هل يمكن لحبة دواء أن تغني عن ممارسة الرياضة. يبدو الأمر كخدعة تسويقية رخيصة، أليس كذلك؟ ومع ذلك، فقد تصدر باحثون من جامعة آرهوس في الدنمارك عناوين الأخبار باكتشافهم عقارًا يسمى (LaKe)، والذي يُزعم أنه “يجعل الجسم في حالة أيضية تعادل الجري لمسافة 10 كم بسرعة عالية على معدة فارغة”. ولكن ماذا يعني هذا حقًا، وما مدى فائدته؟
محتويات المقال :
ماذا يحدث في الجسم عند ممارسة الرياضة؟
عندما تمارس التمارين الرياضية، يخضع جسمك لسلسلة من التغييرات المعقدة التي تساعدك على التكيف مع المتطلبات البدنية التي تفرضها عليه. حيث تعمل عضلاتك وقلبك ورئتيك معًا لتلبية متطلبات الطاقة المتزايدة، ويبدأ جسمك في تكسير مصادر الطاقة المخزنة مثل الجليكوجين والدهون لتغذية جسمك وإمداده بالطاقة.
أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه العملية هو اللاكتات، وهو منتج ثانوي لعملية التمثيل الغذائي اللاهوائي الذي يساعد عضلاتك على العمل أثناء التمارين عالية الكثافة. ومع تراكم اللاكتات، يتحول إلى طاقة لعضلاتك، مما يسمح لك بدفع نفسك بقوة أكبر ولفترة أطول. وفي الوقت نفسه، يبدأ جسمك في إنتاج مواد كيميائية أخرى مثل بيتا هيدروكسي بوتيرات (BHB)، وهي مادة كيميائية يتم تصنيعها في الكبد من الأحماض الدهنية لتزويد الجسم بالطاقة عندما لا يكون لديه ما يكفي من الجلوكوز.
لكن التمارين الرياضية تؤثر على أكثر من مجرد العضلات واستقلاب الطاقة. حيث أنها تؤدي إلى تغييرات في نظام القلب والأوعية الدموية، وتحسين تدفق الدم وخفض ضغط الدم. ويحصل جهازك المناعي على دفعة، ويفرز دماغك هرمونات تشعرك بالسعادة مثل الإندورفين والدوبامين، مما يساعدك على الشعور بمزيد من التحفيز والتركيز. كل هذه الاستجابات البيولوجية مترابطة، وتعمل معًا لمساعدتك على التكيف مع المتطلبات البدنية للتمرين.
تاريخ موجز لمحاكيات التمارين الرياضية
إن مفهوم محاكاة التأثيرات البيولوجية للتمرين دون الحاجة إلى بذل جهد فعلي أو المحاكيات (mimetics)، كان موجودًا منذ أكثر من عقد من الزمن. لقد بدأت الرحلة في عام 2008 عندما قدم باحثون من معهد سالك في سان دييغو دواء (GW501516) أو 516 باختصار، وهو دواء يرسل إشارات إلى الجينات الرئيسية لحرق الدهون بدلاً من الجلوكوز. أثار هذا الإنجاز موجة من الاهتمام بتطوير المزيد من محاكيات التمارين الرياضية، ومنذ ذلك الحين، ظهرت العديد من المركبات البارزة.
أحد هذه المركبات هو المركب 14 (Compound 14)، الذي تم الإعلان عنه في عام 2015، وقد تم تطويره في البداية لعلاج أمراض أخرى ولكن وجد أنه يقلل من مستويات الجلوكوز الصومي (fasting blood glucose)، ويحسن تحمل الجلوكوز (glucose tolerance)، ويعزز فقدان الوزن لدى الفئران السمينة. مثال آخر هو (Lac-Phe)، وهي مادة كيميائية يتم إنتاجها في الجسم من خلال تدريبات المقاومة، والتي أظهرت نتائج واعدة في محاكاة آثار التمارين الرياضية. ويعد (LaKe) أحدث إضافة إلى عائلة أدوات محاكيات التمارين الرياضية.
كيف يعمل “LaKe”؟
يبدو أن هذه الحبة التي تغني عن الرياضة تعمل عن طريق تحفيز زيادة سريعة في اللاكتات في الجسم، تليها زيادة تدريجية في بيتا هيدروكسي البويترات (BHB). ولكن كيف تحاكي هذه العملية تأثيرات التمارين عالية الكثافة؟
عند ممارسة التمارين الرياضية عالية الكثافة، يقوم جسمك بتكسير الكربوهيدرات لإنتاج الطاقة، مما يؤدي إلى تراكم حمض اللاكتيك. وهذا بدوره يؤدي إلى سلسلة من الاستجابات البيولوجية التي تزيد في النهاية من قدرتك على التحمل وتحسن لياقتك البدنية بشكل عام. يبدو أن “LaKe” يختصر هذه العملية عن طريق زيادة مستويات اللاكتات بشكل مباشر، مما يؤدي بعد ذلك إلى إنتاج بيتا هيدروكسي البويترات، وهو الكيتون الذي يوفر الطاقة للجسم عندما لا يكون لديه ما يكفي من الجلوكوز.
إن الجمع بين هذين التغييرين له تأثير عميق على الجسم، حيث يخفض مستوى الأحماض الدهنية الحرة في مجرى الدم ويقمع الشهية. يمكن أن يساعد ذلك في تقليل مخاطر الإصابة بأمراض مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني على المدى الطويل.
لماذا لا يمكن لحبة أن تغني عن الرياضة؟
في حين أن محاكيات التمارين الرياضية مثل “LaKe” تبدو واعدة، إلا أنها لا تزال بعيدة عن تقليد الفوائد الشاملة للتمرين الفعلي. حيث تعتبر التمارين الرياضية عملية معقدة تؤثر على كل أجهزة الجسم تقريبًا، بدءًا من تحسين كثافة العظام وقوة العضلت وحتى تحسين المزاج وتقليل التوتر. تأتي هذه الفوائد من التفاعلات المعقدة بين التأثيرات البيولوجية المختلفة، مما يجعل من الصعب إعادة إنشائها باستخدام الحبوب.
على سبيل المثال، يمكن أن تحمي التمارين الرياضية من الخرف، وهي حالة معقدة لا تزال غير مفهومة بالكامل. علاوة على ذلك، فإن المزايا النفسية للتمرين، مثل الشعور بالإنجاز والعلاقات الاجتماعية التي تتم من خلال أنشطة اللياقة البدنية الجماعية، يصعب تكرارها باستخدام المكملات الغذائية. وحتى لو تمكن العلم من تطوير محاكاة آمنة وفعالة للتمارين الرياضية، فمن المرجح أن تكون مفيدة للغاية للأفراد غير القادرين على ممارسة النشاط البدني، مثل كبار السن أو المرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبالنسبة لبقيتنا، يمكن تحقيق فوائد التمارين الرياضية المنتظمة من خلال وسائل بسيطة ويمكن الوصول إليها، مثل المشي أو القيام ببعض تمارين القرفصاء. وعلى الرغم من أن محاكيات التمارين الرياضية قد يكون لها مكان في المستقبل، إلا أنها لن تحل محل التمارين الحقيقية أبدًا.
المصدر
Exercise in a pill: have scientists really found a drug that’s as good for you as a 10km run? |
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :