- ما هي الازدواجية في علم النفس؟
- كيف يرى علم النفس الطبيعة الفريدة لعمل المخ؟
- ماذا قدم فرويد للبشرية؟
- حديث عن السلوكية وسكينر
- كيف غير بياجيه نظرتنا لأطفال العالم؟
- ما أصل اللغة البشرية؟ وما القواسم المشتركة بين جميع لغات العالم؟
- كيف يحدث إدراك الصور؟ ولماذا نقع بسهولة تحت تأثير الخداع البصري؟
- كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟
- كيف عرف ستيرنبرج الحب؟ وما العوامل التي تضمن حدوثه؟
- التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟
- لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ نظرة في تطور المشاعر
- علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟
- الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر
- لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟
- الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟
- تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟
- بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟
- التنافر المعرفي: عندما تفشل النبوءة وينتصر الوهم على الحقيقة!
- كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟ وكيف يمكننا التصدي له؟
- الفصام يجمع آلهة ميشيغان الثلاث
- اختبار مساق مقدمة في علم النفس
الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر اهتم العلماء كثيرًا بسؤال الأمور المشتركة بين البشر، والبحث في أصلها سواء كانت أمور غريزية أم مكتسبة. مثل: اللغة والمشاعر والإدراك والنمو. جميعها مفاهيم هامة وحيوية وتمسنا جميعًا. لكن السؤال الذي لا يقل أهمية سنطرحه اليوم وهو: ما الذي يختلف فيه البشر؟ وكيف نميز هذه الاختلافات؟
محتويات المقال :
الاختلاف الأول: الشخصية
الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر
يمكننا تقليص جميع الاختلافات بين البشر وحصرها في عاملين مهمين: وهما الشخصية والذكاء. وسنتعرض في هذا المقال إلى وصف كل عامل منهم وتفسيره.
أولًا الشخصية
الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر
يمكن تعريف الشخصية أنها الأسلوب الذي تتبعه في التعامل مع العالم، تحديدًا الأشخاص الآخرين. فكر في صديقك المقرب وحاول أن تصف شخصيته: ربما تقول أنه كسول وغير مسئول وطيب القلب. بينما تفكر في صديق آخر وتراه مجتهد ومسئول وصادق. هذه هي شخصيتهم التي تراها وفقًا لأسلوب تعاملهم مع العالم من حولهم بمن فيهم أنت.
تعريف آخر للشخصية أنها صفة ثابتة تحملها معك طوال الوقت، وهي مختلفة عن رد الفعل.
إذا جاء أحدهم وصفعك الآن فجأة، ستشعر بغضب شديد، وهذا هو رد الفعل. لكن إذا كنت تستيقظ وتنام وتمارس حياتك غاضبًا فهذه هي الشخصية.
وبما أن حديثنا اليوم عن الاختلافات، كيف يمكننا -بشكل علمي- قياس الاختلافات بين شخصيات البشر؟
اختبارات الشخصية
قبل الإجابة عن هذا السؤال سنتعرف أولًا على اثنين من الصفات التي يجب أن يتمتع بها أي اختبار علمي. وهما:
- «الدقة-Reliability»
بمعنى عدم وجود خطأ في القياس، وعند تكرار نفس الاختبار مع نفس الشخص في أوقات مختلفة يتوجب الحصول على نفس النتائج.
مثال: إذا أظهر اختبار الشخصية أنك متفتح وهاديء اليوم، ثم أظهر أنك مندفع وقلق غدًا، فهو بالتأكيد لا يتمتع بخاصية الدقة.
- «الصدق-validity»
بمعنى أن الاختبار يقيس ما وُضع لقياسه.
مثال: إذا افترضنا وجود اختبار يقيس نسبة ذكائك من يوم ميلادك، فيُظهر أن مواليد شهر يناير حمقى وديسمبر أذكياء وهكذا. هذا الاختبار ليس صادقًا على الإطلاق، لأنه لا توجد علاقة بين نسبة الذكاء ويوم الميلاد. على صعيد آخر نجد أن هذا الاختبار مثالًا رائعًا للدقة، لأنه سيظهر نفس النتائج إذا أخذته اليوم أو غدًا أو حتى يوم موتك.
«اختبار رورشاخ-Rorschach test»
اختبار رورشاخ أو اختبار بقعة الحبر مثال واقعي ومشهور لاختبارت الشخصية. وضعه هيرمان رورشاخ، الذي كرس حياته حرفيًا لبقعة الحبر لدرجة أنه صار لقبه في مراهقته.
ويقوم الاختبار على عرض صورة لبقعة حبر على الشخص وسماع انطباعه عنها ثم تكوين رؤية عن شخصيته.
اختبار بقعة الحبر مشهور للغاية، ويستخدمه كثير من علماء النفس أو الأطباء النفسيين في عياداتهم. لكن يمكننا القول أنه عديم الفائدة، ولا يُعول على نتائجه. فهل هناك بديل أفضل؟
تاريخ اختبارات الشخصية
بحث العلماء في الشخصية وحاولوا إيجاد طرق مبتكرة لقياسها وتحديد الاختلافات بينها. أول هذه الطرق وضعها عالم النفس الأمريكي «جوردون ألبورت-Gordon Allport».
بحث ألبورت في القاموس عن جميع الكلمات التي اعتقد أنها تصف الشخصية، وتوصل إلى ما يقرب من خمسة آلاف منها. لكن المشكلة أن هذه الصفات لم تكن قائمة بذاتها، بمعني أن صفات مثل: ودود، واجتماعي، ولطيف تبدو متشابهة للغاية. وهنا جاء دور كاتل.
حاول «كاتل-Cattell» مع آخرين تقليل عدد هذه الصفات عن طريق طرح السؤال: كيف تختلف شخصيات البشر عن بعضها؟ وما المعايير التي يمكن وضعها لقياس ذلك؟ وتوصل إلى ست عشرة صفة تختص كل منها بنمط معين من أنماط الشخصية.
لاحقًا توصل «آيزنك-Eysenck» إلى معيارين فقط يمكن من خلالهما تحديد الشخصية. الأول: انطوائي-اجتماعي الثاني: عصبي-مستقر وبناءًا على هذين المعيارين يوجد أربع أنماط للشخصية.
وأخيرًا استقر العلماء على صيغة أكثر صحة مما سبقها، فلا تتحدد الشخصية بمعيارين فقط أو ستة عشرة واحدًا. وإنما خمسة معايير تُعرف باسم «العوامل الخمس الكبرى للشخصية-The five big personality factors»
العوامل الخمس الكبرى
انطلاقًا من جهود العلماء السابقين توصل العلم إلى نظرية العوامل الخمس الكبرى، التي تشير أنه يمكننا وصف شخصياتنا وشخصيات من حولنا بآلاف الصفات. وستقع هذه الشخصية مهما كانت صفاتها في نطاق العوامل الخمس الكبرى دائمًا. وهذه العوامل الخمس هي:
- الاستقرار-العصبية
بمعنى هل أنت شخص هاديء ومتزن، أم قلق ومتشائم؟
- الاجتماعية-الانطوائية
بمعنى هل أنت شخص منفتح ومحب للمرح، أم متحفظ وتفضل العزلة؟
- القبول-عدم القبول
بمعنى هل أنت شخص مهذب ومتعاون، أم مرتاب وغير متعاون؟
- الانفتاح- عدم الانفتاح
بمعنى هل أنت شخص منفتح للتجارب الجديدة، أم عملي تفضل الروتين؟
- الحذر-التهور
بمعنى هل أنت شخص منظم وحذر، أم مهمل ومندفع؟
وهكذا استطاع العلماء قياس الاختلافات بين شخصيات البشر باستخدام هذه العوامل الخمس، والمشوق أن هذه النظرية تستخدم أسلوب «المدى-Spectrum» كما بالصورة
على عكس أساليب القياس الأخرى مزدوجة الاختيار. بمعنى أنه يمكنك أن تجد نفسك شخصًا منفتحًا فقط أو غير منفتح فقط أو نقطة ما بينهما.
والسؤال هنا الآن، أين تقع هذه النظرية من خاصيتي الدقة والصدق؟ وما الأدلة عليها؟
ما الأدلة عليها؟
- تتميز هذه النظرية على عكس اختبارات الشخصية الأخرى بخاصية الدقة، فإذا اختبرت الصفات الخمس الآن ثم أعدت نفس الاختبار بعد خمس سنوات، فلن تجد تغيرًا كبيرًا. خاصة بعد سن الثلاثين، حيث تستقر هذه الصفات إلى حد كبير.
- تتميز هذه النظرية أيضًا بخاصية الصدق، لأنها تقيس ما وُضعت لقياسه. فنجد موقفك من الصفات الخمس يتنبأ بسلوكك في العالم الحقيقي. فيقيس الانفتاح مثلًا احتمالية تغييرك لوظيفتك، بينما يقيس القبول مدى نجاح علاقاتك.
- تتفق نتائج هذه النظرية مع انطباع الآخرين عنك. فإذا سألت والدتك ورفيقك في العمل واستاذك في الجامعة عن انطباعهم عنك، ستتداخل إجاباتهم إلى حد كبير، وستتفق مع موقفك من الصفات الخمس.
الاختلاف الثاني: الذكاء
الذكاء هو العامل الثاني الذي يحدد الاختلافات بين البشر، لكنه -على عكس الشخصية- يصعب تعريفه. لأنه ليس محدود بصفات معينة يمكن اختبارها.
عندما استقطبت أحد الدراسات ألف خبير وسألتهم عن تعريفهم للذكاء، اشتركت إجابات معظهم في بعض النقاط مثل: القدرة على حل المشكلات، والتعلم، والتفكير المجرد. وجاءت بعض الإجابات الأخرى مثل: الذاكرة، وسرعة البديهة، والإبداع، واللغات.
لذا نستنتج من هنا أن تعريف الذكاء أمر يصعب الاتفاق عليه. فما هو الأمر الذي نتفق عليه عند حديثنا عن الذكاء؟ الأمر الذي نتفق عليه أن تصنيفنا للذكاء أمر بديهي، بمعنى أنك تملك حسًا داخليًا عنه. فتعرف أن آينشتاين مثلًا شديد الذكاء، وأستاذك في الجامعة ذكي أيضًا، بينما “بسيط نجم” (شخصية من عرض سبونج بوب) ربما ليس الأنبغ!
سبيرمان وأنواع الذكاء
والآن سنناقش أنواع الذكاء تبعًا لاثنين من المفاهيم الهامة. هذان المفهومان يرتبطان بـ «نظرية الذكاء ثنائية العامل-Two factors theory of intelligence» لعالم النفس «تشارلز سبيرمان-Charles Spearman» أشار سبيرمان إلى نوعين من الذكاء عند البشر:
- النوع S: أي الذكاء الخاص، الذي يتحدد بنتائجك المختلفة في كل اختبار ذكاء منفرد مثل: اختبار القراءة، والحساب، والقدرة المكانية.
- النوع G: أي الذكاء العام، الذي يتحدد بنتائجك في هذه الاختبارات جميعها بشكل عام.
وما توصل إليه سبيرمان هو نوع من الارتباط بين نوعي الذكاء، فلا ينفصل النوع G عن النوع S وإنما يؤثر بشكل كبير عليه. فبينما تمدنا الاختبارات المنفردة بنتائج مختصة بمهارة ما تحديدًا، إلا أنها تدلنا أيضًا على نوع من الأداء المشترك/ الذكاء العام بينهم جميعًا.
ولفهم ذلك بشكل أوضح سنشبه الأمر بامتلاكك صالة رياضية، هناك عدد من الاختبارات التي يقوم بها المشاركون، أحدها لاختبار سرعة الجري، أو السباحة، أو التسلق، ثم آخر لتقدير الأداء بشكل عام. عند مراجعة نتائج المشاركين ستجد أن هؤلاء الذين يحرزون نتائج مرتفعة في كل اختبار منفصل يأتي تقديرهم العام مرتفعًا أيضًا، والعكس صحيح. لذا يمكننا القول أن نتائج هذه الاختبارات مهما كانت منفصلة إلا أنه هناك نوع من الأداء المشترك بينها. فلا ينفصل الذكاء العام عن الذكاء الخاص مطلقًا!
أهمية اختبارات الذكاء
لاختبارات الذكاء أهمية كبرى في حياتنا اليومية، فتتأثر الحالة الاجتماعية للأشخاص في المجتمع، ومدى نجاحهم وثرائهم بمعدل ذكائهم الذين يحصلون عليه من اختبارات الذكاء
هكذا أشار هيرنستين وموراي في كتابهم «منحنى الجرس-The Bell Curve».
ويمكنك أن تتخيل الجدل الذي أثاره هذا التصريح في المجتمع العلمي، فظهرت على إثره عدد من الأبحاث المشوقة. قامت جمعية علم النفس الأمركية بواحد من هذه الأبحاث، حيث طلبت من خمسين من كبار الباحثين كتابة تقرير عن معدل الذكاء، هل يؤمنون بأهمية اختبارات الذكاء؟ وهل ترتبط نتائجها بالذكاء الفعلي؟
جاءت النتائج باتفاق واسع على أهمية معدل الذكاء، وأشاروا أن معدل الذكاء -أكثر من أي صفة بشرية أخرى قابلة للقياس- مرتبط بالعديد من الانجازات التعليمية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية.
- في بعض الحالات يكون الارتباط قويًا جدًا مثل: النجاح في الدراسة.
- أو معتدلًا مثل: الكفاءة الاجتماعية.
- أو طفيفًا مثل: احترام القوانين.
إذًا نستنتج من هنا أن معدل الذكاء مهم، خاصة في مواضع التحصيل الاجتماعي والوظيفي، لكن تظل هناك بعض الشكوك!
لدى بعض العلماء تخوفًا أن يكون تأثير معدل الذكاء مثل نبوءة ذاتية التحقق، حيث أدت نظرة المجتمع الجدية لاختبارات الذكاء في المقام الأول إلى زيادة أهميته.
لذا نعم، يتأثر نجاحك بمعدل ذكائك لأن نجاحك/التحاقك بجامعة مرموقة يعتمد على نتيجتك في اختبارات القبول (SAT) وهي شكل من أشكال اختبارات الذكاء.
لفهم ذلك بشكل أوضح تخيل معي أننا نعيش في عالم يشترط ألا يقل طولك عن 170 سم لكي تلتحق بالجامعة، هنا يؤثر الطول على نجاحك، وبمرور الوقت لن نتعجب ربط أحد العلماء بين الطول والإنجاز العلمي!
الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر
والآن بعد أن تعرفنا على جهود العلماء في فهم الفروقات بين المجموعات البشرية، ومحاولة إيجاد الطرق المبتكرة والموثوقة لقياسها ومن ثم المقارنة بينها. بداية من اختبار رورشاخ لفهم الشخصية وانتهاءًا باختبار معدل الذكاء الاعتيادي الذي نراه دائمًا. يتبقى لنا أن نعرف أسباب هذه الاختلافات، ما أصلها؟ جيني موروث أم بيئي مكتسب أم خليط بين الاثنين؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال القادم.
اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
رائع