Ad
هذه المقالة هي الجزء 1 من 11 في سلسلة مدخل إلى الفلسفة وفروعها

ما هي الفلسفة؟ وكيف يمكن شرح علاقتها بالعلوم الأخرى؟

صحيح أن معنى كلمة “فلسفة” هو “محبة الحكمة”، ولكن الحكمة لا تعني فقط توخي الحيطة في حياتنا. بل تدلّ أيضاً على معرفة كل الأشياء التي باستطاعة الإنسان أن يعرفها [1]. في الواقع، لا يمكن فصل الفلسفة عن العلوم الأخرى، بل على العكس، يمكن تطبيق جميع المفاهيم والطرق الفلسفية على جميع مجالات الدراسة والعلوم [2].

ما هي الفلسفة؟

عندما نطرح سؤال “ما هي الفلسفة؟” فنحن نغوص في عالم ما وراء الفلسفة (metaphilosophy). ويمكن تعريف هذه الدراسة على أنها استكشافٌ لطبيعة الفلسفة، أي معناها وكيفية ممارستها. وهذا وفقاً لشرح الفيلسوف البولندي/الأمريكي موريس لازروويتز (Morris Lazerowitz) [1].

كما يمكن تصنيف هذا السؤال على أنه فلسفة الفلسفة (the philosophy of philosophy). وهذا يعني تطبيق طرق الفلسفة على الفلسفة بحدّ ذاتها، حسب ما يرى الفيلسوف النمساوي/الإنكليزي لودفيغ فيتغنشتاين (Ludwig Wittgenstein) [1].

حتى الآن، نحن لم نجب على سؤالنا، بل كنا نشرح طبيعة هذا السؤال والمجال الذي يدور فيه.

كيف يمكن تعريف الفلسفة؟

والآن، إذا أردنا جواباً بسيطاً لسؤالنا، يمكننا القول بأن الفلسفة هي النشاط الذي نقوم به لاكتشاف الطريقة الصحيحة للتفكير بشيء ما. وفكرة تصنيف الفلسفة على أنها “نشاط” هي فكرة مهمة، تنطوي على ممارسة دائمة لهذا النشاط حتى نفهم ماهيته فعلاً [3].

أما إذا أردنا التعمق أكثر، والذهاب مع المنحى الفلسفي الغربي، فيمكن تقسيم دراسة ما وراء الفلسفة إلى ثلاث مجموعات، وذلك حسب كل من التحليلية (analytic philosophy)، أو البراغماتية (pragmatism)، أو القارية (continental philosophy). لنلقِ نظرة عامة على وجهات النظر الثلاثة، وكيف يُعرّف كل منها الفلسفة [1].

تعريف الحركة التحليلية للفلسفة

تذهب الحركة التحليلية إلى أن الفلسفة يجب أن تبدأ من تحليل القضايا. حسب آراء اثنين من رواد هذه الحركة، وهما فيتغنشتاين و بيرتراند راسل (Bertrand Russell)، يعطي هذا التحليل دوراً رئيسياً للمنطق، ويهدف إلى كشف التركيب العميق للعالم [1].

تعريف البراغماتية للفلسفة

أما وجهة النظر البراغماتية، فتعتبر أن الفلسفة يجب أن تُعنى بمشاكل حقيقية. ويرى بعض البراغماتيين الجدد أمثال الأمريكي ريتشارد رورتي (Richard Rorty) أنه يتوجب على الفيلسوف أن يصيغ فلسفته بطريقة تعزز أهدافه الثقافية والاجتماعية السياسية [1].

تعريف المدرسة القارية للفلسفة

وبالنسبة للمدرسة القارية وعلم الظواهر (Phenomenology) المرتبط بها، تُعتبر الفلسفة علماً عميقاً وتأسيسياً. ويرى الفيلسوف إدموند هوسرل (Edmund Husserl) أن الفلسفة هي قضية شخصية، بالإضافة لكونها شيئاً جوهرياً لإدراك التطلعات الإنسانية للتنوير [1].

يمكن البحث بعمق في هذه المذاهب وما انبثق عنها من أجل الوصول إلى تعريف للفلسفة، أو إلى رؤية لأهدافها وكيفية ممارستها. ولكن لدى القيام بذلك، سيصادف الدّارس آراءً كثيرةً لا تخلو من الاختلاف (وربما الخلاف!). كما أن التقسيمات الفرعية لكل مدرسة أو مذهب، وتصنيف الفلاسفة في أيّ منها، هو موضوع جدلي لا يوجد إجماع عليه. لذلك، سنركز على التعريف البسيط والذي يأخذ منحى عاماً، وننطلق منه لفهم طبيعة الفلسفة وصلتها بالعلوم الأخرى أو مظاهر الحياة اليومية.

ما علاقة الفلسفة بالعلوم الأخرى؟

سنعود إلى التعريف البسيط الذي اقترحه د. ديفيد وورد (David Ward) من جامعة إدنبرة، والذي يشرح فيه أن الفلسفة هي عبارة عن النشاط الذي نسعى من خلاله لاكتشاف الطريقة الصحيحة للتفكير بشيء ما. ومن هنا، يمكننا ربط الفلسفة مع علوم ومواضيع أخرى. فنحن نستخدمها لاكتشاف طريقة صحيحة للتفكير بشيء ما، وهذا الشيء قد يكون شيئاً عادياً في حياتنا، أو قد يكون أحد العلوم الأساسية [3].

لا نستطيع تجاهل أن كل العلوم ومجالات الدراسة تهدف إلى التفكير بمواضيعها بالطريقة الصحيحة. لكن الفرق هنا يكمن بين التفكير بالموضوع محور الاهتمام والبحث عن طريقة صحيحة للتفكير به [3].

بالطبع تتراوح أهمية هذا وفقاً للشيء الذي نفكر فيه. فيمكننا تطبيق التفكير الفلسفي على أمر عادي أو بسيط. مثلاً، قد يتساءل المرء: “هل أذهب اليوم إلى السينما؟” ويبدأ عندها بالتفكير بالأسباب التي قد تجعله يذهب والأسباب التي قد تمنعه، ويحللها ويربطها ببعضها حتى يصل إلى نتيجة “يذهب” أم “لا يذهب”. كما يمكن تطبيق هذا التفكير على أحد العلوم الأساسية والمهمة كالفيزياء أو الطب. ومن الواضح أن الفرق في الأهمية بين تطبيق التفكير الفلسفي في الحالتين يرجع إلى الموضوع محور التفكير: الذهاب إلى السينما / علم أساسي (الفيزياء أو الطب). في الحالة الثانية، علينا أولاً البدء بالعلم ومعرفة أهدافه أو المشاكل التي يسعى لحلها حتى نستطيع أن نطبق الفلسفة عليه [3].

يسعى علم الفيزياء، على سبيل المثال، إلى دراسة الطبيعة المادية عبر إجراء التجارب والقياسات وصياغة النظريات. أما ممارسة الفلسفة بالنسبة للفيزياء، فتتمثل بطرح أسئلة من قَبيل: ما المقصود “بالطبيعة المادية”؟ وكيف يمكن لنتائج تجربة ما أن تؤكد فرضية ما أو تنقضها؟ والهدف هنا هو التوصل إلى الطريقة الأمثل في دراسة الفيزياء بعد الإجابة على تلك الأسئلة التي تستهدف صلب اهتمامه وأساسياته [3].

يوضح هذا المثال البسيط علاقة الفلسفة بعلوم أخرى، الفيزياء هنا. فالمقاربة الفلسفية للقضايا تتضمن طرح أسئلة حول الافتراضات التي قد تكون من المُسلّمات، وتدفعنا لإثارة تساؤلات حولها والتفكير فيما إذا كنا نأخذها بالطريقة الصحيحة.

هل الفلسفة مهمة؟

نعم ولا في الواقع! يمكننا القول بأنها مهمة وغير مهمة في آنٍ واحد.

فمن جهة، يمكننا دائماً طرح أسئلة فلسفية حول أي قضية تمر بنا أو أي مسألة تواجهنا. وهذا يتضمن التفكير في القضية المعنية من مسافة أبعد، والتساؤل حول الافتراضات الموجودة فيها وفيما إذا كانت فعلاً صحيحة أم لا. ولكن من جهة أخرى، ليس بالضرورة أن نقوم بهذا. فمن الممكن أن نمارس أنشطة عديدة دون تطبيق مقاربة فلسفية تجاهها [3].

ما هي طريقة التفكير الفلسفي؟

يعتمد التفكير الفلسفي على عناصر أساسية، وهي المقدمات المنطقية (premises)، والنتيجة أو الخلاصة (conclusion). ويقوم التفكير الفلسفي على دراسة المقدمات وطريقة استنتاج الخلاصة منها، ثمّ الحكم عليها فيما إذا كانت صحيحة أو مقبولة، أم لا [3].

لمزيد من التفاصيل عن طريقة التفكير، يمكن قراءة: تقييم الحجة لممارسة التفكير النقدي.

طريقة التفكير الصحيحة

هل حقاً يمكننا إيجاد الطريقة الصحيحة للتفكير بشيء ما؟

السؤال هنا: هل توجد فعلاً طريقة صحيحة واحدة للتفكير بشيء ما؟ وكيف يمكننا أن نتأكد بأننا وصلنا إلى هذه الطريقة الصحيحة؟

في الحقيقة، لا تمكن الإجابة عن هذه التساؤلات، وهذا ما يؤكد الفكرة السابقة أنه يمكننا طرح أسئلة فلسفية تجاه أي موضوع، بما في ذلك تعريف الفلسفة بحد ذاتها. وهذا يأخذنا إلى الفكرة في بداية المقال عن وجهات النظر الثلاثة حول تعريفها. فلا يوجد تعريف واحد وصحيح. وهذا ينطبق على طريقة التفكير التي تسأل الفلسفة عنها. إذ لا يمكن التوقف عن طرح أسئلة فلسفية، ففكرة البحث عن طريقة تفكير أخرى في موضوع ما، ودراسة الافتراضات الموجودة في أحد العلوم أو المواقف التي نواجهها، هو الحافز الذي يبقي سلسلة الأسئلة الفلسفية قائمة ومستمرة [3].

ويمكننا بناءً على ذلك أن نفكر ببعض المفاهيم الأساسية – كالأخلاق أو المعرفة أو القانون، على سبيل المثال لا الحصر – من منظور فلسفي ونسأل أنفسنا: هل هذه المفاهيم هي صحيحة كما نعرفها؟ هل يجب أن نقتنع بالمعرفة التي نملكها عنها؟ أم يمكننا أن نذهب إلى ما وراء ذلك؟ هل هنالك ما يُلزمنا بالحفاظ على ثبات هذه المفاهيم كما عرفناها؟

سنجيب على هذه الأسئلة – أو على الأقل سنحاول ذلك – في مقالات لاحقة تكون الفلسفة والمقاربة الفلسفية محوراً أساسياً فيها.

المصادر:

  1. Internet Encyclopedia of Philosophy
  2. Philosophy and Other Disciplines
  3. Ward, Dave, et al. Introduction to Philosophy [MOOC]. Coursera.
اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Watfa Alassafeen
Author: Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فكر فلسفة

User Avatar

Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.


عدد مقالات الكاتب : 44
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *