ما هي الكيمياء الضوئية وكيف تعمل وما تطبيقاتها؟

لطالما كانت دراسة الضوء وتأثيراته محط اهتمام العلماء، لا سيما الفيزيائيين والكيميائيين منهم. إذ أنّ دخول الضوء في الكيمياء في جملة التفاعل يقود لنواتج مغايرة عن تلك التي تنتج -بغيابه- في التفاعلات الكلاسيكية! فما هي الكيمياء الضوئية؟ وما دورها في الصناعات الكيميائية؟

مفهوم الكيمياء الضوئية

تعنى “الكيمياء الضوئية- Photochemistry” بدراسة التفاعلات التي تكون بين المادة والفوتونات في المجال فوق البنفسجي والمرئي UV- VIS. هذا المجال هو الذي يتم عنده الانتقال الإلكتروني في ذرات المادة، وهو بيت سر حدوث التفاعل الكيميائي الضوئي (الفوتوكيميائي) بفعل الضوء.

نشأة الكيمياء الضوئية

كانت نظرة العلماء لتأثير الضوء على المادة قاصرة -لفترة طويلة من الزمن- على ظواهر الامتصاص والانعكاس والنفاذية. إلا أن قام جوزيف بريستلي برصد وملاحظة أول تفاعل فوتوكيميائي في القرن الثامن عشر. عندما سَلّطَ ضوء الشمس على عينة من معدن الزئبق في وعاء مغلق عبر عدسة تقوم بتركيز أشعة الضوء باتجاه واحد. حينها، بدأ يتحول الزئبق للّون الأحمر مع ازدياد في وزنه الجزيئي، مرافقًا لنقصان في حجم الهواء في الوعاء المغلق.

تشير المُشاهدات السابقة إلى تشكل أكسيد الزئبق HgO أحمر اللون جرّاء تفاعل الزئبق مع أكسجين الوعاء بتنشيط من الضوء الداخل في التفاعل. ومن اللافت في الأمر، أن التفاعل آنف الذكر هو نفسه الذي استخدمه لافوازييه عند اكتشافه لقانونه (قانون مصونية الكتلة). مع التنويه بإستخدامه للحرارة كمصدر للطاقة عوضًا عن الضوء، وهنا يكمن الاختلاف في جوهر التجربتين المتماثلتين ظاهريًا [1].

مقارنة بين التفاعلات الضوئية والحرارية أو المُعتمة (الكلاسيكية)

في التفاعلات الكلاسيكية، وعند إمداد التفاعل بالحرارة فإن الجملة من متفاعلات ومنتجات ووسط تتأثر بها. ليسير التفاعل باتجاه الحصول على نواتج ثانوية غير المرغوب بها أكثر الأوقات. أمّا التفاعلات الفوتوكيميائية انتقائية، أي تأثيرها يتمحور حول المتفاعل فقط، لتنتج المركب المطلوب وعند درجات حرارة منخفضة.

كما أسلفنا الذكر، بيت سر التفاعل الفوتوكيميائي هو الانتقال الإلكتروني من مستويات طاقة دُنيا إلى مستويات طاقة عليا. المثير للإهتمام؛ بأن هذا الفعل ليس محصورًا في حقل التفاعلات بل يتعداه إلى حقل التماكبات. بمعنى، يمكن للضوء مضبوط الطول الموجي أن يغير الشكل الفراغي للمركب الكيميائي. وهو أمر غاية في الأهمية عند حديثنا عن الاصطناع العضوي، وبالتحديد الصناعات الدوائية والغذائية.

ثرموديناميكًا، من المعلوم بأن التفاعلات الكلاسيكية حدوثها مشروط بقيمة طاقة غيبس السالبة ΔG<0. ومن جهةٍ أخرى، حدوث التفاعلات الضوئية غير مَنوط بالقيمة السالبة لطاقة غيبس. على سبيل المثال لا الحصر، تفاعل عملية التركيب الضوئي يتم بشكل تلقائي وله قيمة ΔG= +500Kj/mol  [2].

الكيمياء الضوئية في الاصطناع العضوي

لا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين الكيمياء والاقتصاد؛ فالمركبات المُصطَنعة سعرها متفاوت من الرخيص إلى باهظ الثمن. ولعل واحدة من أسباب قوة ألمانيا الاقتصادية عائدةً إلى ريادتها في الصناعة الكيميائية. ومن هذا المنطلق، وجب البحث عن أجدى وأسهل طرق الاصطناع الكيميائي التي تضمن انعكاسًا إيجابيًا على الاقتصاد عمومًا. واحدة من هذه الطرق هي إقحام الضوء في التفاعلات. إذ أنّ التفاعلات الضوئية -وعلى خلاف الكلاسيكية- تحدث ولو بحضور آثار من المتفاعلات! إضافةً لمردودها العالي [3].

من زاوية أخرى، أضحت الكيمياء الضوئية ملبيةً لنداءات حماية البيئة المتوالية، فهي- طريقة خضراء- صديقةٌ للبيئة ولا ضير من تلك التفاعلات عليها [3]. كل الميزات المذكورة تحول بينها وبين الاستفادة من طاقتها الكبيرة لعمل المنبع الضوئي. وفي محاولة لتلافي هذا العائق -وعلى طريقة جوزيف بريستلي- سخّرَ العلماء الشمس كمنبع ضوئي للقيام ببعض التفاعلات الضوئية [4]. في ألمانيا على سبيل المثال يتم العمل بتفاعلين من خلال مفاعلات ضوئية شمسية خاصة، تحوي العدسات اللازمة لتوجيه الضوء هندسيًا وفيزيائيًا وهما: [4]

1. الأسيلة الضوئية للنفتوكينون

تعد طائفة الكينونات، أي المركبات التي تحوي في صيغتها الكيميائية على مركب الكينون، مركبات ممتازة للتفاعلات الضوئية الشمسية. وذلك يعود لامتصاصها الفوتونات ذات الطول الموجي الزائد عن 350nm.

والمقصود بتفاعل الأسيلة: إدخال مجموعة الأسيل الكيميائية على حلقة البنزين. ويتم التفاعل عادةً، بوجود “المشتقات الهالوجينية للحموض الكربوكسيلية “R-CO-Cl-” و مركب “كلوريد الألمنيوم- AlCL3” لتسريع التفاعل، في التفاعلات الكلاسيكية (تفاعل فريدل- كرافت) [5]. لكن في الأسيلة الضوئية، يختلف التفاعل كليًا، إذ يُستعاض عن “المشتقات الهالوجينية للحموض الكربوكسيلية  “R-CO-Cl-“بالألدهيدات- R-CHO”.

علاوةً على حذف مركب كلوريد الألمنيوم، لأن التفاعلات الضوئية سريعة في الغالب الأعمّ، مما يعني اقتصادية وتوفير في تكلفة المادة. وزيادةً في البيان، تراوح مردود التفاعل السابق إلى [90-84] % نظرًا لتفاوت شدة أشعة الشمس خلال أيام العام [6].

2. الأكسدة الضوئية للسيترونيلول

هو تفاعل متعدد المراحل، ينتهي بمركب يستخدم كعطر يشبه رائحة الورد. المرحلة الأساسية فيه تقتضي إدخال زمرة الهيدروكسيل إلى المتفاعل بفعل الأكسدة بأكسجين الهواء. يحدث ذلك باستخدام محسس ضوئي -يشبه الحفاز في التفاعلات الكلاسيكية- يثير إلكترونات جزيء الأكسجين ليجعله مهيئًا كمؤكسد [7].

حريٌ بنا الإشادة بأهمية فيزياء الضوء الممهدة لمعرفة تطبيقات جديدة للكيمياء الضوئية، سواءً في الصناعة والاقتصاد أو حماية البيئة.

المصادر

(1)chemistry
(2)books.google.com 
(3)degruyter
(4)researchgate
(5)degruyter
(6)degruyter

ما هو الجدول الدوري وما أبرز معالمه؟

يعد الجدول الدوري بالدرجة الأولى واحدًا من رموز العلم؛ فلم يتوقع ديمتري مندلييف أن ملاحظته لتشابه عدة عناصر كيميائية في الخواص وتدرجها بالوزن الذري ومحاولته تفنيدها وفقًا لذلك في مجموعات أنه سيبدأ بعملٍ خالدٍ ومرجعيٍ يعود له الباحثين والعلماء في الكيمياء.

من المعروف بأن من هو على اطلاع بالفن له نظرة خاصة ونوعية للّوحات الفنية لا يملكها العوام. فالفنان لا يرى لوحة الموناليزا مثلًا كامرأة متهكمة بملامح باردة، بل يثّمنها لأنه عليم ملمٌ بمواطن الإبداع والعبقرية فيها.

كذلك الأمر عند حديثنا عن الجدول الدوري، فهو لوحة فنية بعيون الكيميائي، نجمت عن جهود متراكمة لعدد من العلماء على مدار أعوامٍ من العمل الدؤوب المتواصل. إذًا، كيف تم ترتيب هذه العناصر؟ وعلى أي أساس؟ وهل اكتشفنا جميع العناصر وحصرنا عددها أم لم ننتهي بعد؟

لمحة عامة عن الجدول الدوري

اكتسب الجدول الذي يجمع العناصر الكيميائية لفظة “الدوري” للدلالة على ترتيب العناصر فيه بشكل متسلسل متدرج بالحجم -بازدياد نصف القطر الذري– في الدور الواحد (السطر الأفقي)، مع ترتيب العناصر في أعمدة (سطور رأسية) بناءً على العدد الذري، والتوزيع الالكتروني والخواص الكيميائية. سمح ذلك للباحثين بالتنبؤ بخواص عناصر لم تُكتشف أو تُدرس بعد بحسب موقعه المُمَهد له في الجدول الدوري!

يضم الجدول الدوري 7 أدوار (سطور) و18 فصيلة (عمود)، ويسوده المعادن ثم أشباه المعادن واللامعادن. وبالنظر للتوزيع الإلكتروني في الطبقة السطحية، يعبر العمودين الأوليين في جهة اليسار عن المعادن القلوية عن “القَطَّاع s”، أما الأعمدة الستة في جهة اليمين تعبر عن “القَطَّاعp “. والعناصر التي في أوسط الجدول “القَطَّاعd “، وأخيرًا، العناصر التي في أسفل الجدول ومنفصلةٍ عنه “القَطَّاعf”.

مراحل تطور الجدول الدوري تاريخيًا

قام مندلييف بوضع نموذج أولي بسيط للجدول الدوري في ستينات القرن التاسع عشر، ليعرض ابتكاره على الجمعية الكيميائية الروسية عام 1869 لتعتمده الأخيرة وتنشره.

عصر المفاعلات النووية

بحلول عام 1940 تم اكتشاف 92 عنصرًا في الطبيعة انتهت بأثقلها “U – اليورانيوم “. إلا أن شغف العلماء والباحثين قادهم إلى تصنيع 26 عنصرًا جديدًا في المفاعلات النووية عبر ما يعرف بتفاعلات الاندماج النووي (دمج نواتي ذرتين لخلق ذرة جديدة). ولمّا كانت النواتين الداخلتين في التفاعل النووي موجبتي الشحنة، وجب تطبيق قوة تفوق التنافر الكهربي الساكن بين الشحنتين المتماثلتين. وقوة التنافر تلك تزيد عن قوة انفجار الديناميت TNT بملايين المرات، لذلك عملية التخليق أو التصنيع النووي ليست ببساطة عملية تصنيع مركب كيمائي [1].

تمت دراسة بعض هذه العناصر كيميائيًا وإضافتها جميعًا للجدول الدوري، ودعيت لاحقًا “بعناصر ما بعد اليورانيوم” لأنها تَلي عنصر اليورانيوم في الجدول الدوري. وفي نفس العام، تم تصنيع العنصر (93) “Np – النبتونيوم” والعنصر (94) “Pu – البلوتونيوم” ثم تصنيع كل من “Am – الأمريكيوم” (95) و”Cm – الكوريوم” (96) عام 1944 [1].

غلين سيبورج ومساهماته في الجدول الدوري

اعتقد العلماء بإمكانية وضع العناصر الجديدة في أوسط الجدول الدوري، إلا أنه كان ل «غلين سيبورج» رأيٌ مختلف. إذ تنبأ غلين وفقًا للتوزيع الإلكتروني للعناصر الجديدة بخواص جديدة ومتفردة ، بناءً عليه، اقترح نموذجًا للجدول الدوري تكون فيه تلك العناصر بدورين (سطرين) أسفل الجدول الدوري. ووضع غلين العناصر الجديدة بمعزلٍ لتحري التبسيط في العرض وهما اللانثانيدات والأكتيندات على الترتيب، وهو ما تم تأكيده بمرور الوقت والعمل به. ليستحق غلين بذلك جائزة نوبل في الكيمياء عام 1951 مناصفّةً مع ماكميلان؛ فضلًا عن جهودهما الرائدة في تصنيع 9 عناصر ما بعد اليورانيوم. ولعل تشريف اسم غلين سيبورج في عنصر “Sg – السيبورجيوم” يرقى عن الذي تكتنفه جائزة نوبل [1].  ليتوالى بعدها تخليق عناصر جديدة منتهيةً بآخر عنصر “Og – الأوغانيسون” عام 2016 ذو العدد الذري (118).

ومنذ ذلك الوقت عكف العلماء والباحثين على تخليق عناصر جديدة ذات العدد الذري (119) و(120)، إلا أنه ولسوء حظوظهم، لم تتكلل جهودهم بالتوفيق إلى يومنا هذا. معتبرين بأن النتائج المنشودة تتطلب فهمًا أكبر للتفاعلات النووية وفيزيائها. كما أنها فرصة مناسبة لنَذكر بأن عالمنا سيبورج نفسه تنبأ عام 1969 باتساع الجدول الدوري في المستقبل ليحتوي على (172) عنصر مما يتوجب إضافة دور (سطر) ثامن له، مع ضرورة وضع العناصر ذات العدد الذري التي تساوي (120) وتزيد عنه في قَطّاع جديد ” القَطَّاع g ” نظرًا لاختلاف التوزيع الإلكتروني في طبقتها السطحية، ومنه اختلاف في الخواص الكيميائية [2]. كما تم اقتراح نموذجين جديدين للجدول يتلاءما مع هذا التحديث [3].

عصر النكليدات Nuclides

تُعرف النكليدات بأنها مفهوم محيط ولفظ عام للنظائر، والنظائر هي عناصر لها نفس العدد الذري ولكن باختلاف العدد الكتلي. فمثلًا لذرة الكلور نظيرين في الطبيعة لهما الكتلتين 37 و35. للإيضاح، تخيل عزيزي القارئ لو أنه زاد وزنك مؤخرًا، فهل ستتغير شخصيتك ومعتقداتك وأفكارك؟ بالطبع لا، إذًا لا يوجد اختلاف في الخواص الكيميائية بين نظيري الكلور، وإنما في الكتلة والنشاط الاشعاعي. بتطور العلم استطاع البشر تصنيع ما يزيد عن 4000 نكليد من أصل 118 عنصر! [4]

للنكليدات استخدامات مختلفة في الطب والبحث العلمي والتحليل الكيميائي، وغيرها. وقصارى القول، إن فهم الجدول الدوري واتساقه وتطوره، يمنحنا فكرة متواضعة عن مدى تطور فهم البشرية للكيمياء بمرور الوقت. ويبقى السؤال المُحير، هل للجدول الدوري نهاية؟ أم أنه مترامي الأطراف بانتظار زيادة علمنا فيزداد اتساعًا؟!

المصادر

1. Periodic Table & Transuranium Elements Lesson Plan (acs.org)

2. The continuation of the periodic table up to Z = 172. The chemistry of superheavy elements | SpringerLink

3. Periodic table of elements revisited for accommodating elements of future years on JSTOR

4. Karlsruhe Nuclide Chart – New 10th edition 2018 | EPJ N (epj-n.org)

ما هي كيمياء السطوح وما أهم تطبيقاتها؟

إن كيمياء السطوح المعروفة باسم “Surface Chemistry” ذات أثر بالغ في حياتنا اليومية. فهي تدرس الحوادث والظواهر التي تحدث عند السطح الفاصل بين طورين مختلفين؛ فما هي أبرز تلك الحوادث؟ وكيف تمكن العلماء من تكريسها في تطبيقات صناعية وطبية وهندسية تنعكس إيجابًا على حياة البشر وتسهلها بشكل ملحوظ؟

الامتزاز والامتصاص

بادئ ذي بدء، علينا التحدث عن العمود الفقري للظواهر السطحية، ألا وهو “الامتزاز-Adsorption”. فلا تخلو أي عملية كيميائية منه تقريبًا. إنّ أول من أطلق لفظ الامتزاز هو الفيزيائي الألماني “هنريش كايزر” عام 1881. ويعرَّف الامتزاز بتموضع مادة على سطح مادة أخرى، فمثلًا تتموضع الأجسام الصلبة على سطحها، أي تمتز عليها، جزيئات الغاز في الجو دون أن تدخل جزيئات الغاز في بنية الأجسام الصلبة. أما عندما تتغلغل وتدخل جزيئات مادة في أخرى نطلق على هذه الظاهرة اسم الامتصاص؛ كما يحصل حال تبلل قطعة الإسفنج بالماء.

تطبيقات كيمياء السطوح الصناعية

تلعب بعض المركبات الصلبة دور حفّاز (وسيط)، يسرع من حدوث تفاعل يجري بدونها أساسًا ولكن ببطء. إذا كانت المتفاعلات في الطور الغازي أو السائل، نصبح أمام تفاعل يحوي عدة أطوار (حالات فيزيائية)، لذلك نطلق عليها لفظ (حفّازات غير متجانسة). ويتمثل مبدأ العملية بامتزاز المتفاعلات على سطح الحفاز ليسير التفاعل بحركية عالية. استخدمت الحفّازات في صناعة مركبات كيميائية بكميات ضخمة في أوائل القرن 19. لتلك المركبات وعلى بساطتها دورًا جليًّا في تقدم أي صناعة كانت مثل: “حمض الكبريت-H2SO4″، و”حمض النتريك-HNO3″، و”غاز الأمونياك-NH3 ” .

وبعد نجاح تلك العمليات، أخذت تتضمن الصناعة الكيميائية التفاعلات الحفزية بمنحىً أكثر تعقيدًا؛ كإنتاج «الميثانول-CH3OH» من غازيّ «أُحادي أكسيد الكربون-CO»، و«الهيدروجين-H2»، وأكسدة «الايثلين-C2H4» للحصول على «أوكسيد الايثلين-C2H4O» الذي يصَنَّع منه «الايثلين غليكول-C2H6O2» )مانع تجمد الماء اللازم لتبريد محركات للسيارات). كما استخدمت في حذف الهيدروجين من كل من «البيوتان-«C4H10  لإنتاج «البيوتادايين-C4H6» الذي يدخل في صناعة المطاط، و«البروبان-C3H8» و«الإيثان-C2H6» لصناعة البلاستك PP وPE على الترتيب[1].

في أوائل القرن الماضي، دخلت الحفازات ميدان النفط لتثبت جدارتها في تسريع وتيرة التطور الاقتصادي. ففي النفط مشتقات لا تصلح لاستخدامها كوقود أو للصناعات البتروكيميائية. فيُعمَد إلى إدخالها في تفاعلات برعاية حفازات سيراميكية “zeolite”؛ وهي التكسير الحفزي (والتكسير الحفزي هو تصغير لعدد ذرات الكربون في المشتق النفطي لتصبح صالحة للاستخدام في الوقود أو الصناعات البتروكيميائية) متحولةً لمركبات أخفّ صالحة للتطبيقين آنفيّ الذكر [1].

 يتمحور اليوم دور الحفازات صناعيًا حول إعطاء نواتج بشكل انتقائي، وذلك بمفردها دونًا عن غيرها من نواتج ثانوية. حيث تعتبر النواتج الثانوية -أحيانًا- مُضرّة للبيئة، أو ليس لها جدوى، حيث تصرف الطاقة والوقت في صناعتها دون طائل. فمثلًا، أضحت عملية تصنيع أوكسيد البروبلين الذي يعَد المادة الخام لإنتاج البولي يوريثان (الإسفنج الصناعي)، اليوم تتم بمفاعلة البروبلين مع «بيروكسيد الهيدروجين-«H2O2 بواسطة حفّاز من «سيلكات التيتانيوم-Ti-silicate»، بعد أن كان حدوث التفاعل يتم باستخدام غاز الكلور السام، أو بمرافقة منتجات ثانوية كالستايرين [2].

التطبيقات الهندسية لكيمياء السطوح

1- مضادات للتآكل

في العديد من التطبيقات العملية تؤدي تفاعلية بعض الأسطح تجاه بيئتها مثل درجة الحرارة، وسائل أكّال، والغاز، والإشعاع إلى تآكل كيميائي أو اهتراء ميكانيكي بفعل الاحتكاك. ويقود التآكل أو الاهتراء إلى ضياع في المادة والطاقة، وهو أمر غير مرغوب بالتأكيد [10]. وعليه نلجأ لطلاء السطح بمادة مُبطئة للتآكل؛ قد تكون أوكسيدًا معدنيًا مثل أوكسيد الكروم المطلي على سطح الستانلس ستيل، أو بوليمر خامل مثل التيفلون أو التيفال المطلي على المقلاة. ويتجلى دور هذه المواد في تثبيط حركية تفاعل التآكل [11] [12] [13].

لكن من منظور آخر، قد تُمثل تلك المواد مصدر قلق في حال خَدشها؛ إذا وضعت في بيئة غير ملائمة، كما حدث مع تلسكوب هابل الفضائي المطلي بالتيفال الألوميني. فقد تدهورت بنية التليسكوب عند تعرضه للإشعاع فوق البنفسجي وتشكل الجذور الحُرة لـ 19 عامًا [13].

2- المُزلقات

المزلقات هي مواد توضع بين سطحين صلبين يكونا في حالة حركة مستمرة. وتساعد المُزلقات على تقليل الاحتكاك والاهتراء عند السطوح البينية [14]. وتحوي زيوت التزليق على هيدروكربونات يتراوح عددها من 14 إلى أكثر من 40 ذرة كربون، وهي ذات طبيعة (أروماتية- نفتينية- أليفاتية) [15]. كما تحتوي بعض الإضافات لتعزيز أداء الزيت تحت الإجهاد الشديد للآلات التي منها (العربات، ومحركات الاحتراق الداخلي؛ والتوربينات، والضواغط والأنظمة الهيدروليكية).

لا تقتصر المُزلقات على السوائل، بل يمكن أن تكون صلبة ذات بنية مؤلفة من طبقات تنزلق تحت الضغط لتؤدي الغرض المطلوب مثل؛ الغرافيت، و«ثنائي كبريتيد التنغستين-WS2» [15].

 تستخدم المُزلقات الصلبة في توربينات الغاز ذات الحرارة العالية. كما تستخدم أيضًا في تطبيقات الفضاء الخارجي لأن نظيراتها السائلة غير ثابتة، فتتبخر عند شروط كهذه. ومن التطبيقات الهامة للمُزلقات تغطية القرص الصلب (CD-DVD) »بطبقة رقيقة جدًا- «Film لحمايته من الخدوش والتَلف عند استعماله [16].

التطبيقات الطبية لكيمياء السطوح

في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ومع تطور المواد الحيوية مثل الغرسات الطبية؛ كالعدسات داخل العين، واستبدال مِفصل الورك، وأجهزة التماس مع الدم، بدأ الباحثون باستكشاف التفاعلات التي تحدث على السطوح. وبناءً على العديد من المشاهدات التجريبية، لاحظوا علاقتها بخواص السطح نَفسه [3].

على سبيل المثال: عندما تدخل مادة غريبة داخل الجسم وتصبح على تماس مع الدم، سيمتز عليها مباشرةً عدة بروتينات بشكل انتقائي، مشَكِّلةً المرحلة الأولية. تليها لاحقًا التصاق الصفائح الدموية لتلعب الدور الرئيس في تجلّط الدم. وقد تم تطوير العديد من الاستراتيجيات لتعديل السطح منعًا للتجلّط [4] [5] [6].

مثالٌ آخر: تتمثّل فكرة عمل جهاز استشعار الجلوكوز المُستخدم من قِبل مرضى السكري لمراقبة مستوى السكر في الدم بمواجهة الجلوكوز بطبقة من أنزيم جلوكوز أوكسيداز على «قطب -Electrode» أوكسجين. فيحفِّز الأوكسجين بشكل انتقائي أكسدة الجلوكوز في الدم معطيًا مركب بيروكسيد الهيدروجين [7]. ويتناسب تركيز بيروكسيد الهيدروجين طرديًا مع الجلوكوز. ويتم الكشف عنه إما إلكتروكيميائيًا أو عبر مُحول بصري. إلكتروكيميائيًا أي يتفاعل بيروكسيد الهيدروجين على قطب كهربائي معطيًا شحنات كهربائية. كلما زاد عدد الشحنات، زاد تركيز المركب [8]. اما مُحول بصري، ففيها يتفاعل بيروكسد الهيدروجين مع مركب على شريط ليظهر اللون الأزرق؛ وتزداد شدة اللون بزيادة تركيز بيروكسد الهيدروجين [9].

ونافلة القول وفق ما تم ذِكره، بات علم السطوح من العلوم الواعدة بما تحمل من تقدم مستمر وتطبيقات واسعة لا شُطآن لها. وما زال العلماء عاكفين على المضي في هذا المضمار. فلا نعرف ما الذي سيحمله المستقبل في هذا المجال بعد.

المصادر:

1- Researchgate
2- NCBI
3- Sciencedirect
4- Pubmed
5 – Sciencedirect
6- Pubmed
7- NCBI
8- NCBI
9- ACS Publications
10- Springerlink
11- Springerlink
12- Scirp.org
13-jstor.org
14- NCBI
15- Academia
16- Sciencedirect

Exit mobile version