Ad

لا شك أن كتب التعريف بعلم المنطق كثيرة ومتنوعة، ولعل كتاب علم المنطق للدكتور محمد مهران من أبسطها وأكثرها اختصارًا، وارتأينا لهذا السبب أن نقدم لكم ملخصًا يوضح أهم ما جاء في هذا الكتاب، ليكون مدخلًا يعرف القارئ بعلم المنطق في دقائق قليلة.

ما هو علم المنطق؟

يرجع أصل كلمة المنطق إلى النطق، ولا يعني هذا أن المنطق يُعنى باللفظ نفسه، إنما يهتم بالمعنى الذي يكون في أذهاننا عند النطق، وكيفية عصم أذهاننا من التفكير-ومن ثم النطق- بشكل غير صحيح ومتسق. بغض النظر عن ماهية الموضوع أو العلم الذي نتناوله في حديثنا.

يعد أرسطو أول من تكلم بعلم المنطق، واستطاع التمييز بين العلوم نفسها والطريقة التي تمكننا من التفكيرفي هذه العلوم والوصول إليها بشكل صحيح. وبناء على هذا صنف المنطق علمًا قائمًا بذاته.
أما العرب فعاملوا المنطق معاملة العلم والأداة في آن واحد. فقد وصف ابن سينا المنطق بالآلة التي تحمي الفكر من الضلال، أما الفارابي فسماه رئيس العلوم.

ماذا نعني بالمنطق الصوري؟

عندما نرى مجموعة من الكراسي المختلفة في اللون ومادة الصنع والحجم لا يمنعنا ذلك من نطلق عليها جميعًا إسم (كرسي). فما الذي اشتركت فيه تلك الكراسي وجعلها جميعًا تستحق هذا الإسم؟ إنها الصورة. صورة الكرسي، أو العلاقة بين أجزائه. والتي تشترك فيها كراسي العالم جميعًا.

وكذلك الجملة، فإن الجمل جميعًا على اختلاف معانيها لها صور وعلاقات بين أجزائها، والمنطق يهتم على وجه الخصوص في الجمل التي تحتمل الصدق والكذب، وتسمى (القضايا).
فجملة: (الأسرة نواة المجتمع)، تعتبر قضية.
وأجزاؤها هي:
-الأسرة: ونسميها موضوع القضية.
-نواة المجتمع: ونسميها محمول القضية.
-ما يربط بينهما: كلمة هي.

وهكذا فإن لهذه لقضية صورة، تشترك فيها مع قضايا أخرى باختلاف المضمون مثل: (الشمس طالعة) و(القوم غاضبون)، وتسمى هذه الصورة بالحملية.

أما صورة الاستدلال، فيمكن توضيحها بمثال:
” إذا رأيت الإشارة الحمراء يجب أن أوقف السيارة. وبما أني أرى الإشارة الحمراء الآن، وجب علي إيقاف السيارة” .

نلاحظ هنا وجود قضية أولى تدل على شرط وقاعدة مرورية معروفة لدينا قد اختبرناها، ولنسمها: (ك)، وقضية ثانية تدل على واقعة أنك ترى الضوء الأحمر في الوقت الحاضر، ولنسمها: (ق)
فما الذي ينقصنا للتأكد من وجوب الوقوف الآن؟ إنه صدق رؤيتك للضوء الأحمر.
فالصورة هنا كالتالي:
إذا كانت (ق) ، كانت (ك).
و(ق) صادقة.
إذًا (ك) صادقة.

وقد تحمل هذه الصورة حجج أخرى تتعلق بأي موضوع آخر غير المرور والسيارات، لذا فالمنطق لا يهمه الموضوع.
كما أن الصور التي تربط بين القضايا كثيرة ولا تقتصر على ما ذكرناه، ومهمة المنطق دراسة الشروط التي ترتبط فيها تلك الصور.
وليس المنطق العلم الوحيد الذي يدرس الصور والأمور المشتركة بين الأشياء، بل إن العلوم كلها تحتوي صورية، ولكن بدرجة أقل، ويمكننا القول، كلما ابتعد العلم عن الماديات كلما زادات عموميته وكان صوريًا، فيكون المنطق على قمة هرم الصورية، يليه الرياضيات. وهكذا إلى آخره.

هل المنطق علمٌ أم فن؟

من جانب، يمكننا اعتبار المنطق علمًا لأنه يضع لنا القواعد لدراسة باقي العلوم، ومن جانب آخر، يمكننا اعتباره فنًا لأنه يشكل أداة وإرشادات في تعاملنا مع أمور الحياة.

وقد نعني بالفن: المهارة في فعل شيء ما، أو: معرفة طريقة فعل شيء ما.
فإذا أخذنا بالمعنى الثان، بإمكاننا اعتبار المنطق فنًا.

لكن أرسطو اعتبر أن على الفنان إحداث التغيير في شيء ما ليكون فنانًا.
وتتضح هذه القضية في مثال الفرق بين العالم والتطبيقي، فالأول يضع القواعد، والثاني يستخدمها في إحداث التغيير.
ولما كان المنطق يضع القواعد ولا يحدث بذاته التغيير، فعله يكون علمًا أكثر منه فنًا.

علاقة المنطق باللغة

إن اللغة ما هي إلا ألفاظ وجمل بينها روابط، ولما كانت الجمل الخبرية هي القابلة للتكذيب والتصديق، فإنها كانت محل اهتمام المنطق.
وإنا نستخدم اللغة في التعبير عما يدور في ذهننا من أفكار. وكما نحتاج قواعد تقينا الخطأ في تركيب اللغة، ونسميها علم النحو، نحتاج إلى قواعد تقينا الخطأ في تركيب الفكر الذي نعبر عنه باللغة، ونسميها علم المنطق.

أما من الناحية التاريخية، فقد ربط السوفسطائيون بين المنطق واللغة ليسهل عليهم استخدام الجدل في إقناع خصومهم بحججهم. ويعتبر البعض أن أرسطو أقام تصنيفاته المنطقية بناء على دراسته للغة اليونانية. وكان لهذا الأثر على موقف العرب من قيمة المنطق، فقد ذهب فريق اللغويين منهم إلى أن المنطق بني على قواعد اللغة اليونانية، فلا قيمة له في لغة أخرى، بينما ذهب فريق المنطقيين إلى أن المنطق يهتم في المقولات ولا شأن له في اللغة، معللين ذلك بمثال أن أربعة زائد أربعة ستساوي ثمانية في جميع اللغات.

كما ذهب المناطقة إلى أن المنطق علم قائم بذاته ولا يحتاج النحو لتحقيق أهدافه، وبدورهم أنكر اللغويون حاجة النحو إلى علم المنطق.
لكن فريقًا توفيقيًا كان له الدور في حل هذا الإشكال إلى حد كبير، وانتشارعلم المنطق من بعدها عند العرب.
إذ أصر هذا الفريق على أن المنطق يهتم بالعقل، بينما النحو مجاله اللغة. وأن لكل منهما دوره الذي لا غنى عنه. وما تزال الدراسات والكتب التي تربط بين المنطق واللغة منتشرة إلى يومنا هذا، وممن ذهبوا إلى التفسير المنطقي للغة الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل

علاقة المنطق بعلم النفس

ذهب البعض إلى أن المنطق جزء من علم النفس معللين ذلك أن علم النفس يشمل التفكير كله بينما يعنى علم المنطق بالتفكير السليم. لكن هذا الرأي لم يعد معقولًا نظرًا إلى أن علم المنطق لا يهتم بالموضوعات، إنما يعنى بصورها فقط.

ومما يربط علم النفس بالمنطق أننا وفي حياتنا اليومية عندما نفكر في شتى المسائل، ونصل الى استنتاجاتنا،يكون ذلك أحيانا بفعل عوامل نفسية لا منطقية، كالرغبات والعواطف. محاولين في بعض الأحيان إضفاء الطابع المنطقي إليها؛ لذا فمن المهم التمييز بين النتائج المتوصل إليها عبر عوامل نفسية وبين تلك الخاضعة للمنطق.
وذهب شيخ المناطقة المعاصرين بيرتراند راسل إلى أن عملية الاستدلال، وهي قلب العملية المنطقية، إنما هي عملية سيكولوجية في الأساس.

علاقة المنطق بالرياضيات

تأثر فلاسفة اليونان بالرياضيات أيما تأثر، وطالما وجد ارتباط وثيق بين منطق أرسطو والصورة الرياضية كما سنبين عند حديثنا عن تطور المنطق.

من أشهر الفلاسفة الذين أرجعوا الرياضيات إلى أصول منطقية الإنجليزي (برتراند راسل) والألماني (جوتلوب فريجه)، إذ رأى أصحاب هذا الاتجاه أن المنطق والرياضيات ليسا إلا شيئًا واحد في مراحل مختلفة، فكأنما المنطق هو الرياضيات في شبابه، والرياضيات هو المنطق في شيخوخته.
فنحن نبدأ من مقدمات منطقية ثم نصل بها إلى نتائج تنتمي إلى الرياضيات، دون حد فاصل واضح. كما أن المفاهيم الرياضية-العدد على سبيل المثال- ما هي إلا مفاهيم منطقية في الأصل. وكذلك القوانين الرياضية يمكن إرجاعها إلى بديهيات في علم المنطق.

أما أصحاب الاتجاه الآخر والمسمى بالاتجاه الحدسي، فيرون أن المنطق ما هو إلا تعميم كبير للرياضيات، وأنه بذلك جزء من الرياضيات لا أساسه.

مراحل تطور المنطق

يقسم الكاتب مراحل تطور المنطق إلى ثلاث مراحل:

-المنطق التقليدي.
-المنطق الحديث، او الاستقرائي.
-المنطق الرمزي أو الرياضي.

المنطق التقليدي

يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي يعرف بالمعلم الأول، أول من أقر بوضوح مبادئ المنطق التقليدي، لا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نلمس بوادر المنطق عند سابقي أرسطو، كالسوفسطائيين وسقراط وأفلاطون، لكن الأمر أن أرسطو أول من نظر إلى الفكر كموضوع قائم بذاته، مستقل عن فروع المعرفة، بل طريقة للوصول إلى هذه المعارف.
وقد جمع تلامذة وشراح أرسطو دراساته عن المنطق وأطلقوا عليها اسم (الأورجانون) أي الآلة، أو (لوجيكا) أي المنطق.
مثلت هذه الأفكار قمة الفكر اليوناني، وظلت أفكار أرسطو وتلامذته ومن شرحوا منطقه وأضافوا عليه، مستبدة في الحضارة الغربية لقرون طويلة، وكانت الكنيسة قد تبنتها ووافقتها مع أفكارها واستخدمتها في الدفاع عن عقيدتها. وظلت المحاولات لتجاوز هذا المنطق تبوء بالفشل أو تلقى بالهجوم. حتى كانت أول محاولة ناجحة على يد الإنجليزي فرانسيس بيكون صاحب المنطق الاستقرائي، ومن بعده الفرنسي رينيه ديكارت صاحب المنهج الاستنباطي.

ولم يقف منطق أرسطو عند الحضارة الغربية، بل إن فلاسفة الحضارة العربية الإسلامية انكبوا على ترجمة ودراسة منطق أرسطو وشرحه وتلخيصه، ومنهم ابن سينا وابن رشد والفارابي. أما الفقهاء، فمنهم من تحمس لمنطق أرسطو واستخدمه في وضع الأقيسة الفقهية، وشجع دراسته واستخدامه في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، أي استخدام السلاح ذاته الذي استخدمه ضدها خصومها.
ومنهم من وقف من الفلسفة عمومًا والمنطق خصوصًا موقفًا عدائيًا، ووجهوا إليه انتقادات شديدة، كابن تيمية والغزالي، ويُذكر الكاتب أن الموقف العدائي لأصحاب هذا الاتجاه قد لا يكون من المنطق نفسه، بل من الأبحاث المنطقية التي تكون أشبه في المجادلات السوفسطائية.
ولم تمنع هذه المواقف على أية حال المسلمين من الاستمرار في دراسة المنطق التقليدي وشرحه والإضافة عليه.

موضوعات المنطق التقليدي:

-الحدود: وهو لفظ يمكن أن يصبح طرفًا في قضية، فنخبر عنه، أو نخبر به. وقد يكون عدة ألفاظ، فإذا قلنا: والد أحمد مسنّ. أو: حسين هو والد أحمد.، فإن (والد أحمد) يعد طرفًا في القضية.

-القضايا: وهي استخدام الحدود في تأليف جملة مفيدة قابلة للتكذيب أو التصديق، كقولنا: السيارة أمام المنزل.

الاستدلال: استنتاج قضية من قضية أخرى أو أكثر من قضية، فإذا كان الاستدلال من قضية واحدة نسميه استدلالًا مباشرًاظ

أما الاستدلال على قضية(نتيجة) من قضيتين(مقدمتين)، فنسميه القياس، وهو جوهر المنطق التقليدي. ومثاله الأشهر:
كل إنسان فان
سقراط إنسان
إذًا، سقراط فان.

ويعتمد هذا النوع من المنطق على كون المقدمات صحيحة والتوصل من خلالها إلى نتائج صحيحة، وهذا ما أخذه عليه أصحاب المنطق الحديث، اذ رأوا أنه لا يضيف معلومات جديدة إنما يعتمد في نتائجه ليس إلا على المقدمات.

المنطق الاستقرائي، أو المنطق الحديث

بدأ المنهج الاستقرائي، وهو أساس المنهج العلمي التقليدي، في القرن السادس عشر. على يد الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ومن بعده الفيلسوف جون ستيورات ميل. ويعتمد هذا المنهج على ملاحظة جزيئات ظاهرة ما ومن ثم الوصول بهذه الملاحظات إلى تفسيرات عامة لهذه الظاهرة. أي أن الانتقال فيه يكون من الجزئي إلى الكلي. فيكون ترتيب الخطوات المتبعة في هذا المنهج:
-الملاحظة
-فرض الفروض
-التجربة
-صياغة القانون

إلا أن هذه الخطوات لا يمكن تطبيقها في جميع العلوم، فالعلوم التي يتعذر فيها إجراء التجارب يكتفى عندها بالملاحظة.
كما أن المنهج العلمي الاستقرائي التقليدي، لم يعد يلبي احتياجات العلم الحديث، مما تطلب إضافة بعض جوانب المنهج الاستنباطي، ليصبح المنهج العلمي المعاصر مزيجًا بين الاستقراء والاستنباط، فرغم أننا ما زلنا نستخدم الملاحظة والافتراض والتجارب، إلا أن الترتيب قد اختلف، فقد لا نبدأ بملاحظة الظواهر، وإنما نبدأ بالافتراض، ثم نحاول تحقيق افتراضنا بالملاحظة والتجربة، كما أن الافتراض في المنهج العلمي المعاصر قد لا يكون بناء على ما شاهدناه بأنفسنا، وإنما استنباط من قوانين علمية سابقة.

المنطق الرياضي أو الرمزي

ليس لمنطق الرياضي أو الرمزي، في حقيقة الأمر مناقضًا للمنطق الأرسطي التقليدي،إنما هو مكمل ومطور له.
إذ يعنى المنطق الرياضي بالصور والرموز، الشبيهة منها برموز الحساب والجبر، ذلك أنه يرى أن اللغة الطبيعية التي نستخدمها يعتريها الالتباس والغموض، فذهب إلى استخدام لغة الرموز باعتبارها أكثر دقة. فهو يعبر باستخدتم رموز مثل: (س، ص،..) للتعبير عن الحدود، لتصبح القضايا أكثر وضوحًا وعمومية. ومن وأهم خصائص المنطق الرياضي:

-أنه يستخدم الأسلوب الاستنباطي، فهو يذهب إلى استنباط القوانين من المبادئ المنطقية البديهية.

-اتسامه بالصورية الخالصة، فهو يستخدم الرموز ليركز على الصور دون الاهتمام بالموضوع أو المادة.

وكان الفيلسوف الألماني (لايبنتز) قد بشر في المنطق الرياضي في القرن السابع عشر، لكن واضعه الحقيقي هو مخترع الرياضيات البحتة (جورج بول) في القرن التاسع عشر.
أما الإنجاز الأكبر في المنطق الرياضي فهو كتاب العالمين (راسل) و(وايتهيد) المسمى:(principia mathmatica) أي المبادئ الرياضية. الذي يعتبر اليوم من معالم علم المنطق.

فوائد دراسة علم المنطق

يناقش الكاتب في هذا الفصل الفوائد التي تعود على دارس المنطق من دراسته. نلخصها في النقاط التالية:

-باعتبار المنطق علمًا، فإنه يعلمنا المبادئ التي يقوم عليها الاستدلال. وباعتباره فنًا، فإنه يساعدنا في حياتنا اليومية على البرهنة على الادعاءات التي نقدمها بصورة سليمة، بالإضافة إلى تمييز مدى اتساق وكفاية الأدلة التي نواجهها عند سماع أو قراءة أي رأي أو زعم أو معتقد.

-التفرقة بين النتائج المبنية على أسباب نفسية وعاطفية، والأخرى المبنية على حجج عقلية ومنطقية.

-الوعي بمدى غموض وتركيب اللغة، وبالتالي محاولة تجنب الأخطاء اللغوية بهدف تجنب الخطأ في التفكير.

-المعرفة بالمنطق تقود إلى معرفة المبادئ العملية مناهج البحث العلمي.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر ملخصات كتب فلسفة منطق

User Avatar

Mohammed Abughazala

طالب طب.. يسعى إلى تحصيل المعرفة وإعمال العقل بها، ثم نشرها ما استطاع.


عدد مقالات الكاتب : 13
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق