لماذا تثير الخلايا الجذعية الجدل ؟

لقد استخدمت الخلايا الجذعية في الطب أول مرة خلال عملية زرع نخاع عظمي للبالغين في عام 1996. وقد أنقذت علاجات الخلايا الجذعية كثيرًا من الأرواح. رغم ذلك، ولّدت الخلايا الجذعية الكثير من الجدل في السنوات الأربعين الماضية. ستتناول في هذا المقال أهم القوانين والنظم السياسية في تنظيم استخدام تلك الخلايا.

النظام الأساسي لتنظيم ومراجعة التجارب على البشر والحيوانات ؟

 في هذا الصدد، يمكن القول أن أبحاث الخلايا الجذعية ليست فريدة من نوعها. إذ يجب أن يسأل باحثو الخلايا الجذعية نفس الأسئلة -حول مسار أبحاثهم-التي يسألها أي باحث طبي حيوي آخر. تبدأ القضايا الأخلاقية التي يواجهها جميع الباحثين أثناء التجارب السريرية بطرح سؤال ذي مغزى، يكون للإجابة عنه قيمة علمية واجتماعية. ويمكن الوصول إليها من خلال الدراسة.

يجب موازنة مخاطر الضرر والفوائد المحتملة للمجتمع من تطوير المعرفة القابلة للتعميم في كل مرحلة من مراحل البحث.  وذلك لدعم الانتقال من المختبر إلى الدراسات على الحيوانات، ومن الحيوانات إلى البشر. إن تقليل مخاطر الضرر، واختيار وتوظيف المرضى المناسبين، وتجنب سوء الفهم العلاجي، كلها أبحاث مهمة، لا سيما في دراسات المرحلة الأولى على الإنسان ودراسات المرحلة المبكرة الأخرى. [١] تم اشتقاق أول خط خلايا جذعية جنينية في عام 1998. مما أدى إلى واحدة من أكثر النقاشات العامة والحيوية والمستعصية في أخلاقيات البحث.

الوضع الأخلاقي للجنين

 من الضروري أولاً تدمير الجنين البالغ من العمر 5 أيام قبل التجربة.  ويجادل معارضو أبحاث الخلايا الجذعية بأنه نظرًا لأن الجنين قادر على النمو إلى كائن بشري، فإنه يتمتع بمكانة أخلاقية مهمة. لذلك، فإن تدميرها غير أخلاقي.

انعكست الآثار الأخلاقية لأبحاث الخلايا الجذعية في الولايات المتحدة على سياسة التمويل الفيدرالية وعلى الإشراف على الأبحاث. ففي عام 2003، أنشأت الأكاديمية الوطنية للعلوم (NAS) لجنة لوضع مبادئ توجيهية للمؤسسات والباحثين الذين يجرون أبحاثا عليها. وأوصت بإنشاء لجان الإشراف على أبحاث الخلايا الجنينية للمساعدة في مراجعة البحث. كما تتضمنت إرشادات المعاهد الوطنية للصحة الصادرة بعد توسيع التمويل الفيدرالي لعام 2009. وأوصت بالإشراف على الأبحاث حول الخلايا البشرية متعددة القدرات. وتناولت أسئلة الموافقة من جميع المتبرعين بالمواد الحيوية، وإنشاء واستخدام الأجنة لأغراض البحث.

أنشِأت العديد من المؤسسات البحثية مثل “ESCROs أو SCROs” لمراجعة أبحاث الخلايا الجنينية والمستحثة. مع تنوع أبحاث تلك الخلايا، أصبح الإشراف الأخلاقي أكثر تنوعًا أيضًا. فقد أثيرت أسئلة بخصوص الحاجة المستمرة للجان المتخصصة مثل “ESCROs و SCRO”.  ومع ذلك، من المرجح أن تستمر إرشادات NAS في تقديم الإرشادات لمجموعة متنوعة من هيئات الرقابة التي تقوم بمراجعة أبحاث الخلايا الجذعية.[٢]

العدل في أبحاث التجارب العلمية وعلاجها

 يعدّ العدل اعتبارًا ضروريًا، لكنه يهمَل في جلّ الأبحاث العلمية. في العديد من التقنيات الحيوية الجديدة، يمكن أن تكون التدخلات والمنتجات القائمة على الجينات والخلية والطب التجديدي مكلفة للغاية وتستغرق وقتًا وعمالة كبيرة في التطوير والاستخدام. وبالتالي، تتطلب العدالة الانتباه إلى تكاليف تطوير علاجات الخلايا الجذعية وإتاحتها، بهدف تقليل الفوارق غير العادلة في الوصول. وتعتبر التكلفة مصدر قلق قياسي بالنسبة للعدالة التوزيعية.

 يتم تناول اعتبارات العدالة في أبحاث الخلايا وعلاجها بعدة طرق. الأول هو سياسة وممارسة البنوك الحيوية. إن الأساس المنطقي للبنك العام للخلايا الجذعية هو توفير مورد لزرع الخلايا الجذعية السرطانية المكونة للدم لأي شخص تقريبًا. من الناحية المثالية، يمكن للجهود المصرفية واسعة النطاق تخزين سلالات مختلفة كافية من الخلايا متعددة القدرات على نطاق واسع، واستخدامها في تطبيقات الطب التجديدي، وذلك لتوفير تطابق جيد لجميع سكان الولايات المتحدة تقريبًا. ومع ذلك، لا تزال الأنظمة الشاملة لجمع وتخزين واستخدام تلك الخلايامن مختلف الأنواع في المراحل الأولى من تطوير التكنولوجيا والسياسات.

تتحدد العديد من التحديات العلمية والعملية والأخلاقية في ضمان التوافر الواسع لمطابقات المحتاجين. فالبنوك الحيوية واسعة النطاق لخطوط الخلايا الجذعية لديها القدرة على زيادة الوصول إلى العلاجات بشكل كبير مع خفض التكاليف. ولكن نظرًا لأن التطابقات المتاحة قد لا تكون مثالية، فإن الموازنة بين أضرار ومزايا البنوك الحيوية تظل أمرًا بالغ الأهمية.

كيف يؤثر السوق علي التجارب السريرية ؟

إن التجارب التي تتم في سياق الخلايا الجذعية متمثلة في أن العمل المهم المكرس لتحسين صحة الجمهور يتم في نظام السوق مع ضغوط المنافسة والتسويق المصاحبة له. فإن الممارسة السليمة في التجارب السريرية، والمناقشة الدقيقة في وسائل الإعلام، وحتى السعي لتحقيق التوازن بين الشفافية العلمية ومشاركة البيانات ومصالح الملكية الفكرية للصناعة كلها لها آثار عدالة مهمة.

مع تقلص تمويل الأبحاث وتنامي الضغوط التنافسية. قد يصبح من الصعب بشكل متزايد التحرك بشكل متعمد نحو التجارب السريرية وتخصيص موارد البحث بحكمة. يتم تعلم المزيد حول كيفية تقليل مخاطر الضرر الناجم عن إنشاء واستخدام الخلايا الجذعية مع استمرار زيادة تكاليف التقدم الدقيق. كلما قل عدد الموارد التي نمتلكها، زادت أهمية تخصيص الأموال لزيادة احتمالية تطوير المعرفة في المجالات التي تتسم بأكبر قدر من الآمال والحاجة السريرية.[٣]

إن تحسين صحة الإنسان مسعى اجتماعي وليس مجرد هدف علمي. ويقدم الباحثون مساهمات حيوية في وجهات النظر المجتمعية حول قيمة التقدم العلمي وأفضل اتجاهاته. من المفيد للباحثين أن يضعوا في اعتبارهم التطبيقات على مستوى السكان لأبحاث الخلايا الجذعية. بالإضافة إلى تأثيرات العلاج باستخدام تلك الخلايا على صحة الفرد.

في جميع مجالات أبحاث الخلايا الجذعية وعلاجها، ستلعب الدراسة والمناقشة الدقيقة لأفضل المسارات الانتقالية، كما تراها الأخلاق والعلم دورًا حيويًا في تحقيق التوازن بين الأمل والضجة في المستقبل، حيث يواصل هذا المجال التقدم السريع.

المصادر

  1. Bioethical Issues – Stem Cells (bioethics.org.au)
  2. Acid-bath stem-cell study under investigation | Nature
  3. Ethical issues in stem cell research and therapy | Stem Cell Research & Therapy | Full Text (biomedcentral.com)

كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية؟

كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية؟

نحتاج لعشرات السنوات ومليار دولار أو أكثر لإيصال دواء جديد من المختبر لخزانة الأدوية الخاصة بك. لا يرجع السبب في هذا التعقيد لاختبار سلامة وفعالية الدواء فقط، بل يرجع أيضًا للترتيبات الإدارية وتنسيق الأعمال الورقية، وكذلك في وصول المتطوعين إلى موقع الدراسة ليتم اختبار الدواء عليهم، فغالبًا مايضطرون إلى السفر لمسافات بعيدة مرارًا وتكرارًا.

سعى الباحثون لعدة سنوات لتحسين التجارب السريرية وتسريعها، فعلى سبيل المثال سعت مبادرة تعديل التجارب السريرية (CTTI) للقيام بالإصلاحات التي من شأنها أن تجعل التجارب السريرية أكثر ذكاءً وسرعة، ويسهل وصول المرضى إليها دون التضحية بالجودة. ساهمت جائحة كورونا والمخاطر التي فرضتها في دفع عجلة تغيير التجارب السريرية للأمام. [1]

قبل أن نتعرف على هذه التغييرات دعونا نفهم ماهي «التجارب السريرية-clinical trials»؟

ماهي «التجارب السريرية-clinical trials»؟

هي دراسات بحثية تُجرى على الأشخاص بهدف تقييم التدخل الطبي أو الجراحي أو السلوكي.

إنها الطريقة الأساسية التي يكتشف بها الباحثون ما إذا كان العلاج الجديد آمنًا وفعالًا عند الأشخاص؛ سواء كان هذا العلاج دواء، أو نظام غذائي جديد، أو جهاز طبي (مثل جهاز تنظيم ضربات القلب)، وهي الطريقة التي تمت بها دراسة فعالية لقاحات كورونا على سبيل المثال.

غالبًا ما تختبر التجارب السريرية فعَالية وسلامة الدواء الجديد مقارنة بالدواء القياسي المستخدم من قبل، وقد تختبر التجارب السريرية طُرقًا لاكتشاف المرض، أو طُرقًا لمنع حدوث مشكلة صحية.

من الممكن أن تبحث التجربة السريرية أيضًا في كيفية تحسين حياة الأشخاص الذين يعانون من مرض يهدد الحياة أو مشكلة صحية مزمنة، وأحيانًا تدرس التجارب السريرية دور مقدمي الرعاية أو مجموعات الدعم.

قبل أن توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على بدء تجربة سريرية، يُجرِي العلماء اختبارات ودراسات معملية على الحيوانات لاختبار سلامة وفعالية العلاج الجديد. إذا أظهرت هذه الدراسات نتائج إيجابية، فإن إدارة الغذاء والدواء (FDA) تمنح الموافقة على التدخل ليتم اختباره على البشر. [2]

كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية المعتادة؟

تهدُف التجارب السريرية لتحقيق هدفين رئيسيين:

1. حماية المشاركين وعدم تعريضهم لمخاطر غير ضرورية.
2. جمع بيانات عالية الدقة للإجابة على سؤال البحث.

يتطلب القيام بتجربة سريرية العديد من المهام التي لا نعلم ما إذا كانت تساهم حقًا في تحقيق أيًا من هذه الأهداف. تُكلّفنا هذه المهام العديد من المال والوقت.

سلّطت جائحة كورونا الضوء على حاجتنا للتجارب السريرية السريعة والكبيرة والصارمة، فوجدنا أنفسنا في مواجهة مرض لا نملك أي فكرة عن كيفية علاجه.

هذا ما جعل الباحثون ينجحون في إجراء تجارب سريرية سريعة متعددة المراكز مع آلاف المرضى المصابين بفيروس كورونا، وبدأت بعض من هذه التجارب في غضون أسبوع – من مجرد فكرة إلى تسجيل المرضى. هذه سرعة لم يسبق لها مثيل! [1]

كيف جعلت جائحة كورونا التجارب السريرية الافتراضية واقعًا؟

يتم جمع بيانات المشاركين في التجارب السريرية الافتراضية من خلال الهاتف، والإنترنت، وأجهزة المراقبة عن بعد التي يحمِلها المريض، ويمكن لهذا النوع من الدراسات أن يُقدّم العديد من الفوائد لشركات الأدوية بما في ذلك توفير التكاليف.

أجرت شركة Pfizer أول دراسة سريرية افتراضية في عام 2011، والتي تابعت حالة المشاركين باستخدام الهواتف المحمولة والإنترنت. [4] هناك أيضًا دراسة نُشرت في 2019؛ تمت فيها متابعة المرضى عن طريق الهاتف بعد إعطاء المتطوعين أدوية مانعة للتخثر، فقد تم شحن وإرسال هذه الأدوية للمرضى، ومن ثم تمت متابعتهم بالهاتف. [1]

يدعم العديد من الباحثين فكرة أن التجارب السريرية الافتراضية هي المستقبل، ولكن يبدو أن جائحة كورونا جعلت هذا المستقبل حاضرًا، ففي كثيرٍ من الأحيان كان الوضع الافتراضي الطريقة الوحيدة لإكمال دراسة جارية؛ خوفًا من نقل العدوى للمشاركين مثلًا، فطرحت هذه الجائحة في الكثير من الأحيان أسئلة مهمة مثل ما الذي نستطيع فعله وفحصه عن بعد؟ وبالتالي كانت العديد من الفحوصات تُجرى عن بعد. [3]

لقد كانت التجارب السريرية الافتراضية جزء مهم ساعد الباحثون في البحث عن العلاج المناسب لفيروس كورونا؛ على سبيل المثال أُجريت تجربة سريرية افتراضية لمعرفة ما إذا كان بإمكان عقار الهيدروكسي كلوروكين حماية الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا، وضمت التجربة أكثر من 800 شخص أُرسِلت لهم الأدوية، وتمت مراقبة صحتهم عن بعد.

والآن بعد أن دفع الوباء المراكز الطبية إلى إنشاء التكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها، وبعد أن أَجبر الوباء إدارة الغذاء والدواء على إصدار إرشادات للتجارب الافتراضية أثناء الجائحة، أصبح من الصعب تخيل عودة البحوث السريرية إلى ما كانت عليه من قبل، وعلى الرغم من التطور الملحوظ الذي حدث في استخدام هذا النوع من التجارب إلا أنه لازالت هناك العديد من المشاكل التي يتوجب دراستها وحلها. [1]

ما هي التغييرات الأخرى التي يمكن أن تجعل البحث أكثر كفاءةً وأقل إرهاقًا؟

إصلاح مجالس المراجعة الداخلية وإعادة تنظيمها تعتبر من الخطوات المهمة لدفع التجارب السريرية للأمام. فعلى سبيل المثال في تجربة سريرية لدراسة الأدوية التي تُنظّمها إدارة الغذاء والدواء (FDA) والسلطات التنظيمية الأخرى في مرضى القلب، وتُجرَى هذه التجربة في 1000 موقع سريري مختلف في 37 دولة، وكان لكل موقع «مجلس استعراض مؤسساتي-IRB» خاص به.

يقوم مجلس IRB بمراجعة أسلوب البحث، والطرق المستخدمة به أخلاقيًا لتضمن أن يكون البحث أخلاقي. يتكون هذا المجلس من عدة أشخاص يصل عددهم إلى 10 أشخاص يراجعون فيه البروتوكول الخاص بالدراسة، ومِن ثم يقررون مشاركتهم في هذه الدراسة من عدمه، ولكن لا يمكن لهذه المجالس المحلية تغيير البروتوكول؛ كل ما يمكنهم فعله هو إجراء تغييرات طفيفة على نماذج الموافقة المحلية، وبالتالي يقترح باحثو هذه الدراسة أن يتم تقليص عدد الأشخاص في IRBs في الدراسات القادمة، لأنه إذا كان مثلًا كل IRB يتكون من 10 أشخاص في الدراسة السابقة، فما قيمة أن يقوم 10000 شخص بمراجعة بروتوكول لا يمكنهم تغييره؟! [1]

في الخاتمة نعلم أنه بسبب الإجراءات المرهقة وغير الفعالة، والقوى العاملة، والموارد الأخرى التي تتطلبها التجارب السريرية لدينا عدد قليل من التجارب السريرية، عدد أصغر من أن يُجيب على عدة أسئلة مهمة، وبالتالي إذا قمنا بتبسيط البنية التحتية البحثية يمكننا تحقيق الكثير لدفع العلوم الطبية ورعاية المرضى إلى الأمام.

لا شك أن البحث السريري مشروع عالي المخاطر، ومنظم للغاية، والتغيير في نظام مثل هذا صعب، ولكن أبرزت جائحة كورونا الحاجة إلى التغيير بل استطاعت أيضًا جعل هذا التغيير واقعًا.

إقرأ أيضًا: تأثير جائحة كورونا على الصحة النفسية.

مصادر كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية؟:

[1]. Scientific American
[2]. NIH
[3]. clinicaltrialsarena
[4]. Pfizer

Exit mobile version