- ما هي الازدواجية في علم النفس؟
- كيف يرى علم النفس الطبيعة الفريدة لعمل المخ؟
- ماذا قدم فرويد للبشرية؟
- حديث عن السلوكية وسكينر
- كيف غير بياجيه نظرتنا لأطفال العالم؟
- ما أصل اللغة البشرية؟ وما القواسم المشتركة بين جميع لغات العالم؟
- كيف يحدث إدراك الصور؟ ولماذا نقع بسهولة تحت تأثير الخداع البصري؟
- كيف تعمل الذاكرة؟ وكيف يحدث النسيان؟
- كيف عرف ستيرنبرج الحب؟ وما العوامل التي تضمن حدوثه؟
- التحيز المعرفي والاستدلال: كيف يمكن لعقولنا أن تخدعنا؟
- لماذا نخاف ؟ لماذا نحب أطفالنا ؟ لماذا نكره الخيانة ؟ نظرة في تطور المشاعر
- علم نفس الابتسامة: ما فوائد الابتسامة وأنواعها ودلالاتها؟
- الشخصية والذكاء: أصل اختلافنا نحن البشر
- لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟
- الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟
- تجربة ميلغرام : لماذا يرتكب الأشخاص الصالحون أفعالًا شنيعة؟
- بين التحيز لمحورية الذات والرهاب الاجتماعي، ما رأي العلم؟
- التنافر المعرفي: عندما تفشل النبوءة وينتصر الوهم على الحقيقة!
- كيف يهدد التنميط جودة حياتنا؟ وكيف يمكننا التصدي له؟
- الفصام يجمع آلهة ميشيغان الثلاث
- اختبار مساق مقدمة في علم النفس
الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟ يعد الجنس أحد أكثر الأنشطة التي يستمتع بها البشر، ولذلك يحتل مساحة كبيرة في حياتنا. وعده علماء النفس التطوريون واحدًا من أربعة دوافع أساسية محركة للانسان. وهناك بعض الدراسات المثيرة للاهتمام التي تستطلع حجم الجنس في حياتنا. تشير هذه الدراسات أن ممارسة الجنس هو النشاط الأكثر امتاعًا للشخص الأمريكي العادي. فيضعه في مرتبة أعلى من ممارسة الرياضة والصيد والتقبيل والعناق والحديث مع العائلة ومشاهدة التلفاز والأكل والرحلات والتسوق. وتشير أيضًا أن متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص العادي في ممارسة الجنس لا يتعدى الأربع دقائق وثلاث ثوان (مع استبعاد الوقت الذي يمر في المداعبة أو القراءة عن الجنس أو التفكير في الجنس أو تصفح المواقع الإباحية). وهو نفس الوقت الذي يقضيه الشخص الأمريكي العادي في ملأ استمارات الضرائب!
محتويات المقال :
الجنس كدافع للحياة
تجعلنا نتائج الدراسات التي أسلفنا ذكرها نتسائل: من أين تأتي أهمية الجنس إذا كان يحتل نفس المساحة التي يحتلها نشاط ممل مثل ملأ استمارات الضرائب؟ والإجابة هي لا، رغم الوقت الضئيل الذي يحتله الجنس في حياتنا إلا أن له أهمية كبرى، وينشأ عنه كل شيء في الحياة تقريبًا. مثل: الزواج والأطفال والفن وحتى العنف والتنافسية.
يمكننا تعريف الجنس من وجهة نظر تطورية أنه بوابة لعبور الجينات إلى الأجيال اللاحقة وبالتالي تحقيق هدف التكاثر. لكن بالنظر في واقعنا الحالي، نجد صورًا متعددة من الجنس غير التكاثري. مثل: الجنس مع استخدام موانع الحمل والجنس المثلي والجنس الشرجي. وهي صور لا تخدم هدف التكاثر وبالتالي يمكن اعتبارها غير طبيعية، فهل يعني هذا أنها خاطئة؟
الأخلاقية والحتمية
هذا ما أود أن نبدأ به مقال اليوم قبل التطرق إلى موضوعه الأساسي، توضيح اثنين من المفاهيم الهامة التي تناقش أخلاقية بعض أوجه الحياة الجنسية عند البشر. وسأبدأ بمقولة لعالم النفس ستيف بينكر:
“لا تملي الطبيعة علينا ما ينبغي تقبله أو كيفية عيش حياتنا، فأنا لم أنجب أطفالًا في سنوات شبابي واستهلكت مواردي البيولوجية في القراءة والكتابة والبحث ومساعدة الطلبة والأصدقاء، متجاهلًا أولوية نشر جيناتي. وبالتالي فأنا خطأ شنيع بالمعايير الداروينية، لكن حياتي تعجبني بهذه الطريقة، وإذا لم ترض جيناتي عن هذا فيمكنها أن تذهب وتلقي نفسها في البحيرة”
نستنتج من مقولة بينكر أن الطبيعي ليس بالضرورة صحيحًا أو مناسبًا أو حتى أخلاقيًا. فمع أن أجسامنا وأدمغتنا تطورت لتخدم هدف التطور فذلك لا يعني أنه ليس بإمكاننا استخدام هذه الأدمغة لتحديد أقدارنا.
أما عن الحتمية فيقول عالم الأحياء التطوري ريتشارد دوكينز:
“لو أن طفلًا تلقى تعليمًا فقيرًا للرياضيات، فمن السهل تقبل فكرة أن بذل مجهود أكبر العام اللاحق سيحسن من مستواه. لكن لو اقترحنا أن أداء الطفل السيء جيني الأصل سوف ييأس الجميع من تحسن مستواه، إنه أمر حتمي ويستحيل تغييره لو كان جيني الأصل. وهذا هراء كبير! لا تختلف المسببات الجينية والمسببات البيئية عن بعضها، ولكن يسهل عكس تأثير أحدها بينما يصعب الآخر. ماذا فعلت الجينات لتستحق هذه السمعة الشريرة؟ ولماذا يُعتقد أن تأثيرها ثابت ولا مفر منه مقارنة بتأثير الكتب أو التلفاز؟”
ونستنتج من مقولة دوكينز انفصال مسببات الأمور عما يعكس تأثيرها. فهناك حالات ذات منشأ جيني ويسهل عكس تأثيرها، بينما أخرى ذات منشأ ثقافي ويصعب عكس تأثيرها. مثل: ضعف البصر، وهو أمر جيني المنشأ لكن يمكن عكس تأثيره ببساطة. أما نظرة المجتمع للسمنة أمر ثقافي يختلف من مكان لآخر، لكن يمكننا الاتفاق على صعوبة عكس تأثيره.
كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟
تحدثنا عن عملية الجنس وهدفها التطوري وهو التكاثر، لكن هل يمكن تحقيق هذا الهدف بدون طرفي المعادلة، الرجال والنساء؟ لا أعتقد ذلك. وسنتحدث اليوم عن الاختلافات بين ذكور وإناث البشر، انطلاقًا من دور كل منهما في العملية الجنسية وما يليها حتى يحدث التكاثر. فما هي هذه الاختلافات؟
بداية ليس الاختلاف اختلاف أعضاء تناسلية، فلا يمكننا القول القضيب أو المهبل. لأنه ببساطة هناك حيوانات لا تمتلك أيًا منهما. أما التمييز التصحيح فيقوم به علماء الأحياء بناءًا على حجم الخلايا الجنسية. يمتلك الذكور خلايا جنسية صغيرة تحوي الجينات فقط، وتمتلك الإناث خلايا جنسية كبيرة تحوي الجينات والغذاء وغلاف واقي وغيرها. لكننا نجد بالرغم من هذا الاختلاف في حجم الخلايا الجنسية ذكور البشر أكبر حجمًا من الإناث، فما تفسير ذلك؟
الاستثمار الأبوي
الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟
قام بهذا التفسير العالم «روبرت تريفرز-Robert trivers» الذي وضع نظرية الاستثمار الأبوي. ويمكن تعريفه أنه أي بذل أبوي (في الطاقة أو الوقت أو الموارد) يزيد فرصة نجاة الذُرية الحالية، وذلك على حساب قدرة الآباء في الاستثمار في ذرية أخرى.
مثال: تخيل معي اثنين من الحيوانات أحدهما يتكاثر بطرفة عين، والآخر يتكاثر كل عشر سنوات. الحيوان الأول مثال للاستثمار الفقير، لأن ذريته لا تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده. أما الحيوان الثاني فمثال للاستثمار الضخم لأن ذريته تستهلك قدرًا كبيرًا من موارده.
أشار تريفرز إلى ارتفاع نسبة الاستثمار الأبوى في إناث أغلب الحيوانات مقارنة بالذكور. وذلك لامتلاكهن الخلايا الجنسية كبيرة الحجم، فيقمن بحضانة/حماية/حمل الذرية لفترة من الزمن. أما الذكور فيمتلكون خلايا جنسية أصغر، ولا يتخطى استثمارهم لحظات الاتصال الجنسي. لكن مازال السؤال مطروحًا، كيف يفسر هذه اختلاف حجم الذكور والإناث؟
ينتج عن الاستثمار الأبوي الضخم عند الإناث مقارنة بالذكور عددًا من الاختلافات النفسية والفسيولوجية:
- يمكن لذكر واحد أن يخصب عددًا من الإناث، فينتج عن هذا وجود عدد من الذكور بدون إناث فتظهر التنافسية والعنف.
- لا تقلق الإناث بشأن وجود شريك جنسي لأنها دائمًا ستجده. لكن يظهر نوعًا آخرًا من التنافس لاختيار الذكور المناسبين، الذين تتمتع جيناتهم بفرص نجاة أكبر.
- تخلق الطبيعة الانتقائية للإناث نوعًا جديدًا من التنافس بين الذكور، ليس لإيجاد الإناث وحسب وإنما إغرائهم أيضًا.
والآن يمكننا باستخدام هذه الاستنتاجات الثلاث للتوصل إلى سر اختلاف حجم الذكور عن الإناث، وذلك لأن التنافسية تضع عليهم ضغطًا أكبر للتصارع مع الذكور الأخرى للفوز بالإناث. كذلك السعي إلى إغراء الإناث ومطابقة مواصفاتهم عن الشريك المثالي ومنها البنية الجسدية الأقوى. وسنتعرف على مزيد من التفاصيل عن هذا الأمر عند مناقشة معايير الانجذاب الجسدي.
ما الأدلة على نظرية الاستثمار الأبوي؟
تتلخص فكرة الاستثمار الأبوي في وجود اختلاف بين حجم الخلايا الجنسية عند الذكور والإناث، فينتج عن هذا تباين الدور الذي يقوم به كل منهما في العملية الجنسية والتكاثر ومن هنا تظهر الاختلافات النفسية والفسيولوجية بين الجنسين. وهناك عدد من الأدلة على ذلك:
- يكون الاستثمار الأبوي معكوسًا في بعض الحالات مثل: السمكة الأنبوبية. فنجد الذكور تحتفظ بالبيوض بينما تهرب الإناث. وتبعًا للنظرية فلابد أن تكون الإناث أكبر حجمًا وأكثر عنفًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
- يتساوى كل من ذكور وإناث البطاريق في الاستثمار الأبوي، فيسير كل منهما مسافة طويلة لحماية الأبناء. وحسب النظرية فلابد أن تتساوى أحجامهم أيضًا وهذا ما وجده العلماء بالفعل.
- تتمتع ذكور فيلة البحر بقدر عالٍ من التنافسية، فلا تتنافس على أنثى واحدة وإنما جميع الإناث. ونتيجة لذلك نجد الذكور أكبر حجمًا بأربع مرات من الإناث.
- أما في البشر فنجد -كما أسلفنا- أن الذكور أكبر حجمًا بنسبة 15% من الإناث. وهذا يرجح تواجد صراع ذكوري/ذكوري على مدار تاريخنا التطوري، نتيجة لعدم تساوي الاستثمار الأبوي.
- ذكور البشر أكثر عنفًا من النساء. بداية من الرحم فنجدهم يركلون أكثر، والطفولة فينخرطون في صراعات وشجارات ومزاح عنيف، حتى البلوغ فنجد عدد السجناء الذكور دائمًا أكبر من النساء. الأمر الذي يمكن تفسيره بالتنافسية الناتجة عن عدم تساوي الاستثمار الأبوي.
الجاذبية الجسدية
لا يقتصر تأثير التنافس الأبوي على اختلاف الذكور والإناث في الحجم والتنافسية فقط، إنما تختلف تفضيلاتهم الجنسية أيضًا.
- نجد الإناث تنجذب للقوة والمكانة الاجتماعية والاستثمار في تربية الأطفال. الذكور القادرون على تأمين الموارد اللازمة للنجاة وتوفير الملجأ والحماية أكثر جاذبية من غيرهم. وهذا أمر مفهوم تطوريًا.
- تميل النساء إلى اختيار الذكور الأكبر سنًا، لكن بشكل عام لا يهم العمر كثيًرا طالما كان الذكر قادرًا على التكاثر.
- هناك بعض الخصائص الجسدية أكثر جاذبية للإناث مثل: البنية الجسدية القوية ودلالاتها مثل: عرض المنكبين والفك القوي وبروز عظمة الحاجب. كذلك تماثل نصفي الجسم الذي يدل على سلامة الجينات وقدرة الذكر على تحمل ضغوطات البيئة.
أما عن الذكور فعامل الانجذاب الأول لديهم هي الأنثى التي يستطيع تخصيبها وبالتالي نشر جيناته. وبناءًا على ذلك تظهر تفضيلاتهم الجنسية:
- يهتم الذكور بالعمر أكثر من الإناث، فينجذبون للنساء الأصغر سنًا لقدرتهن على التكاثر.
- ينجذب الذكور للإناث ذوات الخصر الرفيع والنهود الكبيرة، لأنها دلالات على الشباب والخصوبة.
- ينجذب الذكور لسمات جمالية معينة مثل العيون الواسعة والشفاه الممتلئة والبشرة النضرة. لأنها تمثل أيضًا النضوج الجنسي والشباب.
الاستثمار الأبوي: كيف نفسر الاختلافات بين الذكور والإناث؟
في الختام أود العودة إلى نقطة الأخلاقية والحتمية، إن كل ما هو جيني وطبيعي ليس بالضرورة مناسبًا أو حتميًا لا يمكن تغييره. وهو ما نفسر به الاعتراض الذي لابد أن يكون خطر لك عند قراءة المقال، أنا لست هكذا -ذكرًا كنت أم أنثى- ولا أتصرف أو أنجذب لنفس الصفات التي يفترض يتمتع بها بنو جنسي. لذا لا تنسى أدمغتنا التي تطورت لتخدم هدف التطور، يسعها دومًا التفكير وتحديد أقدارها!
اقرأ أيضًا: لماذا يختلف البشر؟ وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟
مصدر
yalecourses
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :