Ad

يقول المثل الإنكليزي «Watched pots never boil» أي أن الأواني المرصودة لا تغلي أبداً، وفي جميع الأحوال؛ لما قد نرصدها ونحن نعلم يقينًا كيف ستبدو عند الغليان؟ ولكن هل يختلف ذلك المشهد قليلًا في الفضاء الخارجي؟

إليك ستة أشياء من حياتنا اليومية –بما فيها غليان الماء- التي تحدث بشكل مختلف كليًا عند مدار الأرض المنخفض مع تفسيراتها العلمية:

تنتج المياه فقاعة كبيرة عند الغليان

عندما  تغلي المياه في الظروف الطبيعية على الأرض تنتج عددًا كبيرًا من فقاعات بخار الماء الصغيرة، أما في الفضاء؛ تصدر المياه المغلية فقاعةً كبيرةً ووحيدةً. [1]

الفرق بين غليان المياه على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/Ts6Mfp4WjxJXneZCNhRhH9-970-80.png

لم يستطع العلماء توقع ما قد يحدث عند غليان المياه في ظروف الجاذبية الضعيفة، ويعود ذلك لشدة تعقيد ديناميك الموائع والتنبؤ بحركة السوائل. إلى أن أجريت تجربة على متن مركبة فضائية عام 1992 والتي وضحت لنا عملية الغليان تلك. [2]

فيما بعد شرح الفيزيائيون أن حالة الغليان الغريبة هذه تعود لغياب تأثيري «الحمل الحراري-Convection»، وهو الحركة التي تحدث داخل السائل جاعلةً جزأه الأكثر حرارة والأخف يرتفع، بينما ينخفض الأثقل والأبرد، «وقوة الطفو- Buoyancy»؛ التي تدفع أي جسم يُغمر في سائل ما، ذلك أن كلا التأثيرين ناتجٌ عن الجاذبية. فعلى الأرض؛ يسبب التأثيران السابقان ما نراه من اضطراب عند غليان الماء. [1]

كما يمكننا الاستفادة من تجربة الغليان هذه. وبحسب «NASA Science News»؛ اكتشافنا لكيفية غليان السوائل ستسهم في تطوير أنظمة التبريد في المركبات الفضائية. وقد تفيد في تصميم محطات توليد طاقة؛ باستخدام ضوء الشمس لغلي الماء وإنتاج البخار الذي سيدير عنفات توليد الكهرباء.  [2]

لهبٌ دائري

عند إشعالك شمعةً على الأرض؛ بإمكانك رؤية اللهب الناتج يرتفع ليصبح متطاولًا. أما في الفضاء يتحرك اللهب متوزعًا في كل الاتجاهات؛ فنحصل على كرة من اللهب! وإليك السبب:

مقارنة بين شعلة الشمعة على الأرض (يسار) وفي الفضاء (يمين)
حقوق الصورة: https://www.nasa.gov/sites/default/files/images/586089main_me-candleFlame_full.jpg

بدايةً؛ تزداد كثافة الهواء كلما اقتربنا من سطح الأرض نتيجة قوة الجاذبية التي تسحب جزيئات الهواء نحو المركز. والعكس صحيح؛ يصبح الغلاف الجوي أقل سماكةً كلما ارتفعنا عن السطح؛ فيقل الضغط الجوي تدريجيًا. رغم أن فرق الضغط الجوي بين إنش وآخر ضئيل جدًا؛ إلا أنه المسؤول عن شكل شعلة الشمعة.

على الأرض؛ يسبب فرق الضغط تأثيرًا يعرف ب «الحمل الحراري الطبيعي-Natural convection». فعندما يسخن الهواء المحيط بالشعلة؛ يتمدد ويصبح أقل كثافة من الهواء البارد المحيط، وبينما تحاول جزيئات الهواء الساخنة التمدد للخارج تقوم الأخرى الباردة بدفعها نحو الداخل. وبما أن الجزيئات الباردة تكون أكثر عدداً أسفل الشعلة مما في أعلاها؛ تواجه الشعلة مقاومة أقل في أعلاها وبالتالي تتجه نحو الأعلى.

أما في الفضاء وفي ظل غياب الجاذبية؛ تواجه الشعلة مقاومة متساوية من كل الاتجاهات، وبالتالي تتخذ شكلًا دائريًا. [3]

تتكاثر الباكتيريا أسرع، وتصبح مميتةً أكثر

أظهرت ثلاثون سنة من الأبحاث العلمية أن مستعمرات البكتيريا تنمو أسرع بكثير في الفضاء. مثلًا؛ مستعمرات «إي-كولي الفضائية- Astro-E. coli» (جرثومة الإشريكية القولونية) نمت أسرع بمرتين من قرينتها على الأرض. [4]

بالإضافة إلى ذلك أصبحت بعض الأنواع الجرثومية أخطر في الفضاء. في عام 2007 أجريت تجربة لقياس نمو جرثومة «السالمونيلا- Salmonella» على متن مركبة الفضاء «أطلنطس-Atlantis»، وأظهرت أن بيئة الفضاء غيرت 167 من التعبيرات الجينية* عند الجرثومة.  أظهرت الدراسات فيما بعد أن هذه التغيرات جعلت السالمونيلا الفضائية قادرة على إصابة الفئران بالمرض أكثر بثلاث مرات من السالمونيلا العادية.

تفسر عدة فرضيات ذلك النمو السريع للبكتيريا عند انعدام الجاذبية. ببساطة؛ قد تجد مساحة أكبر للنمو عندما تعوم في الفضاء؛ بينما تعلق في أسفل «طبق بيتري-Petri dish»** على الأرض.

كما يعتقد العلماء أن تغير السالمونيلا يعود لبروتين HFq الذي يؤدي دورًا رئيسًا في التحكم بعملية التعبير الجيني. تتعرض الخلايا الجرثومية في الفضاء لضغط ميكانيكي ناتج عن تغير حركة السوائل داخلها في الجاذبية الضئيلة، ويحاول بروتين HFq  التعايش مع ذلك مما يجعل الخلايا أكثر سميّةً.

يأمل العلماء الاستفادة من هذا الاكتشاف، خاصةً التعرف على استجابة السالمونيلا للضغط على الأرض، كالذي يسببه الجهاز المناعي لشخص مصاب بها مثلًا. [5]

  • **طبق بيتري: هو طبق دائري شفاف ذو غطاء مسطح يستخدم لتربية الكائنات الحية الدقيقة.
  • *«التعبير الجيني-Genetic expression»: هي عملية اصطناع مواد في الخلية باستخدام المعلومات الموجودة في المورثات.

تختلف رائحة الأزهار في الفضاء

تنتج الأزهار مركبات عطرية مختلفة عند نموها في الفضاء؛ وبالتالي تصبح رائحتها مختلفة جدًا. يعود ذلك لتأثير الظروف البيئية كدرجة الحرارة والرطوبة في نوعية الزيوت العطرية التي تنتجها النبتة. وبما أن هذه الزيوت خفيفة؛ لا شك أنها تتأثر بجاذبية الفضاء كذلك. [6]

كما أنتجت الشكرة اليابانية «شيسيدو-Shiseido» عطرًا من “خارج هذا العالم” سمته «زين-Zen»، احتوى العطر على خلاصة مجموعة متنوعة من الورود تسمى «Overnight Scentsation» التي سافرت على متن المركبة الفضائية «ديسكفري-Discovery» عام 1998 قبل استخلاص الزيوت منها وتكرارها. [7]

حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/aURRwcsAnvmtfA93y7NCbd-970-80.jpg.webp

التعرق في الفضاء

كما في حالة اللهب والشمعة؛ لا يحدث انتقال حراري طبيعي في حالة انعدام الجاذبية، وبالتالي يحتفظ الجسم بحرارته، فيحاول جاهدًا التعرق لتبريد نفسه. وليصبح الأمر أسوأ؛ يتراكم العرق دون أن يتبخر أو ويسقط في قطرات! كل ذلك يجعل السفر بين النجوم رحلة رطبةً جدًا. [8]

مقلُ عيونٍ مهروسة

يؤدي انعدام الجاذبية لتغيرات في بنية عيون رواد الفضاء وتصبح رؤيتهم ضبابية. حيث تتسطح مؤخرة عيون بعد رواد الفضاء، بينما يعاني أخرون من تورم في أعصابهم البصرية. يحدث ذلك على الأرض بسبب ارتفاع ضغط السوائل في الرأس، ويكون الأمر مشابهًا في الفضاء. حيث ترتفع السوائل في الجسم في غياب الجاذبية التي تسحبها للأسفل، وبالتالي تزداد السوائل في الرأس ضاغطةً على العيون.

تسطح كرة العين
حقوق الصورة: https://cdn.mos.cms.futurecdn.net/9yjwDkKCP7Bwcseff7hqdk-970-80.jpg.webp

بينما يسبب تسطيح العيون رؤية ضبابية عند معظم الناس؛ إلا أنه قد يحسن الرؤية عن المصابين بقصر النظر، والتي تكون عيونهم متمددة بشكل مفرط. إلا أن تورم العصب البصري لن يفيد أحدًا، وقد يسبب العمى إذا لم يعالج بشكل مناسب. [9]

ربما يجب الأخذ بهذه التأثيرات قبل التخطيط لأي رحلة مستقبلية للمريخ وما وراءه؛ خاصةً ما يتعلق بمدة الرحلة. فلا أحد يريد عيونًا مهروسةً أو عمياء!

المصادر:

Phys [1]

[2] nasa_1

[3] nasa_2

[4] JSTOR

[5] nasa_3

[6] nasa_4

[7] nasa_5

[8] Space

[9] SCIELO

live science [10]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فضاء طب أحياء فيزياء

User Avatar

Mira Naffouj

طالبة ثانوية مهتمة بعلم الفلك والفيزياء الفلكية


عدد مقالات الكاتب : 34
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق