Ad

هل وصلنا إلى نهاية عصر المضادات الحيوية؟

لو أنك مولود بعد عام ١٩٢٨م فأنت محظوظ لتعيش حياة آمنة إلى حد ما، فمنذ هذا التوقيت تحديداً أوجد العالم «Alexander fleming – ألكسندر فليمنج» الأمل باكتشاف البنسلين.

تعد استخدامات البنسلين الحالية محدودة، بالإضافة إلى الحساسية التي تصيب عدد من الناس من جراء استعماله. والحقن التي يأخذها الأطفال غالبًا كل ٢٠ يوم في حياتهم، ومن الممكن أن يستمروا بأخذها لما بعد الخامسة والعشرين عاما – أقل أو أكثر –  وما يحمله كل هذا من معاناة. لكن الحقيقة أن اكتشاف البنسلين هو حقبة جديدة من الحياة، إنه بداية عصر طبي جديد وعليه بُني التاريخ، ومنه قد نخرج من عصر إلى عصر آخر. 

قصة اكتشاف البنسلين

عاد العالم فليمينج من إجازته إلى المعمل الخاص به، وقد كان تاركاً طبقاً لمزرعة بكتيرية، فوجد جزءاً من الطبق لا تنمو به البكتريا أو حوله، فاستنتج من ذلك أن العفن قام بإفراز مادة قتلت البكتريا، فقام بعد ذلك بتحليل واكتشاف البنسلين.

أكمل « Howard Florey- هاوارد فلوري » و« Ernst chain  –  إيرنست تشين » من جامعة أوكسفورد أبحاثهم على البنسلين، وبدأوا استخدامه كدواء على الفئران.[1]

ليتم أخيراً علاج أول مريض بنجاح عام ١٩٤٢م بعد أن عُرف البنسلين كمادة قاتلة لأشرس أنواع البكتيريا، ولكن كان هناك إخفاقات إما أثناء التجهيز وإما الكمية الغير كافية. 

تغلب العلماء على المشكلة بتصنيع كمية أكبر، ووضع أفضل طريقة للاستخدام. واستطاعت شركات الأدوية تصنيع ما يقرب من ٦٥٠ مليار وحدة كل شهر بمرور الحرب العالمية الثانية. وأصبح العالم يمتلك ٤٠٠ مليون وحدة من البنسلين في عام ١٩٤٣م. [3] 

كان الوصول لتلك المرحلة هو بمثابة تقدم عظيم للبشرية حيث كان يمكن لأي عدوى أو جرح أن تودي بحياة المصاب، ولكن بعدها أصبح للأطباء القدرة على علاج عديد من الأمراض بشكل أسهل. 

لم يدم ذلك التقدم طويلاً حيث طورت البكتريا نفسها لمقاومة ذلك السلاح الذي استطاع التخلص منها قبل ذلك. حيث ذكر فليمينج في حفل تكريمه عن اكتشاف البنسلين تخوفه من تطور البكتيريا لمقاومة البنسلين وعدم قدرته على العلاج.

كيف تستطيع البكتيريا مقاومة المضادات الحيوية؟

  1. تفرز البكتريا « penicillinase – بنيسيليناز »  وهو إنزيم يستطيع تكسير البنسلين ويجعله غير قادر على العمل. 
  2. تستطيع البكتيريا إحداث تغيير في تركيبها، وخصوصًا المكان الذي يرتبط فيه البنسلين وبالتالي لن يستطيع البنسلين القضاء عليها. 
  3. تستطيع أيضا البكتيريا إخراج البنسلين من داخلها عن طريق « efflux pump – مضخة التدفق ». [2] 

نتيجة لذلك حدثت أول حالة مقاومة من البنسلين عام ١٩٤٥م. أي بعد استخدامه بعامين تقريبًا، ليدخل العالم في عصر جديد من التطور لاكتشاف مضادات حيوية جديدة. ولكن كلما تم اكتشاف مضاد حيوي جديد تطورت البكتريا لمقاومته. 

صراع غير متكافئ

يعتبر ذلك صراع غير متكافئ لسببين:

  1. يظهر جيل جديد من البكتيريا كل ٢٠ دقيقة تقريبًا. 
  2. تستغرق الكيمياء الصيدلية ١٠ أعوام لاستخلاص دواء جديد. 

هل ساهم البشر في هذا التطور ؟

نعم، ساهمنا بشكل كبير، ولكن كيف؟

  • نستخدم المضادات الحيوية تقريباً في أي نوع من أنواع العدوى حتى إذا كانت العدوى فيروسية أو فطرية وليست بكتيرية.
  • يُستخدم المضاد الحيوي كحبة واحدة عند الإحساس بالألم أو التعب ومن الممكن أن تكون حبتين أو ثلاثة حبات فقط. لكن يجب أن يُستخدم المضاد الحيوي كاملاً حتى لا يتسنى لباقي البكتيريا الموجودة التعرف على المضاد الحيوي وتكوين مقاومة تجاهه. ويصبح لدى أي جيل قادم من البكتريا القدرة لمقاومة هذا المضاد الحيوي. توصلت دراسة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن ٤٥٪ من الحالات الطبية يمكن شفاؤها دون استخدام المضاد الحيوي. 
  • تطلب أغلب الأسر من الطبيب أن يصف مضاد حيوي للطفل حتى إذا لم يكن بحاجة إليه. 
  • تذهب ٨٠٪ من مبيعات المضادات الحيوية  للحيوانات دون استخدام طبي، بل لتصبح أقوى وأكبر حجمًا لتحقيق مبيعات أكثر.

يوجد عدد من الحلول التي يجب على الجميع الالتزام بها للخروج من هذه الأزمة التي قد تفتك بأعداد كبيرة من البشر في وقت قريب:

  1. سن القوانين والتوعية حول استخدام المضادات الحيوية، حيث يوصف المضاد الحيوي عند الحاجة فقط ويجب التأكيد على إكمال فترة العلاج، حيث أننا نتوقع الوصول لمرحلة عدم أخذ المضاد الحيوي إلا بعد عمل مزرعة بكتيرية لمعرفة العلاج المناسب فقط، وبالتالي عدم صرفه من الصيدليات المجتمعية دون وصفة طبيب مختص، وبشرط أن يتطابق مع التشخيص المذكور في الوصفة الطبية. العديد من الدول قامت بسن هذه القوانين ولايزال البعض منها يصرف المضادات الحيوية مثل أي ادوية من دون وصفة طبية. لكن هل هذا يحل المشكلة؟ بالطبع لا. من الممكن أن يؤخر الوصول إلى مرحلة المقاومة الكاملة للمضادات الحيوية، وهذا حل مضمون تنفيذه عن طريق القوانين والقواعد المشددة. 
  2. عدم إعطاء المضادات الحيوية للحيوانات إلا في الحالات المرضية، بالإضافة إلى أن يصر المستهلك على أنه لن يشتري مثل هذه المنتجات إلا إذا كانت خالية من المضادات الحيوية، وبذلك يتم التقليل من استخدامها في الحيوانات.
  1. تطوير الإنسان للمضادات الحيوية الجديدة التي تقضي على البكتيريا ولا تستطيع البكتريا مقاومتها.               لكن الأمر ليس بتلك السهولة حيث أنه في الثلاثة عقود الأخيرة لم تظهر عائلة مضاد حيوي جديدة تمامًا. 

التقنيات التي تساهم بقتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

  • استخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الكمبيوتر المتطورة في إنتاج مضادات حيوية جديدة، لعل أهمها «Halicin -هاليسين». وهو مركب يقتل أنواع كثيرة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ويعتقد العلماء أن هناك أمل في إنتاج مضادات حيوية جديدة.[4][5] 
  • العلاج الفيروسي عن طريق«bacteriophage  – باكتيريوفاج » وهو عبارة عن فيروس يلتصق بالبكتريا ويخترقها ويتكاثر داخلها مرات عديدة ويستطيع تحليلها وتكسيرها، وبعدما تموت كل البكتريا لن يستطيع الباكتيريوفاج التكاثر مرة أخرى، فهو يتكاثر داخلها فقط. لذلك هو مستقبل مشرق ومفيد في مقاومة البكتيريا. 
  • استطاع عدد من العلماء مؤخراً تتبع التركيب الجيني للعفن الذي أدى بألكسيندر فليمينج لاكتشاف البنسلين، وأكدوا أنه في الوقت القريب سيكون هناك معلومات أكثر عن مقاومة البكتريا، وقد يكون هناك تغيرات جديدة في ذلك، ونستطيع مقاومة هذه البكتيريا التي تقاوم كل أسلحتنا ضدها.[6] 

يتحرك العالم سريعاً من مرحلة إلى مرحلة بداية من ما قيل عن استخدام الفراعنة المصريين العفن في علاج بعض الجروح بكل هذه العصور حتى الوصول إلى فليمينج، والوصول إلى هذه المرحلة على حافة نهاية المضادات الحيوية. 

التوقعات تقول أننا بحلول عام ٢٠٥٠م سنفقد سنويَا ١٠ ملايين شخص. إن هذا العدد هو أكبر مما نفقده سنوياً حالياً بسبب السرطان. فالأمل في إيجاد طريقة للعلاج هو الحل لإيقاف كوارث بشرية مستقبلية.

المصادر:

[1] Healio

[2] medicalnewstoday

[3] ACS chemistry for life

[4] nature

[5] The Guardian

[6] drugs.com

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة تطور

User Avatar

Hossam Gadallah

صيدلي مهتم بتحليل البيانات في تطوير مستوى الصحة، ومهتم بالتكنولوجيا والإدارة.


عدد مقالات الكاتب : 46
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق