Ad
هذه المقالة هي الجزء 14 من 18 في سلسلة دليلك لفهم أهم الأجرام والظواهر الفلكية

منذ آلاف السنين، راقب علماء الفلك المذنبات وهي تسافر بالقرب من الأرض وتضيء سماء الليل. مع الوقت، أدت هذه الملاحظات إلى عدد من المفارقات. على سبيل المثال، من أين أتت كل هذه المذنبات؟ وإذا تبخرت مادة سطحها مع اقترابها من الشمس (وبالتالي تشكلت هالاتها الشهيرة)، فلا بد أنها تشكلت بعيدًا، حيث كان من الممكن أن تكون موجودة هناك لمعظم فترات حياتها.

بمرور الوقت، أدت هذه الملاحظات إلى نظرية مفادها أنه بعيدًا عن الشمس والكواكب، توجد سحابة كبيرة من المواد الجليدية والصخور حيث تأتي معظم هذه المذنبات منها وتُعرف باسم «سحابة أورت-Oort Cloud» وتحيط بالنظام الشمسي. قد يكون هناك المليارات، بل التريليونات من الأجسام فيها، وبعضها كبير جدًا لدرجة أنها تعتبر كواكب قزمة.

عندما تتفاعل الأجسام الموجودة فيها مع النجوم العابرة والسحب الجزيئية والجاذبية من المجرة، فقد يجدون أنفسهم ينزلقون إلى الداخل نحو الشمس، أو يتم إلقائهم تمامًا خارج النظام الشمسي إلى مناطق بعيدة من الفضاء. على الرغم من أن نظرية وجود سحابة أورت تم اقتراحها لأول مرة في عام 1950م، إلا أن كونها بعيدة تجعل من الصعب على العلماء التعرف على الأشياء بداخلها.

ما هي سحابة أورت؟

سحابة أورت هي سحابة هائلة كروية الشكل تقريبًا من الأجسام الجليدية الصغيرة التي يُستدل عليها بأنها تدور حول الشمس على مسافة تزيد عادةً عن 1000 مرة عن مدار نبتون، الذي يعتبر أبعد كوكب رئيسي معروف. تم تسمية سحابة أورت على اسم عالم الفلك الهولندي “يان أورت”، الذي أثبت وجودها، وتتألف من أجسام يقل قطرها عن 100 كيلومتر (60 ميلاً) وربما يصل هذا العدد إلى التريليونات، بكتلة إجمالية تقدر بـ 10-100 ضعف كتلة الأرض. على الرغم من أنها بعيدة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها مباشرة، يُعتقد أنها مصدر معظم المذنبات طويلة الأمد، تلك التي تستغرق أكثر من 200 عام (وعادة ما تكون أطول بكثير) لتدور حول الشمس، التي تم رصدها تاريخيًا. تأتي معظم المذنبات قصيرة المدى، والتي تستغرق وقتًا أقل لإكمال مدارها، من مصدر آخر وهو حزام كايبر.

بداية النظرية

اقترح عالم الفلك الإستوني «إرنست جي أوبيك-Ernest J. Öpik» في عام 1932م احتمال وجود خزان بعيد من المذنبات، بحجة أن المذنبات تحترق بسرعة نسبيًا نتيجة لمرورها عبر النظام الشمسي الداخلي، فلا بد من وجود مصدر للمذنبات الجديدة، والذي يجدد بثبات الإمداد المستمر للمذنبات.

على الرغم من أن هذه المذنبات لم تكن موجودة في النظام الشمسي الداخلي من قبل، إلا أنه من الصعب تمييزها عن المذنبات طويلة الأمد الأقدم، لأنه بحلول الوقت الذي يتم فيه ملاحظتها لأول مرة، كانت مداراتها بالفعل مضطربة بسبب الجاذبية من قبل الكواكب الخارجية. وفي عام 1950م، نجح أورت في حساب المدارات الأصلية لـ19 مذنباً. أظهرت حساباته أن 10 منها كانت حديثة وقادمة من نفس المسافة الكبيرة جدًا وبالتالي يجب وجود ما يشبه الخزان البعيد للمذنبات.

بنية سحابة أورت

تمتد السحابة من 2,000 إلى 5,000 وحدة فلكية (0.03 و0.08 سنة ضوئية) إلى 50,000 وحدة فلكية (0.79 سنة ضوئية) من الشمس، على الرغم من أن بعض التقديرات تضع الحافة الخارجية على مسافة 100,000 و200,000 وحدة فلكية (1.58 و3.16 سنة ضوئية). يُعتقد أن السحابة تتكون من منطقتين، سحابة أورت الخارجية الكروية من 20,000 إلى 50,000 وحدة فلكية (0.32 إلى 0.79 سنة ضوئية)، وسحابة أورت الداخلية (أو التلال) على شكل قرص من 2,000 إلى 20,000 وحدة فلكية (0.03 – 0.32 سنة ضوئية).

قد تحتوي سحابة أورت الخارجية على تريليونات الأجسام التي يزيد حجمها عن كيلومتر واحد (0.62 ميل)، والمليارات التي يبلغ قطرها 20 كيلومترًا (12 ميلًا). كتلته الإجمالية غير معروفة، ولكن إذا افتراضنا أن مذنب هالي هو تمثيل نموذجي لأجسام سحابة أورت الخارجية، فإن كتلته مجتمعة تبلغ حوالي 3 × 1025 كجم (6.6 × 1025 رطلاً)، أو خمسة كواكب أرضية.

قدرت التقديرات السابقة كتلة السحابة بما يصل إلى 380 كتلة أرضية. لكن المعرفة المحسنة لتوزيع حجم المذنبات طويلة الأمد أدت إلى تقديرات أقل. في غضون ذلك، لم يتم بعد تحديد كتلة سحابة أورت الداخلية. تعرف محتويات كل من حزام كايبر وسحابة أورت «بالأجرام وراء نبتونية-Trans-Neptunian object». لأن الأجسام في كلتا المنطقتين لها مدارات بعيدة عن الشمس أكثر من مدار نبتون.

محتويات السحابة

بناءً على تحليلات المذنبات السابقة. تتكون الغالبية العظمى من أجسام السحابة من مواد متطايرة جليدية، مثل الماء والميثان والإيثان وأول أكسيد الكربون وسيانيد الهيدروجين والأمونيا. كما أن ظهور الكويكبات التي يعتقد أنها نشأت من سحابة أورت. قد حفز أيضًا البحث النظري الذي يشير إلى أن أجسام سحابة أورت تتكون من 1-2٪ كويكبات.

تشكلت الأجسام في بداية النظام الشمسي. وهي أجزاء نقية من الحياة المبكرة للسحابة. مما يعني أن هذه المذنبات توفر نظرة ثاقبة على البيئة التي تطورت فيها الأرض في وقت مبكر. بينما جذبت الجاذبية أجزاء أخرى من الغبار والجليد معًا لتكوين أجرام سماوية أكبر، ولكن واجهت أجسام سحابة أورت نتيجة مختلفة. حيث دفعتهم الجاذبية من الكواكب الأخرى، عمالقة الغاز بشكل أساسي مثل المشتري، إلى النظام الشمسي الخارجي، حيث استقروا.

أجسام سحابة أورت في حالة تغير مستمر. لا يقتصر الأمر على طرد بعض أجسامها بشكل دائم من النظام من خلال التفاعل مع الجيران العابرين. بل قد تلتقط الشمس أيضًا الأجسام من الأغلفة الدوارة المحيطة بالنجوم الأخرى.

حدد العلماء أيضًا العديد من الكواكب القزمة التي يعتقدون أنها جزء من هذه المجموعة البعيدة. أكبرها هو «سيدنا-Sedna»، والذي يعتقد أنه يبلغ ثلاثة أرباع حجم بلوتو. يقع سيدنا على بعد 8 مليارات ميل (13 مليار كيلومتر) من الأرض ويدور حول الشمس كل 10,500 سنة تقريبًا. تشمل الأجسام الأخرى «2006 SQ372» و«2008 KV42» و«2000 CR105» و«2012 VP113». وهي مذنبات يتراوح حجمها بين 30 إلى 155 ميلاً (50 إلى 250 كم). أحدث إضافة إلى هذا الحشد هو «2015 TG387»، الملقب «بـ The Goblin»، والذي تم وصفه لأول مرة في بحث نشر في 2018م.

كيف تكونت السحابة؟

يعتقد أن سحابة أورت هي بقايا «القرص الكوكبي الأولى-protoplanetary disc» الأصلي الذي تشكل حول الشمس منذ حوالي 4.6 مليار سنة. الفرضية الأكثر قبولًا على نطاق واسع هي أن أجسام سحابة أورت قد اندمجت في البداية بالقرب من الشمس كجزء من نفس العملية التي شكلت الكواكب والكواكب الصغيرة، لكن تفاعل الجاذبية هذا مع عمالقة الغاز الشباب مثل المشتري دفعهم إلى شكل إهليلجي طويل للغاية.

تشير الأبحاث الحديثة التي أجرتها وكالة ناسا إلى أن عددًا كبيرًا من أجسام سحابة أورت هي نتاج تبادل المواد بين الشمس والنجوم الشقيقة أثناء تشكلها وانجرافها بعيدًا. يقترح أيضًا أن العديد وربما غالبية أجسام سحابة أورت لم تتشكل بالقرب من الشمس.

المصادر

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلك فضاء

User Avatar

Heba Allah kassem

اسمي هبة وأعيش في مصر حيث لا زلت طالبة في كلية العلاج الطبيعي بجامعة مصر للعلوم و التكنولوجيا. لدي شغف حقيقي بالعلم حيث أتابع كل ما هو جديد في ساحة العلم. أحلم بأن أعمل في مجال البحث العلمي يومًا ما.


عدد مقالات الكاتب : 88
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Aya Gamal

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق