...
Ad

تميز المجتمع الأمريكي بتمسكه بنظام العبودية، فحتى عندما تحرر عبيد العالم في أوروبا وبريطانا كان لايزال هنالك تجارة عبيد في أمريكا. كما أن نظام العبودية في أميركا اكتسب تفرد ملحوظ في زيادة عدد العبيد بطريقة مختلفة عن الطرق التقليدية في جلب العبيد من تجارة أو تبادل. كان العبيد في أمريكا يزداد عددهم عن طريق التكاثر الطبيعي للبشر و انتاج أطفال العبيد. ومن هنا ظهر لنا صنف من العالم لم يكن حرًّا ثم أُسِر، بل ولد بلا حرية من الأساس. ومن هنا يمكن أن تتساءل، ماذا يعني أن تولد في العبودية؟ وكيف يعي الإنسان معنى شيء لم يختبره كحال مواليد العبودية مع الحرية؟

آلية انتاج العبيد

كان العبيد في أمريكا يكونون جماعات، يصعب بينهم التواصل ولكن ظلت تلك التكتلات مفيدة بعض الشيء لمالكيهم كما كان لها من سلبيات. فكان إحدى تلك المنافع هي تكاثر العبيد، فقد اعتبر الرجل الأمريكي العبيد تجارة منذ بادئ الأمر، فكما هو الحال مع أي تجارة فالهدف الرئيس منها هو النماء والزيادة. فكان العبيد الإناث مع اختلاف أعمارهن يستخدمن لذلك الغرض. فليس بالضروري أن ينشأ العبد مع أمه، ولكن قد يحالفه الحظ في ذلك. مع العلم أن عمر الأنثى لا يهم مادامت قادرة على الإنجاب. وكما هو الحال فإن العبد يرث العبودية من أمه حتى ولو كان والده البيولوجي حر.

لا يوجد الكثير من المعلومات حول حياة الأطفال العبيد، ولكن ما هو مؤكد أن نشأتهم كانت تفتقر للعديد من الجوانب الّلازمة لتنشئة طفل. افتقر هؤلاء الأطفال للرعاية الكافية منذ أن كانوا خدّج، كما أن تغذيتهم لم تكن جيّدة فسواءً اعتمدنا على الرضاعة الطبيعية أو غيرها فكلاهما سواء من حيث الافتقار للعناصر الأساسية. كن الأمهات عادة هن الضحايا، فلم تكن وظيفتهن الأساسية تنشئة الطفل فقط، بل كان عليها تأدية مهامها اليومية من عمل السخرة إلى جانب رعاية طفلها. أما السيّد أو صاحب العبيد فكان عطفه هو من يحدد مدى تردّي الوضع.

جوانب من حياة الأطفال العبيد

الغذاء والكساء

اتسمت تغذية الأطفال ببساطتها، فهي تفتقر لأحد أهم العناصر المطلوبة للنمو، وهو البروتين. كما أن رفاهية الجودة لم تكن متاحة من الأساس. وصف أحد الأمريكين حينها أجساد الأطفال بكونها تعاني من سوء تغذية، وأضلاع بارزة لامعه، وأطراف هزيلة، إضافةً إلى بطون ممتلئة وهي علامة مميزة لمن يعانون من سوء تغذية سببه نقص البروتين. كانت تلك هي القاعدة، وكان الاستثناء هو أن تجد بعض الأطفال يحصلون على طعام كافي لحاجتهم الأساسية.

أما الكساء أو الملابس التي أتيحت لهم إن وجدت هي ملابس من قطعة واحدة من القماش، مهترئة ولا يتم تجديدها. حتى أنه من الشائع أن ترى الأطفال والرضع عراة. لم تكن تلك الأقمشة كافية لتقيهم من برودة الشتاء، ولا تلائم أعمارهم عادة، حتى أنها كانت تعيقهم عن الحركة لذلك السبب.

المسكن والروابط الأسرية

يولد الأطفال العبيد بين جدران غير مناسبة للأسرة، حيث لا مكان للخصوصية ولا لتكوين روابط أسرية. تكتلات من البشر في مكان واحد، شد وجذب ومشاجرات بين العبيد. كما ساهمت تجارة العبيد في خلق أجواء مضطربة بين الأم وطفلها. فلا يلبث الطفل في كنف أمه حتى يشتد جسده ويتم بيعه ليعمل بالسخرة.

العمل والترفيه

بدأ الأطفال العبيد بالعمل في مراحل مبكرة من طفولتهم، كأعمال الزراعة والتنظيف وكذلك العناية بإخوتهم الأصغر عمرًا. لم يكن الترفيه متاح للعبيد الأطفال لكونهم وُجِدوا ليعملوا، ولكن بطبيعة حال البشر وجد الأطفال طرقًا للهروب من القمع الواقع عليهم واللعب. وبالرغم من استحالة وجود الألعاب والدمى الرائجة حينها، إلا أنهم تمكنوا من خلق ألعاب من الطبيعة. كالدمى المصنوعة من القش والأقمشة، والخيول المصنوعة من أغصان الأشجار والعصيان وغيرها. ليثبتوا للعالم براءتهم رغم كل الظروف القاسية التي نشأوا فيها.

التعليم

قد تشاهد طفلًا أبيض يلعب مع آخر عبد في مراحل طفولتهم المبكرة، لكن سرعان ما يتم الفصل بينهم ليسعى كلٌّ منهم في مسعاه. فمن الطبيعي أن يدخل الطفل الأبيض سلك التعليم ليصبح ذو شأن بين أقرانه، في حين أن الطفل العبد يتم زيادة أعباء العمل على عاتقه كلما اشتد عوده. كان التعلم بمثابة تهديد لمالكي العبيد، فبالعلم يرتقي البشر ويتعرفون على حقوقهم ومنها حق الإنسان في الحرية.

ومع ذلك فقد حصل بعض الأطفال على نصيب من التعليم من قبل بعض البيض المتعاطفين. وكانت تتم تلك العملية التعليمية بسرية تامة حتى لا يتم إفسادها من قبل تجّار العبيد ومالكيهم.

كيف أثر أسلوب العقاب على أطفال العبيد؟

كان العقاب هو أساس العلاقة بين العبد والمالك، فهي الأداة الوحيدة لفرض السيطرة والهيمنة على العبيد وضمان الطاعة. كانت العقوبات الجسدية مبرحة في بعض الأحيان، حتى أنها كانت تودي بحياة الكثير منهم. كانت معدلات الوفيات بين الأطفال العبيد أعلى بكثير عن غيرهم من الأطفال البيض. لم يكن ذلك بسبب العقوبات الجسدية الصارمة وحسب، بل بسبب الظروف الحياتية القاسية.

أدت تلك العقوبات الصارمة لخلق نفوس هشة لدى الأطفال العبيد، أطفال يخافون من الحيد عن الطريق المرسوم لهم من قبل مالكيهم. أضرار نفسية بليغة تسببت في حياة غير مستقرة ومهددة نفسيًا وعاطفيًّا بالألم. طفولة مؤلمة ومراهقة مكبلة بالأغلال.

تَعرُّض الأطفال العبيد للاعتداءات الجنسية والجسدية المستمرة، أدى إلى إعاقة النمو الفكري والعاطفي لأطفال العبيد. كما أن الغطاء القانوني لمثل تلك الأفعال ساهم في انتشارها وتكرارها بدون قيود. لم يكن وقع ذلك لحظي، بل تسبب في نشأة جيل حياته محفوفة بالخوف من التفكير ذاته. وبالرغم من ذلك فقد حرر العبيد أنفسهم قبل أن يحررهم الأسياد بثورات وتمردات، فالحرية تسري في الجسد مسرى الدماء.

المصادر:
1- Childhood Slavery in North America

Yasmin Awad
Author: Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم الإنسان تاريخ

User Avatar

Yasmin Awad

طبيبة أسنان وصانعة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 35
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.