توفر الصحراء الكبرى، وهي إحدى أكثر المناطق جرداء على وجه الأرض، مادة مغذية مهمة لقاع السلسلة الغذائية البحرية، مما يعزز نمو العوالق النباتية في المحيط ويعزز الحياة على بعد آلاف الأميال. وفقا لدراسة جديدة أجرتها جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، فإن غبار الصحراء الكبرى يدعم حياة المحيطات، حيث يحفز العمليات البيولوجية ويدعم الحياة. ولا تقتصر هذه الظاهرة على المحيطات، حيث يقوم الغبار الغني بالحديد أيضًا بتخصيب منطقة الأمازون، مما يدعم نمو النباتات وينتج في النهاية الأكسجين لكوكب الأرض بأكمله.
محتويات المقال :
عنصر غذائي بالغ الأهمية
إن الحديد مهم للمحيطات. حيث يلعب دورًا حيويًا في المسارات البيوكيميائية التي تحول الكربون الموجود في الغلاف الجوي إلى جزيئات عضوية. إن توفر الحديد يحدد الكثير من الأماكن التي يمكن أن توجد فيها الحياة على الأرض، وندرته لها تأثير عميق على النظام البيئي للمحيطات.
يحد نقص الحديد من نمو العوالق النباتية، التي تشكل قاعدة الشبكة الغذائية للمحيطات. وبدون الحديد الكافي، لا تستطيع العوالق النباتية القيام بعملية التمثيل الضوئي، وهي العملية التي تحول ضوء الشمس إلى طاقة، مما يؤثر في النهاية على النظام البيئي البحري بأكمله.
والمفارقة أن الحديد متوافر بكثرة على الأرض، إذ يشكل حوالي 5% من قشرة الكوكب. ومع ذلك، فإن معظم هذا الحديد محصور في الصخور والمعادن، ولا يمكن للكائنات الحية الوصول إليه. إن احتياج المحيطات للحديد هو نتيجة لهذا التوافر البيولوجي المحدود، مما يجعله عنصرًا بالغ الأهمية يحدد ديناميكيات الحياة البحرية.
أهمية الحديد
الحديد هو عنصر حاسم في الإنزيمات، وهي جزيئات بيولوجية تحفز التفاعلات الكيميائية. وفي سياق العوالق النباتية في المحيط، يعد الحديد ضروريًا لإنتاج الكلوروفيل، وهو الصبغة الخضراء التي تساعد النباتات على امتصاص ضوء الشمس من أجل عملية التمثيل الضوئي. وبدون الحديد، ستكافح العوالق النباتية للخضوع لعملية التمثيل الضوئي، مما يؤثر في النهاية على السلسلة الغذائية البحرية بأكملها.
تعود قصة أهمية الحديد إلى الأيام الأولى للحياة على الأرض. حيث كان الحديد وفيرًا في المحيطات البدائية، مما سمح لأشكال الحياة المبكرة بالازدهار. ومع ذلك، مع زيادة مستويات الأكسجين، أصبح الحديد أقل توفرًا، مما يحد من توزيعه وبالتالي توسع الحياة.
اليوم، يحدد توفر الحديد مكان وجود الحياة على الأرض. على سبيل المثال، تتمتع المناطق ذات مستويات الحديد المنخفضة، مثل المحيطات المفتوحة، بنشاط بيولوجي محدود، في حين أن المناطق ذات مستويات الحديد المرتفعة، مثل المناطق الساحلية، تدعم تنوعًا غنيًا للحياة.
رحلة طويلة
إن رحلة غبار الصحراء الكبرى عبر المحيط الأطلسي ليست مجرد وسيلة نقل بسيطة للجزيئات الغنية بالحديد. ومع انتقال الغبار بعيدًا عن مصدره، يحدث تحول حاسم. حيث يتم تحويل الحديد الموجود في الغبار إلى شكل يسهل الوصول إليه من قبل العوالق النباتية في المحيط، مما يوفر لها العناصر الغذائية المهمة التي تحتاجها لتزدهر.
واكتشف الباحثون أنه كلما طال أمد الغبار في الغلاف الجوي، كلما تحول الحديد الموجود فيه إلى شكل قابل للاستخدام. وهذا يعني أن الغبار الذي يصل إلى الأمريكتين، بعد السفر لآلاف الأميال من شمال أفريقيا، يحتوي على حديد متاح بسهولة أكبر لأشكال الحياة في المحيطات. إن الآثار المترتبة على هذه العملية بعيدة المدى، لأنها تساعد على تخصيب السلسلة الغذائية للمحيطات، ودعم نمو العوالق النباتية، وبالتالي النظام البيئي البحري بأكمله.
تحليل قلب الحفر في قاع المحيط
بالنسبة لعالمة الكيمياء الجيولوجية الحيوية بريدجيت كينلي وفريقها، فإن الطريق إلى فهم العلاقة الغامضة بين الغبار الصحراوي والحياة المحيطية بدأ بإلقاء نظرة فاحصة على قاع المحيط. ومن خلال تحليل قلب الحفر من قاع المحيط، كشف الباحثون عن الحقيقة المدهشة حول الغبار الغني بالحديد الذي يستقر في قاع البحر.
تحتوي عينات الحفر المستخرجة من قاع المحيط على كنز من المعلومات حول تاريخ رواسب الحديد. وكشف تحليل الفريق أنه على الرغم من انخفاض الكمية الإجمالية للغبار مع مسافة النقل، فإن كمية الحديد القابل للاستخدام بيولوجيًا والذي يذوب في الماء زادت بالفعل مع تلك المسافة. كان هذا اكتشافًا رائدًا، لأنه يشير إلى أن العمليات الكيميائية في الغلاف الجوي تحول الحديد التفاعلي الحيوي الأقل إلى أشكال يسهل الوصول إليها.
النتائج التي توصل إليها الفريق لها آثار بعيدة المدى على فهمنا للتفاعل المعقد بين الغلاف الجوي والمحيطات والحياة على الأرض.
تأثير غبار الصحراء
بفضل كتلته الثقيلة من الحديد النشط بيولوجيًا، يغذي الغبار سلسلة غذائية واسعة النطاق على بعد آلاف الأميال من منشأه، مما يؤدي إلى تسميد العوالق النباتية في المحيط وكذلك النباتات على طول الطريق إلى الأمازون. وينتج هذان النظامان الكثير من الأكسجين الذي نتنفسه جميعًا.
وقد اقترحت دراسات سابقة أن أنماط الحديد النشط بيولوجيًا هذه تتوافق مع مناطق النشاط البيولوجي المتزايد. ويشمل ذلك المزيد من نشاط الميكروبات على سطح الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي وتخصيب منطقة الأمازون.
وجدت دراسة استمرت سبع سنوات أن متوسط 28 مليون طن متري من غبار شمال إفريقيا يزود حوض نهر الأمازون بحوالي 22000 طن من الفسفور المخصب أيضًا. ووجدت أبحاث أخرى على نحو مماثل أن الغبار القادم من آسيا قد خصب الغابات المطيرة في هاواي لآلاف السنين.
علاوة على ذلك، تدعم العوالق النباتية المخصبة شبكة معقدة من الحياة البحرية، من الأسماك الصغيرة إلى الحيتان الضخمة. وهذا بدوره له تأثير مضاعف على الأمن الغذائي العالمي، حيث توفر خيرات المحيطات مصدراً حيوياً للتغذية للملايين من البشر في جميع أنحاء العالم.
يسلط اكتشاف أن غبار الصحراء الكبرى يدعم حياة المحيطات الضوء أيضًا على الترابط بين العمليات الفيزيائية لكوكبنا والحياة التي تعيش فيه. إنه بمثابة تذكير قوي بالأهمية التي غالبًا ما يتم التغاضي عنها للمناظر الطبيعية القاحلة، مثل الصحراء الكبرى، في الحفاظ على الحياة على الأرض.
المصادر
Our Atmosphere Transforms Dust From The Sahara Into Minerals That Fuel Life | science alert
Long-range transport of dust enhances oceanic iron bioavailability | Frontiers in Marine Science
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :