ما هو الانتقال الآني الكمي؟

انتهيت من عملك أخيرا بعد يوم طويل ومرهق وتتمنى الآن أن تنقلك آلة إلى سريرك مباشرة بدلًا من المشي أو استعمال المواصلات المزدحمة؟

ذُكر أول جهاز للانتقال عن بعد في كتاب إدوارد بيج ميتشل «The Man Without a Body» والذي نُشر في صحيفة «The Sun» في عام 1877 وهي صحيفة تنشر يوميًا في نيويورك. حيث أشار الكاتب إلى ما يسمى «الانتقال الآني» لكن باسم آخر«نقل المادة» وكان ذلك بعد ثلاث سنوات من كتابة «إتش جي ويلز» عن «Techypomp». وهو جهاز مصمم للسفر بسرعة لانهائية ولكن هذا ليس مفهوم الانتقال الآني بالتحديد.

إذ ظهر الانتقال الآني لأول مرة كطريقة للقفز من كوكب إلى آخر في محاكاة ساخرة للكاتب «فريد تي جين» عام 1897. وظهرت عبارة الانتقال عن بعد في كتابات «تشارز فورت» كذلك، فقد اقترح أن النقل الآني هو طريقة لتفسير ظهور بعض الأشياء في أماكن فجأة واختفائها المفاجئ أيضًا.

ذلك ما يحدث في الخيال العلمي، لكن ما رأي العلم بذلك؟ في هذا المقال سنتحدث عن الانتقال الآني الكمي. ما هو بالتحديد؟ وكيف يحدث؟ وما دوره؟

ما هو الانتقال الآني الكمي؟

ربما عرفنا النقل الآني في أفلام الخيال العلمي، لكننا نتحدث الآن عن نقل المعلومات عن بعد، إذ يستخدم في التشفير الكمي لضمان أمن الاتصالات. لكن كيف بإمكانك نقل معلومة بين شخصين دون إرسالها عبر شيء مثل كابل الألياف البصرية! هذه هي روعة الفيزياء الكمية وهذا ما سنعرفه في السطور التالية. [1]ىن

يوجد عدة أنواع من الانتقال الآني لكن النوع الذي نتحدث عنه في هذا المقال هو الانتقال الآني الكمي الذي يعد تطبيقًا للتشابك الكمي. فالتشابك الكمي ببساطة يعتمد على تحديد أحد الحالات التي تحدد في الوقت نفسه الحالة الأخرى كذلك.

فبعد أن طلب «أليكس» شطيرة برغر ودجاجا مشويا وصله طلبه في صندوقين مغلقين، لن يعرف «أليكس» في أي صندوق يقبع الدجاج والشيطرة إلا عند فتح أحدهما. فإذا فتح صندوق ووجده يحتوي على الدجاج المشوي فالآخر بالتأكيد يحتوي على الشطيرة والعكس صحيح.

الأمر نفسه ينطبق على الجسيمات الكمية؛ إذا كان لديك جسيمان متشابكان، فإن معرفة حالة أحدهما ستبين حالة الآخر بغض النظر عن المسافة بينهما.

هكذا يمكننا استخدام التشابك كطريقة للانتقال الآني. يستمر تشابك الفوتونات حتى بعد فصلها، وفي حال تغير أحدها فإن الفوتون الآخر الذي يوجد في موقع آخر يتغير أيضا.[2]

فإذا أخذنا جسيمين وشابكناهما وأرسلنا أحدهما إلى القمر، يمكننا الاستعانة بالتشابك الكمي لنقل معلومات من خلالهما. فالأمر يتعلق فقط بالجسم الذي تريد نقله عن بعد، والذي يرسل المعلومات إلى الجسيم المتشابك الآخر على القمر. عزيزي القارئ، رغم هذا، من غير المحتمل أن يحدث النقل الآني للأشياء الكبيرة أو الأشخاص، أو إبقاء الجسيمات متشابكة لفترة طويلة رغم بعد المسافة. ذلك لم يحدث حتى الآن، وكل ما قام به العلماء هو نقل العديد من الإلكترونات والفوتونات وحتى الجزيئات لعشرات الأميال. فمحاولات العلماء تركز على نقل جسيم واحد وليس مليارات المليارات من الجسيمات التي تشكل الإنسان.[2]

كيف تنقل جزيئا ما عن بعد؟

لنعد مرة أخرى إلى الجسيمين المتشابكين، إذا تفاعل جسيم ثالث مع أول جسيم متشابك فإن التغير الذي سيحدث في الجسيم المتشابك سيلاحظ في توأمه الذي سيأخذ معلومات الجسيم الثالث ووجوده بفعالية.

لكن استحال إنشاء رابط بعيد المدى بين أي جسيمين متشابكين لأن سفر الفوتون المتشابك لا يمكنه قطع مسافات بعيدة كما وضحنا.

لطالما رأى الباحثون الإلكترونيون إمكانية الارتباط بقمر صناعي ما، لأن الفوتونات يمكن أن تنتقل بسهولة كبيرة عبر الفضاء. لكن الصعوبة تكمن في نقلها عبر الغلاف الجوي للأرض إضافة إلى الظروف الجوية المتغيرة التي قد تؤدي إلى انحراف الجسيمات. لكن هناك محاولات ناجحة بالفعل!

  • فقد قام فريق صيني بإنشاء 4000 زوج من الفوتونات المتشابكة كميًا في الثانية وأطلقوا كل زوج من الفوتونات في شعاع من الضوء باتجاه قمر صناعي يسمى «ميسيوس-Micius» -على اسم فيلسوف صيني قديم-. مما مكن مسيوس من اكتشاف الحالات الكمية للفوتونات المفردة التي سنبعثها من كوكبنا، وكان ذلك إنجازًا كبيرا كسر حاجز المسافات البعيدة التي كان من الصعب تحقيقها.[3]
  • مؤخرًا كذلك، حقق فريق في ناسا ولأول مرة نقلا آنيًا كميًا مستدامًأ لكيوبتات وعلى مدى بعيد. إضافة إلى الدقة التى وصلت لأكثر من 90٪ وعلى بعد 44 كيلومترًا عبر ألياف ضوئية باستخدام أحدث الأجهزة للكشف عن الفوتون الفردي. صرح الفريق بأن الإنترنت الكمي قابل للتطبيق ومن شأنه أن يدخلنا عصرا جديدا من الاتصالات.[4]

ما الهدف من الانتقال الآني؟

إن الهدف الرئيس من النقل الآني الكمي في وقتنا هو إنشاء شبكات اتصالات غير قابلة للاختراق. ففي مدينة «جينان-Jinan» الصينية كان هناك تجارب فعلية لشبكة آمنة تعتمد على تكنولوجيا الكم. ويجرى تطوير شبكة تربط بين بكين وشنغهاي بما تسمى «العقد الموثوق» وأنها أول انترنت كمي وهي مهمة لتحديث المفتاح الكمي لإرسال معلومات مشفرة.[3]

نحن الآن في عصر الحوسبة الكمية الذي سيسطو قريبًا وستكون إمكانية كالانترنت الكمي متاحة في كل مكان! ولكن هل من الممكن أن تتحقق أمنيتنا في الانتقال الآني للبشر كما في أفلام الخيال العلمي ذات يوم؟

المصادر

  1. qt
  2. popularmachanics
  3. bbc
  4. nasa

مقدمة في التشفير الكمي

في عصرنا الرقمي، تعتمد جميع المؤسسات والشركات… في حماية بياناتك على التشفير. لكن بفضل الحوسبة الكمية والعمل الدؤوب للعلماء في هذا المجال، إذ تكمن قوة الحواسيب الكمية مثلًا في المعالجة التي لا مثيل لها والتي ستكون لها القدرة على كسر التشفير التقليدي. كذلك سيصبح الأمن السيبراني بلا جدوى ولكن ماذا لو جعلنا من الكم أيضًا نقطة قوة لحماية بياناتنا؟ ذلك باستخدام التشفير الكمي، ففي هذا المقال سنعرض لك مقدمة مهمة في التشفير الكمي.

كيف ظهر مفهوم التشفير الكمي؟

اقترح التشفير الكمي لأول من قِبل «ستيفن وايزنر-Stephen Wiesner» في أوائل السبيعينيات. من ثم اقترح مفهوم التشفير الكمي المترافق في جامعة كولومبيا. رفضت حينها جمعية IEEE Information Theory Society الورقة البحثية الأساسية التي كانت بعنوان «Conjugate Coding» لكن في نهاية المطاف، نُشرت في عام 1983 في SIGACT News. من بعدها كان اثنان من العلماء وهم بينيت وبراسارد على دراية بأفكار وايزنر وفي عام 1984، أنتجوت أول بروتوكول تشفير كمي. أول شبكة حاسوب مستخدم فيها التشفير الكمي ي كامبريدج.

ما هو التشفير الكمي؟

هو تقنية تعتمد على فيزياء الكم بشكل رئيس، وهنا يكمن الاختلاف، في حين أن التشفير العادي أو الكلاسيكي هو عملية تشفير البيانات وتحويل النص العادي إلى نص مشفر بحيث لا يمكن قراءته إلا لمن لديه “المفتاح” الصحيح (رمز معين)، يأتي التشفير الكمي المعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم في تشفير البيانات ونقلها بطريقة لا تخترق فيها البيانات.

يستخدم التشفير الكمي سلسلة من الفوتونات لنقل البيانات من موقع إلى آخر عبر كابل من الألياف البصرية. لكن بأكثر دقة تستخدم تقنية التشفير الكمي توزيع المفتاح الكمي QKD. ولنتعرف على توزيع المفاتيح الكمي بشكل أكثر تفصيلًا وكيف يعمل بالضبط؟

ما هو توزيع المفتاح الكمي (QKD)؟

توزيع المفتاح الكمي هو طريقة آمنة للاتصال بين طرفين لتبادل مفاتيح التشفير السرية لبروتوكولات التشفير معتمدة على فيزياء الكم وكذلك على حسابات رياضية معقدة. بالتالي تتطلب قوة معالجة عالية لكسر تلك المفاتيح ومن النظريات الهامة المعتمدة عليها هي نظرية عدم الاستنساخ والتي تنص على أنه من المستحيل إنشاء نسخ متطابقة من حالة كمية غير معروفة وذلك يمنع المهاجمين من نسخ البيانات ببساطة. فإذا حصل هجوم على نظام ما، فسيغير النظام بطريقة يعرفها فقط المتحكمين هذه العملية. فمن السهل أن يكتشف المستخدمين وجود أي طرف ثالث يحاول الحصول على المفتاح، إذ أنه إذا أدخل حالات شاذة يتم اكتشافه لأن النظام لا يقبل بها وللتراكب والتشابك الكمي دور في ذلك.

كيف يعمل توزيع المفتاح الكمي (QKD)؟

هو الذي يرسل ملايين من الفوتونات (جسيمات كمية) من الضوء عبر كابل الألياف البصرية، ولكل فوتون بالطبع حالة كمية عشوائية، تشكل الفوتونات المرسلة سلسلة من الأصفار والآحاد وهو ما يسمى الكيوبت الذي يعادل البت في النظام الثنائي مع الاختلاف في اعتماده على فيزياء الكم وخواص كتراكب والتشابك… فأولًا ينقل المرسل الفوتونات عبر مستقطب يمنحها بشكل عشوائي واحدًا من أربعة استقطابات وهم عمودي وأفقي و45 و-45 درجة. من ثم تنتقل الفوتونات إلى جهاز الاستقبال ويستخدم مقسمين لحزمة الفوتونات (أفقي ورأسي) لقراءة أو استقطاب كل فوتون ولا يعرف الجهاز أي تقسيم للحزمة يمكن استخدامه لكل فوتون لذا عليه أن يخمن أي منهم يستخدم.

بمجرد إرسال الفوتونات والوصول إلى جزء التخمين، يخبر جهاز الاستقبال المرسل عن مقسم الحزمة الذي تم استخدامه لكل من الفوتونات في التسلسل المرسل. هنا يقارن المرسل هذه المعلومات بتسلسل المستقطبات المستخدمة لإرسال المفتاح ويتجاهل الفوتونات التي تمت قراءتها بجهاز تقسيم الحزمة ويصبح تسلسل البتات هو المفتاح.

فإذا تمت قراءة الفوتون أو نسخة بأي شكل بواسطة مهاجم، فإن حالة الفوتون ستتغير، ويتم اكتشاف التغيير من خلال المستقبل. فذلك يوضح أنه ليس من الممكن قراءة أو نسخ أو إعادة توجيهة للفوتون لأن ذلك سيكشف المهاجم في كل الأحوال.

لنضرب مثال على ذلك:

هناك شخصان يريدان إرسال سر لبعضهما ولا يمكن لشخص آخر معرفته باستخدام QKD. فيرسل الشخص الأول إلى الثاني سلسلة من الفوتونات المستقطبة عبر كابل من الألياف البصرية. وذلك الكابل لا يحتاج لتأمين لأن الفوتونات لها حالة كمية عشوائية. وهناك شخص ثالث يحاول معرفة السر، إذا عليه أن يقرأ كل فوتون ومن ثم أن يرسل التوقع إلى الشخص الثاني (المستقبل)، وبسبب تغير الحالة الكمية للفوتون، يعرف الشخصين الحاملين للسر بأن شخص ثالث يحاول اختراقهما. فيرسل الشخص الأول مفتاح جديد لم يحاول أحد اختراقه.

لمعرفة ما هو التشفير التقليدي وكيف ستدمره الحواسيب الكمية »» هنا.

المصادر

Exit mobile version