Ad

هل لك أن تتخيّل أن رجل ومرأة يُعانيان من الأعراض الجسدية أو النفسية نفسها يتلقّيان تشخيصين أو علاجين مختلفين؟ إنه التمييز الجندري (Gender Bias) في الرعاية الصحية. فرغم أن الحق في الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان، وقد نصّت عليه شتى المعاهدات والقوانين الدولية والدساتير الوطنية، إلا أن الرعاية الصحية بقيت في الواقع تشهد تمييزًا على أساس الجنسية والعرق والطبقة الاجتماعية والجندر. فماذا نعني بالجندر؟ و كيف يؤثّر الجندر على الرعاية الصحية؟

ما الفرق بين الجنس البيولوجي والجندر؟

يُشير الجنس البيولوجي (Sex) إلى الخصائص الجسدية التي تميّز الذكر عن الأنثى، وفقًا للكروموسومات والجهاز التناسلي والهورمونات.

أما الجندر (Gender) أو ما يُسمّى بالنوع الاجتماعي فهو الأدوار المُحدَّدة اجتماعيًا وثقافيًا لكلِّ من الهويات الجنسية المختلفة. وهذا التركيب يختلف بين بيئة اجتماعية وأخرى، ويتطوّر عبر الزمن. كما يشمل الجندر البناء الاجتماعي لمفهومي “الذكورة” و”الأنوثة”. وهو يتعلّق بعدد من المتغيّرات الاجتماعية كالتعلّم والثروة الاقتصادية والسلطة السياسية.

انطلاقًا من هذا التعريف، يكون مفهوم الجندر قائمًا ومُؤثرًا في كل تفاعل اجتماعي، ويطال هذا المفهوم التفاعل بين المريض والطبيب أو المُعالج.

الجنس والجندر في مجال الصحة

تشكّل ثنائية الجنس-الجندر تحدّيًا هامًا في الطب. إذ لا يقتصر تأثير الجنس البيولوجي على الصحة الإنجابية والجهاز التناسلي، بل على مختلف الأجهزة الجسدية. كما تختلف نسب الأمراض بين الجنسين. من الناحية الأخرى، يشكّل الجندر، الذي يؤثّر على نمط عيش الفرد، عاملًا مهمًا في تحديد وضعه الصحي.

فلنأخذ على سبيل المثال نسبة كثافة العظام، هي تكون غالبًا أعلى عند الرجال مقارنةً بالنساء، علمًا أن النسبة تتفاوت بشكل كبير عند الجنس الواحد. لكن الجنس ليس العامل المؤثر الوحيد في هذه النسبة، إذ إن ممارسة الرياضة تساهم في زيادتها. وبالتالي فإن النساء اللواتي يمارسن التمارين الرياضية باستمرار قد يملكن نسبة كثافة عظام أعلى من الرجال غير الرياضيين. من هنا، نرى ضرورة معالجة المسائل الطبية من منظوري الجنس والجندر، وعدم إهمال أيِّ منهما.

ما هو “التمييز الجندري -Gender Bias” في الطب؟

أثبتت الدراسات الطبية وجود فروقات على صعيد الأمراض والصحة بين الرجل والمرأة، وذلك لاختلافات تشريحية وفيزيولوجية وجينية، كذلك لفروقات في نمط الحياة وظروف العيش. ولكنها بيّنت أيضًا وجود فروقات في التشخيصات والعلاج وجودة الرعاية الصحية بين الجنسين (لحالات مرضية مُماثلة) دون سبب علمي.

من هنا، بدأ الحديث عن التمييز الجندري في الرعاية الصحية ويُعنى به التمييز المنهجي غير المقصود بين الأفراد على أساس جندري، في مجالات البحوث العلمية الطبية والمجال الأكاديمي الطبي والممارسات الطبية والتشخيص والعلاج وعملية الرعاية الصحية. ويؤثر هذا الانحياز على كلي الجنسين.

الانحياز الجندري في البحوث العلمية

انحازت البحوث العلمية لعصور طويلة للرجال، وتحديدًا “العرق الأبيض” منهم. وقد كانت تُعمّم النتائج الصادرة عن هذه البحوث على كل الأفراد، بما فيهم النساء. بالتالي، لم تلحظ البحوث الطبية الفروقات بين الرجال والنساء في مجال الصحة، وأهملتها، ممّا جعل الرعاية الصحية مُصمّمة على قياس حاجات الرجال الصحية.

منذ العام 1990، فرض المعهد الصحي الوطني الأميركي (NIH) دمج النساء في كل الدراسات الطبية المُمولة من قبله. كما فرض في العام 1994، إصدار النتائج على أساس جندري، وذلك لإظهار الفروقات الطبية بين الجنسين والسماح بدراستها بشكل معمّق.

الانحياز الجندري في الممارسة العيادية

بحسب الكثير من الدراسات العلمية، تبيّن أن النساء غالبًا يحصلن على تشخيصات وعلاجات أقل تقدمًا من الرجال رغم معاناتهم من الأعراض نفسها. وقد ظهرت الفروقات الجندرية جليّةً في العديد من الأمراض، نذكر منها مرض الشريان التاجي في القلب ومرض باركينسون العصبي ومتلازمة القولون العصبي وأوجاع الرقبة ومرض السل ومرض الصدفية.

ويعود هذا الفرق جزئيًا إلى الصورة النمطية المُكوّنة عن الجنسين، إذ يُحلل الطبيب الأعراض نفسها بشكل مختلف بحسب الجندر الذي ينتمي إليه المريض. وتُصنّف الأعراض عند الرجال بالأعراض الجسدية (الفيزيولوجية)، فيما تُصنف الأعراض نفسها عند النساء ضمن خانة الأعراض النفسية، ممّا يصعب التشخيص وينقص من جودة العلاج والرعاية.

في المقابل، تشهد بعض الحالات المرضية (خصوصًا التفسية منها) الانحياز إلى النساء من ناحية التشخيص والمعالجة. فمرض الاكتئاب على سبيل المثال يُصيب النساء مرتين أكثر من الرجال، فيتم اهمال أعراض الاكتئاب عندهم وتعريضهم لخطر الانتحار من جهة، والمبالغة بالتشخيص بالاكتئاب عند النساء وتعريضهن لخطر سوء استخدام الأدوية النفسية من جهة أخرى.

أسباب التمييز الجندري في الرعاية الصحية

يمكن وضع أسباب التمييز الجندري في الصحة في خانتين رئيستين.

الأولى هي الصور النمطية والأحكام المسبقة التي تربط كل جنس أو جندر بصفات معينة، وتسقطها على التحليل العلمي للأعراض المرضية، وبالتالي فهي تخلق فروقات وهمية بين الجنسين وتشخص أو تعالج حالتين مماثلتين بطريقة مختلفة لمجرد اختلاف جندر المريض، رغم غياب أي دليل علمي على هذا الاختلاف.

أما الخانة الثانية فهي، على العكس، إهمال الفروقات الجندرية العلمية في الصحة والأمراض، وبالتالي إهمال حاجات كلِّ من الجنسين.

يبذل المجتمع الطبي اليوم جهودًا ضخمة في سبيل الحد من التمييز الجندري في الصحة، وذلك من خلال فهم الفروقات الجندرية ودراستها في مختلف المجالات الطبية. كما يسعى إلى تفكيك الأسباب النفسية والسلوكية والتواصلية للانحياز الجندري،وإلى حث الوعي حول مفهوم الجندر وتأثيره عند طلاب العلوم الصحية والطبية. فلنأمل برعاية صحية تحترم الاختلاف وتؤمن العدالة للجميع.

المصادر:

PubMed

NCBI

WHO

إقرأ أيضًا: تعريف الحركة النسوية وتاريخها

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة

User Avatar

Riham Hamadeh


عدد مقالات الكاتب : 49
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق