النعجة دوللي والاستنساخ في ميزان العلم والأخلاق

يعرف الاستنساخ بأنه عملية إنشاء نسخة متطابقة وراثيًا من خلية كائن حي. غالبًا، يحدث الاستنساخ في الطبيعة حين تنسخ الخلية نفسها دون أي تغيير جيني. إذ تصنع الكائنات بدائية النواة (الكائنات الحية التي تفتقر إلى نواة الخلية)، مثل البكتيريا، نسخًا متطابقة وراثيًا من نفسها باستخدام الانشطار الثنائي أو التبرعم. فالكائنات حقيقية النواة (الكائنات التي تمتلك نواة للخلية) مثل خلايا البشر، تخضع جميع خلاياها للانقسام الخيطي، كخلايا الجلد والخلايا المبطنة للجهاز الهضمي. لكنّ هناك استثناءا واحدا هو الأمشاج أو الخلايا التناسلية كالبويضات والحيوانات المنوية، والتي تخضع للانقسام الاختزالي.

ما هو تعريف الاستنساخ في الطب الحيوي؟

في الطبي الحيوي، يُعرّف الاستنساخ على نطاق واسع؛ بأنه تكرار أي نوع من المواد البيولوجية من أجل الدراسة العلمية، كاستنساخ قطعة من DNA. على سبيل المثال، يتم نسخ أجزاء من الحمض النووي أضعافًا مضاعفة من خلال عملية تعرف بالبلمرة، أو PCR. والبلمرة هي تقنية تستخدم على نطاق واسع في البحوث البيولوجية الأساسية وتحدث بسبب صغر حجم العينات من أجل مضاعفتها لتستخدم في التحاليل المختلفة. لكنّ قضية الاستنساخ التي هي محور الكثير من الجدل الأخلاقي محصورة فقط في توليد أجنة مستنسخة، لا سيما تلك الخاصة بالبشر. تتطابق تلك الأجنة وراثيًا مع الكائنات الحية الأبوية التي اشتقت منها. وتستخدم لاحقًا في البحث عن علاج أو لأغراض الإنجاب.

الاستنساخ التناسلي

 هو طريقة تستخدم لعمل نسخة متطابقة كاملة من كائن حي متعدد الخلايا. وتخضع معظم الكائنات متعددة الخلايا للتكاثر بالوسائل الجنسية، والتي تتضمن اتحاد الحمض النووي لفردين (الوالدين)، مما يجعل إنتاج نسخة متطابقة أو استنساخ أيٍّ من الوالدين أمرًا مستحيلًا في الطبيعة. ولكن سمحت التطورات الحديثة في التقنيات الحيوية باستنساخ الثدييات في المختبر بعد أن كان خيالًا علميًا في أفلام هوليوود.

يتضمن التكاثر الجنسي الطبيعي اتحاد الحيوانات المنوية والبويضة أثناء الإخصاب. حيث كل الأمشاج أحادية العدد من الكروموسومات، أي أنها تحتوي على مجموعة واحدة من الكروموسومات، 23 كروموسوم، في نواتها. وتتكون الخلية الناتجة عن الإخصاب_ أو الزيجوت_ ثنائية الصبغة أي تحتوي على مجموعتين من الكروموسومات، 46 كروموسوم وهو عدد كروموسومات الإنسان. ثم تنقسم الخلية البويضة المخصبة لإنتاج كائن متعدد الخلايا.

هناك مكونات ضرورية في سيتوبلازم خلية البويضة للنمو المبكر للجنين خلال الانقسامات الخلوية القليلة الأولى. وبدون هذه المكونات لن يستمر نمو الجنين. لذا، يلزم لإنتاج فرد جديد وجود مكمل جيني ثنائي الصبغة وسيتوبلازم يحتوي على تلك المكونات. وبناءًا على ما يحدث طبيعيًا، يمكننا شرح الاستنساخ الصناعي. حيث ينتج فرد مستنسخ صناعيًا عبر أخذ خلية بويضة لأحد الأفراد (متبرع أول)، ثم إزالة نواتها أحادية العدد. ثم يتم وضع نواة ثنائية الصبغيات، أي كاملة الكروموسومات، من خلية جسم الفرد الثاني (متبرع ثان) في خلية البويضة. ثم يتم تحفيز البويضة للانقسام حتى يستمر النمو. قد يبدو الشرح بسيطًا، ولكنه يتطلب في الواقع عدة محاولات قبل إكمال كل خطوة بنجاح. [١]

أمثلة على الاستنساخ

كانت دوللي أول حيوان زراعي مستنسخ، وهي شاة ولدت عام 1996. وكان معدل نجاح الاستنساخ لأغراض التكاثر في ذلك الوقت منخفضًا للغاية. عاشت دوللي لمدة 6 سنوات وتوفيت بسبب ورم في الرئة. واعتقد البعض أن سبب وفاتها هو الحمض النووي للخلية المتبرع بها الذي جاء من فرد أكبر سنًا. أي أن عمر الحمض النووي ربما قد أثّر على متوسط عمرها المتوقع. ومنذ دوللي، تم استنساخ العديد من أنواع الحيوانات كالخيول والثيران والماعز بنجاح.

حاول بعض العلماء إنتاج أجنة بشرية مستنسخة كمصدر للخلايا الجذعية الجنينية. وفي هذا الإجراء، يتم إدخال الحمض النووي من إنسان بالغ في خلية بويضة بشرية، ويتم تحفيزها بعد ذلك للانقسام والنمو إلى جنين. وتشبه هذه التقنيةُ التقنيةَ التي تم استخدامها لإنتاج دوللي نظريًا.

الاستنساخ العلاجي

يهدف الاستنساخ العلاجي إلى استخدام الأجنة المستنسخة لغرض استخراج الخلايا الجذعية منها، دون زرع الأجنة في الرحم. إن زراعة خلايا جذعية متطابقة وراثيًا مع المريض لهو حل مثالي لزراعة أعضاء ناجحة لا يرفضها جسد المريض. ويمكن تحفيز الخلايا الجذعية على التمايز إلى أكثر من 200 نوع من الخلايا في جسم الإنسان. كما يمكن بعد ذلك زرع الخلايا المتمايزة في المريض لاستبدال الخلايا المريضة أو التالفة دون التعرض لخطر الرفض من قبل الجهاز المناعي . وقد تستخدم هذه الخلايا لعلاج مجموعة متنوعة من الحالات، بما في ذلك مرض ألزهايمر ومرض باركنسون، الشلل الرعاش، وداء السكري والسكتة الدماغية وإصابة الحبل الشوكي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الخلايا الجذعية في الدراسات المختبرية لدراسة نمو الجنين الطبيعي وغير الطبيعي أو لاختبار الأدوية لمعرفة ما إذا كانت سامة أو تسبب تشوهات خلقية بدلًا من اختبارها على بشر حقيقيين غير مستنسخين. [٢]

الجدل الأخلاقي حول الاستنساخ

لا يزال الاستنساخ البشري التناسلي مدان عالميًا، وذلك، في المقام الأول، بسبب المخاطر النفسية والاجتماعية والفسيولوجية المرتبطة بالاستنساخ. يتطلب الجنين المستنسخ المخصص للزرع في الرحم اختبارًا جزيئيًا شاملاً لتحديد ما إذا كان يتمتع بصحة جيدة، وما إذا كانت عملية الاستنساخ قد اكتملت. كما لا يمكن ضمان الحمل، إذ يوجد ما يزيد على 100 محاولة فاشلة لتوليد نسخ أجنة بشرية في عام 2007 فقط. ليس رقمًا كبيرًا لكنه نظرًا لقلة المقبلين على الاستنساخ له اعتباره. كما ترتفع المخاطر المرتبطة بالاستنساخ التناسلي لدى البشر، حيث توجد احتمالية عالية لفقدان الأرواح، لذلك وصفها البعض بأنها عملية غير أخلاقية. كما أثيرت قضايا فلسفية أخرى، فيما يتعلق بطبيعة التكاثر والهوية البشرية التي قد ينتهكها الاستنساخ لأغراض التكاثر.

المخاوف بشأن تحسين النسل

كان تحسين النسل مفهومًا شائعًا في الأدبيات سابقًا، ويقصد به أن الجنس البشري يمكن تحسينه من خلال اختيار الأفراد الذين يمتلكون الصفات المرغوبة. وجاء الاستنساخ بأحلام لإنتاج بشر “أفضل”، وهو ما ينتهك مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة.

ويعترض بعض الأفراد والجماعات على الاستنساخ العلاجي، لأنه يعتبر تصنيعًا وتدميرًا لحياة المستنسخ، على الرغم من أن تلك الحياة لم تتطور بعد المرحلة الجنينية. ويعتقد أولئك الذين يعارضون الاستنساخ العلاجي أن هذه التقنية تدعم وتشجع على قبول فكرة أن الحياة البشرية يمكن منحها وسلبها لأي غرض نفعي. بينما يعتقد أولئك الذين يدعمون الاستنساخ العلاجي أن هناك واجبًا أخلاقيًا لعلاج المرضى والسعي لمزيد من المعرفة العلمية. يعتقد العديد من هؤلاء المؤيدين أنه لا ينبغي السماح بالاستنساخ العلاجي والبحثي فحسب، بل يجب أيضًا تمويله في القطاع العام، على الأنواع الأخرى من الأمراض والأبحاث العلاجية. ويجادل معظم المؤيدين أيضًا بأن الأجنة المستنسخة تتطلب اعتبارًا أخلاقيًا خاصًا، وتنظيمًا وإشرافًا من قبل وكالات التمويل. بالإضافة إلى ذلك، فمن المهم للعديد من الفلاسفة وصانعي السياسات ألا يتم استغلال النساء والأزواج لغرض الحصول على أجنة أو بويضات لأي أغراض دون موافقتهم.

ما هي القوانين الدولية المنظمة للاستنساخ؟

هناك قوانين واتفاقيات دولية تحاول دعم مبادئ وأنظمة أخلاقية معينة تتعلق بالاستنساخ. ففي عام 2005، أصدرت الأمم المتحدة إعلانًا غير ملزم بشأن استنساخ البشر يدعو الدول الأعضاء إلى:

“اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحظر جميع أشكال الاستنساخ البشري، بقدر ما تتعارض مع كرامة الإنسان وحماية الحياة البشرية”.

نص بيان الأمم المتحدة 2005

كما أصدرت المملكة المتحدة، من خلال هيئة الإخصاب البشري وعلم الأجنة، تراخيص لإنشاء خلايا جذعية جنينية بشرية من خلال النقل النووي. تضمن هذه التراخيص استنساخ الأجنة البشرية لأغراض علاجية وبحثية مشروعة تهدف إلى الحصول على المعرفة العلمية حول المرض والتنمية البشرية. وتتطلب التراخيص تدمير الأجنة بحلول اليوم ال14 من النمو،  لأن هذا هو الوقت الذي تبدأ فيه الأجنة في تطوير الخط البدائي، وهو أول مؤشر للجهاز العصبي للكائن الحي. [٣] وبعد ما سردناه، هل أنت من المؤيد أم المعارضين ولماذا؟ يمكنك كتابة رأيك في التعليقات.

المصادر

  1. cloning – Reproductive cloning | Britannica
  2. Cloning humans is technically possible. It’s curious no one has tried – STAT (statnews.com)
  3. Therapeutic cloning – Cell division – AQA – GCSE Biology (Single Science) Revision – AQA – BBC Bitesize

لم قد يفوز تكيف الخلايا مع الأكسجين بـ جائزة نوبل الطب 2019 ؟

تكيف الخلايا مع الأكسجين يفوز بـ جائزة نوبل الطب 2019

بفضل العمل الرائد لهؤلاء الحائزين على جائزة نوبل، تعرفت البشرية على كيفية تنظيم مستويات الأكسجين المختلفة للعمليات الفسيولوجية الأساسية، فاستحق تكيف الخلايا مع الأكسجين أن يفوز بـ جائزة نوبل الطب 2019، ولكن ماذا حدث بالضبط؟ وما دور هؤلاء العلماء في الاكتشاف في نوبل الطب 2019 ؟ وما أهميته حقًا؟ سنتعرف في هذا المقال على آلية تكيف الخلايا مع تغير مستويات الأكسجين ونجيب على كل ما سبق من أسئلة تدور في بال متابعينا.

جائزة نوبل الطب 2019:

جاءت الاكتشافات الجوهرية التي قام بها الحاصلون على جائزة نوبل لعام 2019 عن واحدة من أهم آليات العمليات الأساسية في الحياة، فقد وضعوا حجر الأساس لفهمنا لكيفية تأثير مستويات الأكسجين على عملية الأيض الخلوية والوظيفة الفسيولوجية. أيضًا مهدت اكتشافاتهم الطريق لاستراتيجيات جديدة واعدة لمكافحة العديد من الأمراض مثل فقر الدم والسرطان وغيرهم.

تبدأ قصة هذا الاكتشاف بالعنصر الهام والمعروف والأساسي للحياة على الأرض، وهو الأكسجين. يشكل الأكسجين O2، حوالي خمس الغلاف الجوي للأرض، وهو ضروري للحياة؛ إذ يتم استخدامه بواسطة الميتوكوندريا الموجودة في جميع الخلايا الحية تقريبًا من أجل تحويل الغذاء إلى طاقة مفيدة. كل هذا معروف لكل طالب في المرحلة الابتدائية. إذن فما الجديد؟ وما الذي يستدعي منح جائزة كنوبل لهؤلاء العلماء؟

فوز ويليام جي كلين، غريغ سيمينزا، بيتر راتكليف بجائزة نوبل 2019 في الطب

قصة تكيف الخلايا مع الأكسجين و جائزة نوبل الطب 2019 تبدأ من 1931:

للقصة بداية قديمة، إذ كشف الباحث “أوتو واربرج”، الحائز على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب عام 1931، أن هذا التحويل (يقصد به تحويل الغذاء إلى طاقة مفيدة) هو عبارة عن عملية إنزيمية، ولاحقًا تم الكشف عن آليات تضمن توفير كمية كافية من الأكسجين للأنسجة والخلايا.

الاستجابة الفسيولوجية الأساسية لنقص الأكسجة تتمثل في ارتفاع مستويات هرمون EPO «الإريثروبويتين-Erythropoietin»، مما يؤدي إلى زيادة إنتاج خلايا الدم الحمراء (الكريات الحمر). من هنا، ظهرت أهمية السيطرة الهرمونية على الكريات الحمر والتي عُرفت بالفعل في بداية القرن العشرين، ولكن بقاء هذه العملية نفسها تحت سيطرة الأكسجين بقيت لغزًا سنكشفه لك عبر مقالنا.

كيف يتم تنظيم جين EPO؟

باستخدام الفئران المعدلة وراثيًا، عرض «جريج سيمينزا-Greg Semenza» قطع الـ DNA محددة تقع بجانب جين EPO تتجاوب مع نقص الأكسجين، فدرس «بيتر راتكليف» أيضًا التنظيم المعتمد على الأكسجين لجين EPO، ووجدت كلتا المجموعتين البحثيتين أن آلية استشعار الأكسجين كانت موجودة في جميع الأنسجة تقريبًا، وليس فقط في خلايا الكلى التي يتم فيها إنتاج EPO بشكل طبيعي. كانت هذه نتائج مهمة وتُبين أن الآلية كانت عامة ووظيفية في العديد من أنواع الخلايا المختلفة.

في خلايا الكبد المزروعة، اكتشف العالم سيمنزا مركب هام وهو مركّب بروتيني يرتبط بجزئ الحمض النووي بطريقة تعتمد على الأكسجين، ودعي هذا المركب باسم الـ(HIF) أو «العوامل المحفّزة لنقص الأكسجين-Hypoxia-inducible factors».

كيف مهدت أعمال العالم سيمينزا الطريق؟

بدأ سيمينزا جهود مكثفة في تنقية مُركّب الـ HIF لمعرفة ماهيته، وفي عام 1995، تمكن من نشر بعض النتائج الرئيسية، بما في ذلك تحديد الجينات التي ترمز بروتين الـ HIF. وتم معرفة مكونات بروتين الـ HIF بنجاح، فعرفنا أنه يتكون من بروتينين مختلفين مرتبطين بالحمض النووي، تمت تسميتهم بعوامل النسخ (HIF-1α و ARNT).

أمكن للباحثين حينئذ البدء في حل اللغز، فقد فتحت أعمال سيمنزا الباب لفهم المكونات الإضافية المشاركة، وكيف تعمل الآلية. فقد لاحظ الباحثون أن ارتفاع مستويات الأكسجين، يصحبه نقص في محتويات الخلايا من الـ HIF-1α، وأن انخفاض مستويات الأكسجين، يصحبها ارتفاع في كمية الـ HIF-1α بحيث يمكن ربطهما سويًا بشكل عكسي، وبالتالي يمكن ربطهما بتنظيم جين الـ EPO والجينات الأخرى الملازمة لقطع المادة الوراثية الخاصة بالـ HIF. ثم أظهرت عدة مجموعات بحثية أن «HIF-1α» -والذي عادة ما يتحلل ويتكسّر بسرعة- محمي من التحلل والتكسير مع نقص الأكسجة، وهو أمر غريب!

إذن فكيف يتحلل بروتين الـ «HIF-1α» وتقل نسبته عند ارتفاع مستويات الأكسجين في الخلية؟

هنا قصة أخرى لا تقل في روعتها عن قصة سيمنزا وراتكليف، إذ اكتشف الثلاثي Aaron Ciechanover وAvram Hershko وIrwin Rose آلية تُعرف باسم ال Proteasome وحصلوا عن كشفهم هذا جائزة نوبل عام 2004 في الكيمياء، وتعمل تلك الآلية على تكسير بروتين الـ «HIF-1α»، عند مستويات الأكسجين الطبيعية والمرتفعة، إذ يتم إضافة ببتيد صغير يُدعى اليوبيكويتين، إلى بروتين HIF-1α، ويعمل اليوبيكويتين كعلامة وإشارة للبروتينات الموجهة لتكسير وتحليل بروتين الـ«HIF-1α». ولكن تظل كيفية ارتباط اليوبيكويتين بـ HIF-1α بطريقة تعتمد على الأكسجين مسألة مركزية وغامضة لكنها مؤكدة!

إذن، فما قصة الباحث ويليام كيلين؟ ولماذا حصل على نوبل معهم؟

في نفس الوقت الذي كان سيمينزا وراتكليف يكشفان عملية تنظيم جين الـ EPO، عكف باحث السرطان ويليام كيلين جونيور على كشف أسرار حالة وراثية غريبة، تُعرف باسم (VHL) «فون هيبل لينداو-Von Hippel Lindau»، وهي حالة مرضيّة تؤدي لزيادة كبيرة في خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان في العائلات التي تحمل طفرات الـ VHL الموروثة.

هل هناك علاقة تربط بين VHL وHIF-α1؟

اكتشف كايلين أن جين VHL ينتج بروتينًا يمنع ظهور السرطان، ووجد أيضًا أن الخلايا السرطانية التي تفتقر إلى جين الـ VHL الوظيفي السليم، تعبر -بشكل غير طبيعي- عن مستويات عالية من الجينات المنظمة لنقص الأكسجة؛ ولكن عندما أعيد إدخال جين الـ VHL في الخلايا السرطانية، استعادت المستويات الطبيعية. كان هذا دليلًا مهمًا يوضح أن جين الـ VHL متورطًا بطريقة ما في التحكم في الاستجابة لنقص الأكسجة.

إذن فما دور العالم راتكليف؟

أظهرت أدلة إضافية من عدة مجموعات بحثية أن جين الـ VHL هو جزء من مجموعة معقّدة من البروتينات التي تعمل مثل اليوبيكويتين، فتكسر وتحلل الHIF-α1، إلى أن استفاد راتكليف من أعمال كايلين وقام هو ومجموعته البحثية بعد ذلك باكتشاف رئيسي يثبت أن VHL يمكن أن يتفاعل مع HIF-1α لتكسيره وتحليله في مستويات الأكسجين الطبيعية. وهو ما ربط بين الـ VHL وHIF-α1 بشكل قاطع. وبالرغم من كشف الكثير من قطع اللعبة، إلا أنه ما زال ينقصنا فهم كيفية تنظيم مستويات الأكسجين للتفاعل بين VHL و HIF-1α حتى ذلك الوقت!

ركز البحث على جزء معين من بروتين HIF-1α المعروف بأهميته في التحلل المعتمد على جين الـ VHL، وقد اشتبه كل من كايلين وراتكليف في أن مفتاح استشعار الأكسجين يتواجد في مكان ما في هذا البروتين.

هل تم حل اللغز؟

في عام 2001، نشر العالمين في وقت واحد بحثين علميين يقولان بأنه يتم إضافة مجموعات الهيدروكسيل في موقعين محددين في الـ HIF-1α في ظل مستويات الأكسجين الطبيعية. يسمح هذا التعديل للبروتين -والذي يسمى «prolyl hydroxylation»- للـ VHL بالتعرف على الـ HIF-1α والارتباط به، وهو ما كشف عن دور الهيدروكسيل في التحفيز الجيني لبروتين الـ HIF-1α وبالتالي تم تفسير كيفية تحكم مستويات الأكسجين الطبيعية في التحلل السريع لـ HIF-1α بمساعدة إنزيمات حساسة للأكسجين (البروليل هيدروكسيليز)، ليُحل اللغز!

تحكم الأكسجين في عملية التحلل لبروتين الـ HIF-1a

ما أهمية الاكتشاف في حياتنا؟

إن جهاز المناعة لدينا يتم ضبطه هو والعديد من الوظائف الفسيولوجية الأخرى بواسطة استشعار خلايانا للأكسجين. فقد ثبت أن استشعار الأكسجين ضروري أثناء نمو الجنين للسيطرة على تكوين الأوعية الدموية الطبيعية وتطور المشيمة. وتشمل الأمثلة الأخرى للعمليات التكيفية التي يتحكم فيها استشعار الأكسجين في توليد أوعية دموية جديدة وإنتاج خلايا الدم الحمراء.

إن استشعار الأكسجين أمر أساسي لعدد كبير من الأمراض، على سبيل المثال، المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي المزمن غالبا ما يعانون من فقر الدم الحاد بسبب انخفاض تعبير الـ EPO، إذ ينتج الـ EPO بواسطة خلايا في الكلى وهو ضروري للسيطرة على تكوين خلايا الدم الحمراء.

هل للآليات المنظمة للأكسجين دور في السرطان؟

في الأورام، يتم استخدام الآلية المنظمة للأكسجين لتحفيز تكوين الأوعية الدموية وإعادة تشكيل الأيض من أجل الانتشار الفعال للخلايا السرطانية، وتركز الجهود المستمرة والمكثفة في المختبرات الأكاديمية وشركات الأدوية على تطوير عقاقير يمكنها أن تتداخل مع حالات مرضية مختلفة إما عن طريق تنشيط أو تثبيط آلية استشعار الأكسجين. من يعلم، فقد يحمل الكشف علاج نهائي لمرض طالما حلمنا بالقضاء عليه.

تقديم: آلاء السطام

مراجعة علمية: عبدالله طه

المصادر:

بيان موقع جائزة نوبل الصحفي

Semenza, G.L, Nejfelt, M.K., Chi, S.M. & Antonarakis, S.E. (1991). Hypoxia-inducible nuclear
factors bind to an enhancer element located 3’ to the human erythropoietin gene. Proc Natl
Acad Sci USA, 88, 5680-5684

Wang, G.L., Jiang, B.-H., Rue, E.A. & Semenza, G.L. (1995). Hypoxia-inducible factor 1 is a
basic-helix-loop-helix-PAS heterodimer regulated by cellular O2 tension. Proc Natl Acad Sci
USA, 92, 5510-5514

Maxwell, P.H., Wiesener, M.S., Chang, G.-W., Clifford, S.C., Vaux, E.C., Cockman, M.E.,
Wykoff, C.C., Pugh, C.W., Maher, E.R. & Ratcliffe, P.J. (1999). The tumour suppressor
protein VHL targets hypoxia-inducible factors for oxygen-dependent proteolysis. Nature, 399,
271-275

Mircea, I., Kondo, K., Yang, H., Kim, W., Valiando, J., Ohh, M., Salic, A., Asara, J.M., Lane,
W.S. & Kaelin Jr., W.G. (2001) HIFa targeted for VHL-mediated destruction by proline
hydroxylation: Implications for O2 sensing. Science, 292, 464-468

Jakkola, P., Mole, D.R., Tian, Y.-M., Wilson, M.I., Gielbert, J., Gaskell, S.J., von Kriegsheim,
A., Heberstreit, H.F., Mukherji, M., Schofield, C.J., Maxwell, P.H., Pugh, C.W. & Ratcliffe,
P.J. (2001). Targeting of HIF-a to the von Hippel-Lindau ubiquitylation complex by O2-
regulated prolyl hydroxylation. Science, 292, 468-472

 

Exit mobile version