Ad

ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تعكس حركة المحيط بمدها وجزرها جوهر الحياة ذاتها، حيث يمثل تدفق المياه فيها الطبيعة الدورية التي تحكم الكون، وكل ذلك تشهد عليه حتى أكثر الشواطئ انعزالاً، فهل تكون الحياة نفسها محض صدفة أنتجت المد والجزر؟ إذا كان ذلك صحيحاً؛ فهل يكون القمر مسؤولاً عن أصل الحياة على الأرض؟ وماذا سيحدث لو لم يكن موجوداً؟ أو بمعنى أدق ما دور القمر في تطور الحياة على الأرض؟

تشكل القمر

بحسب النظرية، اصطدم كوكب بحجم المريخ بالأرض منذ حوالي 4.5 مليار سنة؛ مما أدى لتسريع دوران الأرض فأصبح طول اليوم 12 ساعة فقط. أما الحطام الناتج فنُثر في مدار الأرض القريب والتحم مشكلاً القمر. وبعد عدة ألاف من السنين؛ بدأت الأرض بالتبرد إلى أن ظهرت الحياة بعد حوالي 700 مليون سنة؛ أي منذ 3.8  مليار سنة.

المد والجزر

تقوم جاذبية القمر بشد الأرض، لاسيما قسمها الأقرب إليه. وترتفع القشرة الأرضية قليلاً (سنتيمترات معدودة) بسبب قوة الشد هذه مما يسبب حدوث ظاهرة «المد والجزر-Tides» في البحيرات والأنهار والمحيطات وغيرها.

يحدث «المد-High Tide» وهو ارتفاع مستوى مياه المحيط عندما يدور القمر حول الأرض ويسحب خلفه المياه، بينما على جانب الأرض المقابل له تكون الجاذبية أقل من أي جزء آخر من الأرض فتُترك مياه المحيطات وراءً ويحدث «الجزر-Low tide».

للقمر التأثير الأكبر على حركة المد والجزر بسبب قربه الشديد من الأرض. تؤثر الشمس أيضاً بقوة جذب كبيرة على الأرض تبقيها في مدار ثابت حولها، كما تسحب هذه القوة مياه المحيطات نحوها. لكن الفرق في الشد بين الجانب المقابل والمعاكس للشمس يكون ضئيلاً، حيث تساهم الشمس بحوالي ثلث ارتفاع المد فقط.

تأثيره في التنوع الحيوي

تشكلت المحيطات على الأرض منذ حوالي أربعة مليارات سنة، أي عندما كان القمر أقرب بمرتين مما هو عليه الآن، وبالتالي كانت قوة المد والجزر أكبر بكثير.

يعتقد العلماء أن تدفق المد والجزر ساهم في نقل الحرارة من المنطقة الاستوائية إلى القطبين، وأنه زاد حدة التقلبات المناخية في العصر الجليدي و«الفترات بين الجليدية-Interglacial». أثر ذلك في تشكل التكتلات الجليدية التي أدت لهجرة الأنواع النباتية والحيوانية وبالتالي إغناء التنوع الحيوي. كما نوه الباحثون أنه بدون المد والجزر القمري لكانت البيئة البحرية فقيرة جداً بالأنواع الحيوانية.

ولكن هل يكون القمر مسؤولاً عن الحياة ذاتها؟

دورالقمر في نشأة الحياة

من جهة، قد تكون الحياة تشكلت حول فوهات المياه الحارة في المحيطات، وعندها يكاد ينعدم دور المد والجزر في ذلك. أما إذا تشكلت ضمن مياه المد والجزر يكون لقمرنا دور رئيسي في ذلك.

تشكل الحموض النووية الريبية الDNA والRNA أساسيات الحياة التي نعرفها. وهي غالباً أخذت وتطورت من مجموعة كبيرة متنوعة من جزيئات «الحموض النووية الأولية-protonucleic acids»، ولكن لأجل أن تتطور منها يجب أولاً أن تكون قادرة على الاستنساخ. الأمر الذي يتضمن تنظيم عملية النسخ عن طريق تجمع الجزيئات وتفككها دورياً.

وبما أن اليوم الأرضي كان حوالي 12 ساعة في ذلك الوقت؛ وفر ذلك مد وجزر أسرع وذو نطاق أوسع، حيث غطت المياه الأرض الحارة فتبخرت وزاد تركيز الملوحة عند الجزر. أمنت هذه البيئة المالحة مكاناً مناسباً للحموض النووية الأولية لترتبط وتتجمع في جزيئات خيطية.

أما عند حدوث المد؛ فستتفكك هذه الجزيئات نتيجة انخفاض تركيز الملح، ويعتقد أن آلية الاستنساخ هذه أسهمت في تشكيل الDNA من الحموض النووية الأولية.

تأثيره على حياتنا اليوم

طول اليوم

دارت الأرض بشكل أسرع في المراحل الأولى من عمرها، ولكن بفضل جاذبية القمر؛ تباطأ دوران الأرض تدريجياً مع ابتعاده في مدارات أعلى وأعلى فحصلنا على يوم طوله 24 ساعة.

أما بدونه فستهب الرياح بسرعة 100 متر في الساعة، وسيصبح طول اليوم حوالي 8 ساعات، مما سيؤثر على أنماط نوم واستيقاظ وحياة الأحياء.

الفصول المستقرة

يعتقد أن الاصطدام العنيف الذي شكّل القمر أمال محور الأرض 23.5 درجة مما تسبب في حدوث ظاهرة الفصول الأربعة. كما أن وجود القمر يساعد في الحفاظ على استقرار هذا الميلان فيتغير بحوالي 3 درجات فقط كل 41000 سنة.

بدون وجوده؛ لاستمر محور الأرض بالتذبذب بين 0 و 80 درجة عبر العصور. وما كان للحياة أن تتكون تحت هذه الظروف المناخية القاسية إلا إن كانت بكتيريا وأشكال الحياة الأولية فقط.

ضوء القمر

يعكس القمر ضوء الشمس مثلما تفعل الكواكب. ورغم تبيان دراسات إحصائية دقيقة عدم وجود أية علاقة بين البدر والسلوكيات الغريبة، إلا أن ضوءه يسهل الرؤية على البشر والحيوانات، وقد سجلت الدراسات تغيرات في معدل نجاح عمليات الافتراس عند الحيوانات المفترسة بسبب الضوء المضاف.

أطوار القمر

لطالما ألهم القمر وأطواره المتغيرة القصص والأساطير والأغاني والقصائد وحتى الكلمات مثل كلمة «Month»  الانكليزية والتي تعني شهر. كما استعين به لتحديد الوقت في التقويم القمري.

ويجدر الذكر أن القمر ذاته لا يتغير، وإنما المقدار الذي نراه منه عند النظر من الأرض هو ما يتغير خلال دورة تتكرر كل شهر.

تأثير القمر في النهضة العلمية

أحدث القمر ثورة علمية حقيقية. فرؤية غاليليو لسطح القمر الخشن عن طريق تلسكوبه زعزع الإيمان السائد عن كمال السماء. كما أن الأحجار القمرية المجلوبة في مهمات «أبولو-Apollo» أزاحت الستار عن أصل الفوهات القمرية وكذلك الموجودة على عطارد والزهرة والمريخ. بالإضافة لأهمية ذلك في معرفة كيفية تشكله.

وأخيراً؛ إذا كان القمر جزءاً أساسياً من عملية تطور الأحياء على كوكبنا، ربما يجدر بنا الأخذ بوجود قمر مماثل كمعيار في بحثنا عن حياة أخرى في الكون…

المصادر:
ScientificAmerican
LPI

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء تطور فلك

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق