، يتحدان سويًا ليفنيا ويتحولا إلى طاقة وفقًا لمعادلة ألبرت أينشتاين الشهيرة E=MC^2، التي تنص على أن المادة والطاقة ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، وهذه بالضبط هي فكرة «المسرعات الجزيئية-Particle Accelerators»، حيث يقوم الفيزيائيون بتسريع الجسيمات لتصطدم ببعضها منتجةً طاقة هائلة، وبحسب كمية الطاقة تنشأ جسيمات جديدة، إذ اكتشفنا نوعًا أثقل من الكواركات، وهو «الكوارك القمي-Top quark»، ونوعا أثقل من الالكترونات، وهي «الميونات-Muons»، ونوعا أثقل من النيوترونات، وهي ال «ميون نيوترينو-Muon neutrino»، وكل هذا عن طريق مصادمة الجزيئات ببعضها البعض، لتنتج طاقة، ومن ثم تتركز هذه الطاقة لتتحول إلى جسيمات جديدة.

ولكن لماذا لا نجد المادة المضادة بوفرة في الطبيعة مثل المادة؟ ولماذا هذه الجسيمات بالتحديد؟ وهل توجد جسيمات أخرى؟

كل هذه أسئلة لا نعرف لها إجابة في الوقت الحالي، لكن لربما كنت أنت أيضًا المجيب عليها، والفائز القادم بجائزة نوبل في الفيزياء.

من كورس ل Coursera مقدم من «جامعة أمستردام-Amsterdam university».

لقراءة الجزء الأول من هنا

ماهو الاندماج النووي المحفز بالميوونات ؟

ماهو الاندماج النووي المحفز بالميوونات ؟

بعد أكثر من 70 سنة من البحوث العلمية حول الاندماج النووي لم نتمكن إلى يومنا هذا من إنشاء مفاعل اندماج نووي قادر على إنتاج الطاقة مثل مفاعلات الانشطار النووي، تعود صعوبة اﻷمر إلى الشروط اللازمة لتحقيق الاندماج النووي والحفاظ عليه لمدة طويلة، يتطلب تحقيق الإندماج النووي توفير درجات حرارة مهولة كحرارة قلب الشمس، لذلك فالاندماج النووي الذي يستخدمه البشر حاليا هو اندماج غير متحكم به فيما يعرف بالقنابل الهيدروجينية، وكل مفاعلات الاندماج النووي في مخابر البحث تتطلب طاقة أكبر لتحقيق الاندماج من الطاقة التي تنتجها.

ماهو الاندماج النووي؟

تتكون الذرة من نواة موجبة الشحنة وحولها سحابة إلكترونات سالبة الشحنة، تتسبب هذه الشحن في حقول كهرومغناطيسية وعند محاولة دمج نواتين تتسبب القوى الكهرومغناطيسية في تنافر النواتان ﻷن كلاهما موجب الشحنة، يحث الاندماج النووي عند تعريض الذرات لدرجات حرارة عالية كالتي في قلب الشمس، تحت هذه الظروف تتحول النادة إلى بلازما (تفقد الذرات الإلكترونات وتبقى اﻷنوية وحدها) فتتحرك أنوية الذرات بسرعات كبيرة فعند تصادمها تتغلب على قوي التنافر الكهرومعناطيسية وتندمج لتشكل نواة واحدة مع إنتاج كمية مهولة من الطاقة.

رسم توضيحي لتفاعل اندماج نووي

الاندماج النووي في الطبيعة:

يحدث الاندماج النووي في الطبيعة داخل النجوم بسبب كتلة النجم الهائلة التي تتسبب في الجاذبية المذهلة للنجم ينضغط النجم تحت تاثير جاذبيته ممايتسبب في ظروف متطرقة من الحراة والضغط داخله مما يتسبب في دمج أنوية الهيدروجين داخله، ينتج الاندماج داخل النجم طاقه هائلة تمنع النجم من الانضغاط أكثر على نفسه، يواصل النجم في دمج الهيدروجين لهيليوم لملايير السنين إلى أن ينتهي الهيدروجين فينضغط النجم أكثر ليدمج الهيليوم إلى كربون وهكذا إلى أن يتحول قلب النجم الى حديد فينفجر فيما يعرف ب«Supernova» سوبر نوفا ﻷن الحديد لايمكن دمجه ﻷنه لاينتج أي طاقة، الحديد أشبه برماد النار الذي لايمكن حرقه.

الاندماج النووي داخل نجم

هل من طريقة أخرى:

بما أن الاندماج النووي صعب التحقيق و بعد 70 سنه من البحوث مازلنا لم نتمكن من تصنيع مفاعل نووي لإنتاج الطاقة فهل من طريقة أخري لاتتطلب هذه الظروف المتطرفة التي يصعب انشاؤها والتحكم فيها. لحسن الحظ توجد طريقة تم إكتشافها سنة 1953 تعرف ب يتم فيها استخدام جسيمات دون ذرية معروفة بالميوونات «-μ» لتحفيز تفاعل الإندماج.

ماهي الميوونات؟

الميوونات هي جسيمات دون ذرية تنتمي لعائلة اللبتونات، الميوون له نفس خصائص الالكترون لكنه أثقل منه ب 207 مرة، عمر الميوونات قصير جدا إذ ان نصف عمر الميوون 2.2 ميكروثانية، يتحلل الميوون إلى إلكترون ونيوترينوين، لكن بسبب السرعة الكبيرة التي يسافر بها الميوون يأخذ مدة أطول للتحلل.
يتم إنتاج الميوونات في مسرعات الجسيمات عن طريق صدم البروتونات بسرعات عالية أحد نتائج هذا الإصطدام هو جسيمات باي«-π» تتحلل هذه اﻷخيرة إلى ميوونات بعد مدة قصيرة.

رسم توضيحي لتحلل الميوون

كيف يمكن إستعمال الميوونات لتحفيز الاندماج؟

لنأخذ الديتريوم D (نظير هيدروجين يحتوي على بروتون ونيترون) والتريتيوم T (نظير هيدروجين يحتوي على بروتون ونيترون) كوقود نووي ﻷنه سهل لتحقيق الاندماج، جزيئات الهيدروجين في الفقرة التالية متكونة من ذرة ديتريوم وذرة تريتيومDT أو ذرتي ديتريوم DD.

تتكون جزيئات الهيدروجين من ذرتي هيدروجين كل ذرة يدور حولها إلكترون بسبب حركة الالكترونين حول ذرتي الهيدروجين داخل جزئ الهيدروجين تتغير المسافة بين نواتي الهيدروجين فتقترب وتبتعد لكن هناك إحتمال ان تصطدم النواتان وتندمجا لكن هذا الإحتمال شبه معدوم ﻷن المسافة بين النواة ومدار الالكترون كبيرة جدا على مقياس ذري، وهنا يأتي دور الميونات.

ﻷن الميوون له نفس خصائص الإلكترون إذا قمنا بحقن الوقود النووي بالميوونات ستأخذ الميوونات مكان الالكترون لتكون ذرات تدور حولها ميوونات ولأن الميوون أثقل من الإلكترون ب207 مرة فسوف تتكون ذرات أصغر 207 مرة من الذرات العادية إذا كونت هذه الذرات جزيئات فسيزيد إحتمال دمج نواتي الهيدروجين، بعد اندماج النواتين ينتقل الميوون لذرة أخرى ويتسبب في تفاعل اندماج آخر لكنه في الاخير يلتصق بالذرة بعد الاندماج ولا ينتقل لذرة أخرى يسمى هذا التفاعل «Muon-Catalyzed Fusion» ويمكن أن يحدث في درجة حرارة الغرفة أو في درجات حرارة منخفضة جدا.

إحتمالات إلتصاق الميوون بالذرة الناتجة عن الاندماج في مختلف حالات الاندماج

تم تحقيق هذا التفاعل بالصدفة عام 1956 من طرف الفيزيائي Luis Alvarez و فريقه، ليحصل فيما بعد على جائزة نوبل سنة 1968

هل يعتبر ال«Muon-Catalyzed Fusion» مصدر للطاقة؟

يعتبر الاندماج مصدر مغري للطاقة حيث ينتج كمية كبيرة من الطاقة دون أن يترك أي مخلفات خطيرة مثل الانشطار النووي لكن التكنولوجيا الحالية لاتسمع باستعمال .. كمصدر للطاقة ﻷن إنتاج ميوون واحد يتطلب حولي 10 جيجا إلكترون فولط، يمكن لهذا الميوون ان يتسبب في 100 عملية إندماج منتجا حولي 2 جيجا إلكترون فولط قبل أن يلتصق بالذرة الناتجة عن الاندماج، مما يعني أن الطاقة اللازمة ﻹنتاج الميوون أكثر من الطاقة التي ينتجها.
أحد الحلول الممكنة هي إيجاد طريقة لنزع الميوون بعد إلتصاقه عن طريق رفع درجة حراحرة الوقود النووي أو إستعمال بديل أثقل من الميوون، على كل حال سيأخذ اﻷمر الكثير من البحث والموارد قبل أن يكون هذا التفاعل مصدر للطاقة.

المصادر:

Exit mobile version