إن الأمراض العقلية يمكن أن تسببها العديد من الأشياء، فقد تتسبب بها عوامل بيئية أو نفسية أو وراثية. وتؤثر هذه الاضطرابات على القدرة الإدراكية للشخص المصاب. ويعتبر تأثير تلك الأمراض كبير على المصاب وأسرته على وجه الخصوص، فهي اختبار لأساس وقوة الأسرة المتأثرة به والتي يمكن أن تبرز أفضل واسوأ ما فيهم.
و سنرى في هذا المقال بعض الأفعال القاسية التي قد لا تتفق معها ضد الأمراض العقلية، ولكن قبل أن يبدأ أي شعور سلبي لديك في التزايد، يجب أن ندرك أن تلك الأوقات كانت مختلفة، وكان الناس يفعلون ما نفعله إلى يومنا هذا، وهو محاولة البقاء على قيد الحياة.
و يجب أن ندرك أيضًا أن الناس في هذه الأوقات قد تأثروا بشكل كبير بالدين ، فقد كانوا يرون في كثير من الأحيان أن الأمراض العقلية عقاب من الله. ولإعطاء الصورة الكاملة عن سبب قيامهم بما فعلوه، سنحتاج إلى البدء من العصور القديمة.
محتويات المقال :
العصور القديمة
يعود أول دليل على محاولة الأشخاص علاج الأمراض العقلية إلى عام 5000 قبل الميلاد. وذلك بدليل يتضمن جماجم ثلاثية تم العثور عليها بالقرب من المناطق التي توجد فيها الحضارات القديمة. في تلك الأوقات كان هناك الكثير من الأشياء التي لم يفهمها الناس، ولم يدركوا معنى أن يتصرف شخص ما بطريقة مختلفة عنهم، ومع عدم وجود معرفة كافية بالطب وصحة الإنسان، فقد قاموا بإضفاء مواضيع شيطانية على المرضى المصابين بأمراض عقلية، وبدأوا بإجراء بضع أشياء ولكن معظمها كانت وحشية.
أحد تلك هذه الإجراءات كان يسمى “Trephining”، حيث كان يتم إحداث ثقب في جمجمة المريض حيث يمكن للأرواح الشريرة أن تغادر رأسه! وقد تم ذلك باستخدام أدواتٍ حجرية، وبمرور الزمن، تم استخدام تلك الطريقة لتخفيف الصداع النصفي وإصلاح كسور الجمجمة.
وفي الحضارة البابلية، كان الكهنة يقومون بطقوس لطرد الأرواح الشريرة. فقد كانوا يعاملون الروح الشريرة في بعض الحالات كإنسان محاولين رشوته وتهديده وعقابه، ولقد تم كل هذا بإدراك منهم أنهم يعاملون شخصًا ما، وليس مجرد “روح”.
أما الفرس، فقد اعتقدوا بأن طريقة علاج هذه الأمراض هي أن يكون لديك عقل وجسد وروح خالصة، ولحصول ذلك، عليك أن ترتكب أعمالًا حسنة وأن تكون لديك أفكار جيدة تجاه الأشياء، وذلك في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على ممارسة العادات السليمة والمقبولة والمحافظة.
أما بالنسبة للمصريين القدماء، فقد كانت طرق علاجهم هي الأفضل في هذه الفترة الزمنية. فقد حاولوا مساعدة المرضى العقليين عن طريق إشراكهم في المجتمع وفي المناسبات التي تتضمن الرقصات والحفلات الموسيقية وغيرها من الأنشطة الاجتماعية المختلفة، والتي قد تؤدي إلى “جعلهم طبيعيين” مرة أخرى. وقد كانت الحضارة الفرعونية في المقدمة بين أقرانها من الحضارات الأخرى في ذلك الوقت؛ وذلك بسبب التقدم الطبي الهائل الذي حدث لديهم، فقد عالجوا الجروح وأجروا العمليات الجراحية بفعالية، وافترضوا أيضًا أن المخ هو مصدر جميع الوظائف العقلية.
ولكن بغض النظر عن مدى جودة علاجهم، فقد افترضوا أيضًا وجود أرواح وقوى غير طبيعية لتسبب تلك الأمراض العقلية.
أما اليونانيون، فقد تحدوا التفكير المعتقد والسائد في ذلك الوقت، وكانوا يقومون بعمل جيد إلى حد ما في هذا المجال. فقد نفى الطبيب “أبقراط” الاعتقاد السائد بأن الأمراض العقلية ناجمة عن قوى خارقة للطبيعة، وأنها نتيجة حوادث طبيعية داخل جسم الإنسان. وقد ادعى الطبيب الروماني “جالين” في وقت لاحق أن هناك أربعة سوائل أساسية يتكون منها جسم الإنسان، وهي: الدم، والبلغم، والعصارة الصفراوية، والصفراء السوداء –وهي مادة اعتقد قديمًا أنها تفرز عن طريق الكلى أو الطحال وتسبب الحزن والكآبة-، والتوليفات المختلفة من هذه السوائل من شأنها أن تبرز شخصية الفرد.
كيف عومل المرضى عقلياً في هذه الفترة الزمنية؟
كانت تعتمد المعاملة بشكلٍ كبير على نوع المرض، وفي تلك الأيام لم تطلق عليها الأسماء بعد، لذلك لا يمكننا أن نعرف حقًا كيف كان رد فعل الناس لكل مرض. لكن الأفعال كانت من نصيب المشرفين على هؤلاء المرضى، وقد اختلف نوع من يشرف على المريض بناءً على مدى ضرر المريض لنفسه وعلى من حوله. فإن لم يتمكن من الاندماج في المجتمع لكن بدون أن يتسبب بأضرار فمن المرجح أن يكون تحت إشراف أحد أفراد الأسرة أو خادمة أو صديق مقرب في المنزل. أما إن كانت لديك ميول عنيفة ضد نفسه أو ضد من حوله، وشعرت عائلته بالخزي الشديد منه، فسيتم تركه وحيدًا منبوذًا ليتجول في العالم.
العصور الوسطى
تم ربط الممارسات الطبية بالمسيحية في أوروبا في العصور الوسطى، وهذا يعني المزيد من الأرواح الشريرة والتعذيب. فكان الناس ما زالوا يعتقدون أن السوائل (المذكورة أعلاه) هي المتسببة في الأمراض، ولإعادة التوازن إلى الجسم، تم إعطاء المرضى أدوية مسهلة، ومحفزة للقيء -باستخدام التبغ الذي استوردوه لاحقًا من أمريكا-، بالإضافة إلى إستخراج الدم باستخدام الحجامة أو العلق.
وقد صنعوا مستحضرًا يسمى “Hiera Logadii” وهو مزيج من الخربق الأسود والحنظل والصبار اعتقدوا بأنه يقوم بشفاء الشخص من الاكتئاب. وكان استخراج الدم علاجًا طبيًا شائعًا، وذلك باستخدام أي شكل يؤدي إلى النزيف، وقد تضمن ذلك استخراج الدم من الجبهة أو الأوردة أو الرأس.
وقد تم استخدام شكل فريد من نوعه لعلاج الصدمات خلال العصور الوسطى حيث تم إلقاء المرضى في المياه الباردة بحيث لترجع إليهم الحواس عن طريق الصدمة. وقد تركت رعاية المرضى العقليين عمومًا لعائلة الفرد، على الرغم من حدوث بعض التدخلات الخارجية (الكنيسة)، وكانت الإساءات مثل الضرب والتعذيب والنفي شائعة؛ بسبب وصمة العار المرتبطة بهذه الأنواع من الأمراض، بل وقامت العديد من الأسر بحبسهم في الأقبية وقد لجأت أسر أخرى إلى أقفاص وذلك تحت سيطرة الخدم.
وفي الصين، كان يعتقد أن المرض العقلي نتيجة لسلوك غير أخلاقي من قبل الفرد أو من أقربائه! وكان يعتقد أن المرضى يحملون “مصيرًا سيئًا”، لكن الأسوأ انهم اعتقدوا بأنه معديًا كحال معظم الأمراض غير العقلية. وكان الضرب يقام دائمًا على أمل أن العقاب البدني سيشفي من المرض الكامن بالفرد. وقد تم نفي الأشخاص الذين كانوا يعتبرون مصدر إزعاج بمرضهم ذلك خارج المدينة، أو إرسالهم إلى أقرب قرية مجاورة. وبعض المدن كان بها أبراج لسجن الشخص المريض. وقد تم وضع المرضى في غرفٍ خاصةٍ فيها تسمى “narrenturme”.
المستشفيات العقلية
لم يعالج الجميع المرضى بهذه الطريقة، فقد أنشئت بعض الأماكن لعلاج او استقبال المرضى، فقد كانت الأديرة على سبيل المثال ملاذاً مرحبًا بهم. و في فلاندرز، أنشأ مواطنو مدينة “جيل” ضريحًا للقديس (ديمفا) والذي أصبح مسكنا لإيواء المرضى العقليين، وهي موجودة حتى يومنا هذا. ويعد تاريخ أول مستشفى تم إنشاؤها لعلاج الأمراض العقلية إلى عام 792 ميلاديًا في بغداد.
واحدة من أكثر المستشفيات العقلية شهرة في العصور الوسطى هي “مستشفى القديسة مريم في بيت لحم”. وقد سميت في وقت لاحق باسم Bedlam، وقد أصبحت أكثر شهرة بعد استقبال المزيد من الأشخاص. وهي موجود إلى الآن في لندن باسم “Bethlem Royal Hospital”. وقد جاء التحسن في نهاية المطاف في مجال الأمراض العقلية في القرن التاسع عشر، حين بدأ الأطباء ينكرون الاعتقاد بأن الفرد يمكن أن يكون مريضا بسبب مظهر من مظاهر الأرواح الشريرة.
لكن لا يمكننا الحكم عليهم لافتقارهم إلى المعرفة في مجال الصحة العقلية، فقد كانوا يحاولون المساعدة باستخدام المعلومات المقدمة لهم في ذلك الوقت، وإذا لم تتم تلك المحاولات، فلن نكون وصلنا إلى ما نحن عليه هنا اليوم، طبياً وتقنياً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :