ملخص كتاب تطور العقول الطريق إلى فهم الوعي للكاتب دانيال دينيت
يضم الكتاب خلاصة أبحاث وتأملات عدد من العلماء والفلاسفة عن فكر الإنسان ومحاولة تعريف العقل والوعي بشكل علمي، فيثير الكاتب دانيال دينيت الكثير من القضايا والأمور التي عدها البعض حقائق مسلم بها ولكن لا يلبث القارئ أن يتبين أنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث والنقاش، يعرض الكاتب أفكاره وخلاصة أبحاثة في ستة فصول يتناول كل واحد منها قضية معينة.
محتويات المقال :
الفصل الأول: ما الذي يميز العقل البشري؟
يبدأ الفصل بعدة تساؤلات حول ماهية العقل وهل يمكننا معرفة ما يدور في عقل شخص آخر إذا لم يصرح هو بذلك؟ وهل يمكن للروبوتات أن تكون واعية إلى درجة شعورها بالألم؟ وهل يمكن أن يكون رأي رينيه ديكارت أن الحيوانات فيما عدا البشر هي “روبوتات بلا عقل” صحيحًا؟
يبدأ الكاتب بعرض أفكاره وإجاباته عن تلك التساؤلات أولا بالتفريق بين مصطلحي الأنطولوجيا والأبستمولوجيا، فالأول يعني علم الوجود أما الثاني فيدل على فلسفة أصل المعرفة، ويوضح أن إدراكنا لوجود الشيء مختلف تمامًا عن معرفتنا به، فمعرفتنا بامتلاكنا مخًا أمرًا بديهيًا كامتلاكنا طحالًا مثلًا، أما معرفتنا بالعقل والوعي فتختلف كثيرًا.
اعتبر الكاتب أن عقول البشر هي المعيار الذي يجب أن نبدأ منه إذا أردنا النظر في إشكالية صحة امتلاك الحيوانات للعقول، وإذا كان للحيوانات عقول فهل تشبه عقولنا أم لا، ووضح أن البشر كثيرًا ما يقعوا في أخطاء مثل وصف شيء بأنه عاقل وهو لا يمتلك عقل كعلاقة الصداقة التي تنشأ بين محبي النباتات ومزروعاتهم ومعاملتهم لها كأنها بشر تدرك ما يقولون أو أن يتجاهلوا شخصًا أو حيوانًا له عقل واعتباره غير واعي وغالبًا ما يترتب على هذه الأخطاء مشاكل أخلاقية خطيرة.
وإن امتلاك البشر للعقول أمر لا شك فيه ولكن ماذا عن العقول التي لا تتواصل؟ من الصعب جدا أن تعرف ما يفكر فيه أحد الأشخاص إذا لم يخبرك هو بذلك، وكذلك فهناك بعض الكيانات تمتلك عقولًا ولكنها لا تستطيع التعبير عما تفكر فيه بسبب افتقارها للمقدرة اللغوية ولكن ذلك لا ينفي امتلاكها للعقل، وبالدراسة وجد أن حتى من يمتلكون قدرة لغوية أحيانًا ما تقوم عقولهم بردات فعل أسرع من إدراكهم تحدث أوتوماتيكيًا لمواجهة بعض المواقف الخطيرة مثلا، لذلك افترض الكاتب أنه ثمة إمكانية أن بين تلك المخلوقات التي تنقصها اللغة يوجد منها من لا تمتلك عقل مطلقًا وإنما تكون مواجهتها للمواقف المتعددة في معيشتها تحدث أوتوماتيكيًا بدون وعي منها بذلك.
ثم عرض الكاتب المسار التطوري التاريخي للعقول وافترض أن العقول لم تكن دائمًا موجودة، وبما أننا نمتلك عقولًا فمعنى ذلك أننا تطورنا من كائنات ليس لها عقول تواجدت منذ أكثر من أربعة أو خمسة ملايين عام.
الفصل الثاني: القصدانية
تناول الكاتب في هذا الفصل تفسير معنى الموقف القصدي قياسًا على عمليات التطور التي حدثت منذ ملايين السنين، والموقف القصدي هو استراتيجية تفسير سلوك كيان ما سواء كان إنسان أو حيوان أو جماد ومعاملته على أنه عامل فعال عاقل يتحكم في اختيار أفعاله ومعتقداته، فمثلا لو نظرنا إلى الفيروسات فهي عبارة عن جزيئات كبيرة تتكون من أجزاء صغيرة تتفاعل معًا بصور معينة وتعطي بعض التأثيرات المذهلة كقدرة الفيروسات على نسخ نفسها لملايين النسخ دون عقل، حتى أن لها القدرة على ترميم وتطوير ذاتها لضمان بقائها ومع ذلك فإننا لا نعتبرها كائنات حية ومن وجهة نظر الكيمياء فهي مجرد بلورات.
وبالرغم من أن الفيروسات بلا عقل ولكن اعتبرها بعض العلماء المادة الأولى للكائنات الحية والأسلاف الأولية لكل كائن نعرفه الآن بما فيهم نحن البشر، مما يجعلنا نتشارك في سلف مشترك مع كل تلك الكائنات، كما أننا إذا نظرنا إلى عمل أجهزة جسم الإنسان المختلفة بدقة وتمعن فإننا نجد كل جهاز منها يشبه العقل، وتأثرها بعوامل أخرى وتأثيرها على بعضها البعض يشبه أعضاء الحس البدائية، وأفعالها تشبه الأفعال القصدية حيث أن لها تأثيرات ناتجة عن نظام عمل معين ومعلومات معينة ولها في عملها هذا هدف معين وتشبه في ذلك الفيروسات، وهكذا نستطيع إطلاق اسم “المنظومة القصدية” على أجهزة الجسم وكذلك على تلك الكيانات الصغيرة.
الفصل الثالث: الجسم وعقوله.
يوضح دانيال دينيت في هذا الفصل مبدأ الانتخاب الطبيعي، وكيف تتنافس الكائنات الحية على الموارد وبحثها عما تحتاج إليه في سبيل الحفاظ على وجودها، فالفيروسات مثلًا طورت من وسائل بسيطة نسبيًا للوصول إلى احتياجاتها، وبحثها عن تلك الاحتياجات لم يكن منظمًا أو مدروسًا بل كان عشوائيًا فهي في حالة بحث دائم عما هو أنسب للمحافظة على نفسها.
كما أن العمليات التطورية التي تنجتها الطبيعة في الكائنات الحية ليست دائمًا الأكثر كفاءة وإنما الأوفر في الطاقة، فالكثير من الطفرات التي تحدث في سبيل التطور تقوم فقط بإيقاف عمل چين معين دون إزالته فإزالة چين من الچينوم تتطلب الكثير من الطاقة، وتظل الچينات المعطلة موجودة في الچينوم ولكن لا يتم التعبير عنها، وقد يتاح استخدامها يومًا ما فقد يحدث وتتغير ظروف العالم لتجعل تلك الچينات القديمة هي الأفضل والأنسب.
ولا حاجة لوجود عقل أو وعي للكائنات حتى تتطور وتتبع مبدأ الانتخاب الطبيعي، فعلى سبيل المثال فإن النباتات ليس لها عقول ومع ذلك على مدار سنوات طويلة طورت الكثير من النباتات نفسها لحماية نفسها من آكلات العشب فكانت تطور بعض السموم كوسيلة دفاعية وبالمثل تطورت الأجهزة الهضمية لآكلات العشب لمقاومة تلك السموم، وكأن النباتات وآكلاتها عوامل عاقلة وفعالة مثل البشر.
تحدث تطورات الانتخاب الطبيعي بخطوات بطيئة جدًا حسب مقاييسنا، فقد كانت تستغرق تلك التغيرات ألوفًا من الأجيال، ولذلك يرى الكاتب أن بطء حدوث هذه التغيرات يمكن أن يخفي وراءه أفعال تعقلية وكأن لتلك النباتات مثلًا عقول تدير نشاطها بسرعة أبطأ بكثير من عقولنا فلا نلاحظها إلا بعد وقت طويل.
الفصل الرابع: كيف وصلت القصدانية لبؤرة الاهتمام؟
يطرح الكاتب في هذا الفصل إطارًا يضع فيه الخيارات المتنوعة لتصميم المخ وأسماه “برج التوليد والاختيار” وشبهه بالبرج ذي الطوابق، وكل طابق أو مرحلة منه تعطي علامات عن أوجه التقدم المهمة في القدرة الإدراكية للعقول.
وضع الكاتب في البداية التطور الدارويني بالانتخاب الطبيعي حيث تولد كائنات حية مطورة بطفرات مسبقة وعمليات تطويرية حدثت خلال ملايين من الدورات وفي فترة زمنية كبيرة، ووصفها الكاتب أنها عمليات اعتباطية تقريبًا، فعندما تتعرض تلك الكائنات للأخطار البيئية ينقرض منها البعض ويتبقى الأفضل بينهم والأكثر تكيفًا.
بعد ذلك كانت الكائنات السكنرية نسبة إلى الفيلسوف “بورهوس فريدريك سكنير” الذي كان يتبع مذهب السلوكية، وهو مذهب معاصر في علم النفس يقتصر على دراسة السلوك دون النظر إلى الشعور أو الذهن ويعتمد على المنهج التجريبي، وكانت تلك الكائنات تتميز باللدونة، أي أنها اكتسبت الكثير من التغيرات أثناء معيشتها لتتكيف مع الأحداث المحيطة بها وتتخطى الأخطار وتحافظ على بقائها، وتتولد لديهم أفعال متنوعة يجربونها الواحد تلو الآخر ويستمرون على الأكثر نجاحًا منها، وكان سكنر لا يعتبر هذا التكيف مماثلًا للانتخاب الطبيعي وإنما امتداد له.
ومع الثورة الإدراكية في سبعينيات القرن العشرين طرد مبدأ السلوكية من وضعه المهيمن في السيكولوجيا وفقد التكيف السكنري قدرته على التعبير، فعندما تترك البيئة لتلعب دورا في تشكيل العقل حتى وإن كان هذا الدور أعمى فهو دور انتخابي.
أما الكائنات البوبرية نسبة إلى الفيلسوف “السير كارل بوبر” الذي افترض أن الكثير من الكائنات السكنرية يظل باقيًا على قيد الحياة لأنها كانت محظوظة فقط، أما الكائنات البوبرية فهي بخلاف ذلك تظل باقية على قيد الحياة لأنها بارعة في التكيف، فتطورها ليس اعتباطيًا وإنما بناء على عوامل داخلية وخارجية دقيقة أدت لحدوث التغير المناسب معها.
وأخيرا الكائنات الجريجورية نسبة لعالم النفس البريطاني “ريتشارد جريجوري” الذي اعتمد مصطلح الذكاء الحركي، فلاحظ جريجوري أن استخدام أداة مثل المقص مثلا يعزز من إمكانية الوصول لحركات جديدة لاستخدامه على نحو أسرع وأكثر أمانا، وكذلك أدرك علماء الأنثروبولوجيا أن استخدام الأدوات أمر مصاحب لزيادة الذكاء بصورة أساسية، كأفراد الشمبانزي التي تسعى في البرية وراء النمل الأبيض واستخدامها العصى لاصطياده من بيوته العميقة تحت الأرض، استخدام الشمبانزي للأداة كي تحصل على طعامها يعد علامة على الذكاء من اتجاهين، إدراكها لوجود أداة واستخدام الأداة للحصول على الطعام.
الفصل الخامس: خلق التفكير
يطرح الكاتب في هذا الفصل قضية قدرة الحيوانات على التفكير ومدى صحتها ويرى أن إحدى الخطوات المهمة نحو أن يصبح الكائن عاقلًا فعليًا هي أن يرتقي من منظومة قصدية من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثانية وإلى الأعلى، فالمرتبة الأولى هي أن يمتلك الكائن اعتقادات ورغبات حول أشياء مختلفة أما الثانية هي أن يتكون اعتقادات وآراء حول اعتقادات موجودة مسبقًا، والمرتبة الثالثة أن تتولد الرغبة في شيء معين وهكذا مع كل مرتبة أعلى تضاف رغبة أو قدرة ما.
ولكن الكاتب يرى أن الانتقال من الأولى إلى الثانية هي الخطوة الأصعب، أما الانتقال إلى المراتب الأعلى فيكون سهلا حتى أنه يكاد يكون لا إراديًا، وبالرغم من أن فكرة القصدانية ذات المراتب العليا خطوة مهمة نحو التقدم في تمييز أنواع العقول إلا أنها لا تعتبر الحد الفاصل بين مهارة التفكير وعدم التفكير من الأساس، وعرض بعض الأمثلة لتوضيح وجهة نظره وكان أولها هو أمر “الاستعراض لصرف الانتباه” الذي تستخدمه الطيور ذات الأعشاش المنخفضة للدفاع عن صغارها، عندما يقترب كائن مفترس من العش تتحرك خلسة بعيدًا وتبدأ بإحداث جلبة ملفتة للنظر مما يؤدي لابتعاد الكائن المفترس عن العش في اتجاه الجلبة بصورة نمطية تاركًا وراءه الوليمة السهلة التي طرحت أمامه، كذلك الأرانب البرية التي يمكنها تقدير حجم الحيوان المفترس الذي يهاجمها وبالتالي تحدد مدى الخطر المهدد لها فإما أن تركض أو تتوقف عن الحركة تمامًا حتى لا يلاحظها الحيوان المفترس، وهذه التصرفات تكاد تكون أمرًا تلقائيًا وليس لأن الأرانب والطيور لها القدرة على التفكير، وكأن عقول هذه الكائنات مجهزة بقائمة كبيرة تشمل أنواع كثيرة من السلوك وردات الفعل مرتبطة بإشارات إدراكية لتضع رد الفعل المناسب في المواقف المختلفة، وهذه الحيوانات لا تحتاج إلى أن تعرف أكثر من ذلك.
الفصل السادس: عقولنا والعقول الأخرى
يضع الكاتب في هذا الفصل مقارنات بين العقل البشري وقدراته وبين عقول الحيوانات الأخرى، فقبل أن يتمكن أي كائن حي من التفكير كان هناك كائنات حية بلا عقل ولا تفكير ذات قصدانية فجة، تعتبر آلات تقوم بمتابعة مسارها في الحياة دون أدنى فكرة عما تقوم به أو حتى سببه، ومع مرور فترات زمنية طويلة وتغير الظروف تغيرت هذا الكائنات كاستجابة ملائمة لتلك الظروف، فأصبحت بعض هذه الكائنات قادرة على الصيد مثلًا ولكنها لا تفكر في أنها تصطاد فهي ليست بحاجة لأن تعرف وكأنها تقوم بتلك الأعمال تلقائيًا.
ولو اعتبرنا أن مثل هذه التصرفات بلا وعي هي قدرة على التفكير فيمكننا القول أن هذه الكائنات تفكر ولكنها لا تعرف أنها تفكر، أي تفكير بلا وعي، كما أن البشر أحيانًا يقومون بأعمال تلقائيًا بلا تفكير كتنظيف الأسنان بالفرشاة أو ربط الأحذية أو ممارسة السواقة، ولكن معظم هذه الأنشطة التي تقوم بها أمرها مختلف تمامًا وذلك لأننا نستطيع أن نفكر فيها بطرق لا تستطيع الكائنات الأخرى الوصول إليها، فقيادة سيارة مثلًا لا يمكن أن تصبح عمل نقوم به بسهولة وبلا تفكير إلا بعد مرور فترات طويلة من التدريب، حيث إن امخاخنا تحسن من نفسها عندما نتعلم لغتنا الخاصة ونتذكرها ونعيد التدريب عليها.
ثم عرض الكاتب بعض التجارب التي أجريت لتوضيح الاختلاف بين العقول البشرية وعقول باقي الكائنات، وكان أهمها تجربة أجريت في زمن الحرب العالمية الأولى قام بها عالم السيكولوجيا الألماني “ولفجانج كوهلر” على قرود الشمبانزي ليرى نوع المشاكل التي يمكن أن تحلها بالتفكير، وهل تستطيع الشمبانزي أن تحصل على الموز المعلق في قفصها باستخدام بعض الصناديق المكومة، ولكن كانت النتائج محبطة فلم تستطع معظم قرود الشمبانزي أن تحل المشكلة والبغض الآخر حلها بصعوبة كبيرة بعد عدد كبير من التجارب والمحاولات ومع وجود كل وسائل حل المشكلة مرئية وواضحة أمامها.
وبسبب هذه التجربة وردت للكاتب الكثير من التساؤلات أهمها، هل تستطيع الشمبانزي أن تستدعي داخل عقلها عناصر حل المشكلة إذا كانت غير مرئية أمامها مثل قدرة البشر على ذلك؟ والإجابة غير دقيقة ولا معروفة لأنها لا تزال تحت الدراسة، كما ذكر الكاتب التجارب التي أجريت لتفنيد أنواع العقول من العقول البدائية وحتى وصولنا إلى نوع الوعي الذي نتمتع به نحن البشر الذين يستخدمون اللغة، وهذا النوع من العقول فريد جدا وله قدرات كبيرة عن أي نوع آخر، ثم ناقش الكاتب العلاقة بين الألم والمعاناة والوعي، والتمييز بين الألم والمعاناة مثل معظم التمييزات غير العلمية في حياتنا اليومية وهو أمر غير واضح تمامًا، وأنهى الكاتب الكتاب بحشد كبير من الأسئلة كما بدأه تتزاحم في رأس كل من يقرأه.
للمزيد من ملخصات الكتب
ملخص كتاب “تنانين عدن: تأملات عن تطور ذكاء الإنسان” لكارل ساغان
ملخص كتاب “الوعي” لسوزان بلاكمور
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :