نظرية الرسوم البيانية

كتب الفيلسوف وعالم الرياضيات الشهير «جوتفريد دبليو لايبنيز-Gottfried W. Leibniz» رسالة بعثها إلى «كريستيان هويجنز-Christian Huygens» يقول فيها: “أنا لا أكتفي بالجبر، لأنه لا يقدم أقصى البراهين ولا أجمل التركيبات الهندسية. نحن بحاجة إلى نوع آخر من التحليل الهندسي أو الخطي يتعامل مباشرة مع الموضع، إذ يتعامل الجبر مع المقدار”.

كانت هندسة المواقع لـ لايبنيز -المعروفة اليوم باسم مجال الطوبولوجيا- بطيئة في التطور، ومن بعد ذلك أتى «ليونارد بول أويلر-Leonhard Paul Euler» بورقته البحثية التي مثلت نقطة البداية لنظرية الرسوم البيانية أو المخططات والطبولوجيا. كانت تلك الورقة تتحدث عن حل مشكلة جسور كونيجسبيرج الشهيرة وتُّعد تلك الورقة الأولى في تاريخ الرسوم البيانية.

لقد أنشأ أويلر الرسم البياني لمحاكاة مكان وحالة معينة وهي حل مشكلة كونيجسبيرج التي تُّعد واحدة من أصعب المشكلات. تطورت النظرية من ورقة أويلر وأصبحت نظرية قوية وعميقة ولها دور كبير في تطبيقات العلوم الفيزيائية والبيولوجية والاجتماعية. فنظرية الرسوم البيانية هي فرع من فروع الرياضيات تهتم بشبكات النقاط المتصلة بخطوط. وسنعرف معنى هذا التعريف بدقة في السطور التالية. لمعرفة مشكلة جسور كونيجسبيرج تفصيليًا؛ تابع ذلك المقال: مشكلة جسور كونيجسبرج.

معنى الرسم البياني

الرسم البياني هو زوج من المجموعات (V ، E)، حيث V هي مجموعة الرؤوس. E هي مجموعة الحواف التي تربط أزواج الرؤوس.

الرسم البياني

وجب علينا معرفة أنه يوجد أنواع مختلفة من الرسوم البيانية في الرياضيات والأحصاء. لتمثيل البيانات في شكل تصويري وأكثر تلك الأنواع شيوعًا هي الرسوم البيانية:

  • الإحصائية.
  • الأسية.
  • اللوغاريتمية.
  • المثلثية.
  • الرسم البياني لتوزيع التردد.

في وسعنا استخدام كل هذه الرسوم البيانية في أماكن مختلفة؛ لتمثيل مجموعة محددة من البيانات. لكن لا يُشير مصطلح الرسم البياني إلى مخططات البيانات مثل الرسوم الخطية أو الرسوم البيانية الشريطية. بل يُشير إلى مجموعة من الرؤوس (نقاط أو عقد) والحواف أو الخطوط التي تربط بين تلك الرؤوس.

رسوم بيانية أصعب من رسوم أويلر: الرسوم البيانية الهاميلتونية

المسار الهاميلتوني هو مسار في الرسم البياني غير الموجه أو الموجه الذي يزور كل رأس مرة واحدة بالضبط. إذ اخترع عالم الرياضيات الأيرلندي ويليام روان هاميلتون لغزًا (لعبة إيكوسيان) وقام ببيعه لاحقًا إلى شركة مصنعة للألعاب مقابل 25 جنيهًا إسترلينيًا. تضمن اللغز العثور على نوع خاص من المسار، يُعرف باسم دائرة هاميلتون.

جولة الفارس هي مثال آخر على مشكلة ترفيهية تتضمن حلبة هاميلتونية. كانت الرسوم البيانية الهاميلتونية أكثر صعوبة في التوصيف من الرسوم البيانية لأويلر، إذ أن الشروط الضرورية والكافية لوجود دائرة هاميلتونية في رسم بياني متصل لا تزال غير معروفة.

النظرية والطوبولوجيا

أدى الارتباط بين نظرية الرسم البياني والطوبولوجيا إلى حقل فرعي وهو «نظرية الرسم البياني الطوبولوجي». هناك مشكلة مهمة في هذا المجال تتعلق بالرسوم البيانية المستوية. هذه هي الرسوم البيانية التي يمكن رسمها كمخططات نقطية وخطية على مستوى (أو على نحو مكافئ كـ كرة) بدون أي حواف متقاطعة باستثناء الرؤوس حيث تلتقي.

الرسوم البيانية الكاملة التي تحتوي على أربعة رؤوس أو أقل تكون مستوية، لكن الرسوم البيانية الكاملة ذات الخمسة رؤوس أو أكثر ليست كذلك. لا يمكن رسم الرسوم البيانية غير المستوية على مستوى أو على سطح كرة بدون حواف تتقاطع مع بعضها البعض بين الرؤوس.

نما استخدام الرسوم البيانية للنقاط والخطوط؛ لتمثيل الرسوم البيانية في الواقع من الكيمياء في القرن التاسع عشر، إذ تشير الرؤوس ذات الحروف إلى الذرات الفردية والخطوط المتصلة التي تشير إلى الروابط الكيميائية، حيث كان للاستواء نتائج كيميائية مهمة. كان الاستخدام الأول في هذا السياق للرسم البياني إلى الإنجليزي جيمس سيلفستر في القرن التاسع عشر، وهو أحد علماء الرياضيات العديدين المهتمين بإحصاء أنواع خاصة من الرسوم البيانية التي تمثل الجزيئات.

بعض من تطبيقات النظرية

الكيمياء: نظرية الرسوم البيانية الكيميائي هي الفرع الطوبولوجي للكيمياء الرياضية الذي يُطبق النظرية على النمذجة الرياضية للظواهر الكيميائية.

الفيزياء: تستخدم نظرية الرسوم البيانية كذلك في دراسى الجزئيات، فمثلًا في فيزياء المادة المكثفة يمكننا دراسة البنية ثلاثية الأبعاد للهياكل الذرية المحاكاة المعقدة بشكل كمي من خلال جمع الإحصائيات حول الخصائص النظرية للرسم البياني المتعلقة بطوبولوجيا الذرات.

علم الطب والأحياء: تستخدم نظرية الرسوم البيانية في الأدوية وتحديد دور البروتينات أو الجينات ذات الوظيفة غير المحددة.

الهندسة الكهربائية: تُستخدم مفاهيم نظرية الرسوم البيانية على نطاق واسع في تصميم توصيلات الدوائر يتم تسمية أنواع الاتصالات أو تنظيمها على أنها طبولوجيا.

علوم الكمبيوتر: تستخدم نظرية الرسوم البيانية لدراسة الخوارزميات، مثل:«خوارزمية كروسكال-Kruskal’s Algorithm».«خوارزمية بريم-Prim’s Algorithm».«خوارزمية ديكسترا-Dijkstra’s Algorithm».

النظرية واللغويات: تستخدم شجرة تحليل اللغة وقواعد اللغة الرسوم البيانية.

كذلك يمكن تمثيل الطرق بين المدن باستخدام الرسوم البيانية. بأمكاننا استخدام تصوير المعلومات المرتبة الهرمية مثل شجرة العائلة كنوع خاص من الرسم البياني.

المصادر

مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة

مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة

حصد كل من المجري لازلو لوفاس والإسرائيلي آفي ويغدرسون على جائزة أبيل لعام 2021 في الرياضيات وكانت مساهمتهما متعلقة بنظرية الرسومات التي وضع فيها العالم ليونارد أويلر حجر الأساس وفي مقالنا هذا سنتعرف على مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة التي غيرت تاريخ الرياضيات.

يُعد «ليونارد أويلر-Leonhard Euler» عالم رياضيات وفيزيائي سويسري، وأحد مؤسسي الرياضيات البحتة، لم يقدم فقط مساهمات في موضوعات الهندسة وحساب التفاضل والتكامل والميكانيكا ونظرية الأعداد بل طور أيضًا طرقًا لحل المشكلات في علم الفلك الرصدي وقدم تطبيقات في التكنولوجيا وله الدور الرئيس في تبسيط مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة.

مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة، إنها لغز رياضي نشأ في مدينة كونيجسبيرج الروسية القديمة (كالينينجراد، روسيا حاليًا) وأدت تلك المشكلة إلى تطوير فروع الرياضيات المعروفة باسم الطوبولوجيا ونظرية الرسومات. لذا دعنا عزيزي القارئ قبل أن نتعرف على مشكلة جسور كونيجسبيرج السبعة أن نأخذ نبذة عن كل من الطوبولوجيا ونظرية الرسومات.

ما هي الطوبولوجيا؟

تدرس الطوبولوجيا خصائص المساحات الثابتة التي تخضع لتشوه وسُميت بذلك لأن الأشياء يمكن أن تتمدد وتتقلص مثل المطاط. لكن لا يمكننا كسرها فمثلًا يمكن أن يتحول المربع إلى دائرة وبهذا نقول أن المربع مكافئ طوبولوجيًا للدائرة. تُعتبر فرعًا جديدًا نسبيًا من الرياضيات، إذ أن معظم الأبحاث في الطوبولوجيا منذ عام 1900.

فيما يلي بعض فروع الطوبولوجيا

الطوبولوجيا

  • العامة أو طوبولوجيا النقاط.
  • الاندماجية وهو أقدم فرع من فروع الطوبولوجيا.
  • الجبرية.

نظرية الرسومات

نظرية الرسومات هي فرع من فروع الرياضيات يهتم بشبكات النقاط المتصلة بخطوط وكان موضوع نظرية الرسومات بدأ في مسائل الرياضيات الترفيهية. لكنه سرعان ما تتطور وأصبح مجالًا مهمًا للبحث الرياضي وارتبط بتطبيقات في الكيمياء والعلوم الاجتماعية وعلوم الكمبيوتر.

يمكننا إرجاع تاريخ نظرية الرسومات تحديدًا لعام 1735، عندما قام عالم الرياضيات السويسري أويلر بتبسيط مشكلة جسور كونيجسبيرج.

ما حكاية مشكلة جسر كونيجسبيرج؟

في أوائل القرن الثامن عشر، كان مواطنو كونيجسبيرج يسيرون على الترتيب المعقد للجسور عبر مياه نهر بريجيل، إذ احتوى نهر بريجيل على جزيرتين. ربُطت الجزر والجزئين من البر الرئيسي بسبعة جسور.

مشكلة جسور كونيجسبيرج

لكن تبادر سؤال في أذهان المواطنين ألا وهو.. ألا يمكن أن يتجول المرء في المدينة بطريقة يعبر فيها كل جسر مرة واحدة فقط!

أويلر يغير مستقبل الرياضيات!

وصلت تلك المشكلة لعالم الرياضيات السويسري ليونارد أويلر في عام 1735. إذ بسطها إلى شبكة من النقاط تمثل الجزر، والجسور تمثل خطوطًا وأثبت أن ما يريده المواطنون مستحيل. لأن كل نقطة أو كتلة أرضية بها عدد فردي من الجسور متصل بها. أي أنه لابد أن يكون عدد الجسور زوجيًا إذا أردنا السير فوق كل جسر مرة واحدة فقط.

استغرق الأمر ما يقرب من 150 عامًا قبل أن يتخيل علماء الرياضيات مشكلة جسر كونيجسبيرج كرسم بياني. يتكون من عقد (رؤوس) تمثل كتل اليابسة والأقواس (الحواف) التي تمثل الجسور. تحدد درجة رأس الرسم البياني عدد الحواف الواقعة عليه، وفي نظرية الرسومات الحديثة، يجتاز مسار أويلر كل حافة من حواف الرسم البياني مرة واحدة فقط. بالتالي، فإن تأكيد أويلر على أن الرسم البياني الذي يمتلك مثل هذا المسار يحتوي على أكثر من رأسين من الدرجة الفردية كان أول نظرية في نظرية الرسومات.

تبسيط مشكلة جسور كونيجسبيرج

وصف أويلر عمله بأنه «هندسة المواقع-Geometria situs». أدى عمله في هذه المشكلة وبعض أعماله اللاحقة مباشرة إلى الأفكار الأساسية للطوبولوجيا التوافقية، والتي أشار إليها علماء الرياضيات في القرن التاسع عشر باسم تحليل المواقع. تعد نظرية الرسومات والطوبولوجيا مجالات رئيسية للبحث الرياضي.

ترتبط تواريخ نظرية الرسومات والطوبولوجيا ارتباطًا وثيقًا، ويتشارك المجالان في العديد من المشكلات والتقنيات الشائعة.

المصادر

Exit mobile version