مسلسل (Baby Reindeer) والكشف عن الصورة النمطية للمجرمات في المجتمع والإعلام

حقق مسلسل (Baby Reindeer) على منصة نتفلكس، والذي كتبه وأخرجه ريتشارد جاد الذي يلعب دور دوني، نجاحًا عالميًا بفضل روايته التي تشبه السيرة الذاتية عن الاعتداء الجنسي والتحرش والمطاردة. لقد أدى تصوير العرض لتجربة جاد إلى جلب منظور جديد حول إيذاء الذكور (male victimisation)، مما أعطى صوتًا للآخرين للتحدث. ومع ذلك، أثار تصوير مارثا، التي لعبت دورها الممثلة جيسيكا جونينج، في مسلسل (Baby Reindeer) جدلًا واسعًا حول الشخصية والصورة النمطية للمجرمات. كما أنه يثير أيضًا تساؤلات حول المعايير الأخلاقية لصانعي العرض وكيف يتوافقون مع الصور الإعلامية الكارهة للنساء الموجودة في وسائل الإعلام بدلاً من تحديها. تعتبر قصة جاد شهادة قوية على أهمية تبادل الخبرات الشخصية، كما أن النجاح الدولي الذي حققه المسلسل هو انعكاس لسرده المثير للتفكير.
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال غير واضحة بشكل متزايد. إن العواقب المترتبة عليه بعيدة المدى، حيث يخضع الأفراد في الحياة الواقعية للتدقيق. بينما نتعمق أكثر في عالم المسلسل، يجب أن نسأل أنفسنا: كيف نوازن بين الحاجة إلى رواية القصص والحاجة إلى عدم الكشف عن الهوية والمسؤولية الأخلاقية؟

الخوف من النساء المنحرفات

الخوف من المرأة المنحرفة (deviant women) ظاهرة راقبها ودرسها علماء الجريمة منذ عقود. إنها فكرة تنبع من مخاوف وقلق مجتمعي عميق حول الشر النسائي. في العديد من النواحي، يعد افتتاننا بالنساء المتوحشات، مثل ميرا هيندلي ولوسي ليتبي، انعكاسًا لخوفنا اللاواعي الجماعي من المجهول، وما لا يمكن السيطرة عليه، والشذوذ.
لقد جادل الباحثون النسويون منذ فترة طويلة بأن وسائل الإعلام تلعب دورًا حاسمًا في إدامة هذه المخاوف وتضخيمها. وهم يفعلون ذلك من خلال تصوير المجرمات بطريقة معينة، وغالبًا ما يؤكدون على انحرافهن، وعدم عقلانيتهن، وعاطفتهن. ويعمل هذا التصوير على تعزيز الصور النمطية الضارة والمعايير الجنسانية، والتي بدورها تعمل على إدامة فكرة أن النساء يرتكبن جرائم أكثر انحرافًا ورعبًا إلى حد ما من نظرائهن من الرجال.
علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أن وسائل الإعلام تميل إلى التركيز بشكل أكبر على شخصية وطبيعة المجرمات، وغالباً ما تستخدم لغة مثيرة وعاطفية وأخلاقية. إن هذا التركيز على الفرد بدلاً من الجريمة نفسها يؤدي إلى تجريد المرأة من انسانيتها، وتحويلها إلى صور مشوهة ومبالغ فيها فتظهر كمرأة مجنونة وسيئة وحزينة.
في المقابل، غالبًا ما يتم تصوير المجرمين الذكور على أنهم أفراد عقلانيون ومستقلون ومسؤولون، وقد اتخذوا خيارات سيئة. ويُنظر إلى جرائمهم على أنها شاذة، ولكن ليس بالضرورة على أنها انعكاس لطبيعتهم المنحرفة. ولهذا المعيار المزدوج آثار بعيدة المدى على كيفية إدراكنا للجريمة والرد عليها، وهي ظاهرة متجذرة بعمق في قيمنا وأعرافنا المجتمعية.

عواقب المسلسل في الحياة الواقعية

أدى النجاح الهائل الذي حققه (Baby Reindeer) إلى نتيجة غير مقصودة، وهي مطاردة على الإنترنت في العصر الحديث للتعرف على هوية مارثا الحقيقية. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، ربما كان من المتوقع أن يأخذ محققو الإنترنت (internet sleuths) وبعض وسائل الإعلام على عاتقهم الكشف عن هوية مارثا الحقيقية. لكن هذا يثير تساؤلات حول المعايير الأخلاقية لصانعي العرض وعواقب تصويرهم لمارثا.
ريتشارد جاد حث المحققين عبر الإنترنت على التوقف عن البحث عن هوية مارثا الحقيقية. ولكن قد يكون رد فعله متأخرًا جدًا. فقد وقع الضرر بالفعل. وكانت شخصية مارثا دائمًا بمثابة مانع للتكهنات والاهتمام. ومع ذلك، فإن العواقب الواقعية لهذا بعيدة كل البعد عن الخيال.
إن السهولة التي يمكن بها اكتشاف هوية مارثا تسلط الضوء على عدم إخفاء الهوية الممنوحة للنساء المجرمات. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الحماية الممنوحة للمجرمين الذكور مثل دارين، الكاتب التلفزيوني القوي الذي قام باستمالة دوني والاعتداء عليه جنسياً. إن المعايير المزدوجة واضحة: فالنساء يخضعن لمعايير أخلاقية مختلفة عن الرجال.

مسلسل (Baby Reindeer) والصورة النمطية للمجرمات

في المسلسل، تم تصوير مارثا على أنها امرأة بدينة وغير مهذبة، مما يعزز فكرة أن النساء اللاتي يرتكبن جرائم أقل أنوثة إلى حد ما. هذه ليست ظاهرة جديدة؛ لقد رأينا ذلك مرارًا وتكرارًا في معاملة وسائل الإعلام للمجرمات. على سبيل المثال، أُطلق على أماندا نوكس لقب “فوكسي نوكسي” أثناء محاكمتها التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، مما سلط الضوء على التوتر بين أنوثتها المتصورة وجرائمها المزعومة.
الملصق الترويجي للعرض، والذي يُظهر دوني محاصرًا في كوب مع مارثا كبيرة الحجم تلوح في الأفق خلفه، يديم هذا المجاز. ويشير هذا إلى أن مارثا وحش مفترس يوقع الضحايا في شرك مكرها وسحرها. لكن هذه ليست مارثا التي نراها في المسلسل نفسه، حيث يتم تصويرها على أنها معقدة ومضطربة ومثيرة للشفقة في نهاية المطاف.
يثير هذا الانقسام أسئلة مهمة حول كيفية نظرنا، كمجتمع، إلى المجرمات. هل هم أشرار متجسدون، أم أنهم ضحايا الظروف، وتدفعهم قوى خارجة عن إرادتهم؟ الجواب، بالطبع، يكمن في مكان ما بينهما. ولكن من خلال اختصارهم إلى مسميات مبسطة، فإننا نحرمهم من التعقيد والفروق الدقيقة التي نمنحها لنظرائهم الذكور.

المعيار المزدوج لعدم الكشف عن الهوية

أثارت المسلسل محادثة حاسمة حول التفاوت في كيفية إدراكنا وتعاملنا مع المجرمين من الذكور والإناث. إن المستويات المتناقضة من عدم الكشف عن الهوية الممنوحة لمارثا ودارين، الجناة في العرض، تثير أسئلة مهمة حول معاييرنا الأخلاقية.
من المتوقع أن تتحمل مارثا، المطارد، العبء الأكبر من التدقيق العام، حيث تتم متابعة هويتها من قبل المحققين عبر الإنترنت ووسائل الإعلام. وفي الوقت نفسه، دارين، الكاتب التلفزيوني القوي والمفترس الجنسي، محمي بعدم الكشف عن هويته. هذا الانقسام لا يقتصر على المسلسل؛ إنها قضية منتشرة في مجتمعنا. علينا أن نعترف بأن سردنا الثقافي يديم المعايير المزدوجة، حيث تخضع النساء لمزيد من التدقيق ويمنح الرجال الحماية.
إن العواقب المترتبة على هذا المعيار المزدوج بعيدة المدى. ويتعين علينا أن ندرك أن استعدادنا لكشف وتدقيق المجرمات، مع حماية المجرمين الذكور، متجذر في التمييز الجنسي العميق. من الضروري إعادة تقييم معاييرنا الأخلاقية والسعي من أجل اتباع نهج أكثر توازناً، حيث يتحمل جميع الأفراد المسؤولية عن أفعالهم، بغض النظر عن الجنس.

المصادر:

Martha isn’t Baby Reindeer’s biggest villain. So why is she painted as such? / the conversation

Exit mobile version