عن الفن القديم والفن الفارسي

هذه المقالة هي الجزء 7 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

عن الفن القديم والفن الفارسي

يعد الفن الفارسي من أقدم وأعرق الفنون القديمة. وكانت بلاد فارس (إيران الآن) واحدة من الدول التي غزاها المسلمون في القرن السابع، والتي تقع في جنوب غرب إيران الآن.

ظهر العصر الذهبي لـ الفن الفارسي خلال القرنين التاسع والعاشر، حين حكمت الإمبراطورية الساسانية في عام 651 وانتهى حكمها بالفتح الإسلامي لبلاد فارس.

أنشأ الفرس إمبراطورية هائلة تمتد من وادي السند إلى شمال اليونان، ومن آسيا الوسطى إلى مصر، وكانت أول إمبراطورية عرفت بالديانات واللغات والمنظمات السياسية المختلفة لمواطنيها.

تبادلت الثقافات ومجموعات الفنون بين تلك الدول على نطاقٍ واسع، وخصوصًا شمال إفريقيا مماأدى إلى خلق نوعٍ من الفن يُعرف بالفن الإسلامي، لكن لم يكن بالضرورة كل من شارك فيه مسلمين سواء من الدول أو الفنانين.

كان الفرس من أكثر تلك الدول نفوذاً بين تلك الدول الإسلامية بسبب خلفيتهم في الفن والعمارة.

أصبح تأثير إيران واضحًا في الأدب العربي، فقد تم نقل العديد من الأساطير والحكايات عبر إيران إلى العالم العربي، ومنه إلى أوروبا الغربية. وقد شمل هذا التأثير: الفن المرئي والعمارة والموسيقى والطب.

رُسمت لوحات الكتب –الممنمات- لشخصيات حيوانية لتصوير الإخلاص والغدر والشجاعة- والتي أدت لانتشار الخط الفارسي الذي أصبح دراسته أحد أكثر التخصصات المرغوبة حتى الآن.

سمات الفن الفارسي

بعد أن أصبحت فارس جزءًا من الإسلام، تطورت فنونها البصرية وفقًا للقواعد الإسلامية، ويعد أحد أهمها هو حظر تصوير الكائنات الحية ونحتها، مما أدى إلى انخفاض فوري في النحت الفارسي، وإجبار اللوحة الفنية على أن تصبح زخرفية أكثر.

مع ذلك، استمرت الأشغال المعدنية والفن الزخرفي والسيراميك والنسيج بالازدهار، بالإضافة إلى اعتبار الخط العربي والأزهار والتصاميم الهندسية أساس هذا الفن.

يمثل الشكل التالي التصاميم المستوحاة من الأزهار:

كُتبت وحفرت الكلمات بالخط العربي باعتبارها وسيلة الوحي الإلهي، فقد حفرت على الجدران وحول القباب وذلك باستخدام القواعد الهندسية. وطُبقت أصول الفن الفارسي بعدة أشكال:

الفسيفساء

استخدمت الفسيفساء والزخارف الأخرى على نطاق واسع في المساجد والمباني الأخرى، فكانت الأسطح الملونة بالأزرق والأحمر والأخضر المستخدمة في البلاط الخزفي، جزءًا من الهندسة المعمارية الفارسية.

التذهيب والخط

مثال على التذهيب الفارسي.

ومع منع رسم الأشكال الحية، طوّر أحد أشكال الفن الإسلامي الشعبي في بلاد فارس وهو ما يسمى بالتذهيب، وهو زخرفة المخطوطات والنصوص الدينية وخاصة القرآن.

الفن الفارسي والمغول

حين غزا المغول إيران تحت قيادة جنكيز خان، بدأت حقبة فنية جديدة بشكلٍ جديد، فقد شكلت هذه الحقبة العديد من السلالات طوال القرن الثالث عشر، وذلك بسبب تقسيم الإمبراطورية بين أبناء جنكيز خان.

نتيجة لذلك، ساهمت كل أسرة في الفن وساعدته على النمو مما أدى إلى ظهور العصر الذهبي للفن الفارسي وخصوصًا الرسم.

كانت الرسوم التوضيحية (Illustrations) والخط هي التخصصات الرئيسية التي انتشرت على نطاق واسع في زمن الفن الفارسي، بالإضافة إلى اللوحات التي مثلت ثقافة المغول، رغم وجود انتقادات ضد عرض الفرس كأشخاص مغوليين في ذلك الوقت.

التصوير والمنمنمات

حوالي عام 1150، ظهرت العديد من مدارس الفن الديني والتي تخصصت في تصوير المخطوطات من مختلف الأنواع، وكلها موضحة برسومات مصغرة.

مخطوطة من كتاب “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” للقزويني. دار الكتب والوئاثق القومية. مصر، القاهرة.

تطور هذا الشكل الفني ليصبح تقليدًا فنيًا مهمًا في إيران ليصبح اسمه (فن المنمنمات).

كان الفنان الفارسي بهزاد من أشهر رسامي المنمنمات، والذي أصبح رئيس أكاديمية (هيرات) للرسم والخط في نهاية القرن الخامس عشر. وقد تم تنفيذ لوحاته ذات المناظر الطبيعية بأسلوب واقعي باستخدام لوحة ألوانٍ غاية في الزهو واللمعان.

منمنمة للفنان كمال الدين بهزاد، 1488.

أصبحت حينها بغداد وهيرات وسمرقند وبخارى وتبريز مراكز الفنون الرئيسية.

تطور فن المنمنمات في بلاد فارس بشكل ملحوظ، وقد ارتبطت إيران بالصين من خلال التبادلات التجارية التي يشار إليها عادة باسم طريق الحرير، والذي كان فعالًا ليس فقط للتوسع في التجارة، ولكن في تبادل الأفكار الفنية أيضًا.

توسعت العلاقة أكثر بين الفنانين الصينيين والفرس بعد غزو المغول للصين وإيران.

أما الفنانين، فقد تعاونوا في تحسين فن المنمنمات وجعلوه فنًا شائعًا لزخرفة الكتب وصنع الصور لشخصيات أسطورية وعائلات ملكية، بالإضافة لمشاهد الصيد والمعارك والاحتفالات.

سمات المنمنمات

في المنمنمات الفارسية التقليدية، لا يتم تطبيق مبادئ المنظور، فالفنان يعتقد أن المنظور هو وهم بصري، ولكي يتمكن من الوصول إلى الوسط الإلهي عليه أن يمتنع عن مراعاة مبادئ المنظور.

ومن الخصائص الأخرى لهذا الفن، أنه يستخدم النقاط لإنشاء ظلال، كما هو الحال في بعض أعمال الانطباعيين، وفي فن البوب.ومع ذلك، لم تجد المنمنمات الفارسية مكانا في الهندسة المعمارية والديكور للمباني الدينية، فكان عالم الهندسة هو المصدر الرئيسي لإلهام الفنانين لتزيين المساجد ومدارس العلم الشرعي والأضرحة.

ومن أهم المميزات لهذا الفن أنه يتمتع بدقة عالية في التفاصيل. فقد كان الفنان الفارسي يتجنب
الفراغ في فنه لنجد أن كل جزء من العمل الفني يحمل تفاصيل مستقلة عن العمل بأكمله.

اقرأ أيضًا عن الفن الإسلامي والبيزنطي

المصادر:

mi.sanu
Visual arts
Theartist

الفن القديم والفن الآسيوي الفن الصيني والفن الياباني

هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

الفن القديم والفن الآسيوي الفن الصيني والفن الياباني

أنجبت القارة الآسيوية الضخمة أنواعًا عديدة من الفنون التي تسبق أي شيء ينظر إليه في الغرب لكن يعتبر أهمها الفن الصيني والفن الياباني.

Dogū – 1000 BC – 400 BC One of several small Japanese statues in which human and animal are combined. Tokyo Museum, Japan.

كان للفن الصيني تأثيرًا كبيرًا على الفنون والحرف اليدوية الأخرى في دول شرق آسيا كالهند واليابان، وعلى الرغم
أن الأخيرة حققت شهرة عالمية في مجالات متنوعة كالخزف وطي الورق (الأوريغامي) والتصوير بالحبر
ونحت الخشب.

وقد تطور الفن الهندي -والذي تميز بطول العمر الاستثنائي- بشكل أكثر استقلالية عن الفن الصيني على الرغم من تأثره بشدة بالنحت اليوناني والفن الإسلامي الفارسي.

الفن الصيني

انتجت الصين فنًا متنوعًا على مدار آلاف السنين، وعلى الرغم من التطور المستمر للتقنيات والتغيرات الكثيرة
للخامات والأذواق بالإضافة لتأثير الأفكار الجانبية الفردية، يوجد بعض الصفات الكامنة في الفن الصيني والتي تجعل معرفته وتمييزه ممكنًا بشكل واضح، بغض الظر عن مكان وزمان إنتاجه.

وتشمل تلك الصفات الأساسية حب الطبيعة، والإيمان بالقدرة الأخلاقية والتربوية للفن، بالإضافة للإعجاب بالبساطة وتقدير كل ما تنجزه الفرشاة.

وقد لوحظ الولاء للعناصر والتصاميم المستخدمة بشكل كبير، كأوراق اللوتس والتنانين.

أثر الفن الصيني تأثيراً هائلاً على جيرانه في شرق آسيا، ولا يزال التقدير العالمي لإنجازاته، لكن الفرق المهم بين الصين والعديد من الثقافات القديمة الأخرى هو أن نسبة كبيرة من الفنانين الصينيين لم يكونوا محترفين، بل كانوا هواة.

طلاب الفيلسوف (كونفوشيوس) بمعرفتهم لمبادئه الرصينة مَن نشروا الشعر كرجال أدب، وكان الفن بالنسبة للصينيين عمومًا وسيلة لالتقاط وعرض النهج الفلسفي في الحياة، لذا غالباً ما كان الفن الذي أنتجوه ضئيلًا أو متقشفًا فنيًا قليلًا للعين الفنية الغربية.

كان الفن طوال تاريخ الصين يُقصد به التعبير عن الشخصية الجيدة للفنان وليس مجرد عرض لمهاراته الفنية العملية.

كانت الفنون الحقيقية الصينية هي الخط والرسم، وقد تمت طباعة النصوص لتوجيه الناس حول تاريخ الفن الصيني مع معلومات مفيدة لمزايا الفنانين السابقين، فأصبح شكل الفن موحدًا بطريقةٍ ما باتفاقياتٍ يجب الالتزام بها، وذلك حين نسخوا فنون القدماء للتعلم منها.

واحدة من أشهر النصائح حول الفن الأكثر شهرة وطويلة الأمد، هي القائمة المكونة من ست نقاط للناقد والمؤرخ في القرن السادس الميلادي (شي هي).

عند النظر في مزايا اللوحة ، يجب على المشاهد تقييم ما يلي (والنقطة الأولى هي الأكثر أهمية):

  1. صدى الروح وانعكاسها، أي وجود الحيوية في اللوحة.
  2. حركة العظام (الجسد)، أي طريقة استخدام الفرشاة.
  3. الاتصال بين الفنان والعنصر، وهو إتقان الأشياء لتأخذ شكلها.
  4. جدارة طريقة الكتابة، والتي تتعلق بوضع طبقات الألوان.
  5. التقسيم والتخطيط ، أي أهمية الترتيب.
  6. وراثة طباع الفن القديم، وذلك بنسخ النماذج الفنية القديمة.

وقد كانت هذه القواعد صارمة نسبيًا لإنشاء الفن وتقديره؛ للاعتقاد بأنه يجب أن يفيد المشاهد بطريقة أو بأخرى.

لكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك من تجاهل الاتفاقيات وخلق أعماله بطريقته الفريدة، كحال أي فن في العالم. فقد سُجلت حالات لفنانين رسموا على أنغام الموسيقى ولم يرمقوا حتى إلى اللوحة بنظرةٍ أثناء الرسم، ولشخص آخر لم يرسم إلا وهو في حالة سكر، وذلك باستخدام قبعته قبعته بدلاً من الفرشاة!

هناك أيضًا من استخدم أصابع يده وقدمه للرسم، حتى أن واحدًا قام برش حبر على الحرير على أرضية الاستوديو، وقام بجر مساعدٍ له فوقها!

التصوير الصيني

رسم الصينيون بمواد مختلفة العديد من الأشكال، وقد رسموا على الجدران والتوابيت والصناديق، وقاموا بتزيين لفائف الحرير المحمولة في اليد أو المعلقة على الجدران، بالإضافة لأغلفة الكتب، لكن كان على كل فنان أن يصنع أحباره الخاصة بشق الأنفس لعدم وجود إنتاجٍ تجاريٍ لها.

أما الموضوعات الأكثر شيوعًا للوحة الصينية هي الصور الشخصية (البورتريه) والمناظر الطبيعية. وقد تمتعت لوحات الوجوه بضبطٍ وإتقانٍ شديدين؛ لأن الشخص المرسوم عادةً ما كان عالمًا أو راهبًا أو مسؤولًا في المحكمة.

مما دعاهم لتصوير تلك الشخصيات الأخلاقية باحترام، لتخرج لنا النتيجة بتلميحات واضحة للعاطفة، أو معبرة بشدة عن السمات الشخصية بمهارة.

تفصيلة من لوحة جدارية في مقبر “هان” لامرأتين. 25-220 م. Zhengzhou, Henan province, China.

خُصص فرع كامل لرسم الشخصيات التاريخية في بعض المشاهد التعليمية من حياتهم، وذلك لإظهار السلوكيات الأخلاقية بشكلٍ واضحٍ في اللوحة.

بطبيعة الحال، كانت هناك لوحات أكثر واقعية يمكن رؤيتها في اللوحات الجدارية للمقابر، بالإضافة للوحات للحياة الأسرية الصينية والتي وضعت عادةً في حدائق البيوت.

أما المناظر الطبيعية، فقد كانت موجودة طوال فترة وجود الفنانين لكنها قد انطلقت عندما اهتم الفنانون أكثر بمكانة الإنسانية في الطبيعة.

عادةً ما قصد بلوحات المناظر الطبيعية التقاط موسم معين من السنة، ولا ينبغي أن تفاجئ عند رؤية هيمنة المياه والجبال على تلك اللوحات؛ فجملة “منظر طبيعي”  باللغة الصينية تترجم حرفيًا إلى “الجبال والمياه”.

وفقًا للإيمان بأهمية التفكير والتأمل في الطبيعة الهادئة، فنادرًا ما وجد أي شيء يزعج هدوء لوحات المناظر الطبيعية، كالعمال مثلًا والزراعيين.

كانت اللوحات التفصيلية لحيوان أو زهرة أو طائر مشهورة بشكل خاص، وأصبحت بعض الحيوانات رمزية لبعض الأفكار، فقد أشير إلى الزواج السعيد بزوج من بط الماندرين، ورسمت الغزلان إشارة للمال، حين دلت الأسماك على الخصوبة والوفرة.

نفس الشيء للنباتات، فالخيزران ينمو بشكل مستقيم وصحيح؛ كما ينبغي أن يكون عليه الباحث الجيد، ويمثل الصنوبر والسرو القدرة على التحمل، أما الخوخ فيعبر عن طول الدوام.

النحت الصيني

أما بالنسبة للنحت، فقد اتخذ معاييرًا أخرى لا تقل جمالًا عن سابقتها، لكن للأسف لم تنج أعمال كثيرة مه، لكن لا يزال من الممكن رؤية بعض الأمثلة الضخمة مثل تلك المقطوعة من الوجه الصخري في كهوف Longmen، ومعبد Fengxian بالقرب من لويانغ.

يوجد مثال آخر من أشهر ما أنجب النحت الصيني وبمقياس الحجم الطبيعي للإنسان، هو “جيش التيرا- كوتا”، وهو عبارة عن أكثر من 7000 محارب و 600 خيل، بالإضافة للعديد من العربات؛ وذلك لحراسة مقبرة الإمبراطور (تشين).

“Terracotta Army”

وما يميز تلك القطع الفنية هو المجهود الجبار المبذول لجعل كل شخصية فريدة على حدى، على الرغم من أنها مصنوعة جميعها من أجزاء مجمعة محدودة من الجسم والمصنوعة من قوالب، لكن تم إعطاء وهم أن الجيش لشخصيات حقيقية مكون بأفرادٍ مختلفين، بتعديلات ماهرة وبسيطة لكلٍ من الوجه والشعر.

الفن الياباني

جاء محو الأمية إلى اليابان عبر الصين، وتم اعتماد نظام الكتابة الصيني على الرغم من أنه تم تطوير أبجدية صوتية، وكما هو الحال في الصين، كانت النتيجة أن الرمزية المرتبطة بالنباتات والحيوانات وغيرها من الأشياء أثرت بشدة على محتوى ومعنى الفن الياباني والتصميم.

بعد القرن الرابع عشر، تطورت اللوحة اليابانية بطرق مختلفة، وأصبحت تلك الاختلافات واضحة حين عزلت اليابان نفسها عن العالم الخارجي (خلال القرنين 17 و 19).

تميل اللوحة اليابانية إلى أن تكون كلا الشيئين: أكثر تجريدية وأكثر طبيعية وواقعية من نظيرتها الصينية، ويميل النمط الياباني عمومًا إلى التقليل من الأساسيات بمحاولة لالتقاط الشكل والخصائص الأساسية لموضوع معين.

كما طور أسلوب الرسم المسمى “Ukiyo-e” والذي أصبح معروفًا للغربيين بشكل رئيسي من خلال المطبوعات المحفورة على الخشب في القرن التاسع عشر، طرقًا مميزة ومثيرة لاستخدام الخط واللون في المناظر الطبيعية والبورتريه وغيرها من الموضوعات.

Example for (Ukiyo-e). “The Great Wave off Kanagawa”, 1615–1868, color woodblock print.

تطور فن المناظر الطبيعية إلى مستوى عالٍ، حيث خلقت الترتيبات المصممة بعناية وَهم تم فيه التقاط جوهر الطبيعة. وقد تم عزل الزهور الفردية أو الأشجار وغيرها من النباتات والحيوانات وحتى الحشرات، بالطريقة نفسها؛ في سياق الرمزية المرتبطة بكل لوحة.

النحت الياباني

تعتبر اليابان خزانة لبعض أعظم المنحوتات في العالم، وكلها دينية تقريبًا، وتعتمد بشدة في البداية على نماذج من الفن الصيني.

ينقسم التاريخ الياباني قبل أن تأتي البوذية إلى ثلاثة عهود رئيسية، وبدأت من هذه الفترات في الغالب النحت الخزفي الصغير.

التصوير بالحبر – Zen-Ink Painting

اشتهر اليابانيون بطريقة التصوير والتلوين بالحبر الأسود، والتي تسمى Zen-Ink Painting. واعتمدت الطبقة المحاربة على ذلك النوع من الفن.

فقد تأسست أخلاقيات الساموراي (المحاربين) وبراعتهم على مبادئه، فكان يجب أن تكون ضربات الساموراي عفوية وفورية، دون أي تفكير يتداخل بين الهدف والفعل، وكان ذلك مضمون تلك التقنية الفنية.

وبحلول القرن الرابع عشر، سيطرت تلك التقنية على الفنون
في اليابان حيث هيمنت على الفن الآسيوي كله. وقد استخدم الحبر الصيني الأسود الخالص كالوسيط الرئيسي، وقد تم رسم المواضيع أيضًا من المرجع الصيني، كالمناظر الطبيعية
وفصول السنة والبورتريهات.

كانت تلك التقنية مرهفة الحس للغاية، وذلك أثناء إنشاءها ومشاهدتها، وهي تتطلب الكثير من الجمال والرؤية مباشرة، باعتبارها انعكاس عفوي حساس للطبيعة على الورق، وقد تم تحقيق ذلك من خلال تقنيات التأمل العديدة.

تميز فن الحبر الياباني بالاستخدام المتكرر للمواضيع الشائعة كالدينية، لكن من المهم أن نلاحظ هنا أنه على الرغم من أن اللوحات لشخصيات دينية، فإنها عادة ما تجعل الموضوع
إنسانيًا تمامًا وخاليًا من العديد من زخارف الدين.

لعل أكثرالموضوعات شهرة بتلك التقنية هي المناظر الطبيعية، لكن يكمن التميز هنا بأن الموقف الآسيوي عمومًا تجاه قوة الطبيعة قام بتشريب تلك اللوحات بروحانية معينة، غير شائعة في المناظر الطبيعية الغربية.

في كثير من الأحيان تم تصوير شخصيات أخرى من الطبيعة كالطيور والخيزران والأشجار، بنفس الجودة الروحية.

ما ذكرناه آنفاً هو ما ميّز الفن الصيني والياباني بحق.

اقرأ أيضًا عن الفن الفرعوني

المصادر:

Visual Arts cork
Ancient
Char.txa.cornell
Academic

الفن القديم والفن الروماني

هذه المقالة هي الجزء 5 من 9 في سلسلة مقدمة في تاريخ الفن القديم

سلسلة الفن القديم والفن الروماني

أصل الفن الروماني

كان الفن الروماني القديم واسعًا ومنتشرًا للغاية، فقد امتد إلى ما يقرب من 1000 عام بين ثلاث قارات، أوروبا وإفريقيا وآسيا. ويعود تاريخ الفن الروماني إلى عام 509 ق.م مع تأسيس الجمهورية الرومانية، واستمر حتى عام 330 م.

بدأ الفن الروماني بصب الكثير من الثقافات في مدينة روما باعتبارها بوتقة انصهار حضارية، ولم يكن لدى الرومان أي قلق بشأن التأثيرات الفنية الأخرى من ثقافات البحر المتوسط التي أحاطت بها وسبقتها.

من الشائع أن نرى التأثيرات اليونانية والمصرية والإتروسكانية -حضارة قديمة عاشت في إيطاليا- على جميع أشكال الفن الروماني.

عندما أدرك النقاد أن عدد كبير من أفضل القطع الرومانية كانت في الواقع نسخًا، أو على الأقل مستوحاة من الأصول القديمة التي فُقدت، بدأ تقدير الفن الروماني  -بعدما ازدهر جنبًا إلى جنب بجانب فنون العصور الوسطى وعصر النهضة– بالنزول.

على الرغم من أن روما ظلت لفترة طويلة مركزًا للفن الروماني، ظهرت حينها مراكز عديدة لإنتاج الفنون متبعة اتجاهات وأذواق خاصة بها، لا سيما في الإسكندرية وأنطاكية وأثينا.

نتيجة لذلك، جادل بعض النقاد في أمر عدم وجود شيء اسمه (الفن الروماني).

تطور الفن الروماني

من الجدير بالذكر أن القطع الفنية المنتمية للمدن التي غزاها الرومان سُلبت وتمت إعادة عرضها على الجمهور.

تم إنشاء المدارس الفنية في جميع أنحاء الإمبراطورية تحت تدريس الفنانين الأجانب، بالإضافة لنشر ورش العمل في كل مكان، وقد أصبح الفن متعلقًا بشكلٍ شخصي بالأفراد والأفكار، وذلك للزيادة الكبيرة لرعاة الفنون من الجهات الخاصة، بدلاً من رعاية الدولة.

يظهر ذلك جليًا في الأشكال النابضة بالحياة للأفراد في اللوحات والمنحوتات. وعلى غير عادة الحضارات السابقة، أصبح الفن متاحًا لجميع طبقات المجتمع وليس للأثرياء فقط.

العلاقة بين الفن الروماني واليوناني (الإغريقي)

كثيرًا ما اختلط علينا الأمر بين الفنين اليوناني والروماني؛ وذلك لأن الفن اليوناني أثّر تأثيرًا قويًا على الممارسات الفنية الرومانية، وعلى الرغم من غزو روما لليونان، فقد أخذت روما الكثير من التراث الثقافي والفني منها، معتمدةً عليها في إنتاج أكثر أعمالها شهرة.

كُلِّف العديد من الرومان بإصدار نسخ من الأعمال اليونانية الشهيرة تعود لعدة قرون سابقة؛ مما نراه الآن في إصداراتٍ رخاميةٍ رومانية، من تلك الأصول البرونزية اليونانية المفقودة، مثل تمثال “Doryphoros” للفنان (Polykleitos).

نسخة من تمثال “Doryphoros” من العصر الروماني للفنان (Polykleitos). متحف نابولي الأثري الوطني. المادة: الرخام. الارتفاع: 2.12 متر (6 أقدام و 11 بوصة).

ولم يؤمن الرومان -كما نفعل اليوم- أن نسخة العمل الفني تقل قيمة من العملي الأصلي، لكن رغم ذلك صُنعت النسخ في أغلب الأحيان بتغييرات بسيطة عليها، ولم تكن نسخًا مباشرة.

وقد تم إجراء تلك التغييرات على سبيل الدعابة، وذلك بتحويل العنصر الجاد و”البائس” في الفن اليوناني رأسًا على عقب.

لذا فالفنان الروماني لم يكن مجرد ناسخ، بل تكيف بطريقة واعية ورائعة مع الثقافات الأخرى، فتلك القدرة الإبداعية على التحويل وجمع العناصر وإضافة لمساتٍ من الفكاهة، هي ما جعلت الفن الروماني “رومانيًا”.

سمات الفن الروماني

أعتنق فنانو العصر الروماني الفن الكلاسيكي بشكلٍ مذهل، والذي أخذوه عن الفن اليوناني بفترتيه: الكلاسيكي والهيلينستي.

وتشمل تلك العناصر الكلاسيكية عدة خصائصٍ، منها:

  • الخطوط الناعمة والأقمشة الأنيقة
  • الأجسام العارية المثالية
  • الأشكال الطبيعية بشكلٍ مبهر، والنسب المتوازنة

والتي أتقنها الإغريق على مدار قرونٍ من الممارسات الشاقة.

وقد ولع معظم أباطرة الرومان بالفن الكلاسيكي، فقد تم صنع تمثال “Augustus of Primaporta” في نهاية حياة الإمبراطور “Augustus“، ورغم ذلك جسّده التمثال في فترة الشباب وأظهره بوسامة مثالية وجسم رياضيّ، وتم استخدام جميع سمات الفن الكلاسيكي عليه.

“Augustus of Primaporta”، القرن الأول الميلادي. متاحف الفاتيكان. حقوق ملكية الصورة: Steven Zucke.

وكان الإمبراطور “Hadrian” معروفًا باسم ” philhellene”، أي العاشق لكل ما هو يوناني! فقد بدأ في ارتداء “لحية الفيلسوف” اليونانية في ظهوره الرسمي أمام الشعب، والتي لم يكن سمع أحد بها من قبل هذا الوقت، وقام بتزيين قصره بالكثير من اللوحات اليونانية المشهورة.

لكن بعد ذلك، بدأت الإمبراطورية بالابتعاد عن التأثيرات الكلاسيكية السابقة والرجوع لفنون العصور القديمة، والذي نراه واضحًا في منحوتة (Chariot procession of Septimus Severus).

وقد شملت خصائص الفنون القديمة عدة أشياءٍ، أهمها:

  • الإظهار بواجهةٍ أمامية
  • صلابة الأقمشة والملابس وعدم انسيابها
  • الخطوط العميقة المحفورة؛ مما يجعل الشكل يبتعد عن الطبيعة
  • ظهور الأشخاص كمجموعات وقلة الفردية
Chariot procession of Septimus Severus، تعود لعام 203 ق.م. متحف القلعة، طرابلس، ليبيا.

وقد شمل الفن الروماني مجموعة واسعة من الوسائط والخامات، فقد تضمن أعمالًا من التصوير الجداري (الفريسكو) والفسيفساء والرخام، وأنتج الكثير من الأعمال الفضية والبرونزية وغيرها، بالإضافة لاستعماله الأحجارِ الكريمة.

وذلك بالإضافة لاهتمامهم بالفنٍ المصنوعٍ خصيصًا للمنازل، والذي قام ملّاكها بعرض الأعمال الفنية فيها للجمهورِ والزوار، بغرض العرض والتعليم.

أخذت الزخارف اهتمامًا كبيرًا في منازل ذلك العصر، وتم دمج جميع اللوحات الجدارية والفسيفساء والمنحوتات بسلاسة مع العناصر الفاخرة الصغيرة كالتماثيل البرونزية والأوعية الفضية.

أما بالنسبة للمواضيع التي استخدموها، فقد تراوحت بين عدةٍ شائعين:

  • تماثيل الأسلاف المهمة والمشهورة
  • المشاهد الأسطورية والتاريخية
  • الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية

وقد أدى استخدام تلك الأفكار لخلق فكرة رئيسية عند الجمهور تعبر عن مدى وسع معرفتهم الفكرية، وكأنما نقعوا في الثقافة نقعًا.

النحت الروماني

صنع النحاتون الرومانيون نسخهم الشهيرة من روائع وأعمالٍ لا تقدر بثمن من اليونان القديمة؛ والتي كانت ستخسر تمامًا وجودها في الفن العالمي، وقد خُصصت مدارس لنسخ الأعمال اليونانية الأصلية الشهيرة، في أثينا وروما نفسها.

فضّل الرومان البرونز والرخام على أي شيء آخر على أعمالهم، وقد أنتجوا أيضًا نسخًا مصغرة من النسخ الأصلية اليونانية، والتي جُمعت من قبل عشاق الفن ووضعها في المنازل.

لكن بحلول منتصف القرن الأول الميلادي، بدأ الروم بالابتعاد عن جذورهم اليونانية فسعى الفنانون لالتقاط وإنشاء تأثيرات بصرية للضوء والظل من أجل واقعية أكبر.

نُحتت التماثيل النصفية باهتمامٍ أكبر بالتجاعيد والندوب لتحاكي الحقيقة، بالإضافة لجعلهم التماثيل الكبيرة أكثر ضخامة.

التصوير الجداري الروماني

كانت التصميمات الداخلية للمباني الرومانية بدميع أنواعها مزخرفة بألوان وتصاميم جريئة، والتي تراوحت بين تفاصيلٍ معقدة وواقعية إلى الأشكال الانطباعية. وقد وجدت في المباني العاملة والمناز والمعابد والمقابر، وصولًا للهيئات العسكرية.

تفصيلية من لوحة جدارية لحديقة في الهواء الطلق من غرفة الطعام من قصر “Livia” زوجة أوغسطس. قصر ماسيمو، روما، إيطاليا.

فضل رسامو الجدران الرومان ألوان الأرض الطبيعية، مثل الدرجات الداكنة من الألوان من الأحمر والأصفر والبني، وقد استخدمت الأصباغ الزرقاء والسوداء أيضًا في التصاميم البسيطة.

شملت موضوعات التصوير الجداري مشاهد من الأساطير والطبيعة، بالإضافة لاستخدامهم المنظور المعماري لإضفاء خداعٍ بصري، بالإضافة للنباتات والحيوانات.

قام الرومان بتصوير المناظر الطبيعية ومناظر كاملة للمدينة بتقنية البانوراما وبزاوية 360 درجة بشكلٍ مذهل، والتي نقلت المشاهد من حدود غرفته الصغيرة إلى عالمٍ لا حدود له من خيال الرسام.

من الأمثلة البارزة على ذلك، بيت ” Livia” في روما والذي يتضمن بانوراما لحديقة تم صنعها بشكل انطباعي، والذي يدور حول غرفةٍ واحدة بشكل كامل متجاهلًا الزوايا تمامًا.

أغراض الفن الروماني

تم استعمال الفن الروماني لعدة أغراض، منها: العسكري والديني والجنائزي. أما العسكري، فقد قامت الأعمال التذكارية ذات الوظيفة التعليمية والاحتفالية باحتلال مكانة كبيرة في فن ذلك العصر.

عبّرت الأقواس والأعمدة -مثل قوس تيتوس (Arco di Tito) وعمود تراجان (Trajan’s Column)- عن الانتصارات والحروب والحياة العسكرية عن طريق تصوير الأراضي الأجنبية وأعداء الدولة أحيانًا.

عمود تراجان أو “Trajan’s Column”. من أشهر المعالم الأثرية الرومانية، يرجع لعام 113 م . روما، إيطاليا.

ثم تم التعبير عن الفن الديني في العصر الروماني بشدة –كحال كل الفنون القديمة-. فقد صنعت تماثيل غاية في الجمال للعبادة تمثلت في آلهتهم: ك ڤينوس وجوبيتر.

شقت ديانات وآلهة من ثقافات أخرى طريقها للعاصمة الرومانية، كالإلهة المصرية “إيزيس” والإلهة الفارسية “ميثراس” حتى وصول المسيحية في نهاية المطاف.

جلبت كلًا من هذه الديانات مجموعاتها الفريدة من القطع الفنية إلى الثقافة الرومانية؛ لنشر عبادتها وتعليم أتباعهم.

أما بالنسبة للفن الجنائزي، فقد ترك الرومان وراءهم صورًا عرفتهم كأفراد معروفين بعد موتهم، وغالبًا ما أكدت الصور الجنائزية على السمات الفريدة للأشخاص، أو الآلهة المفضلة لديهم.

استخدم الفن الجنائزي الروماني العديد من الخامات وامتد على جميع الفترات، وقد تضمن عدة أشياء، منها:

  • التماثيل النصفية
  • نقوش على الحائط في المقابر جماعية للطبقة العاملة
  • والمقابر المزينة للعائلات العريقة

بالإضافة إلى ذلك، وجدت لوحات لوجوه الفيوم –والتي ذكرناها في مقالنا السابق- مرسومة على المومياوات والتوابيت، ولأن الموت قد مس جميع مستويات المجتمع، رجالًا ونساءً وأباطرة وعمالًا وأحرارًا-، سجل الفن الجنائزي تجارب متنوعة عديدة لمختلف الشعوب التي عاشت في الإمبراطورية الرومانية القديمة.

المصادر:
Ancient History
Khan Academy

Exit mobile version