Ad
هذه المقالة هي الجزء 10 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

الالتزام السياسي والفلسفة السياسية

تهتم الفلسفة السياسية (political philosophy) بدراسة المفاهيم السياسية والقضايا المتعلقة بها. ويمكن تحديد المجال السياسي بالممارسات المتعلقة بالحكومة والمواطنين وعلاقة هذين الطرفين ببعضهما. تركز الفلسفة السياسية على كيفية توظيف السلطة العامة في سبيل الحفاظ على الحياة البشرية والارتقاء بها. وفي هذا الصدد، يدخل ضمن نطاق مواضيعها المتنوعة موضوع الالتزام السياسي تجاه القانون، وكيفية تطبيق القانون من قبل السلطة [1].

هل يجب أن نتبع القوانين وفقاً للالتزام السياسي؟

تُلزم الدول أتباعها ومواطنيها بالتصرف وفق القوانين التي تحددها والامتثال لها. وقد يعتبر البعض أن الالتزام السياسي يوازي الالتزام الأخلاقي تجاه الدولة باتباع قوانينها [2]. ولكن هل نحن حقاً ملزمون بطاعة هذه القوانين؟ وإذا كنا كذلك فعلاً، فما هو سبب هذا الالتزام؟ [3]

طَرَح سوفوكليس هذه الفكرة – فيما إذا كان يجب علينا أن نمتثل للقوانين – في مسرحية أنتيغون في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تم اقتراح العديد من الإجابات على هذا السؤال في فترات مختلفة. لكن حتى الآن لا يوجد جواب واحد يحظى باتفاق واسع النطاق. بل إن عدداً من الفلاسفة المعاصرين في الفلسفة السياسية يعتبرون أنه من غير الممكن صياغة نظرية واحدة مُرضية للإجابة على سؤال الالتزام السياسي أو الالتزام بالقانون [2].

مسألة الالتزام السياسي

يتمحور موضوع الالتزام السياسي حول وجود أسباب أخلاقية لطاعة ما تفرضه السلطة على أتباعها ومواطنيها. حيث توجد نظريات تعتبر أن هذا الالتزام هو غير طوعي أو غير اختياري، في حين ترى نظريات أخرى أنه التزام طوعي وغير إجباري [4].

اللا طوعية

وفق هذا المفهوم، لا تعد إرادة الأتباع أو خيارهم من ضمن الأسباب التي تدفعهم إلى الالتزام السياسي بقوانين السلطة التي يعيشون في ظلها. أي أن خيارهم أو إرادتهم لا تدخل ضمن ما يجعلهم مرتبطين بعلاقة طاعة أو امتثال للقوانين المفروضة عليهم. وترى بعض التوجهات فيها أن مجرد طرح فكرة البحث عن تبريرٍ أو سببٍ للالتزام السياسي، يعني أننا لم نفهم حقاً معنى أن يكون الفرد جزءاً من مجتمع سياسي. حيث أن المؤسسات السياسية، وهنا يقصد بها أي مجتمع أو هيئة ينتمي المرء إليها كالعائلة أو الصداقة، هي بحد ذاتها مولدة للالتزام. فهذا الالتزام بالامتثال للقوانين هو التزام وليد مع المؤسسة المعنية [5].

أما بعض الآراء الأخرى في اللا طوعية، فتعتقد أن السلطة تفرض على أتباعها الالتزام بقوانينها بوصفها وسيلة لتساعدهم أو ترشدهم في القيام بما يجب أن يفعلوه. ومن الأفضل لهؤلاء الأفراد أن يتبعوا القوانين الملزمة للجميع، والتي ترتقي فوق أسباب أخرى قد تكون مناسبة لحالة واحدة، إذ تقوم السلطة بوضع القوانين لتساعد على التعاون بين أفراد المجتمع. وهذا ما يفسر اتباع الأفراد للقوانين حتى وإن لم ترضهم [5].

وتبرر فئة ثالثة هذا الالتزام السياسي بأنه من الضروري للسلطة أن تضع القوانين كي تؤدي مهامها. وبالتالي، من حقها أن تفرض ما يجب فعله لتأدية هذه المهام. لكن تواجه هذه الفكرة، كغيرها، أسئلة واستفسارات عما هو “ضروري” وما هي الحقوق المطلوبة للقيام بهذا [4].

الطوعية

تعزو الطوعية الالتزام بالقانون إلى أسباب تتمثل بالقبول والمنفعة والعدالة [4]. فيعتبر جون لوك (John Locke) أن مفهوم القبول هو مفهوم جوهري في الفلسفة السياسية. فيخضع الأفراد لقوانين الدولة لأنهم وافقوا على ذلك طوعاً. تعود تحليلات لوك إلى الحالة الطبيعية التي لا يكون فيها الأفراد أتباعاً لسلطة معينة. في هذه الحالة الطبيعية من الحرية والاستقلالية، يؤكد لوك على أن الموافقة الفردية هي اللبنة الأساسية لنشوء المجتمعات السياسية وانضمام الأفراد إليها. ومع أن بعض الالتزامات والحقوق تعود في أصولها لقوانين الطبيعة، لكن بعض الالتزامات تنشأ بمجرد قبولنا أو موافقتنا عليها طوعاً [5].

يواجه هذا الطرح بعض الانتقادات من مبدأ أن الأفراد لم يقوموا فعلياً بالموافقة على القوانين التي تفرضها حكوماتهم أو سلطات بلادهم. والرد هنا هو أنه من الممكن للقبول أن يكون ضمنياً. أي بمجرد أن يعيش المرء في بلد ما، يكون قد وافق ضمنياً على الالتزام بقوانين هذا البلد طالما أنه لا يزال يعيش فيها [5].

وترى تفسيرات طوعية أخرى أن التزام الأفراد باتباع قوانين بلادهم ناجم عن الفائدة التي يحصلون عليها من البلاد. فالمواطنون مستفيدون من الدولة والسلطة فيها، لذلك فهم ملزمون باتباع قوانينها. وهذا الالتزام هو نوع من الامتنان لتلك القوانين [3]. كما أنه تعبير عن مشاعر احترام الهدف من هذا القانون في إرشادنا. وأخيراً، تنمحنا طاعة القوانين شعوراً بالانتماء للمجتمع الذي يديره هذا القانون [4].

أما بالنسبة للعدالة، فتبرر هذه الطوعية أن أساس طاعتنا للقانون هو الرغبة بالانتفاع من نظام قائم على الالتزام المتبادل. ويشبه هذا مبدأ المنفعة إلى حد ما، وتحدث عنها كل من هارت (H. L. A. Hart) ورولز (John Rawls). إذ يكمن جوهر هذه الفكرة بأن من يقبل الانتفاع من خطة عادلة قائمة على التعاون، يقع على عاتقه القيام بواجبه ضمن هذه الخطة. يبني رولز هذه الفكرة على أساس أن جميع الأفراد متساوون وأحرار، وعلى المجتمع أن يكون عادلاً، وهذا ما يضفي الشرعية على السلطة السياسية وما تفرضه [6].

الالتزام السياسي أم الفوضوية؟

تواجه كل من هذه النظريات والتفسيرات للالتزام السياسي انتقادات وتساؤلات تجاه نقاط الضعف فيها. وكما ذكرنا سابقاً، فإن مسألة ما إذا كان الأفراد ملزمين باتباع القانون، أو الأسباب وراء هذا الالتزام إن وجد، لا تحظى بإجابة واحدة متفق عليها. ولا تخلو أي منها من ثغرات تفتح مجالاً لأنصار الفوضوية (anarchism) للاعتقاد بأنه من المستحيل تبرير الالتزام السياسي. ولذلك، يرفض هؤلاء الفوضويون كافة أشكال التراتبية في السلطة، ويدعون إلى انحلال الدول والحكومات بحجة أنها غير ضرورية، بل ومؤذية [4].

اقرأ أيضاً: هل تحول السلطة البشر إلى وحوش؟

المصادر

  1. Britannica
  2. Political Obligation
  3. Coursera: Fletcher,Guy, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
  4. Legal Obligation and Authority
  5. Locke’s Political Philosophy
  6. John Rawls

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر فلسفة

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : abdalla taha

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق