Ad

كيف توصل العلماء لمعرفة عمر الأرض؟

منذ ظهور الإنسان العاقل وهو يتساءل عن عمر هذا الكون الذي يعيش فيه، ويتمثل له الكون في تلك الأرض التي يمشي عليها ليلا نهاراً. شعر البشر بأن الأرض هي الكون وعبدتها بعض الحضارات القديمة، وما زالت ترمز إليها بعض أعلام الدول إلى يومنا هذا. يقدرعمر لأرض بحوالي 4.54 بليون سنة مع هامش خطأ 50 مليون سنة زيادةً أو نقصانًا، هذا الرقم هو نتيجة لبحث استمر لقرون، ابتكر خلاله العلماء الكثير من التقنيات،  فكيف حصلوا على هذه النتيجة؟ وما هي المراحل والمعوقات التي واجهتهم حتى الوصول إليها؟ يعرض هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة.

  • تكهنات حول عمر الأرض

منذ بدء الحضارة تساءل البشر عن  بداية نشأة الكوكب، وحاولوا العثور على إجابة؛ فاعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو أن الزمن لا بداية له ولا نهاية، وبالتالي عمر الأرض لانهائي! [1]، وآمن الشاعر الروماني <<لوكريتيوسLucretius->> أن تشكل الأرض كان حديثًا نسبيًّا، مستشهدًا بأنه لا يوجد توثيق من قبل حرب طروادة، أمّا حاخامات اليهود التلموديون، و<<مارتن لوثر- Martin Luther>> وآخرون، رجعوا للكتابات التوراتية لاستنباط ذلك، وقد خرجوا بتقديرات متشابهة، أشهرها كان سنة 1654 عندما عرض رئيس الأساقفة الإيرلندي <<جيمس أوشر  << James Ussher-تاريخ 4004 ق.م كسنة نشأة الأرض [2].

  • كيف بدأت دراسة الموضوع علميًّا؟

في السنين الأربعمائة الماضية أتى العلماء بعدة محاولات لتقدير عمر الأرض؛ حيث حاولوا القيام بذلك عن طريق قياس مستوى سطح البحر، ولكن أثبتت الطريقة فشلها وذلك لأن ارتفاعه وانخفاضه هو عملية دائمة التغير، وليس لها علاقة بالزمن [3]، كذلك قام عدد من العلماء باستخدام قراءات منسوب الملح في المحيط للوصول لتقدير لعمر الأرض، وذلك بافتراض أن عملية تبخر وتكثف الماء تحدثان في بيئة مغلقة، فإنه عند سقوط المطر على البر، ينجرف جزء من المياه الساقطة من البر إلى البحر، جارفةً معها المعادن والتربة المحتوية على الأملاح، وعند تبخر المياه من المحيط فإن تلك الأملاح تُخلف ورائها، وقد أُعتُقد أنه بتكرار العملية فإن نسبة الأملاح في المحيط ستزداد مع مرور الزمن، ولكن هذا الافتراض أثبت خطأه، ذلك لأنه يعتبر أن نسبة الأملاح بالمحيط كانت معدومة في البداية -وذلك أمر لا يمكن التحقق منه- إضافةً لأنه يعامل المحيط وكأنه مخزن للأملاح، وأن الأملاح التي تنجرف للمحيط تبقى هناك للأبد، وهذا في واقع الأمر مخالف للحقيقة، حيث أن الأملاح يُعاد تدويرها وتخرج من المياه، ثم تعود إليها، وهكذا؛ فبتشكيل الصفائح التكتونية (Tectonic plates ) لأرضنا فإن قاع البحر قد ارتفع وتبخرت المياه من عليه فتحول ليابسة، وقد ترسبت عليها الأملاح التي كانت المياه تحتويها، وكذلك فإن صفائح المحيط تندمج وتذوب في الأرض، مما يسبب في اندلاع البراكين ونفثها للأملاح على خارج المياه [4].

  •  جورج لويس لوكير وتجربة الكرات الحديدية
لورد كلفن

 في محاولة أخرى لحساب عمر الأرض، قام عالم الطبيعية الفرنسي <<جورج لويس لوكلير-Georges Louis Leclerc >> بتجربة أتى فيها بدزينتين من الكرات الحديدية الصلبة مختلفة الأحجام، وقام بتسخينها حتى أحمر لونها، ثم حسب الزمن الذي استغرقته كل واحدة منها لكي تبرد، ومن ذلك خرج بعلاقة تربط ما بين الحجم والزمن، واستخدمها للحصول على عمر الأرض، على افتراض أن حالة الأرض البدائية كانت كتلك الكرات، كانت الإجابة التي حصل عليها 74,832 سنة وهي بعيدة جدًّا عن القيمة التي نعرفها اليوم [5]، وفي عام 1862 أجرى <<لورد كلفن- Lord Kelvin>> حسابات قام بواسطتها بتحديد عمر الأرض ما بين 20 إلى 400 مليون سنة، وكان قد أجرى تجربة افترض فيها تشكّل الأرض من جسم منصهر تمامًا، ثم حسب الزمن الذي قضته الأرض باستخدام التدرج الحراري (Thermal guidance)، كانت النتيجة التي توصل إليها خاطئة لأنه لم يأخذ في الاعتبار النشاط الراديوي (Radioactivity) والذي كان مفهومًا غير معروفٍ حينها، وأيضًا الحمل الحراري Convection)) [6].

  •  ظاهرة الاضمحلال الإشعاعي

في بدايات القرن العشرين قام العالمان <<إيرنست رذرفود- Ernest Rutherford>> و<<فريدرك سودي- Frederick Soddy>> بدراسة النشاط الإشعاعي الراجع للتحول التلقائي للعناصر الذرية. في ظاهرة الاضمحلال الإشعاعي (Radioactive decay) يتحول العنصر المشع إلى عنصر آخر أخف، مطلقًا خلال ذلك أشعة جاما أو ألفا أو بيتا،  واكتشف العالمان أن النظائر المشعة تضمحل (تتحلل) إلى عنصر آخر بمعدل معين، هذا المعدل يُعطى بدلالة نصف الزمن (Half time) وهي مقدار الزمن الذي تستغرقه نصف كتلة المادة المشعة للتحول إلى ناتج الاضمحلال (Decay product)، المنتجات النهائية القياسية للعناصر المشعة هي الأرجون بعد تحلل بوتاسيوم -40 ، والرصاص من تحلل اليورانيوم والثوريوم، وإذا ذابت الصخور-كما يحدث في طبقة الوشاح (Mantel)-فإن هذه العناصر غير المشعة تفقد أو يعاد توزيعها، وبالتالي فإن عمر أقدم صخرة على الأرض سيعطي أقل تقدير لعمرها، رذرفود كان أول من اقترح إمكانية استخدام ذلك في الحصول على عمر الصخور المحتوية على مواد مشعة.

   إنّ استخدام العينات المتواجدة على الأرض لتقدير عمرها لا يعطي نتائج مقاربة للواقع؛ فبسبب ظاهرة الصفائح التكتونية فإن قشرة الأرض قد أعيد تشكيلها، فصهرت الصخور الأولى وتحولت لنتوءات جديدة [3]، كذلك واجه العلماء مشكلة أخرى تدعى عدم التوافق العظيم (Great Unconformity) والتي تتمثل في وجود طبقات رسوبية مفقودة، فمثلًا في الغراند كانيون (Grand Canyon) هناك حوالي 1.2 بليون سنة من سجل الصخور مفقود [7].

  •  التوصل إلى الرقم الذي لدينا

في خمسينات القرن الماضي قام العالم الجيوكيميائي <<كلير سي باترسون- Clair C. Patterso>> بدراسة التركيب النظائري للرصاص لنيزك كانيون ديابلو (Canyon Diablo)، وعدة قطع من الأحجار الفضائية، والذي كان يعقد أنها تشكلت من نفس المادة التي كونت الصفائح الأرضية، وكان تقدير باترسون لعمر الأرض هو 4.5 بليون سنة [1].

   للحصول على معلومات أكثر حول بدء نشوء الأرض وتاريخها، اتجه العلماء للبحث في الفضاء. أقرب الأجسام للأرض هو القمر، ولأن سطحه لا يتعرض للتجدد-كما هو الحال في الأرض-فإنه يمكن أن يدلنا على تاريخ نشوئه، العينات التي جلبت بعد رحلة أبولو (Apollo) ولونا (Luna) أخبرتنا بأن عمر القمر يتراوح بين 4.4 و4.5 بليون عام، ساعدت معرفة ذلك تحديد مدى لعمر الأرض، مع ذلك فإن كيفية نشوء القمر ماتزال في موضع الشك، فالنظرية السائدة تقول بأن جسم بحجم المريخ قد اصطدم بالأرض وتضائل تدريجيًّا وصولًا لحجمه الحالي، وبعض النظريات الأخرى تدعي بأن القمر قد شُكّل قبل الأرض.

   باستخدام المعلومات المتحصل عليها من الأرض ومن الفضاء استطاع العلماء وضع قيمة تقريبية لعمرها وهي 4.54 بليون عام، وللمقارنة، فإن عمر مجرة درب التبانة، والتي تحتوي نظامنا الشمسي، هو حوالي 13.2 بليون عام، أما بالنسبة لعمر الكون فهو يساوي تقريبًا 13.8 بليون عام [3].

   رغم وصولنا للنتيجة، فلازالت عدة أسئلة حول تاريخ الأرض والنظام الشمسي تنتظر الإجابة، ولايزال العلماء يفحصون المواد من على الأرض وخارجها للعثور عليها.

المصادر:

[1]  how stuff works 

[2] scientific american

[3] Space

[4] usd.edu  

[5]  real clear science

[6] Kalai, Gil. “Answer: Lord Kelvin, The Age of the Earth, and the Age of the Sun.” Combinatorics and more

[7] azgs.arizona.edu

[8] Tulane University

[9] Age of the Earth

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم

User Avatar

Hend Jannat


عدد مقالات الكاتب : 4
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق