محتويات المقال :
تمثل الميتافيزيقيا أو فلسفة الماورائيات القسم من الفلسفة الذي يدرس طبيعة الوجود والحقيقة والمعرفة والعقل والعلاقة بين الجسد والعقل والكثير من المواضيع التي تقبع في عالم ما وراء الطبيعة.
أطلق على هذا النوع من الفلسفة اسم الميتافيزيقيا – Metaphysics منذ البداية. ويعود هذا إلى أيام الإغريق القديمة، حيث تعني كلمة “meta” “بعد”. وقد استخدم هذا المصطلح أحد الفلاسفة الذين جمعوا أعمال أرسطو وحرروها، وأطلق اسم الميتافيزيقيا على مجموعة الكتب التي أُدرجت بعد كتب الفيزياء أو العلوم المادية [1]. حالياً، أصبح استخدام مصطلح الميتافيزيقيا ذو نطاق أوسع ليشمل مجالات الفلسفة التي تدرس بشكل عام ماهية الوجود والكينونة [1].
إذا أردنا التوسع في الاختلاف بين مجال دراسة الميتافيزيقيا في الماضي وما يقابله الآن، يمكن تلخيصه بما يلي. كان فلاسفة الإغريق والعصور اللاحقة يعرّفون الميتافيزيقيا بطبيعة المواضيع التي تدرسها، مثلها مثل أي علم آخر كالكيمياء أو علم الفلك. وفقاً لهذا، كانت تُعرف على أنها العلم الذي يدرس الكون وطبيعته، إضافة إلى الأسباب الأساسية للظواهر، وهذا يعني الأشياء التي لا تتغير بل تبقى كما هي أسباباً لأمور أخرى. ولكن عند النظر إلى الفلسفة الآن، لا يمكن تعريف الميتافيزيقيا بهذا.
أولاً، بات الفلاسفة الذين كانوا ينقدون مواضيع الميتافيزيقيا، كالأسباب الأساسية والأمور غير المتغيرة، باتوا يُعتبرون الآن على أنهم يقدمون طرحاً ميتافيزيقياً. ثم إن العديد من المواضيع الفلسفية التي تندرج الآن تحت الأسئلة الميتافيزيقية، أو على الأقل تشكل جزءاً من هذه الأسئلة، لا تمتّ بصلة إلى مواضيع الميتافيزيقيا القديمة كالأسباب الأساسية أو الأمور غير المتغيرة. ومن الأمثلة على ذلك مسألة حرية الإرادة أو العلاقة بين العقل والجسد [2].
يعود هذا الاختلاف أو التحول في معنى الميتافيزيقيا إلى القرن السابع عشر. ويعزى في الغالب إلى تغير دلالات كلمة “فيزياء” التي أصبحت علماً كمياً جديداً، وهو العلم الذي نعرفه الآن. [2].
يقبع الفرق بين العلوم الطبيعية وتلك الميتافيزيقية في اختلاف طريقة الإجابة على تساؤلاتها أو البحث فيها. حيث تعتمد العلوم الطبيعية في إجاباتها على الملاحظة والتجربة والقياس والحساب. من جهة أخرى، يبني الميتافيزيقيون إجاباتهم على التفكير والتأمل. أي أن العلوم الطبيعية تدرس العالم التجريبي، في حين تهتم الماورائيات بمظاهر الواقع التي تتجاوز التجربة [1].
إذاً، اتسعت مواضيع الميتافيزيقيا أو فلسفة الماورائيات مع الزمن، لكن هذا لا يلغي اهتمامها بالمواضيع القديمة التي نشأت عليها. فما زالت تلك المواضيع من محاور هذه الفلسفة، ولو أنه طرأ عليها بعض التغيرات أو أصبحت تُرى من مناظير مختلفة. يعد موضوع الوجود من المواضيع الأساسية التي تقع في صلب هذه الفلسفة بكل معانيها ومفاهيمها. ويمتد هذا إلى البحث في مواضيع العدم واللاوجود. بالإضافة لذلك، بقيت المواضيع الأصلية في الماورائيات وهي طبيعة الكون والأسباب الأولى والأشياء غير المتغيرة من المواضيع المطروقة حتى بعد أرسطو.
أما حديثاً، فبدأت الميتافيزيقيا تتطرق لمواضيع أخرى، من أبرزها مواضيع الفضاء والوقت. ويعتبر السفر عبر الزمن من النقاط الجدلية التي تثير العديد من التساؤلات حول قضايا الوقت والسببية وقوانين الطبيعة والحرية والهوية الشخصية وغيرها [2].
يعد ديفيد لويس (David Lewis) من أبرز من تحدث عن السفر عبر الزمن. حيث يشرح في ورقته البحثية “مفارقات السفر عبر الزمن” التي نُشرت عام 1976 عن منطقية احتمال السفر عبر الزمن في كلا الاتجاهين: للماضي وللمستقبل. طبعاً لم يدّع لويس أن هذا الأمر ممكن في الحقيقية أو في العالم الذي نعيشه أو حتى مع التقنيات المتطورة. لكن ما كان يرمي إليه هو تقديم تعريف ينطوي على تمييز طريقتين لتسجيل الوقت، وهما الوقت الشخصي والوقت الخارجي [3].
يتضمن الوقت الشخصي التغيرات التي تطرأ على الفرد بعبور الوقت، من تغيرات جسدية ووظيفية. أما الوقت الخارجي فهو الزمن الذي يسجل على المستوى الأكبر. أي الزمن الذي يمر إما بالذهاب للماضي أو للمستقبل. على سبيل المثال، يسافر أحد الأشخاص عبر الزمن إلى الماضي، قبل 50 عاماً، واستغرقت الرحلة للوصول إلى الوجهة خمس دقائق. يكون الوقت الشخصي 5 دقائق مرت من عمر الفرد الذي يقوم بالرحلة. في حين أن الوقت الخارجي هو 50 سنة، وهي النقطة المنشودة من الرحلة [3].
في هذه الرحلة كان الوقت الخارجي أطول من الوقت الشخصي، كما أن كلاً منهما سار باتجاه مختلف. فالوقت الشخصي كان يسير للأمام في حين أن الوقت الخارجي كان متجهاً للخلف. عند السفر في الزمن للمستقبل، تبقى الثغرة موجودة بين نوعي الوقت لكن اتجاههما يكون واحداً. فالوقت الشخصي يسير قدماً كما الوقت الخارجي.
وبهذا يشرح لويس أنه في السفر العادي، لا عبر الزمن، ينطبق كل من الوقت الشخصي مع الوقت الخارجي في الرحلة نفسها. في حين ينفصل هذان الوقتان عند السفر عبر الزمن ويحيدان عن بعضهما. ويحاول من خلال هذا الشرح إعطاء تفسير منطقي لفكرة السفر عبر الزمن.
طبعاً، لا تخلو الورقة البحثية من شرح للتناقضات المنطقية المحتملة والتساؤلات الناجمة عنها. لكن بالمجمل، وبالعودة إلى الماورائيات، يعد موضوع الوقت والفضاء، ومنهما السفر عبر الزمن، أحد المواضيع التي باتت تهم الميتافيزيقيا وأبحاثها.
تعمل الميتافيزيقيا وفق منهجيات معينة تختلف عن العلوم الطبيعية كما ذكرنا. فلا يمكن هنا استخدام التجربة العملية. ولكن يمكن الاعتماد على التفكير والتأمل والتخيل، عندما تكون هنالك القدرة على تخيل الأمور محط التفكير. يمكن أيضاً اللجوء إلى الحدس لتحديد ما هو منطقي وما هو غير ذلك.
ومع هذه الأدوات، تبقي فلسفة الميتافيزيقيا أو الماورائيات الباب مفتوحاً أمام المزيد من الإجابات والتساؤلات.
اقرأ أيضاً: نظرية المعرفة
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…