ما هي الحداثة وماذا نعني بالحركة الحداثية؟

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ظهرت حركة فنية وأدبية انفصلت عما سبقها من الأشكال التقليدية في كافة الفنون. وخلقت توجهاتُها الجديدة تغييراتٍ جذرية في كيفية تصوير الحياة. طالت هذه التغييرات جوانب الموسيقى والفن والهندسة المعمارية وغيرها من المجالات الفكرية. وتميزت هذه الحركة برفضها لكل ما سبقها من حركات لأنها لم تعد تستطيع التعبير عن المجتمع المعاصر بدقّة وصدق من منظور مؤسسيها. وأصبحت هذه الحركة تعرف بالحداثة أو الحداثية (modernism). وأعطت اسمها للعصر الذي تطورت فيه، إذ سادت أكثر الأمر في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى وتقريباً حتى منتصف القرن العشرين [1].

ولدى العودة إلى أصل التسمية modernism، نجد أنها مشتقة من الكلمة اللاتينية modo والتي تعني “الآن”. وتمثل هذه الحركة ثورة على ما رسّخه القرن التاسع عشر من مبادئ الوطنية والحكمة الثقافية المطلقة. وكانت تلك المبادئ، خاصة في عصر الملكية فيكتوريا في إنكلترا، مبنية على أسس تقليدية، وانعكست على الفن والهندسة المعمارية والأدب والإيمان الديني والتنظيم الاجتماعي والحياة اليومية. لكن كل ذلك بات قديمًا باليًا في عصر الحداثة الصناعي [2].

الوصول إلى عصر الحداثة

الحركات السابقة

كان تأثير الحرب العالمية الأولى كبيراً في تمايز عصر الحداثة وتبلور أفكاره. فقد أثرت نتائج الحرب المدمرة وأهوالها على المفكرين وجعلتهم يعيدون النظر في الوجود الذي كانوا يظنون أنه مستقرٌ وهادف. وكان لهذه النظرة الجديدة بذور خصبة وضعها مفكرو نهاية القرن التاسع عشر كداروين وماركس ونيتشه وفرويد. ويمثل هؤلاء أعلاماً في مجالاتهم المختلفة بأفكارهم الثورية التي هزت مبادئ سابقة كانت ثابتة في أذهان الناس [3].

عند العودة بالزمن إلى الوراء قليلًا، بدت المرحلة المبكرة من عصر التنوير (Enlightenment) في القرن السابع عشر وإلى الثورة الفرنسية والصناعية في القرن الثامن عشر فترة سيادة للمنطق في العلوم المختلفة، واكتشاف العوالم الجديدة، وتسخير الطبيعة ومواردها لخدمة البشر ومتطلباتهم. واستطاعت النخبة من المفكرين والفنانين – عموماً – إيجاد توازن بين الإيمان بالله من المنظور الديني، وما توصلت إليه العلوم المختلفة من نظريات جديدة [3].

ثم أتى العصر الرومانسي (Romanticism) الذي تلى الثورة الفرنسية وسيطر على جزء كبير من القرن التاسع عشر ليولي اهتماماً أكبر للعواطف على حساب المنطق، وليقدّس الفرد على حساب الجماعة. وكان هذا نتيجة للتغيرات السياسية التي أعطت للشعب قوة أكبر في اختيار قادتهم [3].

ثم كان للمذهبين الواقعي والطبيعي بعض الأفكار المختلفة التي رفضت مثاليات الرومانسية وتفضيلها للفرد. فركزت الواقعية (Realism) على تمثيل الواقع في الفنون كما هو فعلاً، بعيداً عن المثاليات في نقل التجارب وتصوير الشخصيات البشرية. في حين لجأت الطبيعانية (Naturalism) إلى مراقبة أثر العوامل البيئية والاجتماعية والوراثية على الأفراد، ودراسة الطبيعة البشرية دراسة موضوعية بمبادئ علمية [3].

الأسس الفكرية للحداثة

عندما أتى عصر الحداثة، كان التركيز الأكبر على الغوص في أعماق التجارب والشخصيات البشرية بعد إدراك أن ما تم تصويره سابقاً لم يتجاوز السطح الظاهر للحقيقة. ويعود الفضل في هذا لدراسات سيغموند فرويد (1856-1939) في التحليل النفسي. إذ تحدث فرويد عن اللاوعي البشري وما يخبئه من مكنونات قد تظهر في الأحلام على سبيل المثال. ثم لا ننسى نظرية التطور التي فجرها تشارلز داروين (1809-1882) وما قدمه من أفكار الاصطفاء الطبيعي. فقد تحدى بها المعتقدات الدينية السائدة آنذاك، والتي كانت تنص على تفوق البشر على غيرهم من المخلوقات. أما بالنسبة لفريدريك نيتشه (1844-1900) فقد عبر بفلسفته عن شكوكه ورفضه للتعاليم الدينية المسيحية التي كانت راسخة عند الناس. إذ رأى أنها تستغل الضعفاء والمتواضعين بحجة النعيم المنشود. وهذا ما نجده أيضاً لدى كارل ماركس (1818-1883) ولكن في سياق مختلف قليلاً. فقد عبر عن رفضه لهيمنة الرأسمالية، ورفع راية الطبقة العاملة على أنها الطبقة المسحوقة التي يستغلها الأغنياء لتلبية خدماتهم [3].

كل هذه الأفكار التي غزت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العرشين شكّلت أساساً قوياً لثورة المفكرين على ما كان يُعتقد أنه مبادئ ثابتة فيما مضى. وزاد على ذلك حالة الاضطراب والفوضى التي خلقتها الحرب العالمية الأولى في المجتمعات عموماً وفي الأرواح الثكلى التي خلفتها. فقد قوضت الحرب ما كان قد بقي من آثار للأفكار السابقة لها [3].

الإطار الزمني لعصر الحداثة

إذاً، انبثقت حركة الحداثة في زمن اضطرابات مجتمعية شديدة نتجت بشكل أساسي عن التحول الصناعي والتحديث والحرب العالمية الأولى (1914-1918) [1]. وأدت الحرب إلى تحطيم مبدأ التقدم لدى العديد من معاصريها، فكيف ذلك؟

نتج عن هذه تفكيك المُثل التي سادت في عصر التنوير، والتي كانت تتنبأ أن التكنولوجيا الحديثة ستحقق التقدم للبشرية بما تنطوي عليه من تطور يحسّن المجتمع والحياة. إلا أن الحرب العالمية الأولى حطمت هذا المبدئ لأنها استخدمت التكنولوجيا الحديثة في إحداث الدمار الشامل للبشرية. وكانت نتيجة الحرب إحباطاً وخيبة أمل على مستوى المجتمعات، مع تشاؤم عميق من الطبيعة البشرية. وهذا ما خلق لدى تيارات الفنون والأدب نزعة ثورية انفصلت عن المثاليات التي سبقتها، ونادت – كما ذُكر سابقاً – بالتأكيد على تمثيل التجربة الشخصية للواقع دوناً عن الواقعية الموضوعية. وتجسد خيبة الأمل هذه بقصيدة “الأرض اليباب – The Waste Land” للشاعر الأمريكي تي. إس. إليوت (T. S. Eliot) التي نشرها عام في 1922 [1].

أما من ناحية التطوير الصناعي، كان العالم الغربي يحصد ثمار الثورة الصناعية كالسيارات والطائرات والمذياع ويسخّرها في الحياة اليومية. ومثلت هذه الابتكارات تحديات لما هو ممكن في المجتمع، إذ شهد الناس آنذاك أن الآلة قادرة على تحويل المجتمع بكليّته. إلا أن هذا التحول الصناعي وما نتج عنه من توسع حضري أدى إلى خلق فوارق اقتصادية واجتماعية بين الناس، وتعزيز ما كان موجوداً منها بالأصل. وهذا ما ولّد شعوراً بالضياع والخيبة لدى كثيرين. وانعكس هذا الشعور في مجالات فنية مختلفة وأدى إلى ظهور جوانب جديدة في الدراسات الفكرية [1].

سمات الحداثة

كانت حركة الحداثة تنادي بإعادة النظر في جوانب الوجود كافة، بدءاً من الجوانب التجارية ووصولاً إلى الفلسفية. حيث كان الهدف اكتشاف العوامل التي كانت تعيق التقدم وتبديلها بأخرى جديدة وتقدمية تؤدي إلى النتيجة نفسها. وكان مناصرو هذه الحركة يؤمنون بأن رفضهم للتقاليد سيمكّنهم من اكتشاف طرق جديدة بالكامل لصناعة الفنون. وفي الوقت نفسه سعوا إلى إجبار الجمهور على التشكيك بمبادئهم ومفاهيمهم التي كانوا يؤمنون بها. وكان التأكيد حينها على التعبير والتجريب والراديكالية في الممارسات المطبقة في مختلف الميادين، بطريقة تباغت الجمهور وتشعرهم بالاغتراب عما يشاهدوه أو يسمعوه. ومن الأمثلة على هذا، الميول السريالية في الفن (surrealism)، واللالحنية في الموسيقى (atonality)، وتيار الوعي في الأدب (stream of consciousness) [2].

إذاً، تضم حركة الحداثة تحت مظلتها طيفاً واسعاً من المجالات الفكرية. كما تتمثل سماتها الكثيرة في العديد من الأعمال في تلك المجالات، ولو بنسب متفاوتة. مثلاً، نذكر من هذه السمات الإدراك الواعي للانفصال القاطع عن التقاليد، واتباع التجريب في أساليب جديدة، وإدخال محتويات كانت سابقاً مهمشة أو محرمة. ونتج عن هذا التبني لأفكار التغيير هوسٌ بكل ما هو جديد، وتأكيدٌ على أهمية التجربة الشخصية وأن الفهم الحقيقي للتجارب يتفوق على تصويرها بشكل موضوعي. ويضاف إلى تلك السمات البحث في أشكال جديدة للذاتية بهدف التعبير عنها وتمثيلها في الفنون.

تحدّت أفكار الحداثة ما سبقها من أساليب متبعة في البحث في العلم والدين والفلسفة. وكان كل هذا يتم بروح ناقدة تسعى لنسف الحضارة الغربية وإعادة خلقها. ولكن تنوع الأعمال التي تصنف أنها من عصر الحداثة وتشعب مجالاتها يجعل من الصعب ذكر مثال واحد كتجسيد لكافة مبادئها [4]. وبهذا كانت حركة الحداثة نقلة نوعية في التاريخ البشري، وحركت عجلة الفكر بطرق جديدة واتجاهات لم يسبق لها مثيل.

المصادر

  1. Modernism: Definition, Examples & Movement | StudySmarter
  2. Modernism – By Movement / School – The Basics of Philosophy (philosophybasics.com)
  3. Backgrounds to Modernism (utexas.edu)
  4. Modernism – Routledge Encyclopedia of Philosophy

فلسفة الشهادة وعلاقتها بالمعرفة

هذه المقالة هي الجزء 8 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

فلسفة الشهادة وعلاقتها بالمعرفة

تركز فلسفة الشهادة على دراسة ما يتم تناقله بين الأشخاص ويمكن أن يكون أساساً معرفياً. تعد الشهادة (Testimony) مصدراً كبيراً لما نعرفه عن العالم من حولنا. والشهادة هنا تعني ما يخبرنا به الآخرون – أي ما يشهد به الآخرون. فنحن نعرف التاريخ من الكتب التي كتبها المؤرخون، ونعرف الأخبار مما نقرأه في الصحف أو نراه على شاشة التلفاز. كما أن العلم وتطوراته كافة تأتينا عن طريق “الشهادة” من أشخاص قاموا بأبحاث ودراسات وأطلعونا على نتائجها [1].

تعريف فلسفة الشهادة

تركز فلسفة الشهادة أو نظرية معرفة الشهادة (Epistemology of Testimony – Philosophy of Testimony) على كيفية تقييم هذه الاعتقادات التي نبنيها على شهادات الآخرين. فتطرح تساؤلات حول إمكانية تبرير هذه الاعتقادات، ومتى يمكن لها أن ترقى لمستوى المعرفة [2].

يمكن تعريف فلسفة الشهادة على أنها التقاء “طبيعة المعرفة” و”اللغة”، وهما من المواضيع المهمة في الفلسفة. فما نكتسبه من شهادة الآخرين – ويمكن أن نعتبره معرفة – يصل إلينا عن طريق اللغة. فالمرء الناقل للشهادة يحتاج وسطاً ينقل به شهادته، ويشترط لتحقيق عملية نقل فعالة أن يكون هذا الوسط ملائماً للمتلقي. إذ إنّ هذا الوسط هو ما يمكن للشخص الآخر اكتساب المعرفة من الشهادة عن طريقه. ويتمثل هذا الوسط بشكل رئيسي باللغة التي نقرأها أو نسمعها [3].

وعند التدقيق في هذين العاملين، نرى أن انتشار المعرفة عن طريق اللغة هو أمر واقع لا غبار عليه. فنحن نسمع أو نقرأ شهادة غيرنا، ونفهمها، من خلال اللغة التي توصلها لنا. ولكن الجدال يكمن في طبيعة هذه المعرفة. وكما ذُكر آنفاً، تطرح فلسفة الشهادة تساؤلات حول إمكانية اعتبار ما يصلنا بطريق الشهادة على أنه معرفة [3]. وهنا تختلف وجهات النظر المجيبة على هذا التساؤل.

الاختزالية (Reductionism)

ترى الاختزالية أنه يشترط لاكتساب المعرفة عن طريق الشهادة أن يكون لدينا أسباب موجبة للإيمان بأن الشخص الناقل للشهادة هو محلّ ثقة [2]. وفي هذا الصدد، يعد الفيلسوف ديفيد هيوم (David Hume) من أوائل المنادين بأهمية الدليل في تبرير تصديق الشهادة. وهذا الدليل، إما أن يكون دليلاً على مصداقية الشخص المعني، أو دليلاً عاماً على مصداقية البشر بالمجمل [4].

ويرى هيوم أن ثقتنا تتناسب طرداً مع معقولية محتوى الشهادة. أي أنها تتناقص بالقدر الذي تكون فيه الشهادة غير اعتيادية أو غريبة. والعكس صحيح، فعادة ما نميل إلى تصديق ما يقوله الآخرون إذا كان أقرب للواقع، أو إذا كان لحدوثه احتمالية عالية [4].

لنفرض أنك ذهبت إلى مقهى وطلبت فنجاناً من القهوة. ولكن النادل اعتذر عن تلبية طلبك لأن آلة صنع القهوة معطلة. يسهل هنا تصديق شهادة النادل نتيجة ارتفاع احتمال حدوثها. ولكن تخيل أن يقول لك النادل أن فضائيين أتوا ليلاً وسرقوا مخزون القهوة من المقهى، ولهذا لا يمكنه تلبية طلبك. مع هذه الشهادة، يصعب إعطاء المصداقية لناقلها. فمن غير المحتمل، بل ربما من المستحيل، أن يحدث هذا في الواقع [4].

ويتوسع هيوم في شكوكه حول الشهادة، ويطال بذلك المعجزات (miracles). ففي كتابه مبحث في الفاهمة البشرية، يعبر عن رأيه بوجوب عدم تصديق حدوث المعجزات بناءً على شهادة الغير. حيث يعرّف المعجزة على أنها “نقض لقوانين الطبيعة.” وعليه، لا يرى أنه من الممكن أن تصل أية شهادة إلى درجة من المصداقية يمكن معها تصديق حدوث شيءٍ منافٍ لقوانين الطبيعة. والاستثناء الوحيد الذي يطرحه هيوم، والذي يمكن معه تصديق حدوث المعجزة، هو أن يكون عدم حدوثها أمرٌ أكثر إعجازاً وأكثر غرابة من حدوثها [4].

يدعم هيوم موقفه من الشهادة بأن الناس عادة ما يميلون إلى إعطاء شهادات غير دقيقة. ربما يكون هذا بدافع الكذب أو المزاح أو المبالغة. وربما يكون من دون دافع، أي أنهم لا يعلمون أن شهادتهم خاطئة، بل لديهم اعتقاد بأن ما يقولونه هو الصواب [4].

اللا اختزالية (Non-Reductionism)

من جهة أخرى، يرى منتقدو الاختزالية أن الأدلة الموجِبة غير ضرورية. بل للمرء حق مفترض بتصديق شهادة الآخرين، طالما أنه لا يوجد سبب قاهر يقتضي عدم تصديق ناقل الشهادة. فتصديق الشهادة في هذه الحالة هو الأمر الطبيعي [1].

ويعد الفيلسوف توماس ريد (Thomas Reid) من مناصري هذا الفكر الذي يعبر عن جاهزية أكبر ورغبة أقوى في تصديق الغير. حيث يدافع ريد عن رأيه عن طريق الأطفال الذين يميلون إلى تصديق كل ما يسمعونه، مع أنهم لا يملكون أية قاعدة استقرائية من تجارب سابقة. ويقول إنه إذا كانت الرغبة في تصديق الآخرين مبنية على التفكير والتجارب، فبالأحرى لها أن تتعزز مع تزايد التجارب والقدرة على التفكير المنطقي. لكن ما يحدث هو أن هذه الرغبة أو الجاهزية تكون في أقوى درجاتها عندما تأخذ شكل الفطرة أو الهبة الطبيعية. تكون الفطرة وفقًا لما هو متعارف عليه لدى الأطفال، مما يدفعهم تلقائياً إلى تصديق كل ما يقال لهم. لكنها تتضاءل مع تقدمهم في العمر ومرورهم بالتجارب وتشكيلهم للمنطق [2].

على عكس فكرة هيوم الذي يرى أنه من الممكن للبشر أن ينطقوا بشهادات مغلوطة لأسباب متعددة، يرى ريد أنه من الممكن لنا أن نعتمد على شهادة المتحدث للأسباب التالية. أولاً، إن البشر يتمتعون بميل لقول الحقيقة. ثم إن لديهم نزعة لتصديق ما يسمعون. وأخيراً يستطيعون أن يشعروا عندما يكون المتحدث غير أهل للثقة [1].

ومن غير المستغرب هذا الموقف من ريد. فهو رجل دين، يرى الأمور من منظور مؤمن بالطبيعة البشرية كإيمانه بخالقها. أما هيوم، فقد حملت كتاباته أفكاراً مناهضة للدين وللعقائد الدينية. وهذا ما جعله محل انتقاد للبعض، ومن بينهم ريد نفسه [5] [6].

علاقة فلسفة الشهادة بالاستقلال/التضامن الفكري

وأخيراً، يمكن تبنّي إحدى وجهتي النظر في التعامل مع الشهادة. فالبعض يرى أهمية كبيرة لكسر التفكير التقليدي والابتعاد عن التلقي. ومن الأمثلة على هذا ما كتبه الفيلسوف إيمانويل كانت (Immanuel Kant) عند حديثه عن التنوير (Enlightenment). ويرى (كانت) أن التنوير هو انبثاق المرء من حالة عدم النضج المنغمس فيها. ويعرّف “عدم النضج” بأنه عدم قدرة المرء على استخدام فهمه الخاص دون الاستدلال بالآخرين. ويقصد هنا مدى اعتماد الشخص في تكوين الآراء والمعتقدات على شهادة الآخرين وعدم الخروج من عباءتهم. فيرى (كانت) أهمية كبيرة – بل فضيلة – في قدرة الشخص على الاستغناء عن شهادات الآخرين كقاعدة للأفكار. وهذا ما يدعوه الفلاسفة المعاصرون بالاستقلال الفكري [4].

ومن جهة أخرى، قد يفضل البعض وجهة النظر التي تحافظ على العادات السائدة ولا تنسلخ عنها. وفي هذا تضامن فكري يرى فيه ريد فضيلة تفوق الفردية والاستقلال. فهذا النمط من التفكير يحافظ على معتقدات المجتمع ككل، ولا يؤدي إلى ابتعاد جذري عنه [4].

اقرأ أيضاً نظرية المعرفةالشكوكية الفلسفيةفلسفة التنوير

المصادر

  1. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Epistemological Problems of Testimony
  2. Internet Encyclopedia of Philosophy – Epistemology of Testimony
  3. Elizabeth Fricker and David E. Cooper – The Epistemology of Testimony
  4. Coursera: Hazlett, Allan, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
  5. Stanford Encyclopedia of Philosophy – David Hume
  6. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Thomas Reid
Exit mobile version