Ad
هذه المقالة هي الجزء 5 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

فلسفة العلوم: كيف ترى الفلسفة النظريات العلمية؟

فلسفة العلوم (Philosophy of Science) قد يبدو هذا العنوان غريباً، وقد يثير تساؤلاً حول علاقة العلم بالفلسفة. ولكن في الواقع، تعد فلسفة العلوم إحدى فروع الفلسفة، وتتطرق في دراستها إلى طرائق البحث والنظريات العلمية. تناقش هذه الفلسفة على وجه التحديد ما الذي يمكن اعتماده تحت تسمية “علم” ولماذا، إضافة إلى طرح منهجيات معينة لفهم مدى مصداقية النظريات العلمية [1].

وقد أثبتت الفلسفة فائدتها للعلوم، إذ تعمل على توضيح العديد من المفاهيم من خلال أبحاثها ودراساتها. ويسهم هذا التوضيح المفاهيمي في تحسين دقة المصطلحات العلمية واستخداماتها في الأبحاث ذات الصلة. كما يساعد في إجراء استقصاءات تجريبية جديدة. حيث تختلف كيفية فهم التجارب وإجرائها مع اختلاف الأطر المفاهيمية. وكلما تعرّفت هذه الأطر أكثر، أصبح من الممكن إجراء مزيد من البحوث والدراسات [2].

التوجهات ضمن فلسفة العلوم

إذا أردنا دراسة فلسفة العلوم من منظور واسع نسبياً، يمكننا الذهاب إلى مقاربتين مختلفتين حول طبيعة العلم بحد ذاته. فلا يوجد هنا تركيز على نظرية علمية محددة دون سواها. كما لا تتم دراسة موضوع أو تخصص واحد كعلم الأحياء، أو الفيزياء. بل يكمن الاختلاف بين هاتين المقاربتين في تعريفهما لطبيعة النظريات العلمية التي يمكن أن تُصنف على أنها نظريات جيدة. إضافة لذلك، تملك كل منهما وجهة نظر مختلفة حول ما يجب أن نأمل الحصول عليه من النظريات العلمية، بصفتنا متلقين للعلم. وبدقّة أكبر، يتمثل الاختلاف في الهدف من العلم، والنتيجة التي ينبغي أن تصل إليها النظريات العلمية [1].

أما عن هذين التيارين أو التوجهين ضمن فلسفة العلوم، فهما الواقعية العلمية (Scientific Realism) واللاواقعية العلمية (Scientific Anti-Realism).

الواقعية العلمية

يمكن تعريفها بطرق عدة، وباختصار، تمثل الواقعية العلمية موقفاً تجاه النظريات العلمية ينص على أن هدف هذه النظريات هو إيصالنا إلى الحقيقة. أي أن النظريات العلمية هي تلك التي تنجح، من خلال المصطلحات العلمية النظرية، بتفسير ما يحدث في العالم المرئي (كدراسة علم الفلك للكواكب) وغير المرئي (كدراسة الفيزياء للبروتونات والإلكترونات). ويوجد هنا توجه نحو فكرة الحقيقة التي يجب على النظريات العلمية أن تؤدي إليها. أي أن لهذه النظريات جانباً معرفياً، لأنها تمنحنا مظاهر معرفية مرتبطة بالعالم، بما في ذلك المظاهر غير المرئية منه [3].

وفق الواقعية العلمية، يكمن هدف العلم في إعطاء تفسيرات وتوصيفات صحيحة لما يحدث في العالم. ويمكن في هذا السياق الحديث عن جانبين للنظرية العلمية، هما الجانب المعنوي أو الدلالي (semantic) والجانب المعرفي (epistemic). بالنسبة للجانب المعنوي، يجب أن نفهم لغة النظرية العلمية والمصطلحات المستخدمة فيها. وهذا يعني أن يكون لهذه المصطلحات دلالات في العالم الخارجي يمكننا ربطها بها. على سبيل المثال، عندما تتحدث النظرية عن الكواكب، ينبغي لنا أن نعرف دلالة كلمة “كوكب” ونفهم معناها وما تمثله في العالم الخارجي [1].

أما بالنسبة للجانب المعرفي، يجب أن نصدق النظريات العلمية على أنها صحيحة بالنسبة لما تطرحه من أفكار حول العالم أو الأشياء التي تدل عليها. فنص النظرية العلمية يهدف إلى إعطاء شرح وتفسير لظواهر العالم. لهذا لا بد أن نصدق أنها صحيحة، ولو بشكل تقريبي، بمعنى توافقها مع الحقائق الصحيحة في الطبيعة [1].

اللاواقعية العلمية

تضم اللاواقعية العلمية أفكاراً مختلفة، من أهمها التجريبية البنائية والتي طورها بشكل رئيسي الفيلسوف الأمريكي فراسن (Bas van Fraassen) في ثمانينيات القرن الماضي. وتختلف اللاواقعية عن الواقعية في تحديدها للهدف من النظريات العلمية [1]. وفقاً للتجريبية البنائية، يسعى العلم لإعطاء نظريات دقيقة من الناحية التطبيقية، لكن ليس بالضرورة نظريات صحيحة. فلا يشترط لقبول نظرية ما على أنها نظرية علمية أن تثبت صحتها. بل يكفي أن تكون دقيقة عملياً [4]. وتتفق هذه النظرية مع الواقعية العلمية في الجانب المعنوي أو الدلالي. أي أنها تركز أيضاً على ضرورة فهم المصطلحات العلمية التي تستخدمها النظرية، وربط هذه المصطلحات بالعالم ودلالاتها فيه. لكن يكمن الاختلاف في الجانب المعرفي. فهنا لا يشترط أن نؤمن بصحة النظرية كي نعتبرها نظرية علمية جيدة. بل نلجأ إلى التجربة العملية التي يجب أن تكون دقيقة [1].

يتمحور التركيز هنا حول الجوانب المرئية من العالم، والتي يجب أن تكون دقيقة عملياً. وتنطوي الدقة العملية أو التطبيقية في النظرية على حسن إعطاءها لتفسير صحيح للظواهر المرئية. باختصار، يجب للنظرية أن تكون قادرة على احتواء الظواهر المرئية التي نؤمن بوجودها كي تكون نظرية علمية. أي أنه، بالنسبة للتجريبية البنائية، لا تنطوي صحة تفسير الظواهر المرئية التي نصدقها في النظرية العلمية على صحة تفسير الظواهر غير المرئية، ولا مشكلة بهذا في النظرية العلمية [5].

الفلسفة والعلوم

إذاً تختلف وجهات النظر الفلسفية في طريقة رؤيتها للنظريات العلمية. وفي الواقع، هذا الاختلاف يغني العلوم ويوسع النطاق المعرفي الذي تجري الأبحاث ضمنه – إما بناء على توسيع الإطار المفاهيمي، أو بناء على نقد الافتراضات العلمية. إذ يمكن للفلسفة أن تكون على مستوى من الفعالية في تأثيرها على صياغة نظريات جديدة تكون قابلة للاختبار، وتساهم في وضع مسارات جديدة لأبحاث تطبيقية [2].

اقرأ أيضاً: فلسفة العقل وعلاقة العقل بالجسد

المصادر

  1. Coursera: Massimi, Michela, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
  2. Why Science Needs Philosophy
  3. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Scientific Realism
  4. Constructive Empiricism – Paul Dicken
  5. Stanford Encyclopedia of Philosophy – Constructive Empiricism

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر فلسفة

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Elakademiapost

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق