أدى إعلان منظمة الصحة العالمية (WHO) عن تفشي مرض جدري القرود الذي نشأ في جمهورية الكونغو الديمقراطية باعتباره حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًا إلى حدوث صدمة في جميع أنحاء العالم، مما أثار ذكريات جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، من الضروري أن ندرك أننا نتعامل مع مرضين مختلفين. حيث أن الإصابة الفيروسية بمرض جدري القرود تختلف عن كورونا، ولكل منهما خصائصه الفريدة وأنماط انتقاله وملامحه السريرية. في هذا التقرير، سنتعمق في الاختلافات بين جدري القرود وكوفيد-19، ونستكشف العلم وراء هذه الفيروسات وتاريخها والدروس التي يمكن أن نتعلمها من جائحة كوفيد-19 لمكافحة أحدث تهديد للصحة العامة العالمية.
محتويات المقال :
عائلتان مختلفتان من الفيروسات
عندما نفكر في الفيروسات، فمن السهل أن نجمعها معًا في صورة جرثومية صغيرة مثيرة للمشاكل. لكن الحقيقة هي أن الفيروسات متنوعة بشكل لا يصدق، وفهم اختلافاتها يمكن أن يكون مسألة حياة أو موت. يعد فيروس جدري القرود (MPV) وفيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (سارس كوف 2) (SARS-CoV-2)، مثالًا على هذا التنوع.
إن فيروس جدري القرود من عائلة الفيروسات الجدرية (poxvirus)، التي كانت موجودة منذ ملايين السنين. وهي معروفة بجينومات الحمض النووي مزدوج السلسلة وبنيتها المعقدة. من ناحية أخرى، فإن فيروس (SARS-CoV-2) هو من عائلة الفيروسات التاجية (coronavirus)، وله جينوم حمض نووي ريبوزي أحادي السلسلة وبنية أبسط.
هذه الاختلافات في البنية ونوع الجينوم لها تأثير كبير على كيفية إصابتنا بالفيروسات وكيفية استجابة أجسامنا لها. على سبيل المثال، تميل فيروسات الجدري إلى امتلاك بروتينات متعددة على سطحها تسمح لها بدخول أنواع مختلفة من الخلايا. بينما تعتمد فيروسات كورونا على بروتين واحد، وهو البروتين الشوكي (spike protein)، للدخول إلى خلايانا.
تاريخ موجز للتجربة البشرية مع فيروسات الجدري
إن المعركة ضد الجدري (Smallpox)، وهو ابن عم جدري القرود، هي شهادة على مرونة الإنسان وإبداعه العلمي. لقد تم القضاء على الجدري، الذي كان ذات يوم مرضًا مميتًا يحصد أرواح الملايين كل عام، أخيرًا في عام 1980 بفضل الجهود العالمية المتضافرة بقيادة منظمة الصحة العالمية.
أصبح هذا الانتصار ممكنًا بفضل تطوير اللقاحات الفعالة، والتي قدمها إدوارد جينر لأول مرة في عام 1796. وكان مفهوم التطعيم ثوريًا، ومهد الطريق للسيطرة على الجدري والقضاء عليه في نهاية المطاف. إن نجاح هذه الحملة هو بمثابة منارة أمل لمعركتنا الحالية ضد جدري القرود.
مع مرور الوقت، توسع فهمنا لفيروسات الجدري بشكل كبير. لقد تعلمنا أنها يمكن أن تنتقل من خلال الاتصال الوثيق مع الأفراد المصابين، وكذلك من خلال الأسطح والأشياء الملوثة. وقد ساهمت هذه المعرفة في استراتيجيات الصحة العامة، بما في ذلك استخدام معدات الحماية الشخصية، وتتبع المخالطين، وإزالة التلوث من على الأسطح.
كيفية انتقال الفيروس
يمكن أن يبقى فيروس (SARS-CoV-2) في الهواء وينتقل لمسافات أكبر مما كان يعتقد في البداية. حيث أصبحت التهوية وتنقية الهواء عنصرين أساسيين في استراتيجية التخفيف من آثار مرض كوفيد-19. في المقابل، يحدث انتقال جدري القرود في المقام الأول من خلال الاتصال الوثيق مع شخص مصاب، بما في ذلك الاتصال الجنسي، وأحيانا عن طريق الأشياء والأسطح الملوثة.
يمكن أن يظل الشخص المصاب بفيروس جدري القرود معديًا حتى تشفى جميع قروحه تمامًا، ولكن قد يستمر الفيروس على الأسطح لبعض الوقت إذا لم يتم تطهيرها. ولحسن الحظ، فإن كلا الفيروسين عبارة عن فيروسات مغلفة، مما يجعلها عرضة لمعظم معقمات الأيدي في حالة عدم توفر الماء والصابون.
الكشف عن السمات السريرية المتنوعة لمرض جدري القرود وكوفيد-19
يبدأ مرض جدري القرود عادة بالحمى والصداع وألم في العضلات، يليه طفح جلدي مميز يمكن أن يؤثر على أي منطقة من الجلد، وكذلك داخل الفم والحلق. يمكن أن تكون البثور مثيرة للحكة أو مؤلمة وقد تستمر لمدة تصل إلى أربعة أسابيع. في المقابل، يمكن أن يؤثر مرض كوفيد-19 على عدة أعضاء مختلفة، مما يؤدي إلى مجموعة واسعة من الأعراض، من الخفيفة إلى الشديدة.
وقد كشفت جائحة كوفيد-19 أن أجهزة المناعة لدى بعض الأشخاص مجهزة بشكل أفضل لصد الفيروس، بينما قد يواجه آخرون مشاكل صحية طويلة الأمد، تُعرف باسم كوفيد الطويل (مرض فيروس كورونا طويل الأمد) (long COVID). إن تنوع الأعراض والنتائج يجعل من الصعب التنبؤ بمن سيتأثر بشدة.
في المقابل، ظل فيروس جدري القرود موجودًا لفترة أطول، والعلماء لديهم فهم أفضل لكيفية عمله. حيث يمكن للفيروس أن يدخل الجسم عن طريق الفم أو الأنف أو الجلد أو من خلال شقوق في الجلد، تُعرف نقطة الدخول هذه بموقع التطعيم (inoculation site)، ويبدأ الفيروس في التكاثر هنا قبل الانتشار إلى العقد الليمفاوية. ثم يتمكن من الوصول إلى الأعضاء الأخرى عبر الجهاز اللمفاوي خلال فترة الحضانة التي يمكن أن تستمر حتى 21 يومًا.
ما يمكننا تعلمه من كوفيد-19 لمكافحة جدري القرود
إحدى النقاط المهمة الحاسمة هي أهمية العمل السريع والتنسيق. وكان للتطوير السريع ونشر اللقاحات وأدوات التشخيص ورسائل الصحة العامة دور فعال في الحد من انتشار كوفيد-19. وبالمثل، فإن تكثيف توزيع اللقاحات، وتتبع المخالطين، والتدخلات المستهدفة سيكون ضروريًا في السيطرة على جدري القرود.
والدرس الرئيسي الآخر هو الحاجة إلى مشاركة المجتمع والتعليم. حيث سيكون التواصل الفعال حول مخاطر وعواقب جدري القرود، وكذلك التدابير التي يمكن للأفراد اتخاذها لحماية أنفسهم، أمرًا حيويًا في تشجيع السلوكيات المسؤولة والحد من انتقال العدوى.
علاوة على ذلك، سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على أهمية التعاون العالمي وتبادل البيانات. وقد ساعد النشر السريع للبيانات الجينومية ونتائج البحوث في تسريع الاستجابة لكوفيد-19. وسوف يكون من الضروري اتباع نهج مماثل لمكافحة جدري القرود، وخاصة في تيسير تطوير وسائل التشخيص والعلاجات واللقاحات.
وأخيرا، أظهرت لنا تجربة كوفيد-19 أن الاستعداد أمر أساسي. إن تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية، وبناء القدرة على مواجهة الاحتياجات المفاجئة، والحفاظ على سلاسل التوريد القوية، سيمكننا من الاستجابة بشكل أكثر فعالية لتفشي الجدري المرضي وتقليل تأثيره.
المصدر
Why Mpox And COVID Are Very Different Viral Infections | iflscience
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :