صعود القطط للفضاء

تتصرف القطط بطبيعة مميزة عن غيرها من الحيوانات في المواقف الخطيرة. ولكن يختلف الأمر كثيرًا في الفضاء. فما هي الاختلافات التي تظهر عند صعود القطط للفضاء الخارجي؟ وما سبب تلك التغيرات؟ وهل ستسمر مهارة القطط حتى إذا انعدمت الجاذبية؟

تظهر تغيرات في بعض تصرفات القطط في الفضاء، وتحديدًا المهارات التي تتميز بها عند السقوط.

مهارات تتميز بها القطط

يبدو رد فعل القطط في كثيرٍ من الأحيان كما لو أنه يخالف قوانين الطبيعة أو كأنه حالة تشذ عما نعلم. فمثلًا تسقط القطط من أعلى الطوابق المرتفعة في ظاهرة تسمى «متلازمة الأماكن الشاهقة – High-Rise Syndrome». والغريب في تلك الظاهر هو سقوط القطط بأمان كلما زاد ارتفاع الطابق أكثر. وتعتمد إستراتيجية القطط في هذه الظاهرة على استخدامهم الأمثل لطبيعة جسمهم لتتوافق مع قوة الجاذبية. [1]

تستطيع القطط أيضًا أن تسقط دائمًا على قدميها في ظاهرة تسمى «مُنعكَس اعتدال القط-Cat Righting Reflex». ويدور القط في تلك الظاهرة دون أن يتكئ على شيء حتى وإن سقط وظهره متجه مباشرةً نحو الأرض. ومرونة جسم القطط ليست فقط السبب في تلك الظاهرة، فمهارة القطط هي من تتحكم باستخدام جسمها لتفادي أي خطورة. ولكن هل ستستمر مهارة القطط حتى إذا انعدمت الجاذبية؟ [2]

القطط عند انعدام الجاذبية

استمر العلماء على مدار سنوات صعود الإنسان للفضاء بدراسة ما استطاعوا من حيوانات أو حشرات في تلك الظروف. وكانت أول قطة تصعد للفضاء تسمى «فيليسيت – Félicette» بواسطة برنامج الفضاء الفرنسي عام 1963.[3] وتعد فرنسا ثالث الدول التي تصطحب حيوانات للفضاء بعد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. فمن قبل صعود القطط للفضاء كان قد سبقهم كلاب وقرود وأنواع من الحشرات. ولكن لم تقتصر الدراسات على فقط الصعود للفضاء، فكانت برامج محاكاة انعدام الجاذبية قبل ذلك تفي لدراسة تصرفات الحيوانات عند انعدام الجاذبية. وتقوم برامج محاكاة انعدام الجاذبية على فكرة التحليق عند مدى ومسار معين يتيح للركاب بمحاكاة انعدام الجاذبية لمدة في حدود ال 30 ثانية.[4]

وتختلف ردود أفعال الحيوانات عند انعدام جاذبية. فمثلًا بعضهم لا يتحرك منتظرًا أن تنتهي فترة انعدام الجاذبية مثل الوزغ (أبو بريص – البرص). وأنواع آخري كالأسماك وبعض الحشرات يتعاملون بشكل ممتاز في ذلك الموقف، حيث يسترخون تمامًا حتى يدركوا أنسب وضع يجب أن يكونوا عليه. وأخيرًا القطط وبعض الطيور كالحمام تبدأ في الذعر والتحرك في اتجاهات مختلفة وكأنها على عكس ما نعرفها لا تعرف ماذا يجب أن تفعل.[5]

هل حقًا تفقد القطط مهاراتها في الفضاء؟

لاحظ العلماء أثناء تجربة القطط في محاكاة انعدام الجاذبية أن مهارة مثل منعكس اعتدال القطط لم تعد موجودة في الفضاء. فعلى عكس ما يحدث في الأرض، القطط في الفضاء لا تستطيع أن تدور بجسمها لتضمن هبوط آمن. ولكنها تحاول أن تكمش نصفها الأمامي وتفرد الجزء الخلفي في محاولة منها للدوران نحو اتجاه الجاذبية. ويعتقد العلماء أن القطط تفقد الإحساس بالجاذبية ولا تعلم الى أي اتجاه يجب أن تدور.[5] وبعد إدراكها أنها ممكن أن تكون في خطر تبدأ بالذعر ولا تستطيع التحكم في حركتها. فلا تعلم القطط حينها أين أرضها أو أي اتجاه سيكون مأمنها. ولكن شاركنا برأيك عزيزي القارئ لما تختلف ردود فعل كل حيوان عن غيره عند انعدام الجاذبية؟

المصادر

[1] D. Nasaw, “Who, What, Why: How do cats survive falls from great heights?,” BBC News, Washington, 2012.

[2] “Cremieux, J; Veraart, C; Wanet, M.C.,” Experimental Brain Research, vol. 54, no. 3, 1984

[3]Burgess, Colin; Dubbs, Chris (2007). Animals in Space: From Research Rockets to the Space Shuttle. Springer-Praxis. ISBN 978-0-387-36053-9.

[4] W. Xiu, K. Ruble and O. Ma, “A reduced-gravity simulator for physically simulating human walking in microgravity or reduced-gravity environment,” 2014 IEEE International Conference on Robotics and Automation (ICRA), 2014, pp. 4837-4843, doi: 10.1109/ICRA.2014.6907567.

[5] Mori S. Disorientation of animals in microgravity. Nagoya J Med Sci. 1995 Dec;58(3-4):71-81. PMID: 8725490.

كيف تهبط القطط دائمًا على أقدامها؟

تهبط القطط على أقدامها مهما كانت طريقة سقوطها، حتى وإن كانت تسقط ورأسها لأعلى. فكيف تعدِل القطط جسمها أثناء السقوط؟ وهل هي فطرة أم صفة مكتسبة؟

تُعرّف هذه القدرة الاستثنائية عند القطط باسم «مُنعكَس اعتدال القط-Cat Righting Reflex»، وتستخدم القطط طرق فيزيائية بحتة لتفيذ تلك الظاهرة للهبوط على أقدامها، وفهم تلك الظاهرة مرتبط بفهم جوهر ما يسمى بالحركة الدورانية وبعض مفاهيمها.

الحركة الدورانية

تتمثل الحركة في مفهومها التقليدي، وهو حركة الجسم في خط مستقيم، بمفاهيم شائعة كالكتلة والسرعة والمسافة بين نقطتين. فعندما يدور الجسم حول نقطة أو محور معين تسمى حينها الحركة ب”الحركة الدورانية أو الحركة الزاوية”. ولا تختلف مفاهيم الحركة الدورانية عن مفاهيم الحركة التقليدية كثيرًا. فالسرعة في الحركة التقليدية ما هي إلا المسافة التي يقطعها جسم من نقطة الى أخرى خلال زمن معين. أما السرعة الدورانية فهي إلا المسافة التي يقطعها جسم في خلال دورانه دورة كاملة حول نقطة في زمن تلك الدورة. أما الكتلة فمفهومها في ميكانيكا الدوران يكون معروف ب “عزم القصور الذاتي” وتعتمد على توزيع كتلة الجسم و بعده عن مركز الدوران. [1]

وللطبيعة قوانين صارمة لا يمكن مخالفتها، مثل قانون حفظ الطاقة وأن الطاقة لا تُخلق من لا شيء أو تفنى إلى لا شيء ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى. وكذلك قانون حفظ كمية الحركة، وهي كمية تعتمد على كتلة وسرعة الجسم وحفظها يعنى أن تبقي مُحصلتها ثابتة ما لم تؤثر عليها قوى خارجية. أما في الحركة الدورانية فتعرف كمية الحركة على أنها كمية الحركة الدورانية وتعتمد هنا على عزم القصور الذاتي للجسم وسرعته الدورانية، فكلما قل عزم القصور الذاتي للجسم زات سرعته الدورانية والعكس صحيح. [1]

استخدام القط لقانون حفظ كمية الحركة الدورانية

يستطيع القط باستخدام قانون حفظ كمية الحركة الدورانية أن يغير وضعية سقوطه ليهبط آمنًا على قدميه دون أن يتكئ شيء. يبدأ السقوط وظهر القط متجه مباشرةً نحو الأرض وتكون محصلة كمية الحركة الدورانية صفر. ولكي يستطيع القط الدوران يبدأ بضم نصفه الأمامي (قدميه الأماميتين و رأسه) ليقلل من عزم القصور الذاتي لذلك النصف، وبالتالي يزيد من سرعته الدورانية نحو الأرض. ولكن في نفس الوقت يفرد القط نصفه الآخر (قدميه الخلفيتين و ذيله)، وبتالي يزيد من عزم القصور الذاتي لذلك النصف ويدور بسرعة قليلة في الاتجاه المعاكس للنصف الأول. وبالتالي تَبقى محصلة كمية الحركة الدورانية بصفر. [2]

يبدأ القط في عكس تلك العملية عندما يوجه نصفه الأمامي تجاه الأرض، ففي تلك اللحظة يفرد القط نصفه الأمامي ليزيد من عزم قصوره الذاتي وبالتالي يقلل من سرعة دورانه، ثم يقوم بضم نصفه الخلفي ليقلل من عزم قصوره الذاتي ويزيد من سرعة دورانه نحو الأرض. ولكن حركة نصفي الجسم في اتجاهات مختلفة ليست بصفة شائعة عند كل الحيوانات، فمرونة العمود الفقرى للقطط وغياب عظمة الترقوة ساعدهم على استخدام مثل هذه الظواهر. [3]

ولكن هل تلك الظاهرة فطرة ترثها بها القطط أم مهارة تكتسبها بمرور الوقت؟

مهارة القطط منذ صغرها

أجرى العلماء دراسة عام 1984م على قطط من مختلف الأعمار ليبحثوا إذا كان يوجد اختلاف بينهم. وأظهرَت الدراسة أن ظاهرة منعكَس تقويم القط تَبدأ في الظهور على القطط من أعمار 3 – 4 أسابيع، وتتقنها القطط تمامًا في أعمار من 6 – 9 أسابيع. [4] وبالتالي فيمكننا استنتاج أن منعكَس اعتدال القط ما هي إلا مهارة تكتسبها القطط. ولكن كيف للقطط أن تدرك وتفكر وتسنتج مثل هذه الاستنتاجات، بل وتتقنها لدرجة أن تكون ردة فعلها سريعة في المخاطر؟ شاركنا عزيزي القارئ برأيك في التعليقات.

المصادر

[1] D. Halliday, R. Resnick and J. Walker, “Force And Motion – II; The Drag Force And Terminal speed,” in Fundamentals of physic, Hoboken, John Wiley & Sons, 2003, pp. 121-124
[2] G. J. Gbur, Falling Felines and Fundamental Physics, Yale University Press, 2019.
[3] D. Nasaw, “Who, What, Why: How do cats survive falls from great heights?,” BBC News, Washington, 2012.
[4] “Cremieux, J; Veraart, C; Wanet, M.C.,” Experimental Brain Research, vol. 54, no. 3, 1984

Exit mobile version