Ad

توصل الباحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في فهمنا لسرطان الثدي، وهو الورم الخبيث الأكثر شيوعًا الذي يصيب النساء في جميع أنحاء العالم. وجدت دراسة حديثة، نشرت في 6 مايو في (Proceedings of the National Academy of Science)، وجود صلة صادمة بين النظام الغذائي، ونوع من بكتيريا الأمعاء، وسرطان الثدي. كشفت الدراسة التي أجراها إيروي سونج، جراح سرطان الثدي في مستشفى صن يات سين التذكاري في غوانجو (Guangzhou)، الصين، أن اتباع نظام غذائي غني بالدهون يزيد من عدد بكتيريا منتزعة الكبريت (Desulfovibrio) في الأمعاء، والتي تثبط بدورها جهاز المناعة و تسرع نمو الورم.

قام فريق البحث بجمع بيانات 61 شخصًا مصابًا بسرطان الثدي، ووجدوا أن أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم مرتفع (BMI) لديهم فرص أقل في البقاء على قيد الحياة. ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الفئران لاستكشاف هذا الارتباط بشكل أكبر، ووجدوا أن الفئران التي تغذت على نظام غذائي غني بالدهون كان لديها المزيد من بكتيريا منتزعة الكبريت ومستويات مرتفعة من الخلايا المثبطة للمناعة. يمكن أن يثير هذا الاكتشاف أفكارًا جديدة لعلاجات سرطان الثدي، خاصة في سياق السمنة.

العالم الخفي لميكروبات الأمعاء

تلعب ميكروبات الأمعاء، التي تضم أكثر من 1000 نوع مختلف، دورًا حيويًا في عمليات التمثيل الغذائي لدينا، حيث تؤثر على كل شيء بدءًا من الهضم وإنتاج الطاقة إلى وظيفة الجهاز المناعي وحتى نشاط الدماغ. يمكن تصنيف هذه الكائنات المجهرية على نطاق واسع إلى ثلاث فئات رئيسية وهم (Bacteroidetes)، (Firmicutes) و(Actinobacteria). تحتوي كل واحدة من هذه الفئات على العديد من الأنواع، بعضها مفيد، والبعض الآخر يمكن أن يكون ضارًا بصحتنا.

يعد التوازن الدقيق بين هذه الكائنات الحية الدقيقة أمرًا بالغ الأهمية، حيث أن عدم التوازن، المعروف أيضًا باسم اختلال الميكروبيوم (Dysbiosis)، قد يؤدي إلى أمراض مختلفة، بما في ذلك السمنة والسكري، وحتى أنواع معينة من السرطان. وقد أظهرت الدراسات أن ميكروبيوم الأمعاء المتغير يمكن أن يؤدي إلى إنتاج السموم، وزيادة الالتهاب، وضعف وظائف المناعة، وكل ذلك يمكن أن يخلق بيئة مواتية لنمو السرطان.

3. كشف سر بكتيريا الأمعاء والنظام الغذائي

تعد الأمعاء البشرية موطنًا لتريليونات الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك بكتيريا منتزعة الكبريت، المعروفة بأنها تزدهر في البيئات الغنية بمركبات الكبريت. وفي سياق اتباع نظام غذائي غني بالدهون، يبدو أن هذه البكتيريا تتكاثر، مما يؤدي إلى تثبيط جهاز المناعة وتسريع نمو الورم. ولكن كيف يحدث هذا؟

أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه العملية هو حمض الليوسين الأميني (Leucine)، الذي تنتجه بكتيريا منتزعة الكبريت كمنتج ثانوي لعملية التمثيل الغذائي الخاصة بها. تخيل الليوسين كشخص يُرسَل من بكتيريا الأمعاء إلى الجهاز المناعي، قائلاً: “استرخِ، لا تهتم بمحاربة الخلايا السرطانية، لقد تمكنت من السيطرة على هذا الأمر”. ردًا على ذلك، يأخذ الجهاز المناعي خطوة إلى الوراء، مما يسمح للخلايا السرطانية بالتكاثر دون رادع.

عندما تم تغذية الفئران بنظام غذائي غني بالدهون، زادت مستويات الليوسين في دمها، مما أدى إلى زيادة في الخلايا المثبطة للمناعة تسمى الخلايا المثبطة نقوية المنشأ (Myeloid-derived suppressor cell). يمكن لهذه الخلايا أن تثبط الاستجابة المناعية، مما يخلق بيئة مواتية لنمو الورم.

ووجد الباحثون أنه عندما عالجوا الفئران بالمضادات الحيوية التي استهدفت بكتيريا منتزعة الكبريت، عادت مستويات الليوسين و (MDSCs) إلى وضعها الطبيعي. يشير هذا إلى أن العلاقة بين النظام الغذائي الغني بالدهون وبكتيريا منتزعة الكبريت وسرطان الثدي تتم بواسطة الليوسين.

ولكن ماذا عن البشر؟ هل تطبق نفس الآليات؟ وجدت الدراسة أن النساء المصابات بسرطان الثدي اللاتي لديهن مؤشر كتلة جسم أعلى (BMI)لديهن مستويات أعلى من الليوسين و (MDSCs) في دمائهن، مما يعكس النتائج في الفئران. وهذا يعني أن العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والنظام الغذائي وسرطان الثدي لا تقتصر على النماذج الحيوانية، بل لها آثار كبيرة على صحة الإنسان.

طرق جديدة لعلاج سرطان الثدي والوقاية منه

تخيل مستقبلًا لا يشمل فيه علاج سرطان الثدي العلاج الكيميائي والإشعاعي التقليدي فحسب، بل يشمل أيضًا المعززات الحيوية والغذاء. فمن خلال التلاعب بالميكروبيوم المعوي، قد يتمكن الأطباء من تعزيز فعالية علاجات السرطان وتقليل خطر تكرار المرض.

أحد الأساليب المحتملة هو تطوير الأدوية التي تمنع إنتاج الليوسين بواسطة بكتيريا منتزعة الكبريت، وبالتالي تقليل تثبيت الجهاز المناعي. وبدلاً من ذلك، يمكن للباحثين استكشاف استخدام البكتيريا المفيدة التي تتفوق على منتزعة الكبريت، مما يخلق ميكروبيومًا أكثر صحة في الأمعاء ويعزز الاستجابة المناعية القوية.

يمكن للتدخلات الغذائية أيضًا أن تلعب دورًا حاسمًا في الوقاية من سرطان الثدي وعلاجه. من خلال الترويج لنظام غذائي متوازن منخفض الدهون وغني بالألياف، قد يتمكن الأفراد من تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي. علاوة على ذلك، يمكن تصميم خطط التغذية الشخصية لتحسين ميكروبيوم الأمعاء، مع الأخذ في الاعتبار الملف الجيني الفريد للفرد واحتياجاته الغذائية.

وتمتد آثار هذا البحث إلى ما هو أبعد من سرطان الثدي، حيث من المرجح أن يكون للعلاقة بين بكتيريا الأمعاء والمرض عواقب بعيدة المدى على فهمنا لصحة الإنسان. وبينما نواصل كشف أسرار الميكروبيوم، قد نكشف عن استراتيجيات جديدة للوقاية من مجموعة من الأمراض وعلاجها، بدءًا من الاضطرابات الأيضية وحتى أمراض المناعة الذاتية.

المصادر:

nature

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


صحة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 100
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق