ما هي أمراض المناعة الذاتية وكيف تحدث؟

يُصاب الإنسان يوميًا بعدد كبير من الميكروبات وتتكون خلايا سرطانية جديدة، ولكن جهاز المناعة يقضي عليها. هذا جزء طبيعي من عمل الجهاز المناعي البشري، فالأجسام الغريبة التي يتعرض لها هي شاغله الأول. لكن ماذا لو تعامل الجهاز المناعي مع خلايا وأنسجة الجسم على أنها أجسام ضارة يجب القضاء عليها؟ هذا ما يحدث في أمراض المناعة الذاتية! حيث يدمر جهاز المناعة الخلايا البشرية السليمة، مما يؤدى إلى ظهور أمراض خطيرة كالسكري والروماتيزم والثعلبة وغيرها.

مم يتكون الجهاز المناعي؟

ينقسم جهاز المناعة إلى جزأين. جزء يُسمى المناعة غير المتخصصة «innate immunity»، وهي لا تختص بميكروب معين، فهي تحمي أجسادنا من أي جسم غريب يدخل إليه. وتتكون من بعض الخلايا مثل الخلايا البلعمية «phagocytes» والخلايا القاتلة «natural killer cells». والجزء الآخر يُسمى المناعة المتخصصة أو المكتسبة «adaptive immunity»، والتي تتكون من الخلايا التائية «T-cell»، والخلايا البائية «B-cell». إذن لدينا فريقين من المناعة ويحتوي كل منهما على لاعبين أساسيين.

يعمل جهاز المناعة بتناغم بين هذين الفريقين. حيث تقوم الخلايا البائية بإنتاج الأجسام المضادة «antibody» عند التعرف على جسم غريب «antigen» على سطح الكائن المسبب للعدوى. وتستطيع الأجسام المضادة أن ترتبط بالجسم الغريب، فتمنع ارتباط الميكروب بالمستقبل الخاص به على الخلايا البشرية. وعندما يسيطر الميكروب على خلايا الجسم، يقوم بإظهار الجسم الغريب «antigen»، فتتعرف الخلايا التائية على الخلية المصابة وتدمرها. كما يمكنها استدعاء الخلايا البلعمية الأكولة من الفريق الأول للقضاء على الخلايا المصابة نهائياً. [1]،[2] لكن أن تتجه تلك الآليات المناعية لخلايا الجسم ذاته فيصبح عدو نفسه، فذلك هو المرض المناعي الذاتي.

تصنيف أمراض المناعة الذاتية

تقسم أمراض المناعة الذاتية حسب الجزء المستهدف من الجسد. ففي بعض الأمراض تستهدف الأجسام المضادة عضوًا واحدًا فقط في الجسم. كما يحدث في مرض السكري من النوع الأول، حيث تدمر الأجسام المضادة الذاتية «autoantibodies» الأنسولين الذي يخرج من البنكرياس. ويتسبب ذلك في زيادة إفراز هرمون الثيروكسين، عبر خروج أجسام مضادة ذاتية ترتبط بالمستقبل الخاص بالهرمون المحفز للغدة الدرقية وهي حالة تُعرف بـ «مرض جريفس أو الدُّرَاق الجُحُوظِيّ -Grave’s disease». إما أن تستهدف الأجسام المضادة عدة خلايا وأعضاء بالجسم كما في حالة الذئبة الحمراء. [3]

كيف تحدث أمراض المناعة الذاتية؟

يصعب تحديد السبب الأول الذي أدى إلى ظهور المرض، لأن الأعراض تظهر على المريض في حالة متقدمة. إلا أن بعض الأبحاث أظهرت بعض التغييرات المحتملة داخل الجسم التي مثل:

1. الخلايا المستفعلة ودور المايسترو في فريق المناعة

حدوث خلل في وظيفة الخلايا التائية المُنظمة «Tregs». وهي مجموعة من الخلايا التائية المساعدة التي تستجيب للمثيرات التي تحفز الاستجابة المناعية، وتعرف الخلايا التي تستجيب للمحفزات باسم «خلايا مستفعلة-effector cells». فعندما يحدث نقص في عدد الخلايا المُنظمة، أو يتواجد عدد كبير منها بخلل في وظيفته، أو لا تستجيب الخلايا المستفعلة لتأثير الخلايا المُنظمة، مما قد يؤدى إلى ظهور أمراض المناعة الذاتية.

تثبط الخلايا المُنظمة الاستجابة المناعية بعد الانتهاء من القضاء على الجسم الغريب. يحدث ذلك التنظيم عبر عدة خطوات ومنها منع انقسام الخلايا التائية، وإيقاف خروج السيتوكينات «cytokines» المنشطة للخلايا المناعية. تساهم عملية التنظيم تلك في حماية الجسم من النشاط المناعي الزائد غير المرغوب، وبالتالي تقي الجسم من الإصابة بأمراض المناعة الذاتية.

2. الأجسام الغريبة الذاتية ورقصة التنانين المناعية

عندما يحدث تغيير في الأجسام الغريبة التي تنتجها الأجسام المضادة، فيما يُعرف بـ «جسم غريب ذاتي-self-antigen». ويعتبرها جهاز المناعة جسمًا غريبًا حقيقيًا وليس جزء من عملية التعرف على الميكروبات الخارجية، بل ينظر إليها كميكروب في ذاتها، فيبدأ بمهاجمة الخلايا وتفعيل الاستجابة المناعية ضد خلايا الجسم.

قد تكون الأجسام الغريبة الذاتية بروتينات، أو جزء من الحمض النووي، أو أنزيمات أو غيرها. وفي الوضع الطبيعي، تتواجد في جسد الإنسان السليم دون ضرر، بسبب تجاهل خلايا المناعة لها، أو موت الخلايا المناعية التي تستهدفها. ولكن عند المريض بمشاكل المناعة الذاتية، يبدأ الجسم بالمهاجمة باعتبارها جسمًا غريبًا فعليًا وليس جزءًا منه. وقد ينتج هذا الهجوم عن خلل في الجهاز المناعي أو تغيير في تركيب الأجسام الغريبة الذاتية.

على غرار مسلسل صراع العروش الشهير، تشتعل الأمور داخل الجسم كما تشتعل بين الممالك السبعة في المسلسل. إذ يحدث تدهور لحالة المريض عندما لا يستطيع جسمه التخلص من الأجسام الغريبة الذاتية. ويزيد ظهور أجسام غريبة ناتجة عن تدمير الأنسجة الحالة سوءًا، وهو الأمر الذي يشعل الأوضاع عبر مزيد من الاستجابة المناعية الذاتية للقضاء على كل تلك الأجسام الغريبة. كما تتسبب الاستجابة المناعية في وجود بيئة غنية بالخلايا المناعية والسيتوكينات التي تضاعف من الالتهاب.

فترات التعافي

قد يحدث في بعض الأمراض المناعية فترات من التعافي بعد حدوث الالتهابات، حيث يهدأ جهاز المناعة ويحدث إعادة توازن مرة أخرى بين الخلايا المستفعلة والخلايا المُنظمة وقد أوضح العلماء عدة أسباب لهذا الأمر.

1. أوضحت التجارب التي تمت على الحيوانات حدوث إعادة تنشيط للخلايا المُنظمة لكي تتحكم في الالتهاب المنتشر. حيث تنتج بعض الخلايا التائية المُستفعلة نوع من السيتوكينات يُسمى «انترلوكين 2» في المرحلة الأولى، وتقوم بتنشيط بعض الخلايا المُنظمة التي تتحكم في الالتهاب فيما بعد. وقد يحدث مشكلة في تنظيم هذه الخلايا المنظمة وإنتاجها ما يؤدى إلى غياب فترات التعافي.

2. يحدث تنشيط لبعض المُستقبلات المُثبطة الموجودة على سطح الخلايا التائية، والتي تثبط الاستجابة المناعية. لهذا، تستهدف بعض العلاجات تنشيط هذا النوع من المستقبلات لكى نحصل على أطول فترات تعافى ممكنة. [4][5]

عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بأمراض المناعة الذاتية

عوامل بيئية

1. الغذاء. ويعد تناول الكثير من الدهون أحد عوامل الخطر، حيث يؤدى إلى السمنة. ويسبب تراكم الدهون في الجسم إلى ظهور حالة من الالتهاب بشكل عام في الجسد؛ لأن الدهون تعمل على خروج محفزات الالتهاب «inflammatory mediators»، وإفراز هرمون يُسمى لبيتن «leptin». ويقوم هرمون لبتين بتنشيط عملية البلعمة، وانقسام الخلايا التائية، وتثبيط الخلايا المنظمة. لذلك يضر الهرمون أولئك المصابين بالمناعة الذاتية.

2. الإصابة بالعدوى سواء كانت بكتيرية أو فيروسية أو غيرها. حيث يتواجد في بعض أجزاء الكائن الغريب تراكيب تشبه مكونات الجسم، وعندما تهاجم خلايا المناعة الجسم الغريب تقوم بمهاجمة التراكيب المشابهة في الجسم. مهاجمة خلايا شبيهة بتراكيب الجسم يخلق لدى الخلايا المناعية ذاكرة مناعية مضادة لخلايا الجسم البشري ذاته، بالتالي تتحول إلى مهاجمته أيضًا.

عوامل جينية

قد تنتج العوامل الجينية عن طفرات، أو وراثة من مصابين، وغالباً تحدث نتيجة حدوث خلل في عدة جينات وليس جين واحد فقط. وكان أول جين أكتشف وله علاقة بهذه الأمراض هو جين «Human leukocyte antigen -HLA» المسئول عن عرض الجسم الغريب للخلايا المناعية لكي يتم التعرف عليها ومهاجمتها. [6]،[7]،[8]

ولأن هناك عددًا كبيرًا من الإصابات بمثل هذه الأمراض، ولأنها ذات تأثير كبير على نمط حياة المصاب، تبذل جهود كبيرة لتوفير علاجات وطرق تشخيصية لتمييزها والقضاء عليها. وسنتناول في عدد من المقالات تلك الجهود للتوعية بأمراض المناعة الذاتية.

المصادر

  1. How does the immune system work? – InformedHealth.org – NCBI Bookshelf (nih.gov)
  2. The Adaptive Immune System – Molecular Biology of the Cell – NCBI Bookshelf (nih.gov)
  3. Autoimmune responses are directed against self antigens – Immunobiology – NCBI Bookshelf (nih.gov)
  4. Mechanisms of human autoimmunity – PMC (nih.gov)
  5. Self antigens | SpringerLink
  6. Environmental factors in autoimmune diseases and their role in multiple sclerosis – PMC (nih.gov)
  7. The role of infections in autoimmune disease – PMC (nih.gov)
  8. Cracking the genetic code of autoimmune disease (nature.com)

ما هي البكتيريا وكيف تنتقل؟

تُعتبر البكتيريا من أكثر الكائنات الدقيقة انتشارًا في البيئة من حولنا، فهي تمتلك القدرة على التكيف والعيش في الماء والتربة والطعام مما يُمكنها من الانتقال للإنسان بسهولة. وتختلف البكتيريا عن باقي الكائنات أولية النواة في أن الكثير منها يعيش بداخل أجسامنا دون أن يسبب أي مرض، بل وينفع الجسم. في الحقيقة، عدد قليل منها يسبب المرض. ولأن الكثير من هذه الأمراض تكون مُعدية فهي ذات تأثير كبير على الصحة العامة. لذا، دعونا نعرف المزيد عنها وكيف تنتقل؟

مم تتكون البكتيريا؟

تتكون من خلية واحدة محاطة بجدار خلوي، وغشاء خلوي، «السيتوبلازم-cytoplasm»، وبداخله «المادة الوراثية -DNA» ولكن في شكل دائري. بعض أنواعها تتكون من مكونات أخرى تجعلها أكثر قوة [1] مثل «الأهداب أو الأسواط- flagella» و«زوائد-pilli».

تصنيف البكتيريا

نظرًا لأن عدد البكتيريا هائل، اضطر العلماء إلى تصنيفها تبعًا لأُسس وخصائص معينة. وهناك خصائص عدة للتصنيف.

  1. الخصائص الشكلية مثل (شكل البكتيريا، وتوزيع الأهداب بها، والكبسولة المحيطة بها، والقدرة على الحركة).
  2. خصائص تتعلق بظروف النمو مثل (احتياج البكتيريا لوجود الأوكسجين، ودرجة حرارة معينة، ومغذيات معينة في وسط النمو، ودرجة «الأس الهيدروجيني-pH»، ومدى مقاومتها لبعض أنواع المضادات الحيوية). إذ تحتاج بعض أنواعها إلى الأوكسجين بشكل كامل، بينما تنمو أنواع أخري فقط في غيابه، وبعضها لا يتعلق نموه بوجود أو غياب الأوكسجين من الأساس، والبعض الآخر ينمو في وسط به قدر ضئيل من الأوكسجين.
  3. حسب نتيجة الاختبارات الكيميائية الحيوية، تستخدم بعض الاختبارات للكشف عن مجموعات كثيرة من البكتيريا، مثل تفاعل الكشف عن استخدام البكتريا لبعض أنواع الكربوهيدرات والمعروف بالتخمير. وكذلك يمكن الكشف عن وجود إنزيمات تقوم بتكسير الأحماض الأمينية. وتوجد اختبارات أخرى خاصة بعائلة واحدة أو نوع واحد فقط من البكتيريا، مثل التفاعل الذي يكشف عن قدرتها على إحداث تجلط. [2]

عوامل تؤدى إلى احتمالية الإصابة بالعدوى البكتيرية

سنأخذ بعين الاعتبار عدة أشياء، أولها أن البكتيريا تتكاثر بالانشطار الثنائي، مما يجعل دخول عدد قليل منها إلى الجسم قادر على الانتشار بسرعة كبيرة. كما تتسبب طريقة دخولها إلى الجسم في زيادة في احتمالية الإصابة، فعلى سبيل المثال تدخل بعض أنواع البكتيريا عن طريق الطعام الملوث أوعن طريق الدم.

ولأن للبكتيريا القدرة على الطفر، أي تغيير مادتها الوراثية بطفرات عشوائية، بشكل مستمر يظهر ما يُعرف طبيًا بـ«عوامل الشراسة -virulence factors». ولكن من الأفضل أن ندرس تأثير تلك العوامل بجانب الحالة الصحية لآليات الدفاع لدى الإنسان. ونقصد بهذه الآليات “المناعة”، سواء المناعة المتخصصة أو غير المتخصصة، وأكثر الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة هم الأطفال، وكبار السن، ومن يتناولون مثبطات مناعية، ومن خضعوا لعمليات زراعة أعضاء، والمصابون بمرض الإيدز، وكذلك مرضى السرطان.

أما بالنسبة لعوامل الشراسة فهي لها دور أساسي في مهاجمة الإنسان، واختراق خلاياه بسهولة. وتساهم تلك العوامل في تطور المرض بشكل كبير، ومنها أشكال عدة مثل:

  1. الزوائد، وهي تساعد على ثبات البكتيريا على سطح الخلية وتكوين مستعمرة على سطحها.
  2. الكبسولة، وهي غلاف خارج يحمى البكتيريا من الخلايا المناعية «الأكولة-macrophages» والتي تمارس عملية «البلعمة-phagocytosis»، أي التهام البكتيريا.
  3. «السموم الخارجية-exotoxin»، وهي مجموعة من البروتينات السامة التي تفرزها بعض خلايا البكتيريا. ويمكن لتلك السموم تدمير خلايا الإنسان، ومنها ما يستهدف الأعصاب ويُعرف بالسم العصبي.
  4. «السموم الداخلية-endotoxin»، وهي تراكيب تُوجد على سطح الخلايا، يمكنها أن تغير من ضغط الدم. كما تسبب ارتفاع درجة حرارة الجسم، وتؤدي إلى حدوث التهاب. [3]

كيف تنتقل البكتيرية العدوى من شخص لآخر؟

رصد العلماء عدة طرق لانتقال البكتيريا منها:

  • الاتصال المباشر، ويقصد بها ملامسة المريض، عن طريق السلام باليد مثلًا.
  • الرذاذ الذي يخرج من المريض عند العطس مثلا وتكون أنت بالقرب منه فتُصيبك بعض هذه القطرات. وهذه الحالة تسمى انتقال الرذاذ. ولكن عندما تُحمل هذه القطرات على ذرات الهواء وتنتشر في المكان، ثم يستنشقها إنسان آخر هذا ما يسمى «محمولة جوًا-airborne ».
  • الطعام أو الشراب الملوث بالبكتيريا، ويُسمى ب«الانتقال البرازي الفموي-fecal oral transmission».
  • قد يكون هناك «وسيط أو ناقل-vector»، وغالبًا ما يكون من «المفصليات-arthropods» مثل الخنافس. وتقوم الخنافس، أو الوسيط، هنا بأخذ وجبة من دماء أحد المصابين، ثم تنقل المرض إلى شخص أخر. [1]

طرق الوقاية من العدوى البكتيرية

  1. القضاء على مصدر العدوى. إذا كان ناقل العدوى نوع معين من الحشرات يجب إبادته، وإن كان الطعام أو الشراب ملوث فيجب الاهتمام بتعقيم مياه الشرب والري، وتجنب الملوث منها.
  2. معالجة المرضى حتى نقلل من انتشار العدوى.
  3. الحفاظ على نظافة اليد واستخدام معقم.
  4. بعض العدوى تحتاج إلى عزل المريض، وقد يكون العزل في المنزل أو المستشفى على حسب شدة المرض.
  5. الوقاية باستخدام المضادات الحيوية، وهي ذات نفع كبير لحماية الأشخاص المتصلين مباشرة بالمريض. ولكن استخدامها ليس بكفاءة استخدام الأمصال “vaccines”.

كل ما سبق يوضح لنا أهمية البكتيريا وخطورتها. كما أنها في تواصلها مع بعضها البعض تكوّن ما يشبه المجتمعات البشرية فتشعر ببعضها البعض وتتجاوب مع متغيرات بيئتها. كل ذلك جعلها سلاح ذو حدين، فمنها الفائدة للجسم فيما يعرف باسم البكتيريا النافعة، ومنها الخطورة عليه. لذا، قدمنا لكم هذا المقال عملنا بمقولة، اعرف عدوك، وصديقك أيضًا.

المصادر:

1- Bacterial Infections: Overview – PMC (nih.gov)

2- pubmed

3- pubmed

Exit mobile version