اكتئاب ما بعد الولادة: هل يمكن أن يدفعكِ لإيذاء نفسك؟

لم تكن تعرف “ميخيا” أن سعادتها الغامرة بوجود طفلها الذي تحمله لم تدم طويلًا. فقد تحولت مشاعر الفرح إلى مشاعر محيرة من القلق والشكوك حول قدرتها على أن تكون أمًا صالحة لطفلها، وبعدما حاولت التخلص من أفكارها استولت عليها تلك المشاعر مرة أخرى بعد أن أنجبت ابنتها، وبحلول الوقت تغيرت مشاعر القلق والتوتر إلى أفكار انتحارية.

تعاني “ميخيا” من ما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة، وهو شكل حاد من أشكال الاكتئاب المرتبط بالحمل والولادة. تشمل أعراضه اضطرابات مزاجية حادة ويأس عميق بالإضافة إلى أفكار من شأنها أن تدفع الأم لإيذاء نفسها أو طفلها. [1]

ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

 هو عبارة عن مزيج معقد من التغيرات الجسدية والعاطفية والسلوكية التي تحدث بعد الولادة، والتي تُعزى إلى مجموعة من التغيرات الكيميائية والاجتماعية والنفسية المرتبطة بإنجاب طفل.

من يتأثر بهذا الاكتئاب؟

يُعد اكتئاب ما بعد الولادة أمرًا شائعًا. فمعظم الأمهات الجدد يعانين منه. وذكرت الإحصائيات بأن واحدة من كل عشرة نساء معرضة للإصابة باكتئاب أكثر حدّة وطويل الأمد بعد الولادة، كما أن واحدة من كل ألف امرأة تصاب بحالة أكثر خطورة تسمى ذهان ما بعد الولادة.

علامات وأعراض اكتئاب ما بعد الولادة

 قد يكون من الصعب اكتشاف أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، ولكن تعاني معظم النساء بعد الولادة من الأعراض التالية: 

  1. مشاكل في النوم.
  2. فقدان الشهية.
  3. التعب والإجهاد الشديدين. 
  4. تغيرات مزاجية متكررة. 

كما توجد العديد من الأعراض الأخرى والتي تشمل:

  1. عدم الاهتمام بالطفل أو الشعور بعدم الارتباط به.
  2. البكاء طوال الوقت بسبب وبدون سبب.
  3. الغضب الشديد.
  4. فقدان المتعة.
  5. الشعور بانعدام القيمة واليأس والعجز.
  6. خواطر الموت أو الانتحار.
  7. أفكار لإيذاء شخص آخر.
  8. صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات.

 أنواع اكتئاب ما بعد الولادة

يوجد ثلاثة أنواع تستخدم لوصف التغيرات المزاجية التي يمكن أن تحدث للمرأة بعد الولادة والتي منها:

1-الكآبة النفاسية

تحدث لحوالي 70% من النساء بعد الولادة مباشرة، وعادة ما تشمل تقلبات مزاجية مفاجئة مثل الشعور بالسعادة الشديدة ثم الحزن الشديد ومشاعر القلق والوحدة والحزن. قد تستمر الكآبة النفاسية لبضع ساعات فقط أو قد تستمر من أسبوع إلى أسبوعين بعد الولادة. عادة لا تحتاج الكآبة النفاسية الذهاب إلي الطبيب ولكن غالبًا ما يساعد الانضمام إلى مجموعات دعم الأمهات الجدد أو التحدث مع أمهات أخريات علي تجاوز هذه الحالة.[2]

2- اكتئاب ما بعد الولادة (PPD)

يمكن أن يحدث بعد أيام قليلة أو حتى أشهر بعد الولادة. وهي حالة أكثر خطورة من الكآبة النفاسية، قد تواجه المرأة خلال هذه الحالة فترات صعود وهبوط متناوبة، وبكاء متكرر، وتهيج، وإرهاق، بالإضافة إلى الشعور بالذنب والقلق وعدم القدرة على رعاية طفلك أو نفسك. تتراوح الأعراض من خفيفة إلى شديدة وقد تظهر في غضون أيام من الولادة أو تدريجيًا، حتى بعد عام. على الرغم من أن الأعراض يمكن أن تستمر من عدة أسابيع إلى عام ، فإن العلاج باستخدام مضادات الاكتئاب أو العلاج النفسي فعال للغاية.[3]

3- ذهان ما بعد الولادة

هو نوع شديد الخطورة من أنواع اكتئاب ما بعد الولادة ويتطلب رعاية طبية طارئة. يمكن أن يصيب الأمهات الجدد، وغالبًا ما يحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة. ويمكن للمرأة المصابة به أن تفقد الاتصال بالواقع، وقد تصاب بهلوسات سمعية وبصرية وأوهام كرؤية أشياء غير موجودة. تشمل الأعراض الأخرى الأرق والشعور بالضيق والغضب والقلق. في بعض الأحيان قد يتطلب العلاج دخول الأم إلى المستشفى باعتبارها مُعرّضة لخطر إيذاء نفسها أو إيذاء شخص آخر.

العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالمرض

  1. تاريخ عائلي لاضطرابات المزاج.
  2. المعاناة من اكتئاب قبل الحمل أو أثناء حمل سابق.
  3. عمر المرأة، (فكلما كانت أصغر سنًا، كلما كانت أكثر عرضة للاكتئاب).
  4. عدد الأطفال، (كلما زاد عدد الأطفال، زادت احتمالية إصابة المرأة بالاكتئاب).
  5. المرور بحدث مرهق للغاية، مثل فقدان الوظيفة أو أزمة صحية.
  6. إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المشاكل الصحية.
  7. عدم وجود الدعم الكافي، والنزاع الزوجي.

أسباب المرض؟

  1. انخفاض الهرمونات: يلعب انخفاض الهرمونات الأنثوية بشكل حاد دورًا كبيرًا في إصابة المرأة باكتئاب ما بعد الولادة، كما أنه من الممكن أن يؤدي انخفاض هرمونات الغدة الدرقية إلى شعورها بالتعب والاكتئاب.
  2. قلة النوم: فقلة النوم والإرهاق تجعلها تواجه صعوبة في التعامل مع مشكلاتها البسيطة.
  3. القلق: بشأن قدرتها على رعاية مولودها الجديد.
  4. فقدان الثقة بنفسها: في بعض الأحيان تشعر المرأة بأنها أقل جاذبية، أو أنها فقدت السيطرة علي حياتها، كل هذا في النهاية يؤدي إلى اكتئاب ما بعد الولادة.

مضاعفات المرض

  1. اضطراب اكتئابي مزمن: من الممكن أن يتحول اكتئاب ما بعد الولادة الذي لا يتم علاجه إلى اضطراب اكتئابي مزمن، حتى مع العلاج يمكن أن يؤدي اكتئاب ما بعد الولادة  إلى الإصابة بنوبات الاكتئاب في المستقبل.
  2. اكتئاب الأب: عندما تصاب الأم بالاكتئاب، قد يكون الأب أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب أيضًا.
  3. التأثير علي الأطفال: من الممكن أن يعاني أطفال الأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة من مشاكل في النوم وتناول الطعام، والبكاء أكثر من المعتاد، والتأخر في تطور اللغة.

كيف يتم علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟

يتم التعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة بشكل مختلف، اعتمادًا على نوع وشدة الأعراض. تشمل العلاجات الأدوية المضادة للقلق أو مضادات الاكتئاب والعلاج النفسي والمشاركة في مجموعة الدعم.[4]

 المراجع

(1)latimes
(2),(4)webmd
(3)clevelandclinic
image source: pacensure

كيف تؤثر مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم الجُدد على صحتهم النفسية؟

كيف تؤثر مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم الجُدد على صحتهم النفسية؟

يأتي المواليد الجدد بالبهجة لحياة الوالدين، ولكن إدخال طفل جديد لحياة الأب والأم يضعهم في مواجهة عدة تحديات مثل المشاعر القوية وقلة النوم. هذه التحديات تجعل كِلا الوالدين عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة، وعلى الرغم من شيوع الحديث عنه لدى النساء إلا أنه يؤثر على 4% إلى 25% من الآباء الجدد في أول شهرين بعد الولادة، ويكون أكثر شيوعًا بين الرجال الّذين لديهم شريكات تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة.

يعاني المصابون من عدة أعراض أهمها الحزن والإرهاق والقلق، وتتعارض هذه الأعراض مع أداء مهامهم اليومية.

يقول العلماء أن سبب اكتئاب ما بعد الولادة غير واضح، ولكن قد يكون مزيج من العوامل البيولوجية والبيئية. [1]

بينما تمت دراسة اكتئاب ما بعد الولادة على نطاق واسع بين الأمهات لا يزال الوعي والبحث العلمي حول أعراض الاكتئاب بين الآباء في بدايته.

أحد الظروف التي يبدو أنها تقلل من العرضة للإصابة بالاكتئاب هي مشاركة الأب في رعاية طفله الجديد هذا ما دفع مجموعة من الباحثين لدراسة العلاقة التي تربط بين مشاركة الأب في رعاية الطفل مبكرًا والإصابة بأعراض الاكتئاب لاحقًا.

نُشرت الدراسة في مجلة «Frontiers in Psychiatry» في سبتمبر الماضي، ودرس فيها الباحثون العلاقة التي تربط الوقت الذي يقضيه الأب مع طفله الجديد، وثقته بقدراته على أداء دور الأبوة، ودخله المادي مع إصابة الأب بالاكتئاب خلال السنة الأولى من حياة الرضيع. أُجريت الدراسة على عينة متنوعة عرقيًا تتكون من 881 أب من ذوي الدخل المنخفض من الولايات المتحدة.

تمت مقابلة الآباء بعد شهر، و6 أشهر، وسنة من ولادة أطفالهم. في كل مرة قيم فيها الباحثون إيمان الآباء بقدراتهم على أداء دور الأبوة، كما تم سؤالهم عن عدد المرات التي قدموا فيها الدعم المادي للطفل الجديد (مثل الطعام والمال والألعاب)، والعدد التقديري لساعات الاستيقاظ التي يقضونها مع أطفالهم، ومقدار الوقت الذي يقضونه بمفردهم مع أطفالهم خلال أيام الأسبوع العادية ويوم عطلة نهاية الأسبوع، وأخيرًا قيم الباحثون الحالة النفسية للآباء عن طريق مقياس إدنبرة للاكتئاب بعد الولادة_المقياس عبارة عن أسئلة فحص تُشير إلى ما إذا كان أصيب أحد الوالدين بالاكتئاب والقلق أثناء الحمل وفي العام الذي يلي ولادة الطفل. [2]

نتائج الدراسة

كشفت النتائج أن الآباء الذين كانوا أكثر ثقة في قدراتهم على أداء دور الأبوة، وقضوا وقتًا أطول مع أطفالهم، وقدموا دعمًا ماديًا أكبر للطفل بعد شهر واحد من الولادة أظهروا أعراض اكتئاب أقل في السنة الأولى من عمر الطفل، وكانت هذه النتائج صحيحة حتى بعد حساب المتغيرات المختلفة مثل العمر والعرق والتعليم والحالة الزوجية للآباء.

يقول الباحثون أن هذه النتائج قد تشير إلى أن مشاركة الأب المبكرة في رعاية الطفل أمر مهم لصحة الأب النفسية، وكذلك الآباء الذين لديهم قدرة أقل على تقديم الدعم المادي للطفل قد يعانون من تدني في تقييمهم لقيمتهم الذاتية مما يجعلهم عرضة للاكتئاب.

تتطابق هذه النتائج إلى حد كبير مع الدراسات الأخرى حول هذا الموضوع، والتي تشير إلى العلاقة الإيجابية بين مساهمة الأب في رعاية الأطفال والصحة النفسية لكلا من الوالدين والأطفال.

العلاقة بين مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم الجدد وإصابتهم بالاكتئاب

أَقَرّ الباحثون بأن العلاقة بين الاكتئاب ومشاركة الآباء في رعاية الأطفال وثقة الآباء في قدراتهم على أداء دور الأبوة لا تزال غير واضحة. في حين أن الاكتئاب قد يؤدي إلى انخفاض مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم فإن العكس قد يكون صحيحًا أيضًا. كذلك لم يتم فحص تاريخ الآباء المشاركين مع الاكتئاب قبل وأثناء فترة الحمل مما يعني أنّ هناك احتمال أنْ يكون بعض الآباء مكتئبين بالفعل قبل ولادة أطفالهم مما أدى إلى انخفاض المشاركة في رعاية أطفالهم، وبالتالي هذه الدراسة لا تقول إنّ المزيد من المشاركة يؤدي إلى انخفاض الاكتئاب ولكنها تؤكد على وجود علاقة بينهم. [2]

يقترح الباحثون تفسيرًا لهذه العلاقة، وهو أن الآباء الذين يشعرون بالكفاءة كآباء قد يكونون أكثر رضا عن أنفسهم، ونتيجة لذلك تقل أعراض الاكتئاب لديهم. ربما تلعب الفكرة الثقافية للأب باعتباره معيلًا أيضًا دورًا هامًا، فتكون سببًا في شعور الآباء بالرضا تجاه أنفسهم عندما يتمكنون من منح أطفالهم الأساسيات الّتي يحتاجونها للنمو والازدهار.

يمكن أن يكون الآباء الذين يقضون وقتًا أطول مع أطفالهم محميين من أعراض الاكتئاب المستقبلية من خلال التغيرات في هرموناتهم أو وظائفهم العصبية. تدعم عدة دراسات سابقة هذا التفسير منها مايُظهر ارتباط بين الإصابة بالاكتئاب والتغيرات في مستوى هرمون الأوكسيتوسين عند الأب، يزداد هذا الهرمون عند الآباء عندما يتفاعلون بشكل إيجابي مع أطفالهم. [3]

في النهاية يُمثّل الآباء جزء رئيسي ومهم من الأسرة، وتستحق صحتهم النفسية والجسدية نفس القدر من الاهتمام بصحة الأمهات، وبالتالي يقترح الباحثون أن تُسلّط الدراسات القادمة الضوء على فعالية تعزيز ثقة الآباء بقدراتهم، والإجازات مدفوعة الأجر ليتمكن الآباء من قضاء وقتًا أطول مع أطفالهم الجُدد، والاهتمام بصحتهم النفسية.

إقرأ أيضًا: متلازمة الطفل الأوسط

المصادر:

[1]. healthline.com
[2]. frontiersin.org
[3]. sciencealert.com

Exit mobile version