- ما هي الفلسفة؟ وكيف يمكن شرح علاقتها بالعلوم الأخرى؟
- الميتافيزيقيا؛ فلسفة الماورائيات ما بين القديم والحديث
- فلسفة العقل وعلاقة العقل بالجسد
- حرية الإرادة والحتمية في الفلسفة
- فلسفة العلوم: كيف ترى الفلسفة النظريات العلمية؟
- نظرية المعرفة أو الأبستمولوجيا: أنواع المعرفة ومكوناتها وتحليلاتها
- الشكوكية الفلسفية بين القديم والحديث: ما هي مفاهيمها وبماذا تبحث؟
- فلسفة الشهادة وعلاقتها بالمعرفة
- فلسفة الأخلاق: طبيعة الأحكام الأخلاقية وكيفية تفسيرها
- الالتزام السياسي والفلسفة السياسية
- اختبار مساق مدخل إلى الفلسفة وفروعها
محتويات المقال :
فلسفة الأخلاق: طبيعة الأحكام الأخلاقية وكيفية تفسيرها
يمثل تعريف الأخلاق (Morality) مسألة كبيرة ومتشعبة، كما أن طبيعة الأحكام الأخلاقية هي محور الكثير من النظريات والتفسيرات التي تعد جزءاً من فلسفة الأخلاق (Moral Philosophy).
الأخلاق
لا يوجد تعريف واحد يمكن أن يلخّص فكرة الأخلاق وماهيتها، لأنه لا يمكن تطبيق تعريف واحد على كافة النقاشات الأخلاقية. والسبب وراء هذا هو وجود معنَيَين واسعين للأخلاق يمكن التمييز بينهما من حيث المبدأ. فالمعنى الوصفي (descriptive) يشير إلى قواعد سلوك محددة يضعها مجتمع أو فئة معينة، كالدين مثلاً، وبناءً على هذا يتبناها الأفراد ممن ينتمون إلى هذا المجتمع أو تلك الفئة. أما بمعناها المعياري (normative) فتدل الأخلاق على قواعد السلوك التي يتفق جميع الأشخاص العقلاء عليها في ظروف محددة معطاة [1].
فلسفة الأخلاق
بالنسبة لفلسفة الأخلاق، فهي قسم في الفلسفة يبحث في طبيعة الأخلاق، ويدرس كيف يجب أن يعيش الناس حياتهم ويبنون علاقاتهم مع بعضهم البعض [2]. يقول سقراط، كما نقل عنه تلميذه أفلاطون في كتاب الجمهورية، الأخلاق “ليست مجرد قضيةٍ صغيرة، بل هي مسألةٌ تتعلق بكيف يجب أن نعيش.”
تحدّث عدد من الفلاسفة عن الأخلاق، ومنهم سقراط وأفلاطون وأرسطو في اليونان القديمة، وتوماس هوبز (Thomas Hobbes) في القرن السابع عشر، وإيمانويل كانت (Immanuel Kant) وديفيد هيوم (David Hume) في القرن الثامن عشر. ولكن في هذا المقال لن نسلط الضوء على رأي فيلسوف واحد دون غيره. بل سنتحدث عن طبيعة أو حالة الأخلاق (status of morality). وهذا يعني النظر في الأحكام الأخلاقية التي نطلقها ودراسة حالتها.
ما هي الأحكام الأخلاقية؟
تختلف الأحكام الأخلاقية (moral judgements) عن الأحكام التجريبية (empirical judgements) بأن الأولى هي أحكام مجرّدة في حين أن الأخيرة هي أحكام عملية يمكن إثباتها. فمثلاً، عندما نقول أنّ الأرض تدور حول الشمس، فهذا حكمٌ تجريبيٌّ مبنيٌّ على حقائق علمية وأبحاث مثبتة. لا يمكن نفي هذا الحكم، فهو صحيح، وإذا ادّعى أحدٌ ما أنّ الأرض لا تدور حول الشمس، فيمكننا ببساطة دحض ادّعائه والحكم عليه بأنه مخطئ. إذاً، الأرض تدور حول الشمس وهذه حقيقة لا تقبل الجدل. أما إذا قلنا أنّ الأعمال الخيريّة والتبرّع هو تصرّف صحيح، فيمكن الوقوف عند هذا الحكم والاختلاف عليه. إذ يرى البعض أن هذا الحكم صحيحٌ ويمكن أن يبرروا رأيهم من خلال نقاش معين. في حين قد يعتبر البعض الآخر أنه غير صحيح، وهؤلاء أيضاً لديهم حججٌ لدعم رأيهم [3].
حالة الأخلاق The Status of Morality
كما ذكرنا، تركّز دراسة حالة الأخلاق على النظر في الأحكام الأخلاقية و طبيعتها. لا يتمحور الاهتمام هنا حول تقييم إذا كان الحكم الأخلاقي صحيحاً أم لا، بل يكمن التركيز على حالة هذه الأحكام فيما إذا كانت تمثل حقائقَ موضوعية أم ممارساتٍ ثقافية أم آراءً شخصية. تسمى هذه الدراسة بالأخلاق الفوقية أو ما وراء الأخلاق (meta-ethics). وهي لا تنظر في صحة الأحكام الأخلاقية، بل تركز على السؤال عن طبيعة هذه الأحكام وأسسها وخصائصها [4]. ومن هنا يمكن التمييز بين عدة مذاهب فلسفية تنظر في طبيعة الأخلاق، ومن بينها الموضوعية والنسبية والانفعالية [3].
الموضوعية في فلسفة الأخلاق
ترى الموضوعية (Objectivism) أنه يمكن تصنيف الأحكام الأخلاقية تحت بند “صحيحة” و”خاطئة”. وتبني الموضوعية هذا التصنيف على أساس الأدلة. فهنا يمكن اعتبار الأحكام الأخلاقية أحكاماً موضوعية كالأحكام التجريبية، أي أنها إما صحيحة بالمطلق أو خاطئة بالمطلق [3]. تبرر الموضوعية موقفها بوجود أسس وأدلة وحقائق تُمكّننا من أن نقبل أحكاماً معينة على أنها صحيحة في حين نرفض أحكاماً أخرى ونراها خاطئة [5]. وهذه الأسس لا علاقة لها بمن نكون أو إلى أي ثقافة أو مجموعة ننتمي. بل هي حقائق مستقلة عمّا يحيط بها، وهي التي تقرر فيما إذا كانت الأحكام الأخلاقية صحيحة أم لا [3].
من الاعتراضات الموجهة ضد الموضوعية هو السؤال حول آلية إثبات الحقيقة الموضوعية وراء الحكم الأخلاقي. فمثلاً يمكن إثبات حكم تجريبي من خلال الملاحظة والأدلة الملموسة، كأن نثبت دوران الأرض حول الشمس بناءً على ملاحظاتٍ فلكية وظواهر تمكن مراقبتها. ولكن لا توجد طريقةٌ يمكن فيها إثبات حقيقة حكم أخلاقي. فإذا قلنا أنّ القتل أمرٌ خاطئ، وهذا حكمٌ أخلاقي، لا يمكن إيجاد طريقة عملية لإثبات هذا. وإذا كان هنالك رأي مخالف لهذا الحكم، من الصعب اتّباع طريقة إثبات الأحكام التجريبية من أجل الوصول إلى حل لهذا الخلاف [3].
النسبية في فلسفة الأخلاق
تتفق النسبية (Relativism) مع الموضوعية أنه من الممكن للأحكام الأخلاقية أن تكون صحيحة أو خاطئة. ولكن، ترفض النسبية أن صحة هذه الأحكام أو خطأها هو أمر مطلق، بل ترى أن هذا يتوقف على الخلفية الثقافية والسياق الذي بنيت هذه الأحكام ضمنه. أي أن هذا أمر نسبي لا يقوم على أسباب أو أدلة ثابتة. فقد تتغير النظرة لحكمٍ أخلاقي ما بناءً على البيئة والمعتقدات والظروف التي تحيط به، ويختلف هذا من شخص لآخر أو من ثقافة لأخرى [3].
مثلها مثل الموضوعية، تواجه النسبية اعتراضاتٍ وتساؤلاتٍ، من بينها عدم قدرتها على تفسير التقدم الأخلاقي. فإذا كان الحكم الأخلاقي يختلف بالنسبة لثقافة الفرد أو خلفيته، من الصعب عندها فهم التقدم الأخلاقي أو كيفية تطور الأخلاقيات البشرية. مثلاً، فيما مضى، كانت العبودية أمراً عادياً ومقبولاً، ولكننا الآن لا نقبل بها ونعدّها غير أخلاقية، وهذا ما يسمى التقدم الأخلاقي الذي جعل البشرية تغير من أحكامها الأخلاقية على موضوعٍ مثل العبودية. ولكن من وجهة نظر النسبية، ينتج هذا الاختلاف في الحكم الأخلاقي نتيجة التغير في الثقافة والمجتمع. أي أنه أمرٌ نسبيٌ، إذا قبله المجتمع فهو حكمٌ أخلاقيٌ صحيح، أما إن لم يقبله فهو حكمٌ أخلاقيٌ خاطئ. وعليه، يفسّر الاختلاف بين المجتمعات قديماً والمجتمعات الحالية اختلاف الحكم الأخلاقي تجاه العبودية. هنا، تعجز النسبية عن تفسير التقدم الأخلاقي لأنها تقيس الاختلاف في الأحكام الأخلاقية بناءً على تغير المجتمعات والثقافات [3].
الانفعالية في فلسفة الأخلاق
تختلف الانفعالية (Emotivism) عن الموضوعية والنسبية في نظرتها للأحكام الأخلاقية. فهي لا توافق على أن هذه الأحكام تقبل أن تكون صحيحة أو خاطئة. بل تعتبرها مجرّد آراءٍ شخصيةٍ وتعبيرٍ عن العواطفِ في لحظة إطلاق الحكم. بعبارة أخرى، ترى الانفعالية أن الأحكام الأخلاقية هي ردة فعل على العالم من حولنا و تعبيرٌ عمّا إذا كنا نرحب بفكرةٍ ما أم نكرهها، أو إذا كنا نقبل بها أم نرفضها. وهذا المذهب يجرّدُ الفكرة الأخلاقية المعنية من كونها صحيحة أو خاطئة، فموقفنا هو الذي يتغير وفقاً لمشاعرنا [3].
ومن التحديات التي تواجهها الانفعالية هو أننا في بعض الأحيان نطلق أحكاماً أخلاقية بناءً على تفكير منطقي يقودنا إلى تلك الأحكام. ولكن وفقاً للانفعالية، الأحكام الأخلاقية هي مجرد تعبيرٍ عن العواطف، ولا وجود لأي تفكيرٍ منطقي وراءها. وهكذا لا تستطيع الانفعالية تفسير التغيّر في أحكامنا على أمر ثابتٍ بناءً على تغيّر تفكيرنا المنطقي تجاهه. على سبيل المثال، في مسرحية الملك أوديب لسوفوكليس، يتزوج أوديب والدته جوكاستا وينجب منها. مبدئياً، إذا أردنا أن نحكم على الملك أوديب لأنه تزوج والدته، سنقول أنّ هذا تصرفٌ خاطئٌ أخلاقياً. أما إذا فكرنا بحقيقة أن أوديب لم يكن يعرف أن جوكاستا التي تزوجها هي والدته، وهذا تفكير منطقي مبني على معطيات تتعلق بالحادثة، سنرى أننا قد نغير رأينا وحكمنا بأن تصرفه خاطئ أخلاقياً. ولكن الانفعالية لا تستطيع أن تفسر هذا التفكير المنطقي في الأحكام الأخلاقية لأنها ترى أنها تعبير عن عواطف وردود أفعال، وهذا أحد المآخذ ضد التفسير الانفعالي أو النظرة الانفعالية للأخلاق [3].
إذاً، تنطوي فلسفة الأخلاق على مذاهب ومقاربات عديدة تفسر طبيعة الأحكام الأخلاقية والأسباب الكامنة وراءها. وتواجه كل من هذه المذاهب اعتراضاتٍ وتحدياتٍ تضعف موقفها من جهة معينة. ولكن هذا لا يعني أن المذاهب خاطئة بالمطلق، بل هذه التساؤلات التي يوجهها أنصار مذهب ما تجاه الآخر هو ما يحفز التفكير بنظريات أخرى والخروج بدراسات جديدة لطبيعة الأحكام الأخلاقية وأُسسها.
اقرأ أيضاً: ما هي النفعية؟
المصادر:
- Stanford Encyclopedia of Philosophy – Morality
- Ethics Unwrapped
- Chrisman, Matthew, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
- Internet Encyclopedia of Philosophy – Meta-ethics
- Stanford Encyclopedia of Philosophy – Moral Relativism
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :