Ad
هذه المقالة هي الجزء 14 من 21 في سلسلة مقدمة في علم النفس

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟ هل تسائلت يومًا ما الذي يجمعنا كلنا كبشر؟ جميعنا نختبر نفس المشاعر ونستخدم نفس أدوات التواصل وندرك العالم من حولنا بنفس الطريقة. لكن هل تسائلت يومًا ما الذي يميز بيننا كبشر؟ ما الذي يجعلني في هذه اللحظة تحديدًا سعيدة بينما أنت حزين وآخر لا يشعر شيئًا؟ كيف نفسر هذه الفروقات الفردية؟ والأهم من ذلك كيف نفسر الفروقات الجماعية؟ ما الذي يجعل طائفة من البشر أكثر انفتاحًا أو ذكاءًا أو تطرفًا من غيرها؟ هذا ما سنناقشه في مقال اليوم.

عاملي الاختلاف بين البشر

يمكننا حصر جميع الاختلافات بين البشر في كل أنحاء العالم في عاملين، وهما: الشخصية والذكاء. شخصيتك ومعدل ذكائك هما ما يحددا موقفك من العالم وموقف العالم منك. بمعنى أن الطريقة التي يراك بها الآخرون وكذلك الطريقة التي ترى بها الآخرين تندرج تحت بند الشخصية، وهي سماتك المحددة والثابتة -إلى حد ما- التي تحملها معك طوال الوقت.

أما معدل الذكاء فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بأدائك التعليمي والمهني وحتى الاجتماعي والاقتصادي. وهو أمر نختلف فيه جميعًا كأفراد وجماعات.

والآن بما أننا بتنا نعرف ما الذي نختلف فيه، كيف يمكننا تفسير هذه الاختلافات؟

طبيعي أم مكتسب؟

لماذا يختلف البشر وما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك ؟

تقتضي العادة عند إجابة أي سؤال يبحث في أصل الظواهر الانسانية تحديد أي جوانب هذه الظاهرة طبيعي/وراثي/جيني وأيها مكتسب/بيئي/تربوي؟

لم يحد العلماء عن هذا المنهج عند تفسيرهم الاختلافات الشخصية واختلافات معدل الذكاء بين البشر، وحصروا أسباب الاختلاف في نقطتين:

  • الجينات/ الوراثة

يجب توضيح نقطة هامة عند الحديث عن الجينات، وهي الفارق بين دور الجينات في تفسير الاختلافات بين البشر وتفسير صفاتهم، بمعنى أننا سنتحدث عن الاختلافات الناتجة من اختلاف الجينات، وليس دور كل جين في تكوين صفة محددة. ويشبه ذلك طرح السؤال: ما هو دور الجينات في اختلاف أطوال البشر؟ وهنا يمكننا قول أن الاختلافات الجينية تجعل طولي مختلفًا عنك وعن قاريء آخر. لكن عندما نقول: ما هو دور الجينات في تحديد طولك؟ هنا نتحدث عن دور الجينات في تكوين صفة محددة.

  • البيئة/ التجربة

ينبغى الفصل بين نوعين من البيئة عند الحديث عن الاختلافات بين البشر، وهما: البيئة المشتركة والبيئة غير المشتركة.

تعني البيئة المشتركة الاختلافات الناتجة عن الظواهر والأحداث التي يتعرض لها/ يتشاركها أفراد العائلة الواحدة.

مثال: تعيش أنت واخوتك في بيت واحد مع أب غير سوي، ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (تشاركك أنت واخوتك نفس ظروف المعيشة جزء من البيئة المشتركة)

أما البيئة غير المشتركة فتشمل كل ما هو ليس وراثيًا، وليس بيئة مشتركة.

مثال: لقد انزلقت ووقعت على رأسك حينما كنت صغيرًا ونتيجة لذلك فأنت مصاب بداء القلق. (هذا ليس بالضرورة ما حدث لاخوتك وهذه هي البيئة غير المشتركة)

السؤال هنا الآن: حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

حل مبتكر!

حينما يأتي الأمر إلى الشخصية والذكاء، كيف نفصل بين ما هو وراثي وما هو بيئي؟

والإجابة واقعيًا: يصعب علينا كثيرًا الفصل بين ما هو جيني وغير جيني.

على سبيل المثال: أنا مختلفة عنك، والسبب أنني لا أتشارك معك نفس الجينات، كما أنني ولدت لوالدين مختلفين ونشأت في بيئة مختلفة. ولا نستطيع الفصل أيهما سبب اختلافي عنك.

شكل هذا السؤال عائقًا أمام العلماء، وتوجب عليهم التفكير في حلول مبتكرة للإجابة عنه، أحد هذه الحلول هو استغلال الحقائق الخاصة بالجينات ووضع بعض الفرضيات بناءًا عليها ثم اختبارها. هذه الحقائق هي:

  • التوائم أحادية الزيجوت تتشارك 100% من الجينات.
  • الأخوة العاديين وكذلك التوائم ثنائية الزيجوت تتشارك 50% من الجينات.
  • الأطفال المتبنون واخوتهم يتشاركون 0% من الجينات.

وتتشارك الحالات الثلاثة 100% من البيئة المشتركة، بمعنى أنهم ينشأون في بيت واحد. وجاءت الفرضيات كالتالي:

  • عند ظهور تشابه أكبر في الشخصية ومعدل الذكاء بين التوائم أحادية الزيجوت أكثر من الثنائية، يدلنا على دور أكبر للجينات.
  • عندما يتساوى معدل التشابه بين التوائم أحادية وثنائية الزيجوت، يدلنا أن دور الجينات ليس مهمًا كثيرًا ( لأن 50% الإضافية من التشابه الجيني لم تحدث فرقًا)
  • عند ظهور تشابه بين الأطفال المتبنين واخوانهم، يدل ذلك على أهمية البيئة المشتركة.

لكن المعيار الذهبي الذي وضعه العلماء لاختبار دور الجينات والبيئة في تحديد الاختلافات في الشخصية والذكاء هو: التوائم المتماثلة مختلفة النشأة. يتشارك هؤلاء الأشخاص 100% من جيناتهم و0% من البيئة المشتركة.

دور الجينات والبيئة في تفسير الاختلاف

توصل العلماء باستخدام هذه الفرضيات واختبارها إلى اكتشافين مذهلين في علم الجينات السلوكي.

أولًا: تتمتع أغلب الصفات الشخصية بدرجة عالية من التوريثية.

تأثير الجينات قوي على كل الصفات، ابتداءًا بمعدل الذكاء والشخصية وانتهاءًا بمدى سعادتك أو تدينك أو حتى ميولك السياسية. أقر العلماء هذا الأمر بناءًا على عدد من الاكتشافات المثيرة للاهتمام، أولها ما ذكرناه عن التوائم المتماثلة مختلفة النشأة.

وجد العلماء أن التوائم المتماثلة الذين لم ينشأوا معًا في نفس البيت متشابهين في كثير من الصفات، فوجدوا لديهم نفس الآراء تجاه عقوبة الإعدام والدين والموسيقى الحديثة. كما وجدوا تشابهًا سلوكيًا مثل: معدلات انخراط هؤلاء الأشخاص في الجريمة، أو لعب القمار، أو حتى الطلاق.

وهنا يمكننا القول أن للجينات دور كبير في الاختلافات الفردية بين البشر، لكن ماذا الاختلافات بين المجموعات البشرية، ما الدور الذي تلعبه الجينات في ذلك؟