التبني هو علاقة يقوم فيها زوجان أو أسرة بالحصول على صلاحية انضمام طفلٍ لا يمكن لوالديه البيولوجيين تربيته لأي سبب. فيعتبر نقلًا قانونيًا لجميع حقوق الطفل إلى الزوجين أو الأسرة، ويتوجب على الوالدين المتبنيين الالتزام بحقوق الطفل، من رعاية كاملة وتربية، فيحصل على جميع الفوائد العاطفية والاجتماعية[1]. سنتناول في هذه المقالة لمحة تاريخية عن التبني، وسنحاول معرفة هل التبني تجربة اجتماعية أم تحدٍ تربوي؟
محتويات المقال :
لمحة تاريخية عن التبني
يوجد مفهوم التبني في مختلف الثقافات والبلدان ويمكن أن نتتبعه حتى روما القديمة، حيث المنشأ، متتبعين رحلة تطوره قوميًا ثم دوليًا.
ظهرت الصورة الأولى لنظام التبني في القرن السادس. فحسب نصوص القانون الروماني Codex Justinianeus. فإنه يمكن للحاكم أو البطريرك أن يستعين بطفل من أسرة أخرى “نبيلة” في حالة احتمالية وفاته دون وريث”ذكر”. فكان هدفه تقليديًا هو مواصلة خط الذكور لأغراض الإرث والوراثة؛ وكان معظم المتبنين من الذكور. إذ تلجأ الأسرة الحاكمة لتبني طفل من أسرة ذات عدد كبير من الأطفال. فيتمتع هذا الطفل بكافة الحقوق التى قد يتمتع بها الطفل الحقيقي للأسرة في حال وجوده. كما يرث كباقي أفراد الأسرة الجديدة.
واستمر التبني في هذا السياق إلى حدود الإمبراطورية البيزنطية (330 إلى 1453) حتى أواخر العصور الوسطى (1300 إلى 1500) . ثم بدأت القوانين تتغير، إذ لم يسمح القانون الفرنسي بالتبني، كما حظر القانون الإيطالي والقانون العام الإنجليزي التبني حظرًا صريحًا. وذلك بسبب التحول في السياسية خلال تلك الفترة (فترة العصور الوسطى). إذ أُعيدت صياغة قوانين المواريث وأصبح الميراث قاصرًا على صِلات القرابة بالدم فقط. في محاولة للحفاظ على أعراق الأسر المالكة والتحكم في الثروات المملوكة لها.
في ذلك الوقت، كان هناك أطفال بحاجة للتبني، ومع حظر تبنى الأطفال، بدأ إيداع الأطفال فاقدي العائل في مبانٍ وطنية أو مراكز دينية. حيث اعتنى بهم مسؤولي الدير أو المؤسسة الدينية. وعندما يشتد عضد الطفل ويكبر، يقوم بالخدمة في هذا الدير أو المؤسسة التي تولت رعايته. ومع تزايد عدد الأطفال عديمي المأوى، بدأت الكنيسة في تنظيم الممارسة المؤدية إلى ظهور دور الأيتام الرسمية الأولى في أوروبا.
ثم توسعت مراكز الرعاية تلك بسرعة إلى خارج الكنيسة. وسرعان ما تم الزّج بالأطفال كقوة عاملة في القطاع العام والخاص دون النظر إلى حقوقهم من الدعم. ثم ولدت فكرة استعباد الكفلاء كفرصة لنقل الأطفال من دور الأيتام المزدحمة إلى كفالة أُسر تُعلم الطفل حرفة أو مهنة ليعول نفسه أو أسرته الكافلة. وغالبًا ما يتم إجبارهم على التلمذة الصناعية تلك حتى بلوغهم سن الرشد.
واستمر هذا الشكل من العبودية بإسم التبني حتى متصف القرن التاسع عشر. حين ظهر سياق أيديولوجي جديد وهو النظر في أهمية دور الجماعة في حياة الفرد. فبرزت أهمية رفاه الأطفال عديمي الأُسر، واعتبار التبني وسيلة لتعزيز مصلحة الطفل وتوفير مناخ أفضل لتنشئته.[2]
أول قانون للتبني
في عام 1851، صدر قانون ماساتشوستس لتبني الأطفال. والذي يقتضي بضرورة تأكد القاضي من حصول الوالدين المتبنيين على موافقة الوالدين البيولوجيين أو الوصي على الطفل. بالإضافة إلى ضرورة التأكد وإثبات القدرة والإمكانات الكافية لتربية الطفل المتبني بما في ذلك توفير فرصة التعليم المناسبة له. وتُترك الموافقة على قرار التبني للقاضي. مما جعل مسألة التبني إحدى شؤون الدولة وتتم تحت إشرافها. ويعتبر قانون ماساتشوستس هو أول قانون تبني يهدف إلى حماية حقوق الطفل.[3]
واستمرت فكرة التبني في النمو والتحور مرورًا بفكرة قطارات الأيتام وذلك نتيجة اكتظاظ دور الأيتام بالأطفال بعد أن أوقفت الحرب الأهلية حالات التبني. فجاء تشارلز لورينغ برايس، مدير جمعية نيويورك لمساعدة الأطفال بفكرة قطارات الأيتام، وهي فكرة قائمة على نقل الأطفال من المدن مثل نيويورك وبوستن إلى الغرب الأمريكي، لتتبناهم أُسر تقوم على رعايتهم وتشغيلهم في نفس الوقت. وقد كانت بعض تلك الأسر جيدة وصالحة بينما كان بعضها الآخر سيئًا وغير مُخول برعاية الطفل، إذ تعرضه لأسوأ معاملة.[4]
التبني دوليًا
بدأ تاريخ التبني الدولي بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية. إذ أُرسل الأطفال اليتامى من ألمانيا إلى الأسر في اليونان واليابان وحتى الولايات المتحدة. فكانت الأسر في الولايات المتحدة ترسل وكيلًا إلى المحكمة لإكمال إجراءات عملية التبني في بلد المنشأ للطفل. ولهذا وصفت بكونها “تبني بالوكالة”. وقد استمرت بل وتزايدت عمليات التبني تلك، خاصة في أعقاب الحروب الفيتنامية والكورية.
استمر”التبني بالوكالة” حتى عام 1955، حينما مارس هاري وبيرثا هولت الضغط على الكونجرس لتولي مسؤولية عمليات التبني المستجدة. فأُنشئت أول وكالة دولية للتبني باسم وكالة هولت الدولية لخدمات الأطفال. والتى ما تزال قائمة حتى اليوم.[5]
التبني حتى يومنا هذا
منذ الستينات، نما نشاط الوكالات في تحديد أو تصنيف الأطفال المنتظرين في دور الرعاية. فقد وصف بعضهم بأن لهم احتياجات خاصة بعد تشخيص إعاقة. أو صنّفوا حسب أعمارهم، أو تم وضعهم كمجموعات أخوية. وقد يصنفون حسب العرق أيضا. ومنذ تلك الفترة زاد قبول تبني الأطفال ذوي الرعاية الخاصة للإهتمام بتعليمهم. واستمرت عمليات التبني في التوسع والإزدياد، فعندما فتحت الصين أبوبها أمام فرص التبني عام 1992، ارتفعت أعداد حالات التبني إلى عنان السماء.[6]
وخلال عام 2004 (ذروة التبني الدولي) تمت 22.990 حالة تبني من بلد أجنبي إلى الولايات المتحدة. وخلال العام نفسه حدثت 45.288 حالة تبني في العالم كله. وقد اكتسب الأمر أهمية بالغة لضمان حق الطفل المُتبنى في التعليم، فقد نشأت اتفاقية لاهاي عام 1993 لتكفل حقوق الطفل المدفوعة والحرص على أخلاقية ومشروعية إجراءات التبني. خاصةً بعد إحاطة أكثر عمليات التبني الدولي بشائعات الفساد مما أدى إلى إغلاق بعض الدول أبوابها وقوانينها الباب في وجه عمليات التبني عامةً.[7]
الأبوة والأمومة سلوك يتسم بالتحدي لأطفال التبني
يواجه الآباء بالتبني معرفة ما الذي يدفع طفلهم إلى التصرف بالطريقة التي يتصرفون بها وما يمكنهم فعله لمساعدتهم على التعامل.
من المهم إدراك واستيعاب أن الصدمة النفسية التي عانى أو يعاني منها الطفل قبل أن ينضم لأسرتك يمكن أن تظهر في سلوكه، مستواه التحصيلي،.. فلابد من استيعابها وتسلحك بالموارد المناسبة للتعامل مع الطفل وتهذيبه ودعمه. ولتعلم أن مرحلة انتقال الطفل إلى منزلك ليست النهاية، وأنها مرحلة خطرة لابد من الاستعداد المناسب لها. فمن المهم إدراك تلك الحقيقة الصعبة. فبناء المهارات للوالدين مهمة ليست سهلة وعلينا أن نقوم بالعمل لمعرفة ما يحتاج إليه طفلنا كي ينجح، كما نحتاج أيضًا إلى معرفة ما يجري داخلنا والذي قد يحوُل دون نجاح الطفل في بيوتنا.
علي مدى سنتين، أجريت دراسة على بعض الأطفال المُتبنين مؤخرًا من مؤسسات الرعاية، يظهر الأطفال تحسنًا كبيرًا لكن غير كامل من ناحية معالم النمو. فقد بُنيت الدراسة على الفحص البدني وتقييم كفاءة عمل الغدد ونمو العظام، كذلك الاختبارات المعرفية العصبية، والفحوصات السلوكية. خلصت الدراسة إلى أن الأطفال يعانون من عجز وخلل في النمو المعرفي مع تحسن الضوابط والمؤثرات. فالتماسك الأسري وإتاحة فرصة التعبير عن الذات عاملان مهمان للتطور السلوكي المعرفي، ويطوران مشاكل سلوكية أقل. والعكس، فالتنازع الأسري وزيادة فرض القواعد والتقييد يطوران خللا معرفيا وسلوكيا.[8]
إذ تؤدي البيئة الأسرية المتماسكة إلى تخفيف حدة المحن والخبرات القاسية السابقة لدي الأطفال الصغار. بينما تركز النزاعات الأسرية على تذكر الشدائد السابقة.
وتؤثر عوامل أخرى كثيرة على نمو الطفل. فهناك عاملان يشيعان عند آباء الأطفال الحاضنين أو المتبنين هما الصدمة وتأخر النمو. فكما ذكرنا سابقًا فإن سوء الأحوال الأسرية هو مجرد مثير للصدمة التي تعرض لها الطفل سابقًا. والتأخيرات في النمو يمكن أحيانًا أن تكون سابقة أو تتعايش مع الصدمات الناجمة عن الإساءة أو الإهمال التي تعرض لها أطفالنا.
المسائل السلوكية والعاطفية في الأطفال المتبنين
إن الأطفال المتبنين لديهم سلوكيات واحتياجات فردية كمثل الأطفال الطبيعيين، بل قد تتطلب السلوكيات التي طورت وتشكلت في الحياة المؤسسية أو دور الرعاية، بالإضافة إلى تلك التي تنتج عن اضطراب كبير في الحياة أو نتيجة التعرض إلى صدمة، اهتمامًا خاصًا. والأسرة المتبنية هي المسؤولة عن تولي مهام التربية والتهذيب والتطوير، والأخذ في الاعتبار أن المعاملة المناسبة للطفل المتبني ذو التاريخ المختلف من الخبرات والصدمات قد تكون مختلفة عن المعاملة المناسبة للأطفال البيولوجيين، إنه حقًا تحدٍ كبير!
قد يكون للأطفال المتبنيين مشاكل سلوكية مثل نوبات الغضب العنيفة أو التحفيز الذاتي الحسي في أوقات التوتر أو الإثارة، وقد يمتثلون أيضًا لسلوكيات مُعارضة أو عدوانية أو اكتئاب أو قلق.
كما قد تؤثر الاختلافات الثقافية أيضًا على سلوك الطفل بطرق لا يسهل على الأسرة إدراكها. كما قد يصعب على الأطفال الجدد في الأسرة (المتبنون) فهم عواطف الآخرين مما يتسبب في حدوث فجوة اجتماعية. من الممكن أيضًا أن تتعارض السلوكيات السابق تطورها ( في دور الرعاية) مع السلوكيات الجديدة المرغوبة أو غير اللائقة في الأسرة. لعل أحد أهم المعضلات هو التعلق، التعلق وتنمية الثقة بين الطفل وأفراد الأسرة، والأسرة كلها ككيان. والسنوات القليلة الأولى في حياة الفرد هي الأضعف والأنسب لتطور التعلق، فيعتبر زرع الثقة والأمان في نفس الطفل تحديا كبيرا، يولد النجاح فيه التعلق ونمو الإحساس بالإنتماء لدى الطفل.[9]
التبني والصحة العقلية
تبين بعض الدراسات التي أجرتها الولايات المتحدة أن الأطفال المتبنين معرضون لمشاكل عاطفية وسلوكية أكثر من الأطفال غير المتبنين.
وعندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين التبني والصحة العقلية، فالمعرفة هي القوة. وبوصفك أحد الوالدين، فإن مجرد إدراك أن طفلك قد يتعرض لواحدة أو أكثر من أي مشاكل قد تؤثر على صحته العقلية يشكل خطوة أولى هامة. ولأن الأطفال غير قادرين عادة على التعبير أو حتى تحديد ما يشعرون به، فمن غير المرجح أن يطلبوا المساعدة. من خلال تثقيف نفسك عن المشاعر التي يعيشها المتبنون نتيجة تبنيهم، يمكنك توفير دعم أفضل يحتاج إليه طفلك.
عادة ما يحتاج الطفل الذي يصارع أي اضطراب اكتئابي أو قلق أو سلوك إلى خطة علاج متعددة الأوجه لمعالجة السلوك و الوصول للاستقرار العاطفي في المنزل وفي المدرسة وفي البيئة الاجتماعية. اعتمادًا على عوامل مثل عمر الطفل وشدة الاضطراب، قد يشمل العلاج شكلًا من أشكال العلاج التفاعلي مثل الفن أو المغامرة أو الموسيقى أو اللعب. هذه العلاجات يمكن أن تساعد في التواصل مع مشاعرالطفل وتعلمه السلوكيات الإيجابية. وبينما تتابع العلاج لطفلك، لا تهمل بقية العائلة. فالمرض العقلي هو مرض يصيب كل شخص في المنزل. والواقع أن متلازمة الاكتئاب بعد التبني هي حالة معروفة لدى الآباء الذين تبنوا طفلاً مؤخراً. الأعراض مشابهة للاكتئاب بعد الولادة في الآباء والأمهات.[10]
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :