محتويات المقال :
مراحل ازدهار البابليين
تميزت الفترة التي أعقبت انهيار الدولة السومرية بالصراعات المستمرة بين البابليين والآشوريين. وتأخر تطور بابل كمدينة رئيسية بحسب مقاييس مدن بلاد الرافدين. وأنشئت في عام1894 ق.م وازدهرت لأول مرة في عهد الملك حمورابي. وتُعرف تلك الفترة بالعصر البابلي القديم 1595-1894 ق.م. ثم عادت بابل إلى كونها ممالك من مدن صغيرة بعد موت حمورابي ولعدة قرون. ثم ازدهرت من جديد تحت حكم نبوخذ نصر وتعرف تلك الفترة بالعصر البابلي الحديث 530-646 ق.م. وغطّت بابل مساحة 10 كم2 تقريبًا، وأصبح لدى البابليين أكبر مدينة في العالم القديم. [1]
عمارة مدينة بابل
تقع بابل جنوب بغداد في العراق، وتعد الأشهر بين جميع المدن البابلية. ويمتد الموقع على مساحات واسعة ولم يُنقب كلُّه حتى الآن. ويحاول علماء الآثار تسهيل فهم مخططات المدن من خلال إعادة بناء العناصر الناقصة وخاصةً شبكة الشوارع. وتعد معرفة تشكّل شبكة الشوارع نقطة أساسية في النقاش حول إذا ما تأسست المدينة نتيجة تخطيط بشري أو تنمية عضوية.
ولاحظ العلماء ما أثار دهشتهم وقلقهم حول المخططات المنشورة لبابل. حيث فشِلت دائمًا في تذكر الحالة الراهنة للمدينة عندما قارنوها مع مجمل الأدلة المتوفرة سواءً كانت الأثرية أو النصية.
اخترق نهر الفرات المدينة، ولكن تحوَّل مجراه مع مرور الزمن إلى الغرب ممّا جعل من الصعب الوصول إلى بقايا الآثار في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة. [2]
أحيطت المدينة بسورين، تراوح محيط السور الخارجي بين 20-18 كم وصنع من ثلاثة أجزاء، وبنوه باللبن والقرميد. بينما تكوّن السور الداخلي من جدارين، الأول داخل المدينة بسمك 6.52 م، والثاني أصغر بسمك 3.72م.
وبنوا خندق، يحتوي الجدار الداخلي على ثماني بوابات أدَّت إلى المدينة. [3] وخطط البابليون الشوارع ضمن شبكات موازية لنهر الفرات. [1] وانتهت شوارعهم المتعامدة عند بوابات المدينة. وارتفع مستوى المساكن عادةً عن مستوى الشارع وذلك بسبب بنائها على مصاطب من اللبن. وعُثر على ثلاثة قصور على أطراف المدينة. [3]
بينما بنى البابليون المعبد الرئيسي مع الزيقورة في مركز المدينة، وتوزعت أربعة معابد في النصف الشرقي للمدينة. ونظموا شبكة من القنوات لري الأرض ويعود بعضها إلى زمن حمورابي الملك. [1]
بوابة عشتار وشارع المواكب
شُيّدت بوابة عشتار كمدخل رئيسي لمدينة بابل حوالي عام 575 ق.م واستخدموا الطوب المشوي. [4] وأصبحت ثامن بوابة محصنة في المدينة وبلغ ارتفاعها أكثر من 12 م. وكانت البوابة نفسها مزدوجة وبنوا على جانبها الجنوبي حجرة انتظار كبيرة. [5]
زين البابليون بوابة عشتار بطبقة من المينا (الخزف) ذات اللون الأزرق الزاهي. وتخللته رسومات بارزة من الخزف الأصفر ومثّلت حيوانين اسطوريين وهما تنين الأفعى وثور الإله حدد. وأعيد تركيب البوابة بصعوبة واستغرقت سنوات طويلة بسبب قلة توفر بقايا الخزف الأصلية. وتوجد حاليًا في متحف الشرق الأدنى في برلين. [4]
أدت بوابة عشتار إلى بيت آكيتو وهو معبد صغير وقع خارج المدينة شمالًا. [1] وخصصوه للاحتفال برأس السنة لدى شعوب بلاد الرافدين وتحتفل به هذه الشعوب حتى الآن في الواحد من نيسان. ومر من خلال البوابة أفخم الطرق في تلك الفترة وهو طريق المواكب. ورصفوه باستخدام القرميد الأحمر والحجر الجيري الأبيض. [3]
وزين البابليون جانبي الطريق بأسود من الخزف. وتشير التقديرات إلى وجود 120 أسدًا على طول الطريق، ولم تصنع جميعها في الوقت نفسه. ولاحظ العلماء أيضًا ارتفاع مستوى الطريق أكثر من مرة. وربما قد عاملوا الصفوف الدنيا على أنها رسومات تجريبية لأنها كانت موضوعة بشكل غير منتظم. [5]
اختلاف المساكن بين الفترة البابلية القديمة والحديثة
ازداد حجم المساكن بوضوح بين الفترة البابلية القديمة والحديثة. وهذا يدل على وجود درجة غير مسبوقة من التفاوت الاجتماعي في الفترة الحديثة.
وتراوحت مساحة المساكن المحفورة في الفترة البابلية القديمة بين 700-8.5 م2 بمتوسط مساحة 152 م2. وسببت مساحات المساكن الموثقة نصيًا مشكلة حيث كانت أصغر بكثير من المساكن التي نُقِّبت. ورجح الخبراء سبب ذلك أن الوثائق الكتابية تصِف عادةً أجزاء من المساكن كالغرف الفردية أو الأجنحة بدلًا من كامل المسكن. ومن ناحية أخرى، تقاس مساحة المساكن المنقّبة أغلب الأحيان بمحيطها الخارجي. فشكلت الجدران من 40-30% من مساحة المساكن في الفترة البابلية القديمة، بينما شكلت 50% في الفترة الحديثة. وتفادى البابليون هذه المشكلة في الأحياء الأصغر والأكثر كثافة، حيث وفروا المساحات من خلال استخدام جدران مشتركة بين المساكن المتجاورة.
ولم يختلف المنزل البابلي عن المنازل التي سبقته. حيث ضم فناء مركزي أحيط عادةً بأجنحة من الغرف على جوانبه الأربعة. ويفتح المنزل على جناح دهليز منكسر، ليمنع الاتصال البصري المباشر بين الخارج والداخل. [6]
القصور البابلية
تميز العصر البابلي القديم ببناء قصور ضخمة، وشيدها البابليون باستخدام الحجر الجيري على الرغم من استمرار استخدامهم اللبن لبناء المعابد والزيقورات. وبنوا غرفة العرش في منتصف القصر عادةً وتوضعت الغرف حولها. وعُثر على غرفة اجتماعات شبه دائرية كبيرة ولها أدراج. [3]
ظهرت غرفة الاستقبال الرئيسية في العصر البابلي الحديث في الجانب الجنوبي من الفناء لتصبح موجهة على الشمال. [7]
وجد الباحثون قصران غرب بوابة عشتار، غطيا مساحة 16 هكتار. وأعاد الحكّام المتعاقبين بناء القصر الجنوبي في بابل بمساحة 200 × 310 م2، وضم مئات الغرف والملحقات الأخرى وخمسة أفنية. [3]
وبُنيت قاعة العرش في الفناء المتوسط بمساحة 17 × 42 م2 وتميزت الواجهة بالخزف المزيّن بصور الأسود وشجرة الحياة. ووجِدت ثلاثة مداخل مقوسة بعرض 6 م تشبه المداخل الآشورية. ولا يسمح عرض قاعة العرش بوجود عوارض غير مدعمة للسقف، ولم يتم العثور على أي دليل لوجود أعمدة داخل القاعة. لذلك يعتقد البعض أن سقف القاعة كان قبة، ولكن لا يوجد دليل حتى الآن يؤكد ذلك. [7]
كما بنى البابليون قصر صيفي مربع الشكل 250 × 250 م2. وعرِف باسم جبل بابل وذلك بسبب ارتفاعه حيث بنوه على ارتفاع 18م فوق منسوب الشارع. وتألف جبل بابل من قاعتين رئيسيتين، الشرقية والغربية. وسكبوا أرضيته بمزيج من الجير والرمل والجص مع إضافات الألوان ممّا أعطته شكلًا فريدًا. [3]
المعابد البابلية
بنى البابليون معابدهم غالبًا كمعابد ذات فناء مع غرفة هيكل عريضة مع نهج المحور المباشر. وتعتبر غرفة الهيكل عريضة عندما يقع المذبح في منتصف أحد الجوانب الطويلة من الهيكل. ويتشكل المحور المباشر حينما يوضع المدخل الرئيسي للهيكل على خط مباشر مع المذبح. [7]
وأعيد بناء معبد عشتار ضمن ثلاث فترات زمنية وله شكل مستطيل مع فناء وضم 20 غرفة ملحقة به. ووجِدت ثلاثة مداخل غرب غرفة الهيكل ودعِّم المبنى من خلال بناء رصيف محيط من الطوب والقار لحماية الجدران الخارجية. [3]
الزيقورات وبرج بابل
لم يختلف مبدأ الزيقورات البابلية عن الزيقورات السومرية أو الآشورية. وشيّدت عادةً بقاعدة مربعة ويتم الصعود إلى المصاطب السفلى عن طريق الأدراج وإلى المصاطب العليا من خلال المنحدرات.
وبُني على ضفة نهر الفرات معبد «ايساغيلا-Esagila» وخصصوه للإله مردوخ. وارتبط بزيقورة على شماله يعتقد الخبراء أنها قد تكون برج بابل. وقاعدته مربعة 91 م توازي الاتجاهات السماوية ويرجح أنه كان بسبع مصاطب وارتفاعه الإجمالي يساوي قاعدته. [1]
ولكن لا تزال الشكوك قائمة حول مظهره، إذ يعتقد البعض أن مظهره العام كزيقورة تقليدية بينما وجدت وثائق كتابية تصف البرج كبرج فريد لم يكن له مثيل.
الجسور بين الآشوريين والبابليين
نادرًا ما عثِر على جسور في بلاد الرافدين. وبنى الآشوريون جسر حجري مزخرف في دورشاروكين وصل بين القلعة ومعبد نابو. بينما كشفت التنقيبات في بابل عن جسر حجري على شكل قارب يعبر الفرات ويربط بين جانبي المدينة. ولذلك يعتقد العلماء أن الجسور العائمة من القوارب ربما كانت أكثر شيوعًا من الجسور الثابتة. [7]
الحدائق المعلقة
تشير الكتابات اليونانية إلى حدائق بابل المعلقة، وهي تلة تحاكي تدرج المصاطب وتُغطى بالنباتات فوق بنية تحتية من الأقنية. واعتبروها في العصر الهلنستي واحدة من عجائب الدنيا السبع. [1]
وجد المكتشفون سلسلة فريدة من الحجرات في الزاوية الشرقية الشمالية من القصر الجنوبي. والمبنى مستطيل تقريبًا 30 × 42 م وأرضيته أخفض من أرضية القصر واحتوى على 14 غرفة متماثلة 2.2 × 3م. ووزعت هذه الغرف على جانبي ممر ضيق، وعثِر على بئر مع ثلاث فتحات بجانب بعضها البعض في واحدة من الغرف الوسطى. ووضعوا طبقة سميكة من التربة على أسطحها ويرجح أنها وضِعت لأغراض زراعية. [3] لذلك يعتقد البعض أنها ربما كانت جزءًا من البنية التحتية للحدائق المعلقة. في حين يعتقد البعض أن الحدائق المعلقة تقع خارج بابل حتى ويظن البعض أنها كانت تقع في نينوى وتعود للملك الآشوري سنحريب. وتستمر التكهنات بشأن موقعها الحقيقي وآليتها مع عدم وجود بقايا مؤكدة منها. [1]
وعلى الرغم من وجود العديد من التكهنات والتوقعات بشأن عمارة البابليين فلا تزال بلا شك تعكس عظمة الدولة البابلية وما قدمته من انجازات ساهمت في نمو الحضارات البشرية.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :