هناك صراع بين الانسان والآلة منذ بداية الثورة الصناعية في جوانب عديدة، أهمها الجانب العقلي. أحد معايير هذا الجانب لدى البشر هو الشطرنج، ومنذ بداية اللعبة والبشر في تقدم هائل تنافسيًا وفكريًا. ولكن مهما تقدمنا فكريًا -كبشر- فلن نتمكن من الشطرنج واحتمالاته، فالشطرنج به عدد هائل من الاحتمالات والنقلات التي تفوق البشر فكريًا، فهناك 10123 احتمال في دور الشطرنج المكون من 80 نقلة [1]. فهل ستتمكن الآلة من حصر كل هذه الاحتمالات؟ وما قصة الشطرنج بين الإنسان والآلة؟
محتويات المقال :
تاريخ الآلة مع الشطرنج
البداية الأولى
بدأ الأمر في القرن التاسع عشر، تحديدًا 1890، عندما قام العالم الاسباني، ليوناردو توريس كيوفادو، باختراع جهاز بسيط مكون من سلك ومفتاح ودائرة كهربية. كان هذا الجهاز قادرًا على إعطاء “كش مات” في مرحلة نهاية الدور المكونة من ملك ضد ملك وقلعة. لم يلعب الجهاز أفضل النقلات، بل إنه كان يحتاج إلا أن يلعب حوالي 50 نقلة ليصل إلى مستوى اللاعب المتوسط.
على الرغم من إمكانيات الجهاز المتواضعة، إلا أنه استطاع أن يكشف الحركات غير القانونية في اللعبة، مثل تحريك القلعة على الوتر، وكان يعطي “كش مات” في نهايات بسيطة معينة. ليوناردو اكتشف أن الجهاز ليس له هدف عملي، ولا يستطيع تكوين خطة بسيطة، ولكنه آمن بقدرات الآلة على التحسن.
استمر الأمر كما هو عليه حتى الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1947، قام آلان تورينج بتطوير جهاز إلكتروني بسيط في جامعة مانشستر. كان للجهاز القدرة على التنبؤ بالنقلة القادمة وتحليلها. وفي عام 1951، أي بعد تورينج بأربع سنوات، قام زميل له يدعى “دي. جي بينز” بكتابة برنامج له القدرة على حل موقف شطرنجي يتطلب “كش مات” في نقلتين، ولكنه لا يلعب الشطرنج. [2]
القفزة الأولى للآلة
في عام 1948، قام عالم أمريكي يدعى “كلود شانون” بنشر ورقة علمية استرعت الكثير من الانتباه. كان شانون، مثل تورينج وليوناردو توريس، يعرف قدرات الآلة وما يمكنها فعله. وكان يعلم انه لكي تتمكن الآلة من صنع الفارق في الشطرنج، فعليها أن تقوم ببعض الحسابات التعجيزية للبشر. لاعب الشطرنج المحترف له القدرة على حساب 50 نقلة على الأكثر قبل اختياره لنقلة معينة، أما الآلة فيجب أن تقطع شوطًا أكبر من هذا بكثير. ففي موقف شطرنجي طبيعي، قد يتاح للاعب أن يختار نقلة من 30 نقلة قانونية، وبما أن لكل نقلة رد معين، فيجب أن تدرس الآلة كل هذه الردود لتصل للمستوى المطلوب، هذا يعني 900 نقلة، وإذا أرادت الآلة إيجاد رد مناسب للرد الذي سيلعبه الخصم، فيجب أن تدرس 30 نقلة أخرى (بافتراض أن ذلك عدد النقلات الذي سيتاح)، هذا يعني 30*30*30 = 27000 نقلة!
كان تقييم كلود للآلة يختلف عن تقييم تورينج. تورينج رأى أن الأمر يعتمد على كثرة القطع بعد وضع شطرنجي معين، أما كلود فرأى أن الأمر لا يعتمد على القطع، بل على معايير أخرى، مثل سيطرة البيادق على الرقعة، ووضع القطع السليم وتناسقها مع بعضها البعض. [2]
الانسان ضد الحاسوب
أما عن أول مواجهة بين الانسان والحاسوب، فكانت في ستينيات القرن الماضي، عندما اخترع طالب في جامعة MIT، الحاسوب “ماك هات6” وشارك به في بطولة تابعة للاتحاد الأمريكي للشطرنج في فبراير، عام 1967. خسر الحاسوب في أربع مباريات، ولكنه تعادل في واحدة. الأمر المخيف هو تطور ذلك الحاسوب بسرعة ملحوظة، حيث كان تقييم الحاسوب في شهر فبراير حوالي (1200) ولكن بعدها بشهرين أصبح تقيمه (1600) تقريبًا، وهذا تقييم لاعب متوسط في الاتحاد السوفيتي. [2]
القفزة الثانية للآلة (الحاسوب)
عام 1970، طور فريق من الباحثين (تشيس 3)، والذي فاز بالبطولة التي نُظمت في نيويورك بين الآلة. كانت حواسيب الستينات لها القدرة على تقييم المواقف التي تعتمد على حركتين قادمتين، أما في السبعينات فكان الأمر مختلفًا، حيث تنبأ الباحثون أنه بدراسة نصف نقلة فقط، سيزيد تقييم الآلة إلى 250 نقطة. تطور الأمر عندما ظهر الحاسوب Deep thought، والذي لعب بتقييم 2700، وهو تقييم الأساتذة الكبار في الشطرنج. النقلة النوعية كانت بظهور Deep Blue، وهو حاسوب طورته شركة IBM، ظهر عام 1996، وكان النسخة المطورة من Deep thought، ليس هذا فحسب، Deep Blue، استطاع أن يحسب ويحلل 6 نقلات مسبقًا! جاري كاسباروف، وهو أفضل لاعب في التاريخ من وجهة نظر الكثيرين، قال إنه يستطيع أن يحسب فقط من ثلاث إلى 5 نقلات ويحللها مسبقًا. [2]
الشطرنج بين الإنسان والآلة: كاسباروف ضد ديب بلو
10 فبراير 1996، هو تاريخ هزيمة بطل العالم “جاري كاسباروف” وأقوى لاعب في التاريخ -وقتها- أمام حاسوب IBM “ديب بلو”. [3]
لعب كاسباروف مباراتان أمام ديب بلو، كل مباراة مكونة من 6 أدوار. المباراة الأولى كانت عام 1996، وفي الواقع، فاز كاسباروف على الآلة في هذه المباراة. [4]
الأغلبية العظمى من جمهور الشطرنج لا يعرفون هذه المعلومة، ولكن الحقيقة أن كاسباروف بالفعل هزم ديب بلو في المباراة الأولى عام 1996، بنتيجة 3-1 لكاسباروف. [4]
أما في المباراة الثانية فاز ديب بلو وهذه المباراة هي التي نالت نصيب الأسد، وهذا دليل على شيئين، الأول هو قوة كاسباروف كلاعب شطرنج، فلو كان عاديًا لما فاز في المباراة الأولى ولم يكن ليحظ بكل هذا الاهتمام. الشيء الثاني وهو الأهم: الآلة قادمة! [4]
ليس بالضرورة أن الآلة تفوقت على البشر، وبالحديث عن الشطرنج بين الإنسان والآلة، نجد أنه حتى في ظل الذكاء الاصطناعي الموجود حاليًا، والحواسيب الشطرنجية الخارقة مثل ألفا زيرو (ذكاء اصطناعي)، وستوك فيش، وكومودو، وغيرهم. بالطبع تتفوق الآلة في بعض الجوانب مثل انعدام المشاعر، ولكن هل هذه ميزة أم عيب؟ الأمر نسبي. على الجانب الآخر، نحن البشر نملك زمام الأمور، على الأقل حاليًا، وكما قال كاسباروف “لماذا يجب أن نقارن بين الآلة والانسان؟ بالعكس، يجب أن نعمل معًا” [5].
المصادر
- Scientific American
- Britannica
- The Washington Post
- Kasparov
- Garry Kasparov Ted Talk
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :