Ad

إن كيمياء السطوح المعروفة باسم “Surface Chemistry” ذات أثر بالغ في حياتنا اليومية. فهي تدرس الحوادث والظواهر التي تحدث عند السطح الفاصل بين طورين مختلفين؛ فما هي أبرز تلك الحوادث؟ وكيف تمكن العلماء من تكريسها في تطبيقات صناعية وطبية وهندسية تنعكس إيجابًا على حياة البشر وتسهلها بشكل ملحوظ؟

الامتزاز والامتصاص

بادئ ذي بدء، علينا التحدث عن العمود الفقري للظواهر السطحية، ألا وهو “الامتزاز-Adsorption”. فلا تخلو أي عملية كيميائية منه تقريبًا. إنّ أول من أطلق لفظ الامتزاز هو الفيزيائي الألماني “هنريش كايزر” عام 1881. ويعرَّف الامتزاز بتموضع مادة على سطح مادة أخرى، فمثلًا تتموضع الأجسام الصلبة على سطحها، أي تمتز عليها، جزيئات الغاز في الجو دون أن تدخل جزيئات الغاز في بنية الأجسام الصلبة. أما عندما تتغلغل وتدخل جزيئات مادة في أخرى نطلق على هذه الظاهرة اسم الامتصاص؛ كما يحصل حال تبلل قطعة الإسفنج بالماء.

تطبيقات كيمياء السطوح الصناعية

تلعب بعض المركبات الصلبة دور حفّاز (وسيط)، يسرع من حدوث تفاعل يجري بدونها أساسًا ولكن ببطء. إذا كانت المتفاعلات في الطور الغازي أو السائل، نصبح أمام تفاعل يحوي عدة أطوار (حالات فيزيائية)، لذلك نطلق عليها لفظ (حفّازات غير متجانسة). ويتمثل مبدأ العملية بامتزاز المتفاعلات على سطح الحفاز ليسير التفاعل بحركية عالية. استخدمت الحفّازات في صناعة مركبات كيميائية بكميات ضخمة في أوائل القرن 19. لتلك المركبات وعلى بساطتها دورًا جليًّا في تقدم أي صناعة كانت مثل: “حمض الكبريت-H2SO4″، و”حمض النتريك-HNO3″، و”غاز الأمونياك-NH3 ” .

وبعد نجاح تلك العمليات، أخذت تتضمن الصناعة الكيميائية التفاعلات الحفزية بمنحىً أكثر تعقيدًا؛ كإنتاج «الميثانول-CH3OH» من غازيّ «أُحادي أكسيد الكربون-CO»، و«الهيدروجين-H2»، وأكسدة «الايثلين-C2H4» للحصول على «أوكسيد الايثلين-C2H4O» الذي يصَنَّع منه «الايثلين غليكول-C2H6O2» )مانع تجمد الماء اللازم لتبريد محركات للسيارات). كما استخدمت في حذف الهيدروجين من كل من «البيوتان-«C4H10  لإنتاج «البيوتادايين-C4H6» الذي يدخل في صناعة المطاط، و«البروبان-C3H8» و«الإيثان-C2H6» لصناعة البلاستك PP وPE على الترتيب[1].

في أوائل القرن الماضي، دخلت الحفازات ميدان النفط لتثبت جدارتها في تسريع وتيرة التطور الاقتصادي. ففي النفط مشتقات لا تصلح لاستخدامها كوقود أو للصناعات البتروكيميائية. فيُعمَد إلى إدخالها في تفاعلات برعاية حفازات سيراميكية “zeolite”؛ وهي التكسير الحفزي (والتكسير الحفزي هو تصغير لعدد ذرات الكربون في المشتق النفطي لتصبح صالحة للاستخدام في الوقود أو الصناعات البتروكيميائية) متحولةً لمركبات أخفّ صالحة للتطبيقين آنفيّ الذكر [1].

 يتمحور اليوم دور الحفازات صناعيًا حول إعطاء نواتج بشكل انتقائي، وذلك بمفردها دونًا عن غيرها من نواتج ثانوية. حيث تعتبر النواتج الثانوية -أحيانًا- مُضرّة للبيئة، أو ليس لها جدوى، حيث تصرف الطاقة والوقت في صناعتها دون طائل. فمثلًا، أضحت عملية تصنيع أوكسيد البروبلين الذي يعَد المادة الخام لإنتاج البولي يوريثان (الإسفنج الصناعي)، اليوم تتم بمفاعلة البروبلين مع «بيروكسيد الهيدروجين-«H2O2 بواسطة حفّاز من «سيلكات التيتانيوم-Ti-silicate»، بعد أن كان حدوث التفاعل يتم باستخدام غاز الكلور السام، أو بمرافقة منتجات ثانوية كالستايرين [2].

التطبيقات الهندسية لكيمياء السطوح

1- مضادات للتآكل

في العديد من التطبيقات العملية تؤدي تفاعلية بعض الأسطح تجاه بيئتها مثل درجة الحرارة، وسائل أكّال، والغاز، والإشعاع إلى تآكل كيميائي أو اهتراء ميكانيكي بفعل الاحتكاك. ويقود التآكل أو الاهتراء إلى ضياع في المادة والطاقة، وهو أمر غير مرغوب بالتأكيد [10]. وعليه نلجأ لطلاء السطح بمادة مُبطئة للتآكل؛ قد تكون أوكسيدًا معدنيًا مثل أوكسيد الكروم المطلي على سطح الستانلس ستيل، أو بوليمر خامل مثل التيفلون أو التيفال المطلي على المقلاة. ويتجلى دور هذه المواد في تثبيط حركية تفاعل التآكل [11] [12] [13].

لكن من منظور آخر، قد تُمثل تلك المواد مصدر قلق في حال خَدشها؛ إذا وضعت في بيئة غير ملائمة، كما حدث مع تلسكوب هابل الفضائي المطلي بالتيفال الألوميني. فقد تدهورت بنية التليسكوب عند تعرضه للإشعاع فوق البنفسجي وتشكل الجذور الحُرة لـ 19 عامًا [13].

2- المُزلقات

المزلقات هي مواد توضع بين سطحين صلبين يكونا في حالة حركة مستمرة. وتساعد المُزلقات على تقليل الاحتكاك والاهتراء عند السطوح البينية [14]. وتحوي زيوت التزليق على هيدروكربونات يتراوح عددها من 14 إلى أكثر من 40 ذرة كربون، وهي ذات طبيعة (أروماتية- نفتينية- أليفاتية) [15]. كما تحتوي بعض الإضافات لتعزيز أداء الزيت تحت الإجهاد الشديد للآلات التي منها (العربات، ومحركات الاحتراق الداخلي؛ والتوربينات، والضواغط والأنظمة الهيدروليكية).

لا تقتصر المُزلقات على السوائل، بل يمكن أن تكون صلبة ذات بنية مؤلفة من طبقات تنزلق تحت الضغط لتؤدي الغرض المطلوب مثل؛ الغرافيت، و«ثنائي كبريتيد التنغستين-WS2» [15].

 تستخدم المُزلقات الصلبة في توربينات الغاز ذات الحرارة العالية. كما تستخدم أيضًا في تطبيقات الفضاء الخارجي لأن نظيراتها السائلة غير ثابتة، فتتبخر عند شروط كهذه. ومن التطبيقات الهامة للمُزلقات تغطية القرص الصلب (CD-DVD) »بطبقة رقيقة جدًا- «Film لحمايته من الخدوش والتَلف عند استعماله [16].

التطبيقات الطبية لكيمياء السطوح

في أواخر أربعينيات القرن الماضي، ومع تطور المواد الحيوية مثل الغرسات الطبية؛ كالعدسات داخل العين، واستبدال مِفصل الورك، وأجهزة التماس مع الدم، بدأ الباحثون باستكشاف التفاعلات التي تحدث على السطوح. وبناءً على العديد من المشاهدات التجريبية، لاحظوا علاقتها بخواص السطح نَفسه [3].

على سبيل المثال: عندما تدخل مادة غريبة داخل الجسم وتصبح على تماس مع الدم، سيمتز عليها مباشرةً عدة بروتينات بشكل انتقائي، مشَكِّلةً المرحلة الأولية. تليها لاحقًا التصاق الصفائح الدموية لتلعب الدور الرئيس في تجلّط الدم. وقد تم تطوير العديد من الاستراتيجيات لتعديل السطح منعًا للتجلّط [4] [5] [6].

مثالٌ آخر: تتمثّل فكرة عمل جهاز استشعار الجلوكوز المُستخدم من قِبل مرضى السكري لمراقبة مستوى السكر في الدم بمواجهة الجلوكوز بطبقة من أنزيم جلوكوز أوكسيداز على «قطب -Electrode» أوكسجين. فيحفِّز الأوكسجين بشكل انتقائي أكسدة الجلوكوز في الدم معطيًا مركب بيروكسيد الهيدروجين [7]. ويتناسب تركيز بيروكسيد الهيدروجين طرديًا مع الجلوكوز. ويتم الكشف عنه إما إلكتروكيميائيًا أو عبر مُحول بصري. إلكتروكيميائيًا أي يتفاعل بيروكسيد الهيدروجين على قطب كهربائي معطيًا شحنات كهربائية. كلما زاد عدد الشحنات، زاد تركيز المركب [8]. اما مُحول بصري، ففيها يتفاعل بيروكسد الهيدروجين مع مركب على شريط ليظهر اللون الأزرق؛ وتزداد شدة اللون بزيادة تركيز بيروكسد الهيدروجين [9].

ونافلة القول وفق ما تم ذِكره، بات علم السطوح من العلوم الواعدة بما تحمل من تقدم مستمر وتطبيقات واسعة لا شُطآن لها. وما زال العلماء عاكفين على المضي في هذا المضمار. فلا نعرف ما الذي سيحمله المستقبل في هذا المجال بعد.

المصادر:

1- Researchgate
2- NCBI
3- Sciencedirect
4- Pubmed
5 – Sciencedirect
6- Pubmed
7- NCBI
8- NCBI
9- ACS Publications
10- Springerlink
11- Springerlink
12- Scirp.org
13-jstor.org
14- NCBI
15- Academia
16- Sciencedirect

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


كيمياء

User Avatar

abdelfattah albetar


عدد مقالات الكاتب : 3
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق