Ad
هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة مقدمة في علم الاجتماع

نتمتع كنساء في يومنا هذا بالعديد من الحقوق، من حق التصويت والترشح إلى حق القيادة والتعلم والعمل. وقد يخيّل إلينا أن هذه الحقوق مُكتسبة لجميع البشر بطبيعتها. لكن الحقيقة أن هذه الحقوق جاءت نتيجة لعناء طويل من النضال النسوي. في المقابل، نواجه في حياتنا اليومية الكثير من مواقف التهميش والتمييز والتحرش والعنف تجاه المرأة، ممّا يؤكد حاجتنا إلى المزيد من النضال النسوي. فما هو تعريف الحركة النسوية؟ كيف نشأت؟ وما هو تاريخها؟

ما هي الحركة النسوية؟

تُعرّف الحركة النسوية (المعروفة بالـFeminism) بالحركة السياسية والاجتماعية والثقافية الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومحاربة جميع أنواع التمييز الجندري. وهي لا تشمل فقط النضال الحقوقي المباشر، بل أيضًا الفلسفة النسوية التي تؤمن بالمساواة والتي تُلهم النساء حول العالم للدفاع عن حقوقهن.

رغم أن الحركة النسوية نشأت في الغرب، إلا أنها توسّعت في جميع مناطق العالم، وتأثرت بمختلف التيارات الثقافية والفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، ممّا خلق العديد من المدارس الفكرية النسوية (الراديكالية، الاشتراكية-الماركسية، الرأسمالية، الأناركية، …) تقع كلها تحت مظلة الأيدولوجية النسوية، ولكنها تختلف في الأهداف والاستراتيجيات.

حاربت الحركة النسوية في سبيل الحقوق المدنية للنساء (حقوق الملكية والتصويت والتعليم والعمل)، بالإضافة إلى حماية المرأة من العنف المنزلي والتحرش والاغتصاب، وحرية التصرف بالجسد والحصول على الرعاية الإنجابية وصولًا إلى تحسين شروط العمل والحق في إجازة الأمومة والأجور العادلة، وغيرها الكثير من القضايا التي تتعرض فيها المرأة للتمييز.

تاريخ الحركة النسوية

رغم أن كلمة “النسوية” لم تنتشر قبل السبعينيات إلا أن الأفكار النسوية نشأت منذ زمن قديم، نتيجة التمييز ضد المرأة الذي كان سائدًا في المجتمعات القديمة. وتقسم الحركة النسوية إلى موجات أربع أساسية، كانت مسبوقة بنضالات نسائية عديدة.

كان أفلاطون من أوائل الـ”نسويين”، فقد اعتبر في كتابه “الجمهورية” أن النساء يمتلكن قدرات مماثلة لقدرات الرجال، وهنّ قادرات على الحكم والدفاع عن بلادهنّ.

في روما القديمة، منع القانون النساء من وراثة الذهب والتزين به كما وضع القانون قيودًا على حركة النساء ولباسهن. فقادت النساء تظاهرات عارمة اعتراضًا على القانون. وكان ذلك في القرن الثالث قبل الميلاد.

لكن بقت هذه الأزمنة، حتى العصور الوسطى، دامسة ومظلمة في مجال حقوق النساء. وبقت الأصوات المُطالبة بالمساواة خافتة.

تعتبر الفرنسية «كريستين دو بيزان- Christine de Pizan » الفيلسوفة النسوية الأولى التي رفعت الصوت، في أوائل القرن الخامس عشر، في وجه كراهية المرأة وتهميشها. أما في بريطانيا، فقد بدأ الحديث عن حقوق المرأة في القرن السادس عشر، فحين انتشرت مقاطع تسخر من المرأة. نشأت في المقابل حركة أدبية نسوية تدافع عن حق النساء في التعليم والعمل.

كريستين دو بيزان

تأثّرت الحركة النسوية بعصر التنوير الذي نشر مبادئ العدالة والحريات والحقوق. رغم أن فلاسفة التنوير تناولوا الصراع الطبقي وأهملوا التمييز ضد المرأة، إلا أن المفكرات في عصرالتنوير سرعان ما أثرن قضايا النساء. أطلقن بدورهن “إعلان حقوق المرأة والمواطنة” على غرار “إعلان حقوق الرجل والمواطن” الذي لم يعترف بحقوق النساء. أطلقت الكاتبة ماري ولستونكرافت كتابها “دفاعًا عن حقوق المرأة”، الذي طرحت فيه حق المرأة في تساوي فرصها مع الرجل في مجالات العمل والتعلم والسياسة.

الموجة الأولى من الحركة النسوية

انطلقت الموجة الأولى في الحركة النسوية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، بعد أن تأثر المفكرون بفلاسفة عصر التنوير والمناهضة لنظام العبودية.

حاربت الحركة النسوية في موجتها الأولى من أجل الحق في الملكية ومعارضة زواج المتعة وتملّك المرأة والأولاد من قبل الرجل. ثم انتقلت إلى تعزيز قوة المرأة السياسية، فطالبت بالحق في التصويت والمشاركة في القرار السياسي.

في بريطانيا، أدت النضالات النسوية لإعطاء حق التصويت للنساء (اللواتي يبلغن ال21 سنة) في العام 1928. أما في الولايات المتحدة الأميركية، فقد ضمنت الحق التصويت للنساء في كل الولايات في العام 1919. ظهرت الموجة الأولى من النسوية أيضًا في إيران واليابان وألمانيا وأوستراليا ونيوزيلندا وغيرها من البلدان، وطالبت النساء بحقهن في التصويت في مختلف مناطق العالم.

الموجة الثانية من الحركة النسوية

بدأت هذه الموجة في أوائل الستينيات وامتدت حتى أواخر الثمانينيات. وقد ركزت الحركة النسوية في هذه الفترة على المفاهيم الثقافية الذكورية التي تعيق تحرر المرأة وحمايتها. فقد استمر التمييز الذي يحصر المرأة في دورها النمطي في التدبير المنزلي ورعاية الأطفال.

في العام 1974، أطلقت المنظمة الدولية للنساء حملة لتحقيق العدالة القانونية بين النساء والرجال. كما أن انتشر شعار “الشخصي سياسي” الذي أطلقته الكاتبة النسوية “كارول حانيش”، والذي أعاد تعريف السياسة في معنى أوسع وأشمل، ألقت الضوء على العلاقة الوثيقة بين التجارب الشخصية والخاصة وبين البنى السياسية والاجتماعية لمجتمع معين.

أدت الموجة الثانية إلى دخول المرأة في مجالات عمل واسعة وقوننة حق المرأة في الصحة الإنجابية وتكريس حقوقها المدنية.

إعلان لمسيرة مسائية في اليوم العالمي لعام ١٩٧٥

الموجة الثالثة من الحركة النسوية:

في بداية التسعينات، بدأت الموجة الثالثة من الحركة النسوية. رغم أنها استمدّت قوتها من الموجة الثانية التي خلقت للمرأة أسس استقلاليتها الاقتصادية وتحررها الثقافي من المفاهيم النمطية، إلا أن الموجة الثالثة أتت لتصحح أخطاء الموجة الثانية، والتي تمثلت بحصرية الحركة النسوية بالمرأة ذات البشرة البيضاء من الطبقة الوسطى والعليا (خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية). فأتت الحركة النسوية في موجتها الثالثة لتشمل النساء من مختلف الأعراق والإثنيات، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.

وعملت الموجة الثالثة لتعزيز صورة المرأة ككائن قوي، بدل من تصويرها بصورة نمطية ضعيفة وخاضعة أو محصورة بالإثارة الجنسية والتسليع، وذلك من خلال الأفلام والبرامج التعليمية للأطفال وغيرها. كذلك أعادت الموجة الثالثة تعريف الجندر (أي الهوية الجنسية) المختلف عن الجنس البيولوجي.

الموجة الرابعة من الحركة النسوية:

رغم عدم الاتفاق على وجود الموجة الرابعة، يعتبر العديد من علماء الاجتماع والمفكرين أن الموجة الرابعة بدأت في سنة 2012، مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لإثارة قضايا النساء ونشر الأفكار النسوية. وقد أثارت قضية فتاة هندية تعرضت لاغتصاب جماعي (وتوفيت إثر الحادثة) غضبًا عارمًا للنساء حول العالم. وبدأت هذه الموجة بالتركيز على قضايا حماية النساء من التحرش والاغتصاب والتنمر الجسدي (body shaming).

رغم التقدم الكبير الذي أحرزته النساء في المجال الحقوقي في القرن الأخير، إلا أن وضع النساء في العالم متفاوت جدًا بين مختلف الدول والطبقات الاجتماعية. وتوضح أرقام منظمة الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة في الكثير من المجالات، بحيث لا تتعدى مشاركة النساء في المجالس الدولية نسبة 23%، وتتعرض الملايين من الفتيات للزواج المبكر (قبل 18 سنة)، وتتعرض مرأة من كل خمس نساء في العالم للعنف الجسدي و/أو الجنسي من شريكهن. وتثبت هذه الأرقام أن الحركة النسوية ما زالت حاجة ملحة لضمان وصول المرأة إلى أدنى حقوقها الإنسانية.

مصادر:

Britannnica
History.com
UN Women

إقرأ أيضًا: اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم اجتماع فلسفة سياسة تاريخ

User Avatar

Riham Hamadeh


عدد مقالات الكاتب : 49
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق