Ad

فن التصوير بعد الموت أو تصوير الموتى: استخدام تقنيات العصر لتذكر الأحبة

يعتبر فن التصوير بعد الموت أو فن تصوير الموتى من العادات التي سادت في أوروبا وأمريكا في القرن التاسع عشر. ويقوم على تصوير الأشخاص حديثي الوفاة بهدف تخليد ذكراهم.

كيف ظهر فن التصوير بعد الموت؟

حتى نتعرف على بداية فن التصوير بعد الموت، أو تصوير الموتى، يجب أن نعود بالزمن إلى أول عملية تصوير فوتوغرافي ناجحة. وتعرف هذه باسم (داجيروتايب – daguerreotype). وهي تقنية طورها المصور والفيزيائي الفرنسي لويس جاك-ماندي ديجير (Louis-Jacques-Mandé Daguerre)، بالتعاون مع مواطنه المخترع جوزيف نيسيفور بييبس (Nicéphore Niépce) في ثلاثينيات القرن التاسع عشر [1]. وساعد هذا الاختراع على انتشار المصورين في أوروبا، وتمكين أبناء الطبقة المتوسطة من تحمّل تكاليف التقاط صورٍ شخصية. حيث كانت هذه التكاليف أقل من رسم الصور. وفي الخمسينات من القرن نفسه، انخفضت تكاليف الداجيروتايب بسبب الاستعاضة عن الفضة المستخدمة في هذه العملية بألواح الزجاج أو الورق أو معادن أخرى [2].

وقد ساعد هذا الاختراع على انتشار فن التصوير بعد الموت. ولكن سبب هذه الظاهرة يعود بالأساس إلى رغبة ذوي المتوفى بتخليد ذكراه، والاحتفاظ بصورة معالمه الأخيرة قبل الوفاة. ويكون هذا إما عن طريق رسم لوحة، أو التقاط صورة، وهي الطريقة الأقل تكلفة كما ذكرنا [3].

انتشار فن التصوير بعد الموت

لم يكن تصوير الموتى من ابتكارات القرن التاسع عشر. فمنذ العصور الوسطى، كانت تنتشر في أوروبا ممارسة الاحتفاظ بشكل الشخص الميت بعد وفاته عن طريق النحت أو الرسم. ولكن مع منتصف القرن التاسع عشر، بدأ فن التصوير ينتشر بالمجمل، وأدى ازدياد أعداد السكان وارتفاع معدلات الوفيات إلى ظهور “سوقٍ” جديدٍ للعمل في العديد من الدول الصناعية. وهكذا برزت ظاهرة تصوير الموتى في بريطانيا وأوروبا عموماً، وفي الولايات المتحدة [3].

وقد ساعدت ثقافة الحِداد وتقاليده في العصر الفيكتوري (1837-1901) على خلق نوع من الألفة مع فكرة الموت وأجساد الموتى. فقد أصرّت الملكة فيكتوريا على ارتداء اللون الأسود طيلة حياتها بعد وفاة زوجها الأمير ألبرت. وبناءً على هذا، سارع الإنكليز، ومن بعدهم الأمريكيون، إلى العمل بتجارة الملابس والحليّ الخاصة بمناسبات الوفاة وبفترة الحِداد المطلوب الالتزام بها وفق العادات الثقافية والاجتماعية. وساعد انتشار حالات إسقاط الجنين وانتشار الأمراض كالتيفوئيد على استمرار الطلب على معدات الحِداد [4]. وطبعاً، كان المصور من أوائل الأشخاص الذين يتم استدعاؤهم إلى منزل المتوفى من أجل التقاط الصورة الأخيرة [3].

تجهيز الموتى لالتقاط صورهم

في بداية الأمر، لم يكن هنالك اهتمام بتجميل الميت قبل التقاط الصورة. ففي المراحل الأولى من هذا الفن، يمكن مشاهدة صورٍ لأشخاصٍ يخرج الدم من أفواههم. وحتى إن كانت طريقة الوفاة شنيعةً، لم يكن أحد ليحاول تجميل هذا أو إخفاءه. ولكن مع انتشار التصوير بعد الموت، أصبحت العائلات – حتى الفقيرة منها – تهتم باللباس أو الموقع الذي يتم فيه التصوير بطريقة تساعد على تذكر الشخص الميت بأبهى حلة ممكنة [3].

وقد بدأت عادات مختلفة بالظهور في أمريكا وأوروبا. حيث كانت بعض العائلات في أمريكا تضع صور الموتى بإطارات خاصة. أما في أوروبا، كان البعض يقوم بعرض الصور كي تبقى ذكرى الشخص الميت محفوظة لدى الغير. فقد كان من غير المستغرب أن تجد صوراً للموتى في الصحف المحلية مثلاً. حتى أنه تم تصوير بعض الشخصيات المشهورة بعد وفاتهم، مثل الكاتب الفرنسي فكتور هوغو وتم عرض صورهم [3].

مثال عن تصوير بعد الموت – مشاهير – فكتور هوغو
مثال عن تصوير بعد الموت – مشاهير – فكتور هوغو
المصدر

الوضعيات في الصور الملتقطة بعد الموت

في دراسة أجراها ثلاثة باحثين من جامعتي إنسوبريا (University of Insubria) وروما سابينزا (Sapienza University of Rome) في إيطاليا، تم تصنيف صور الموتى في ثلاث وضعيات رئيسية، إضافة إلى وضعية إضافية رابعة [5].

النمط الأول هو “النوم الأخير”، ويكون فيه الميت في وضعية الاستلقاء على سرير أو أريكة. ويضفي تموضع الجثة والمساحيق المستخدمة لتجميلها حالة صفاءٍ وسكينة. وفي بعض الحالات، كان يوضع عند رأس الميت نسخة من الكتاب المقدس، وتنثر الأزهار بجانبه دلالة على حالة الموت. وكان الهدف من هذا التأكيد على اللحظة التي تفارق فيها الروح الجسد [5].

مثال عن تصوير بعد الموت - النمط الأول
مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الأول
المصدر

أما النمط الثاني فيمكن تسميته “حيّ ولكن ميت”، وتعكس هذه الوضعية حالة نكران أو رفض للموت. إذ يستخدم المصور مهارته وخبرته من أجل إيقاف الجثة بدلاً من جعلها مستلقية. ويمكن هنا استخدام قضبان مخبأة لتدعيم الجثة، أو أعواد خشبية لإبقاء العينين مفتوحتين. وقد كان البعض يقوم برسم العينين على الصورة بعد انتهائها.

مثال عن تصوير بعد الموت - النمط الثاني
مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الثاني
المصدر

النمط الثالث يقوم على وضع الشخص الميت بين أفراد العائلة وأخذ صورة جماعية. لا يمكن هنا تمييز الميت عن الأحياء بسهولة. ولكن بعد القليل من التدقيق في الصورة، تمكن ملاحظة الشخص الذي تغيب الحياة من نظراته، وفي الغالب يكون موضوعاً في وسط الصورة ليبدو “حياً مع الأحياء” [5].

مثال عن تصوير بعد الموت - النمط الثالث
مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الثالث
المصدر

والنمط الإضافي الرابع هو عبارة عن طريقة كانت تُستخدم حتى عند تصوير الأطفال ممن هم على قيد الحياة. كانت تجلس الأم وتحمل طفلها، ولكنها كانت تُغطى بقطعة قماش كي لا تظهر في الصورة. وكان الهدف إبقاء الطفل هادئاً مدة التصوير، مع الحفاظ على وجوده وحيداً في الصورة. وفي التصوير بعد الموت، كانت تستخدم هذه الطريقة أحياناً مع الأطفال المتوفين، الذين كانوا يبدون وكأنهم أحياء بسبب قيام المصور بتلوين الوجنتين بلون وردي [5].

مثال عن تصوير بعد الموت - النمط الرابع
مثال عن تصوير بعد الموت – النمط الرابع
المصدر

هل استمر فن التصوير بعد الموت؟

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، انخفض انتشار ظاهرة تصوير الموتى في أمريكا، وتبعه انخفاض في أوروبا خلال القرن العشرين. حيث أصبحت حالات الوفاة تحدث في المستشفيات أكثر منها في البيوت، الأمر الذي جعل من الموت جزءاً من الممارسات الطبية. وهذا ما فرض قيوداً على المصورين في ممارسة عملهم [3].

هنالك مظاهر أخرى لفن تصوير الموتى وخاصة في فترات الحروب. ويمكن أخذ مثال على هذا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث كان يتم تصوير الجنود القتلى. وكانت الصورة هي الجسر الوحيد الذي يصل بين من قُتل في الحرب وأهله الذين ينتظرون عودته. ولكن هذه الممارسة تختلف بعض الشيء عما كانت عليه في بداية هذا الفن. ومع تزايد الحروب، أصبح لتصوير القتلى والأموات طابعٌ آخر وأهدافٌ مختلفة قليلاً عن مجرد تذكر شخص محبوب في العائلة [6]. وهذا نمط مختلف من التصوير من الممكن أن يشكل موضوعاً مستقلاً للدراسة.

اقرأ أيضاً: طقس “فاماديهانا”، لماذا يرقص شعب مدغشقر مع موتاهم؟

المصادر

  1. Britannica
  2. BBC
  3. Daily History
  4. Clara Barton Missing Soldiers Office
  5. Borgo, Melania & Licata, Marta & Iorio, Silvia. (2016). “Post-mortem Photography: The Edge Where Life Meets Death?Human and Social Studies. 5. 10.1515/hssr-2016-0016.
  6. Penfold-Mounce, Ruth, et al. Photography and Death: Framing Death Throughout History. pp. 1-17. United Kingdom, Emerald Publishing Limited, 2020.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر تاريخ فنون تراث

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق