Ad

لطالما كانت دراسة الضوء وتأثيراته محط اهتمام العلماء، لا سيما الفيزيائيين والكيميائيين منهم. إذ أنّ دخول الضوء في الكيمياء في جملة التفاعل يقود لنواتج مغايرة عن تلك التي تنتج -بغيابه- في التفاعلات الكلاسيكية! فما هي الكيمياء الضوئية؟ وما دورها في الصناعات الكيميائية؟

مفهوم الكيمياء الضوئية

تعنى “الكيمياء الضوئية- Photochemistry” بدراسة التفاعلات التي تكون بين المادة والفوتونات في المجال فوق البنفسجي والمرئي UV- VIS. هذا المجال هو الذي يتم عنده الانتقال الإلكتروني في ذرات المادة، وهو بيت سر حدوث التفاعل الكيميائي الضوئي (الفوتوكيميائي) بفعل الضوء.

نشأة الكيمياء الضوئية

كانت نظرة العلماء لتأثير الضوء على المادة قاصرة -لفترة طويلة من الزمن- على ظواهر الامتصاص والانعكاس والنفاذية. إلا أن قام جوزيف بريستلي برصد وملاحظة أول تفاعل فوتوكيميائي في القرن الثامن عشر. عندما سَلّطَ ضوء الشمس على عينة من معدن الزئبق في وعاء مغلق عبر عدسة تقوم بتركيز أشعة الضوء باتجاه واحد. حينها، بدأ يتحول الزئبق للّون الأحمر مع ازدياد في وزنه الجزيئي، مرافقًا لنقصان في حجم الهواء في الوعاء المغلق.

تشير المُشاهدات السابقة إلى تشكل أكسيد الزئبق HgO أحمر اللون جرّاء تفاعل الزئبق مع أكسجين الوعاء بتنشيط من الضوء الداخل في التفاعل. ومن اللافت في الأمر، أن التفاعل آنف الذكر هو نفسه الذي استخدمه لافوازييه عند اكتشافه لقانونه (قانون مصونية الكتلة). مع التنويه بإستخدامه للحرارة كمصدر للطاقة عوضًا عن الضوء، وهنا يكمن الاختلاف في جوهر التجربتين المتماثلتين ظاهريًا [1].

مقارنة بين التفاعلات الضوئية والحرارية أو المُعتمة (الكلاسيكية)

في التفاعلات الكلاسيكية، وعند إمداد التفاعل بالحرارة فإن الجملة من متفاعلات ومنتجات ووسط تتأثر بها. ليسير التفاعل باتجاه الحصول على نواتج ثانوية غير المرغوب بها أكثر الأوقات. أمّا التفاعلات الفوتوكيميائية انتقائية، أي تأثيرها يتمحور حول المتفاعل فقط، لتنتج المركب المطلوب وعند درجات حرارة منخفضة.

كما أسلفنا الذكر، بيت سر التفاعل الفوتوكيميائي هو الانتقال الإلكتروني من مستويات طاقة دُنيا إلى مستويات طاقة عليا. المثير للإهتمام؛ بأن هذا الفعل ليس محصورًا في حقل التفاعلات بل يتعداه إلى حقل التماكبات. بمعنى، يمكن للضوء مضبوط الطول الموجي أن يغير الشكل الفراغي للمركب الكيميائي. وهو أمر غاية في الأهمية عند حديثنا عن الاصطناع العضوي، وبالتحديد الصناعات الدوائية والغذائية.

ثرموديناميكًا، من المعلوم بأن التفاعلات الكلاسيكية حدوثها مشروط بقيمة طاقة غيبس السالبة ΔG<0. ومن جهةٍ أخرى، حدوث التفاعلات الضوئية غير مَنوط بالقيمة السالبة لطاقة غيبس. على سبيل المثال لا الحصر، تفاعل عملية التركيب الضوئي يتم بشكل تلقائي وله قيمة ΔG= +500Kj/mol  [2].

الكيمياء الضوئية في الاصطناع العضوي

لا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين الكيمياء والاقتصاد؛ فالمركبات المُصطَنعة سعرها متفاوت من الرخيص إلى باهظ الثمن. ولعل واحدة من أسباب قوة ألمانيا الاقتصادية عائدةً إلى ريادتها في الصناعة الكيميائية. ومن هذا المنطلق، وجب البحث عن أجدى وأسهل طرق الاصطناع الكيميائي التي تضمن انعكاسًا إيجابيًا على الاقتصاد عمومًا. واحدة من هذه الطرق هي إقحام الضوء في التفاعلات. إذ أنّ التفاعلات الضوئية -وعلى خلاف الكلاسيكية- تحدث ولو بحضور آثار من المتفاعلات! إضافةً لمردودها العالي [3].

من زاوية أخرى، أضحت الكيمياء الضوئية ملبيةً لنداءات حماية البيئة المتوالية، فهي- طريقة خضراء- صديقةٌ للبيئة ولا ضير من تلك التفاعلات عليها [3]. كل الميزات المذكورة تحول بينها وبين الاستفادة من طاقتها الكبيرة لعمل المنبع الضوئي. وفي محاولة لتلافي هذا العائق -وعلى طريقة جوزيف بريستلي- سخّرَ العلماء الشمس كمنبع ضوئي للقيام ببعض التفاعلات الضوئية [4]. في ألمانيا على سبيل المثال يتم العمل بتفاعلين من خلال مفاعلات ضوئية شمسية خاصة، تحوي العدسات اللازمة لتوجيه الضوء هندسيًا وفيزيائيًا وهما: [4]

1. الأسيلة الضوئية للنفتوكينون

تعد طائفة الكينونات، أي المركبات التي تحوي في صيغتها الكيميائية على مركب الكينون، مركبات ممتازة للتفاعلات الضوئية الشمسية. وذلك يعود لامتصاصها الفوتونات ذات الطول الموجي الزائد عن 350nm.

والمقصود بتفاعل الأسيلة: إدخال مجموعة الأسيل الكيميائية على حلقة البنزين. ويتم التفاعل عادةً، بوجود “المشتقات الهالوجينية للحموض الكربوكسيلية “R-CO-Cl-” و مركب “كلوريد الألمنيوم- AlCL3” لتسريع التفاعل، في التفاعلات الكلاسيكية (تفاعل فريدل- كرافت) [5]. لكن في الأسيلة الضوئية، يختلف التفاعل كليًا، إذ يُستعاض عن “المشتقات الهالوجينية للحموض الكربوكسيلية  “R-CO-Cl-“بالألدهيدات- R-CHO”.

علاوةً على حذف مركب كلوريد الألمنيوم، لأن التفاعلات الضوئية سريعة في الغالب الأعمّ، مما يعني اقتصادية وتوفير في تكلفة المادة. وزيادةً في البيان، تراوح مردود التفاعل السابق إلى [90-84] % نظرًا لتفاوت شدة أشعة الشمس خلال أيام العام [6].

2. الأكسدة الضوئية للسيترونيلول

هو تفاعل متعدد المراحل، ينتهي بمركب يستخدم كعطر يشبه رائحة الورد. المرحلة الأساسية فيه تقتضي إدخال زمرة الهيدروكسيل إلى المتفاعل بفعل الأكسدة بأكسجين الهواء. يحدث ذلك باستخدام محسس ضوئي -يشبه الحفاز في التفاعلات الكلاسيكية- يثير إلكترونات جزيء الأكسجين ليجعله مهيئًا كمؤكسد [7].

حريٌ بنا الإشادة بأهمية فيزياء الضوء الممهدة لمعرفة تطبيقات جديدة للكيمياء الضوئية، سواءً في الصناعة والاقتصاد أو حماية البيئة.

المصادر

(1)chemistry
(2)books.google.com 
(3)degruyter
(4)researchgate
(5)degruyter
(6)degruyter

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


كيمياء

User Avatar

abdelfattah albetar


عدد مقالات الكاتب : 3
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق