كيمياء النيتروجين و خصائصه الفريدة لصناعة الأسمدة النيتروجينية

تعتبر الأسمدة النيتروجينية من العناصر الغذائية الأساسية التي تلعب دورًا حاسمًا في تحسين نمو النباتات وإنتاج المحاصيل الزراعية. حيث يساعد النيتروجين في تطوير الأوراق والسيقان. و تُستخدم بشكل واسع في الزراعة لتحقيق إنتاجية أفضل وجودة عالية للمحاصيل. و يتم توفير النيتروجين عادة من خلال الأسمدة النيتروجينية. يعد تحديد الكميات المناسبة لاستخدام هذه العناصر الغذائية أمرًا حاسمًا لضمان نمو نباتات صحية وزيادة الإنتاج الزراعي. سنتكلم في هذا الموضوع  حول فوائد وتطبيقات استخدام النيتروجين في عملية التسميد بالإضافة إلي ظواهر و تطبيقات مهمة لهذا العنصر .

الخصائص الكيميائية للنيتروجين

يوجد النيتروجين فى المجموعة ال 15 من الجدول الدوري. ويرمز إلي النيتروجين ب (N) وعدده الذري 7. ويحدد العدد الذري عدد البروتونات داخل النواة. و يوجد عادة علي شكل غاز لارائحة له ولا لون. ويكون في أغلب الأحيان خاملاً ( غير قابل للتفاعل). وعنصر النيتروجين المستقل هو غاز مكون من جزيئات النيتروجين المكونة من ذرتي نيتروجين مترابطتين. ويطلق علي هذا النوع من الجزيئات اسم جزيئات “ثنائية الذرة”. والصيغة الكيميائية للنيتروجين ثنائي الذرة هي (N2) ويمثل غاز النيتروجين (80%) من حجم الغلاف الجوي. ويعد رابع الغازات انتشاراً فى الكون. كما أن النيتروجين عنصر مهم بالنسبة للكائنات الحية. إذ يوجد فى كافة الأنسجة الحية. وتضم المركبات العامة التي تحتوي علي النيتروجين كل من النشادر (NH3) وحمض النيتريك (HNO3) والسيانيد والأحماض الأمينية. إن العنصر الوحيد الذي يتفاعل معه عند درجة حرارة الغرفة هو الليثيوم. الذي يشكل نيتريد الليثيوم (Li3N). كما يتفاعل الماغنيسيوم مباشرة مع النيتروجين, ولكن عند الاحتراق.[1]

اكتشاف النيتروجين

عرف الإنسان مركبات النيتروجين قبل أن يعرف النيتروجين كعنصر بفترة طويلة، وذلك حين استخدم نترات الصوديوم أو البوتاسيوم فى صنع البارود. فقد تم انتاج البارود للمرة الأولى في الصين في القرن التاسع. ثم استخدمت نترات البوتاسيوم كسماد. لقد عرف الخيميائيون ( الكيميائيون الأوائل) فى العصور الوسطي مركبات النيتروجين معرفة جيدة. كما جري تحضير حمض النيتريك صناعياً، والمعروف باسم حمض النيتريك المركز، في الشرق الأوسط  حوالي عام (800 ميلادي). واكتشف الخيميائيون خلال فترة قصيرة بأن حمض النيتريك يمكن مزجه مع حمض الهيدروكلوريك لتكوين مايعرف ب ” الماء الملكي”، وهو عبارة عن حمض يستطيع إذابة الذهب.

اكتشف عنصر النيتروجين كيميائي اسكتلندي يدعي “دانيال رذرفورد” (1749-1819) فى عام (1772). ثم تابع كيميائيون آخرون مسيرته العلمية، حيث أشار الكيميائي الفرنسي  ” أنطون لافوازيه” فى عام (1776) بأ، هذا الغاز كان عبارة عن عنصر.[5]

النيتروجين و التسميد الزراعي

عملية تثبيت النيتروجين من الغلاف الجوي

يشكل النيتروجين بمفرده أكبر كمية من مكونات الهواء. إذ تقدر كتلة النيتروجين فى الغلاف الجويب (4000 تريليون طن). يتوافر النيتروجين فى الغلاف الجوي بنسبة تبلغ أربع أضعاف كمية الأكسجين، لكن كمية الأكسجين على الأرض تزيد عن النيتروجين بحوالي (10000 مرة). فالأكسجين يعد مركباً أساسياً من المركبات التي تتكون منها اليابسة، ولا، النيتروجين لايشكل شبكة بلورية مستقرة( بنية ذات قوام منتظم) فإنه نادراً مايدخل فى تركيب الصخور والمعادن الطبيعية. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل النيتروجين أكثر تركيزاً من الأكسجين فى الغلاف الجوي. أما السبب الآخر، فهو أن النيتروجين مستقر جداً فى الغلاف الجوي، خلافاً للأكسجين، ولا يشارك فى العديد من التفاعلات الكيميائية. ونتيجة لذلك، يتراكم النيرتوجين فى الغلاف الجوي بكميات أكثر من الأكسجين.

إن عملية تثبيت النيتروجين يتم بواسطتها اتحاد النيتروجين الموجود في الغلاف الجوي مع عناصر أخري بطريقة تسهل امتصاصه من قبل النباتات. ويتم تثبيت النيتروجين بصورة رئيسية عن طريق النباتات البقلية، مثل الفول والبرسيم، لكن تثبيته أيضاً يتم بواسطة البرق. لقد طورت بعض أشكال البكتيريا آلية استطاعت بواسطتها إزالة غاز النيتروجين الموجود في الهواء وتحويله إلي بروتين عن طريق تثبيت النيتروجين. وتستفيد العديد من أنواع البكتيريا من العلاقة الوثيقة مع النباتات التي تحتاج إلي النيتروجين. وتساعد هذه النباتات علي إثراء التربة بالنيتروجين الزائد القابل للذوبان. توصف عملية تثبيت النيتروجين بواسطة البكتيريا من خلال تفاعل النيتروجين مع الفورمالدهيد (CH2O) والماء وأيونات الهيدروجين (H+) لتكوين ثاني أكسيد الكربون (CO2) وأيونات النشادر (NH4+) .[2]

عملية هابر وإنتاج السماد

يستخدم النشادر غير المائي كسماد في أنحاء مختلفة من العالم. ويتم إنتاج النشادر بواسطة عملية تسمي ” عملية هابر”. إذ يتم إنتاج مايزيد عن (500 مليون طن) سنوياً من السماد بهذه الطريقة. وتتلخص تلك العملية فى التفاعل الذي يتم بين النيتروجين والهيدروجين لإناتج النشادر. حيث نال الكيميائي الألماني( فريتز هابر) براءة اختراع هذا النظام فى عام (1908). وتستخدم تلك الطريقة فى انتاج النشادر الغير مائي ونترات النشادر واليوريا التي تدخل فى صناعة الأسمدة. ويحدث هذا التفاعل بمساعدة عامل حفاز ” الحديد”  تحت ضغط يعادل (200 مرة) درجة الضغط الجوي، ودرجة حرارة  تتراوح بين (450_ 500 درجة سيليزية). أما ناتج التفاعل فلا يتجاوز ( 10 _ 20%) ويصل التفاعل إلي حالة التوازن، لكنه يظل مستمراً طوال إزالة الناتج وإضافة المتفاعلات.[3]

مركبات نيتروجينية

يمكن اعتبار النشادر أكثر مركبات النيتروجين أهمية. ويستخدم النشادر كغذاء بالنسبة للنباتات، حيث يتحد مع جزيئات الكربون العضوي لتكوين مركبات كيميائية تعرف باسم الأمينات. يمكن أن تتجمع هذه الأمينات لتكون حمض النشادر، الذي يعد من المركبات الحيوية بالنسبة للكائنات الحية. وبالإضافة إلي ذلك، يشكل النيتروجين أكاسيد أخري مختلفة مع الأكسجين. وهناك نوع من هذه الأكاسيد يسمي أكاسيد النيتروز (N2O). وهو عبارة عن مادة مخدرة معروفة باسم ” غاز الضحك” . كما يتشكل أول أكاسيد النيتروجين (NO) وثاني أكسيد النيتروجين (NO2) عندما يحدث احتراق الهيدروكربونات فى الهواء تحت ضغط مرتفع. ويتم إنتاج الأكاسيد النيتروجينية داخل محركات الإحتراق الداخلي. أما في الغلاف الجوي، فتشكل هذه الأكاسيد النيتروجينية ما يعرف بالضباب الدخانى، وهو شكل من أشكال ضباب الغلاف الجوي الناتج عن تفاعل ضوءالشمس مع الملوثات. ويتصف نوعان آخران من المركبات التي تتكون من النيتروجين والأكسجين، هما ثالث أكسيد النيتروجين المزدوج (N2O3) وخامس أكسيد النيتروجين بخاصية عد الاستقرار وقابلية الانفجار.

إن أكاسيد النيتروجين التي تتشكل فى محركات الاحتراق الداخلي لاتسبب حدوث الضباب الدخاني فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع بخار الماء فى الغلاف الجوي وتنتج حمض النيترك وحمض النيتروز. وتذوب الأحماض الغازية في ماء المطر وتشكل ترسبات حمضية يطلق عليها الأمطار الحمضية. ويمكن أن تسرع الأمطار الحمضية من أثر العوامل الجوية على الصخور، بما في ذلك الصخور والحجارة المستخدمة فى المباني والمنحوتات.[4]

النيتروجين السائل

بالإضافة إلي دور النيتروجين الحيوي في عملية الزراعة، فلا يمكننا إغفال أحد أهم تطبيقاته وهو النيتروجين السائل. يطلق علي دراسة درجات الحرارة المنخفضة جداً اسم “التبريد الفائق”. يمكن تنفيذ التبريد الفائق بواسطة الغازات السائلة، ومن أهم الغازات المستخدمة لهذا الغرض هو النيتروجين السائل الذي يتم استخدامه فى العديد من التطبيقات المفيدة. ففي المجال الطبي، يستخدم النيتروجين السائل لتجميد مساحات من الجلد من أجل معالجة سرطانات الجلد . كما يستعمل أيضاً فى عمليات تجميد الدم البشري والحيوانات المنوية والأجنة كي يعاد إستخدامها في فترات زمنية لاحقة. ويستخدم في الصناعات الغذائية في عمليات التجميد السريع، وعند زوال تجميد الطعام بهذه الطريقة، لاتتكاثر فيه البكتيريا لأن النيتروجين يحل محل الأكسجين الموجود في الطعام. يمكن كذلك ضخ النيتروجين السائل في آبار النفط من أجل زيادة الضغط في أسفل تلك الآبار، مما يؤدى إلي اندفاع النفط نحو السطح.

المصادر:

1-Nitrogen properties

2-Nitrogen Fixation

3-Haber process

4-Acidic rain

5-Nitrogen Discovery

ما هو الجدول الدوري وما أبرز معالمه؟

يعد الجدول الدوري بالدرجة الأولى واحدًا من رموز العلم؛ فلم يتوقع ديمتري مندلييف أن ملاحظته لتشابه عدة عناصر كيميائية في الخواص وتدرجها بالوزن الذري ومحاولته تفنيدها وفقًا لذلك في مجموعات أنه سيبدأ بعملٍ خالدٍ ومرجعيٍ يعود له الباحثين والعلماء في الكيمياء.

من المعروف بأن من هو على اطلاع بالفن له نظرة خاصة ونوعية للّوحات الفنية لا يملكها العوام. فالفنان لا يرى لوحة الموناليزا مثلًا كامرأة متهكمة بملامح باردة، بل يثّمنها لأنه عليم ملمٌ بمواطن الإبداع والعبقرية فيها.

كذلك الأمر عند حديثنا عن الجدول الدوري، فهو لوحة فنية بعيون الكيميائي، نجمت عن جهود متراكمة لعدد من العلماء على مدار أعوامٍ من العمل الدؤوب المتواصل. إذًا، كيف تم ترتيب هذه العناصر؟ وعلى أي أساس؟ وهل اكتشفنا جميع العناصر وحصرنا عددها أم لم ننتهي بعد؟

لمحة عامة عن الجدول الدوري

اكتسب الجدول الذي يجمع العناصر الكيميائية لفظة “الدوري” للدلالة على ترتيب العناصر فيه بشكل متسلسل متدرج بالحجم -بازدياد نصف القطر الذري– في الدور الواحد (السطر الأفقي)، مع ترتيب العناصر في أعمدة (سطور رأسية) بناءً على العدد الذري، والتوزيع الالكتروني والخواص الكيميائية. سمح ذلك للباحثين بالتنبؤ بخواص عناصر لم تُكتشف أو تُدرس بعد بحسب موقعه المُمَهد له في الجدول الدوري!

يضم الجدول الدوري 7 أدوار (سطور) و18 فصيلة (عمود)، ويسوده المعادن ثم أشباه المعادن واللامعادن. وبالنظر للتوزيع الإلكتروني في الطبقة السطحية، يعبر العمودين الأوليين في جهة اليسار عن المعادن القلوية عن “القَطَّاع s”، أما الأعمدة الستة في جهة اليمين تعبر عن “القَطَّاعp “. والعناصر التي في أوسط الجدول “القَطَّاعd “، وأخيرًا، العناصر التي في أسفل الجدول ومنفصلةٍ عنه “القَطَّاعf”.

مراحل تطور الجدول الدوري تاريخيًا

قام مندلييف بوضع نموذج أولي بسيط للجدول الدوري في ستينات القرن التاسع عشر، ليعرض ابتكاره على الجمعية الكيميائية الروسية عام 1869 لتعتمده الأخيرة وتنشره.

عصر المفاعلات النووية

بحلول عام 1940 تم اكتشاف 92 عنصرًا في الطبيعة انتهت بأثقلها “U – اليورانيوم “. إلا أن شغف العلماء والباحثين قادهم إلى تصنيع 26 عنصرًا جديدًا في المفاعلات النووية عبر ما يعرف بتفاعلات الاندماج النووي (دمج نواتي ذرتين لخلق ذرة جديدة). ولمّا كانت النواتين الداخلتين في التفاعل النووي موجبتي الشحنة، وجب تطبيق قوة تفوق التنافر الكهربي الساكن بين الشحنتين المتماثلتين. وقوة التنافر تلك تزيد عن قوة انفجار الديناميت TNT بملايين المرات، لذلك عملية التخليق أو التصنيع النووي ليست ببساطة عملية تصنيع مركب كيمائي [1].

تمت دراسة بعض هذه العناصر كيميائيًا وإضافتها جميعًا للجدول الدوري، ودعيت لاحقًا “بعناصر ما بعد اليورانيوم” لأنها تَلي عنصر اليورانيوم في الجدول الدوري. وفي نفس العام، تم تصنيع العنصر (93) “Np – النبتونيوم” والعنصر (94) “Pu – البلوتونيوم” ثم تصنيع كل من “Am – الأمريكيوم” (95) و”Cm – الكوريوم” (96) عام 1944 [1].

غلين سيبورج ومساهماته في الجدول الدوري

اعتقد العلماء بإمكانية وضع العناصر الجديدة في أوسط الجدول الدوري، إلا أنه كان ل «غلين سيبورج» رأيٌ مختلف. إذ تنبأ غلين وفقًا للتوزيع الإلكتروني للعناصر الجديدة بخواص جديدة ومتفردة ، بناءً عليه، اقترح نموذجًا للجدول الدوري تكون فيه تلك العناصر بدورين (سطرين) أسفل الجدول الدوري. ووضع غلين العناصر الجديدة بمعزلٍ لتحري التبسيط في العرض وهما اللانثانيدات والأكتيندات على الترتيب، وهو ما تم تأكيده بمرور الوقت والعمل به. ليستحق غلين بذلك جائزة نوبل في الكيمياء عام 1951 مناصفّةً مع ماكميلان؛ فضلًا عن جهودهما الرائدة في تصنيع 9 عناصر ما بعد اليورانيوم. ولعل تشريف اسم غلين سيبورج في عنصر “Sg – السيبورجيوم” يرقى عن الذي تكتنفه جائزة نوبل [1].  ليتوالى بعدها تخليق عناصر جديدة منتهيةً بآخر عنصر “Og – الأوغانيسون” عام 2016 ذو العدد الذري (118).

ومنذ ذلك الوقت عكف العلماء والباحثين على تخليق عناصر جديدة ذات العدد الذري (119) و(120)، إلا أنه ولسوء حظوظهم، لم تتكلل جهودهم بالتوفيق إلى يومنا هذا. معتبرين بأن النتائج المنشودة تتطلب فهمًا أكبر للتفاعلات النووية وفيزيائها. كما أنها فرصة مناسبة لنَذكر بأن عالمنا سيبورج نفسه تنبأ عام 1969 باتساع الجدول الدوري في المستقبل ليحتوي على (172) عنصر مما يتوجب إضافة دور (سطر) ثامن له، مع ضرورة وضع العناصر ذات العدد الذري التي تساوي (120) وتزيد عنه في قَطّاع جديد ” القَطَّاع g ” نظرًا لاختلاف التوزيع الإلكتروني في طبقتها السطحية، ومنه اختلاف في الخواص الكيميائية [2]. كما تم اقتراح نموذجين جديدين للجدول يتلاءما مع هذا التحديث [3].

عصر النكليدات Nuclides

تُعرف النكليدات بأنها مفهوم محيط ولفظ عام للنظائر، والنظائر هي عناصر لها نفس العدد الذري ولكن باختلاف العدد الكتلي. فمثلًا لذرة الكلور نظيرين في الطبيعة لهما الكتلتين 37 و35. للإيضاح، تخيل عزيزي القارئ لو أنه زاد وزنك مؤخرًا، فهل ستتغير شخصيتك ومعتقداتك وأفكارك؟ بالطبع لا، إذًا لا يوجد اختلاف في الخواص الكيميائية بين نظيري الكلور، وإنما في الكتلة والنشاط الاشعاعي. بتطور العلم استطاع البشر تصنيع ما يزيد عن 4000 نكليد من أصل 118 عنصر! [4]

للنكليدات استخدامات مختلفة في الطب والبحث العلمي والتحليل الكيميائي، وغيرها. وقصارى القول، إن فهم الجدول الدوري واتساقه وتطوره، يمنحنا فكرة متواضعة عن مدى تطور فهم البشرية للكيمياء بمرور الوقت. ويبقى السؤال المُحير، هل للجدول الدوري نهاية؟ أم أنه مترامي الأطراف بانتظار زيادة علمنا فيزداد اتساعًا؟!

المصادر

1. Periodic Table & Transuranium Elements Lesson Plan (acs.org)

2. The continuation of the periodic table up to Z = 172. The chemistry of superheavy elements | SpringerLink

3. Periodic table of elements revisited for accommodating elements of future years on JSTOR

4. Karlsruhe Nuclide Chart – New 10th edition 2018 | EPJ N (epj-n.org)

لماذا لم يفز ديمتري مندليف بجائزة نوبل؟

وفّر علينا ديمتري مندليف وجدوله الدوري أطنانًا من الجهد والعناء. وسهّل علينا الحياة، وساعد في تقدم الكيمياء -وغيرها من المجالات الأخرى- بشكل غير مسبوق. هذا النَظم الكيميائي الذي يعود لعالمٍ لم ينصفه التاريخ بالشكل الكافي، حان الوقت لمحاولة إنصافه.

ضيفنا اليوم في سلسلة العلماء الذين لا نعرف كيف لم يحصلوا على جائزة نوبل هو ديمتري مندليف. الكيميائي والمعلم الروسي الذي اكتَشف نظامًا للعناصر الكيميائية، وصنفها بطريقة تسهِّل علينا دراستها ومعرفة خصائصها، والذي لم يَنل جائزة نوبل رغم جهده العظيم.

حياته المبكرة

في الثامن من فبراير من عام 1834، وفي بلدة توبولسك الواقعة بمقاطعة سيبيريا في روسيا، شهد العالم مولد ديمتري إيفانوفيتش ميندليف. امتازت عائلته بالعزوة والعدد الكبير، ويعتقَد أنه امتلك 16 أخاً وأختاً. والده، والذي كان معلمًا بسان بطرسبرج، أصيبَ بالعمى بعد ولادة ابنه الأخير. ما اضطر الأم إلى التكفل بمصاريف الأسرة. ولم يكن ذلك مستعصيًا عليها؛ فالأم ماريا كورنيليفا كانت مديرة لأحد مصانع الزجاج، وكان دخلها كبيرًا.

وفي عام 1847 مات الأب. وبعدها بعام واحد فقط، احترق مصنع الزجاج، مما اضطر العائلة إلى الانتقال للعاصمة سان بطرسبرج. كان الأب أثناء حياته قد تخرج في المعهد التربوي بالعاصمة، وكان متفوقًا وذي سمعة طيبة، ولهذا عمل كمدرس هناك. وبعد وفاته، استطاع ديمتري مندليف أن يلتحق بنفس المعهد الذي درس فيه أبوه؛ لأن مدير المعهد كان يعرفه. وبالمناسبة، كان ديمتري يبلغ من العمر وقتها 16 عامًا.

على مشارف العشرين، نشر مندليف ورقته العلمية الأولى، وكان عادًة ما يعمل على سريره. وعلى الرغم من أنه كان صعب المراس، ومعلميه وزملاءه يشهدون بذلك، إلا أنه استطاع أن يتخرج متفوقًا على الجميع. وحصل على المركز الأول متفوقًا على أقرانه.

أصبح مندليف معلمًا في سنه ال21 في عام 1855، ولكنه لم ير أن التدريس كاف لإشباع رغباته العلمية وطموحه العالي, فأراد صاحبنا أن يحصل على درجة الماجستير في الكيمياء، وهذا ما أعاده مسرعًا إلى العاصمة ليدرس الماجستير هناك. ومن جامعة سان بطرسبرج، حصل ديمتري مندليف على درجة الماجستير في الكيمياء عام 1856. [1]

شغفٌ منقطع النظير بعلم الكيمياء

أصبح مندليف معلمًا وأكاديمياً حاصلاً على درجة الماجستير في الكيمياء. وجمع بين السلك التعليمي والأكاديمي في الوقت ذاته حتى فاز بمنحة إلى غرب أوروبا ليستكمل دراساته وأبحاثه في مجال الكيمياء.

قضى مندليف جلَّ عامي 1859 و1860 في مدينة هايدلبرغ بألمانيا. وهناك عمل مع روبرت بنزن Robert Bunsen في جامعة هايدلبرغ. وقتها، اكتشف بنزن بمساعدة زميله جوستاف كيرتشوف عنصر السيزيم باستخدام تقنية منظار الطيف أو الـ Spectroscopy. وتلك هي التقنية التي جمعت ميندليف ببنزن.

وفي عام 1860، حضر ميندليف مؤتمرًا سيغير نظرته تمامًا ويشكل فارقًا في حياته. كان هذا المؤتمر هو المؤتمر الدولي الأول من نوعه للكيمياء، وأقيم في مدينة كارلسروه الألمانية. وكان الهدف من المؤتمر هو تعميم الكيمياء وتوحيدها Standardize على مستوى العالم أجمع. وقتها سمع مندليف عن نص قانون أفوجادرو، وازداد شغفه وحبه للكيمياء.

عاد ديمتري مندليف إلى سان بطرسبرج وإلى التدريس مرة أخرى في عام 1861. وكان شغفه بالكيمياء واضحًا. وتأثر مندليف بتقدم الألمان في مجال الكيمياء وخاف أن يسبقوا دولته روسيا، فرأى ضرورة تأليف كتابٍ شامل عن الكيمياء باللغة الروسية. وصدق أو لا تصدق؛ في 61 يوماً فقط، استطاع العالم الشغوف ذو الـ 27 عامًا أن ينجز كتاب “الكيمياء العضوية” في 500 صفحة!

فاز الكتاب بجائزة دوميدوف Domidov Prize، وارتبط اسم مندليف ارتباطًا وثيقًا بالكيمياء في روسيا. لكن لم يكتف مندليف بهذا الحد، وإنما ألّف كتابًا ثانيًا تحت اسم مبادئ الكيمياء أو The Principles of Chemistry في عام 1869. وكان يبلغ حينها من العمر 35 سنة فقط! واشتهر الكتاب في روسيا، بل وفي العالم أجمع، وترجِم إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية. [2]

الجدول الدوري للعالم ديميتري مندليف

في عام 1869، شرع مندليف بكتابة الجزء الثاني من كتاب “مبادئ الكيمياء”. ووقتها، كتب أسماء وخصائص 65 عنصرًا كيميائيًا على بطاقات شبيهة ببطاقات اللعب. ولعل أهم الخصائص التي كتبها كان الوزن الذري للعناصر، والذي رأى مندليف أنه كان مهمًا للغاية لمعرفة العلاقة بين العناصر الكيميائية المختلفة. وظل مندليف يقلِّب البطاقات يمينًا ويسارًا علّه يصل إلى اكتشاف ما، ولكنه سرعان ما غلبه النوم. [3]

وعلى غرار اكتشافات عظيمة لم تكن لتخرج للنور لولا العقل اللاواعي، توصل عقل مندليف اللاواعي للنمط الصحيح الذي يجب أن يرتب البطاقات وفقًا له لكي يصل إلى العلاقة بينها.

“في الحلم، رأيت جدولًا ترتَّب فيه العناصر بالنمط المناسب. وعندما استيقظت، دوّنت ما رأيته في الحلم على ورقة”.

ديميتري مندليف

لم يحتج مندليف سوى لأسبوعين فقط لكي ينشر العلاقة بين الخصائص والأوزان الذرية للعناصر الكيميائية. ووقتها، ظهر ما سيغير علم الكيمياء إلى الأبد، ظهر الجدول الدوري للعناصر الكيميائية.

ديمتري مندليف لم يفز بجائزة نوبل، ولكنه فاز بأكثر من ذلك بكثير

بسبب اكتشافه للجدول الدوري، تم ترشيح ديمتري مندليف إلى جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1905 و1906. لكن لسوء الحظ ولاعتقاد لجنة التحكيم بأن اكتشافه للجدول الدوري كان شيئًا من الماضي، ذهبت الجائزة إلى مكتشف عنصر الفلور، ألا وهو هنري مواسون. وبالمناسبة، توقع الجدول الدوري مكان عنصر الفلور به بدقة شديدة. [3]

وبعد ترشحه لمرتين آخرهما في 1906، مات مندليف في العام اللاحق، ومات معه حلم فوز الجدول الدوري بجائزة نوبل. ومع هذا، فاز الجدول بشرف أكبر وأصبح موجودًا على أغلفة ملايين الكتب حول العالم. وأصبح ذكر الجدول الدوري وذكر مكتشفه ديمتري مندليف مخلدًا حتى يومنا هذا.

جدول مندليف الدوري وعناصره بالأخضر الصافي

المصادر:

  1. Biography
  2. Famous Scientists
  3. National Geographic
Exit mobile version