Ad

عادة ما نقرأ عن قصص تجارة العبيد الوحشية عبر المحيط الأطلسي، ونستمع إلى حكايات تعذيبهم خلال رحلتهم الطويلة المظلمة. ونشاهد الأفلام الوثائقية والسينيمائية التي تصور لنا معاناتهم في مزارع وموانئ العالم الجديد، وكيف عوملوا بقسوة ووحشية. ولكن نكاد لا نعرف شيئًا عن تجارة العبيد في الشرق الأوسط. فتجارة العبيد داخل المناطق العربية لا تقل عن تلك التي كانت في الأمريكتين ودول العالم الجديد. بل ربما كانت أكثر انتشارًا وتوسعًا وعلى مدار قرونٍ عديدة. فهل كانت تجارة العبيد لغرض النهوض بالاقتصاد أم كانت لها أغراض أخرى؟ وكيف اختلفت تجارة العبيد بين المحيط الأطلسي والصحراء العربية؟

تجارة الرق والعبيد عند العرب

كانت تجارة العبيد مزدهرة عند العرب، حيث دامت واستمرت لعقود طويلة قدرت بثلاثة عشر قرنًا من الزمن. بداية من القرن السابع وحتى نهايتها في القرن العشرين. عرفت بتجارة العبيد الشرقية أو بتجارة العبيد عبر الصحراء، مقابل التجارة البحرية في العالم الغربي عبر المحيط الأطلسي.

ركزت هذه التجارة عند العرب على شراء العبيد من السودان وإثيوبيا والصومال، وبيعهم في أسواق مخصصة في الصحراء العربية. كما بيع العبيد في سوق زنجبار في تنزانيا وشحنوا عبر المحيط الهندي إلى الخليج العربي لاستخدامهم وبيعهم أو إهدائهم بين القبائل العربية.

أما العبيد القادمون من غرب إفريقيا، بين وادي النيجر وخليج غينيا فقد تم بيعهم واستخدامهم في بلاد المغرب العربي ومنطقة حوض النيل. كانت تلك الرحلة عبر الصحراء في غاية القسوة، حتى أن البعض أجبروا على السير لمسافات طويلة. أدى ذلك إلى وفاة العديد من العبيد في تلك الرحلة، حيث قدرت نسبة نجاة العبد من آثار تلك الرحلة العويصة والمرض والجوع بنسبة 50%. كما بيع العديد من العبيد عبر خليج فارس إلى بلاد العراق.

تعددت مصادر العبيد عند العرب. ولم تقتصر تجارة العبيد على إفريقيا فقط، بل كان العرب يحصلون على العبيد من مناطق أخرى كأوروبا الشرقية الوسطى، وآسيا الوسطى. ولم يكن البيع والشراء هو الوسيلة الوحيدة للحصول على العبيد، بل تحول أسرى الحروب إلى عبيد أيضًا، وأي طفلٍ لأبوين من العبيد يعد عبدًا كذلك.

فيم عمل العبيد عند العرب؟

اختلفت أعمال العبيد كثيرًا في المنطقة العربية عن أعمال العبيد في الغرب، فقد اعتمد الغرب على العبيد في بناء الاقتصاد. حيث استخدموهم بشكل أساسي في مزارع السكر والقطن والتبغ، لكونهم عمالة قوية ورخيصة. أما العبيد عند العرب فقد كان استخدامهم مختلفًا، حيث كان العرب يتفاخرون بأعداد العبيد لديهم. ويستخدمونهم في أعمالهم المنزلية ويتمتعون بهم. وعلى خلاف الغرب فقد عومل العبيد عند العرب معاملة أقل قسوة، فقد نظروا إليهم بصفتهم بشرًا لا بضاعة، رغم اعتبارهم أقل شأنًا منهم.

العبيد الذكور

كان التجار العرب يجتمعون في أسواق زنجبار لشراء المواد الخام كالعاج والقرنفل وغيرها. وأثناء رحلاتهم التجارية كانوا يشترون العبيد الأصحاء لمساعدتهم في نقل تلك البضائع. وعند وصولهم إلى البلاد العربية كان يتم بيع هؤلاء العبيد في السوق المخصص لهم. كانت تجارة مربحة تدر النفع على التاجر لاستفادته الكاملة من العبد منذ بداية الرحلة وحتى بعد وصوله إلى بلاده. ساعد العبيد الذكور مالكيهم في الأعمال الشاقة ورعي الأغنام وغيرها من الأعمال الشاقة المختلفة.

كما كان هناك قسمٌ من العبيد الذكور يقومون بخدمة النساء العرب وحمايتهم هن والجواري المملوكات للسيد. ولكن حتى يأمن السيد عدم ممارسة العبد للجنس مع إحدى نسائه كانوا يخصون في سن الثامنة إلى الثانية عشر. كانت العملية وحشية للغاية ولم تقم على أسس طبية، وأدت في كثير من الأحيان إلى وفاة العبد أو تشوه جسده. وحتى من نجى من عملية الإخصاء، عانى من التشوه النفسي نتيجة تلك الذكرى المؤلمة.

أما الصنف الأخير من العبيد الذكور فقد عملوا في الجيوش العربية، حتى أن بعض الجيوش اعتمدت بشكلٍ أساسي على العبيد. فقد قاموا بتدريبهم وتعليمهم الفروسية والقتال بالسيف، كما ساعدوا في الحصارات التي قامت بها الجيوش العربية والإسلامية قديمًا. حتى أنهم أطلق عليهم عبيد النخبة كما كان المماليك، فكلمة مملوك لها دلالة على كونهم عبيد الأصل. استطاع المماليك تحرير أنفسهم، وحكموا مصر لأكثر من قرنين حتى نهاية عهدهم على يد العثمانيين.

العبيد الإناث

كانت الإناث العبيد تسمى بالجواري، عملن عادة في المنازل وقمن بالتنظيف والطبخ والاعتناء بصغار سادتهم. اختلفت نسبة الذكور و الإناث بين العبيد في الغرب عن الشرق، وقدرت تلك النسبة بثلاثة إلى واحد للإناث. فكان الطلب على العبيد الإناث أكثر منه طلبًا للذكور عند العرب.

 عملت الإناث في مجال الجنس، ولكن ليس في تجارة الدعارة، فقد كن يمارسن الجنس مع مالكيهم فقط. ويمنع إجبارهن على ممارسة ذلك مع غيره، إذ تصبح ملكًا لمالكها فقط دون غيره. وشيئًا فشيئًا تغير وضع الجواري، وأصبح أفضل من ذي قبل. واستطاعت الجارية تحرير نفسها في أغلب الأحيان، إذا أنجبت ابنًا من سيدها. ويستطيع صغيرها أن ينشأ معها، ولا يعد عبدًا، وذلك لكون والده حر.

كان العرب يملكون العديد من الجواري حتى أنهم أنشؤوا لهن مكانًا خاصًا بعيدًا عن الرجال، يسمى “الحرملك” ولا يدخل عليهم إلا الأطفال أو الذكور المخصيين. وكنّ كذلك يتنقلن كهدايا بين العرب وغيرهم، فيمكن أن يهدي المالك جاريته لغيره، أو يحتفظ بها لنفسه، ويمكن كذلك أن يبيعها في سوق الجواري.

وعلى الرغم من استحالة ترقّي العبيد في الغرب عن كونهم عبيدًا في أسفل الهرم الاجتماعي. إلا أن العبيد في البلاد العربية كانت لهم فرصة التطور وتحرير أنفسهم. كما أتيح لهم التملك والعمل لحسابهم الشخصي على الرغم من امتلاك أحد العرب لهم. وحتى النساء كنّ ذوات تأثيرٍ قوي على السلطة والحكم، خاصة عندما يلدن أبناء الحكام من أرحامهن.

متى ألغيت العبودية عند العرب؟

ظلت العبودية وتجارة الرقيق مستمرة عند العرب قرونًا بعد انتهائها في العالم الغربي. إلى أن بدأ العرب تخفيف اقتناء العبيد ثم تحريرهم شيئًا فشيئًا، وكانت للتعاليم الدينية مساعدة في ذلك بدرجة ما. كما تدخلت الدول العظمى مثل بريطانيا في منع العبودية نهائيًّا في بعض الدول مثل مصر.

في النهاية استحال وجود العبيد بين العرب، فلم يعد هناك من هو من نسل أبوين من العبيد. كما استحال وجود الحروب التي تأتي بالغنائم والأسرى، كما جرم استخدام النساء في الدعارة. ومع دخول القرن العشرين تحرر العبيد أخيرًا في البلاد العربية.

المصادر:
1- Forgotten slavery: The Arab-Muslim slave trade | FairPlanet
2- BBC – Religions – Islam: Slavery in Islam
3- African Military Slaves in the Muslim Middle East • (blackpast.org)

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم الإنسان تاريخ

User Avatar

Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 33
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق